الرئيسيةعريقبحث

الكساد الكبير

أزمة اقتصادية عالمية حدثت في أوائل القرن العشرين

☰ جدول المحتويات


أم (32 عام)، نازحة مع أطفالها السبعة في كاليفورنيا عام 1936

الكساد الكبير أو الانهيار الكبير (بالإنجليزية Great Depression) هي أزمة اقتصادية حدثت في عام 1929م ومروراً بعقد الثلاثينيات وبداية عقد الأربعينيات، وتعتبر أكبر وأشهر الأزمات الاقتصادية في القرن العشرين، وقد بدأت الأزمة بأمريكا ويقول المؤرخون أنها بدأت مع انهيار سوق الأسهم الأمريكية في 29 أكتوبر 1929 والمسمى بالثلاثاء الأسود.[1]

وكان تأثير الأزمة مدمراً على كل الدول تقريباً الفقيرة منها والغنية، وانخفضت التجارة العالمية ما بين النصف والثلثين، كما أنخفض متوسط الدخل الفردي وعائدات الضرائب والأسعار والأرباح.

أكثر المتأثرين بالأزمة هي المدن وخاصة المعتمدة على الصناعات الثقيلة كما توقفت أعمال البناء تقريباً في معظم الدول، كما تأثر المزارعون بهبوط أسعار المحاصيل بحوالي 60% من قيمتها.

ولقد كانت المناطق المعتمدة على قطاع الصناعات الأساسية كالزراعة والتعدين وقطع الأشجار هي الأكثر تضرراً وذلك لنقص الطلب على المواد الأولية بالإضافة إلى عدم وجود فرص عمل بديلة، وأدت إلى توقف المصانع عن الإنتاج, وتشردت عائلات بكاملها وصارت تنام في أكواخ من الكرتون وتبحث عن قوتها في مخازن الأوساخ والقمامة، وقد سجلت دائرة الصحة في نيويورك أن أكثر من خُمس عدد الأطفال يعاني من سوء التغذية.

وكانت أمريكا قد بدأت بازدهار اقتصادي في عقد العشرينات ثم ركود أعقبه الانهيار الكبير عام 1929م، ومن ثم عودة الكساد عام 1932م. وبعد انهيار مصفق وول ستريت كان مايزال التفاؤل سائداً وقال رجل الصناعة الشهير جون روكفيلير:"خلال هذه الأيام يوجد الكثير من المتشائمين ولكن خلال حياتي التي امتدت لثلاثة وتسعين عاماً كانت الأزمات تأتي وتذهب ولكن يجب أن يأتي الازدهار بعدها دائماً".

بدأت الأزمة في الزوال في كل الدول في أوقات مختلفة وقد أعدّت الدول برامج مختلفة للنهوض من الأزمة وكانت قد تسببت الأزمة في اضطرابات سياسية دفعتها لتكون إما من دول اليمين أو اليسار ودفعت أيضاً المواطنين اليائسين إلى الديماجوجية - ومن أشهرهم أدولف هتلر - وكانت هذه من أسباب اندلاع الحرب العالمية الثانية

كانت الأزمة قد بدأت مع انهيار مفاجئ وكامل للبورصة ومع أن الأسهم في ابريل 1930 بدأت في التعافي والرجوع لمستويات بدايات عام 1929 إلا أنها ظلت بعيدة عن مستويات شهر سبتمبر 1929 بحوالي 30% ومع أن الإنفاق الحكومي زاد خلال النصف الأول لعام 1930 إلا أن إنفاق المستهلكين قل بنسبة 10% وذلك بسبب الخسائر الفادحة بسوق الأسهم بالإضافة إلى موسم جفاف شديد عصف بالأراضي الزراعية الأمريكية في بداية موسم الصيف لعام 1930 وعرف بموسم قصعة الغبار.

وفي بدايات عام 1930 كان الأئتمان وفيراً وبمعدل فائدة قليل إلا أن الناس كانت محجمة عن إضافة ديون أخرى بالاستدانة، وفي مايو 1930 كانت مبيعات السيارات قد انخفضت لمستويات منتصف 1928، وبدأت الأسعار في التراجع إلا أن الرواتب ظلت ثابتة ولكنها لم تصمد طويلاً وانخفضت بمنتصف عام 1931، أما المناطق الزراعية فكانت الأكثر تضرراً بهبوط أسعار السلع عامة ومن ناحية أخرى كانت الأزمة في مناطق التعدين ومناطق قطع الأخشاب بسبب البطالة وعدم وجود فرص عمل بديلة. كان انكماش الاقتصاد الأمريكي هو العامل في انكماش اقتصاديات الدول الأخرى وفي محاولات محمومة طبقت بعض الدول سياسات وقائية فبدأت الحكومة الأمريكية عام 1930 بفرض تعرفات جمركية على أكثر من 20,000 صنف مستورد وعرفت باسم تعريفة سموت هاولي وردت بعض الدول بفرض تعرفات انتقامية مما زاد من تفاقم انهيار التجارة العالمية وفي نهاية عام 1930 واصل الانهيار بمعدل ثابت إلى أن وصل إلى القاع في شهر مارس 1933.

الأسباب

تجمع حول أحد المصارف الأمريكية في بداية الأزمة

نتج الكساد عن عجز الدولة في زيادة السيولة المالية بالسوق لمواكبة الطلب المتزايد، بالإضافة لعدم مواكبة الدولة للحاجة الماسة لتخفيض الضرائب الذي كان من شأنهِ أن يحمي السوق من انهيار معدلات الاستثمار، بالتالي انخفضت السيولة المالية في السوق وحدث الكساد.

يعود حدوث الأزمات الاقتصادية في الدول الرأسمالية إلى أن النظام الحر يرفض أن تتدخل الدولة للحد من نشاط الأفراد في الميدان الاقتصادي فأصحاب رؤوس الأموال أحرار في كيفية استثمار أموالهم وأصحاب الأعمال أحرار فيما ينتجون كماً ونوعاً. وهذا ما يمكن أن نسميه فقدان المراقبة والتوجيه. وتستتبع الحرية الاقتصادية حرية المنافسة بين منتجي النوع الواحد من السلع. كما أن إدخال الآلة في العملية الاقتصادية من شأنهِ أن يضاعف الإنتاج ويقلل من الحاجة إلى الأيدي العاملة. وبالتالي فإن فائض الإنتاج يحتاج إلى أسواق للتصريف. وعندما تختل العلاقة بين العرض والطلب في ظل انعدام الرقابة تحدث فوضى اقتصادية تكون نتيجتها الحتمية أزمة داخل الدولة الرأسمالية.

ومن أسباب الأزمة في الولايات المتحدة الأمريكية عدم استقرار الوضع الاقتصادي وسياسة كثافة الإنتاج لتغطية حاجات الأسواق العالمية خلال الحرب العالمية الأولى بسبب توقف المصانع في بعض الدول الأوروبية بعد تحولها إلى الإنتاج الحربي وعودة الكثير من الدول إلى الإنتاج بعد انتهاء الحرب والاستغناء عن البضائع الأمريكية. لهذه الأسباب تكدست البضائع في الولايات المتحدة وتراكمت الديون وأفلس الكثير من المعامل والمصانع وسرح العمال وانتشرت البطالة وضعفت القوة الشرائية وتفاقمت حينها المشاكل الاجتماعية والأخلاقية.

إضافة إلى ذلك أثار تلكؤ الدول الأوروبية في تسديد الديون المتوجبة عليها للولايات المتحدة الأمريكية كثيراً من التكهنات عند المواطن الأمريكي، ففقد المستثمرون الأمريكيون والأجانب الثقة في الخزينة الأمريكية. وانعكس ذلك على بورصة وول ستريت إذ أقدم المساهمون في الشركات الكبرى على طرح أسهمها للبيع بكثافة. وأدى ذلك إلى هبوط أسعار الأسهم بشكل حاد وجر مزيداً من الإفلاس والتسريح والبطالة.

المعالجة

بدأ الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة في عام 1933 مع سياسة العهد الجديد التي وضعها الرئيس فرانكلين روزفلت، حيث نصت سياسة العهد الجديد على وضع حلول للأزمة المصرفية عام 1933 وإعادة فتح المصارف السليمة، وإصدار القوانين عامي 1933 و1935 التي تمنع المصارف من التعامل بالأسهم والسندات. وكذلك إنشاء مؤسسات لرعاية ضحايا الأزمة الاقتصادية من العاطلين عن العمل، بالإضافة إلى إصدار قوانين تحقق الاستقرار في قطاع الزراعة وإصدار قانون الإصلاح الصناعي عام 1933، وتصحيح استخدام الأوراق المالية من خلال إنشاء لجنة تبادل الأوراق المالية عام 1934م.

اقتضى البدء بمعالجة الأزمة توافر السيولة المالية لتحريك السوق ولتأمين السيولة لذلك وجب سحب الودائع الأمريكية من المصارف العالمية وخصوصا الأوروبية. هذا الإجراء أسهم في انفراج الأوضاع الاقتصادية الأمريكية إلى حد ما ولكنه أسهم في تدويل الأزمة فانتقلت إلى سائر الدول الرأسمالية في العالم وخصوصاً بريطانيا وفرنسا وألمانيا وتبنى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت سياسة اقتصادية جديدة تقوم على الدخول في مشاريع كبرى بهدف تشغيل أكبر عدد ممكن من العمال لحل مشكلة البطالة وتم لأجل ذلك إنشاء مكاتب التوظيف والتوسع في المشاريع الإنمائية والاجتماعية.

لقد ركزت حملة الانتخــابات الرئاسيـة لسنة 1932 على الأسباب والحلـول الممكنة للخروج من الكساد الكبير. وكان هربرت هوفر، الرئيس الأمريكي الجمهوري في ذلك الوقت سيء الحظ حيث حدثت كارثة الكساد الكبير بعد دخوله البيت الأبيض بحوالي ثمانية أشهر فقط، أما فرانكلين روزفلت المرشح الديموقراطي للبيت الأبيض فقد هاجم الجمهوريين بشدة، وذكر ان هذه الكارثة حدثت بسبب سياسات الجمهوريين خلال العشرينات. وبعد أن اسفرت الانتخابات الرئاسية عن فوز ساحق لروزفلت الديموقراطي على هربرت هوفر الجمهورى، وبذلك استعدت الولايات المتحدة للدخول في مرحلة جديدة من التغيير السياسي والاقتصادي.

وفي عام 1933 أعلن الرئيس الجديد روزفلت، عن برنامجهِ الاقتصادي المعروف باسم The New Deal، ومما أثار دهشة المحللين والمراقبين هو السرعة التي نفذت فيها خطة الـ New Deal، والتي عادة تستغرق اجيالاً لتطبيقها. وعندما استلم السلطة كان النظام المصرفى والائتماني في حالة شلل تام، وكانت المصارف مغلقة، فأمر روزفلت بفتح المصارف التي لم تتعرض للإفلاس بشكل تدريجي، واعتمدت الحكومة سياسة معتدلة تجاه تضخم العملة، وتوفير الإغاثة لبعض المدينين، في حين وفرت الحكومة تسهيلات ائتمانية سخية إلى الصناع والمزارعين، وسنت أنظمة مشددة على بيع الأوراق المالية في البورصات.

وقد توجهت أول خطوات الإصلاح الاقتصادي نحو العاطلين عن العمل من خلال تشريع سَنَهٌ مجلس الكونغرس وتضمن ايصال المساعدة للشباب العاطلين عن العمل الذين تقع اعمارهم بين 18 و25 سنة، ولقد سمى هذا المشروع بـ Works Progress Administration أو الـ WPA ويهدف المشروع إلى توجيه تلك القوى العاطلة تجاه العمل في المشروعات الحكومية الخاصة بالبنية التحتية وتشييد المبانى والطرق، وقد اشترك حوالى 2 مليون شاب بهذا البرنامج الذي عمل بهِ في شهر نوفمبر من عام 1933 ووقف عن العمل في عام 1934م.

النتائج

مسيرة سلمية للعمال المسرحين في مدينة تورونتو الكندية

تركت الأزمة الاقتصادية الكبرى تأثيراً كبيراً في الأنظمة الرأسمالية فقد تحول النظام الاقتصادي الرأسمالي الحر إلى اقتصاد موجه وخضعت بعض القطاعات الحيوية كشركة إنتاج الفحم الإنجليزية وشركة المترو الفرنسية لنظام التأميم. كما تدخلت الدولة لتوجيه الصناعيين والمزارعين والمستثمرين وتوعيتهم.

وأسهمت الأزمة في وصول الأنظمة الدكتاتورية إلى السلطة في بعض البلدان كالنازية في ألمانيا. وأغلقت أسواق كثيرة في وجه التجارة العالمية وتوقف التبادل التجاري واتبعت دول كثيرة سياسة الاكتفاء الذاتي مثل النظامين الفاشي في إيطاليا والنازي في ألمانيا.

كما أن انهماك الكثير من الدول في معالجة أزماتها الاقتصادية جعلها تغفل عن خطورة ما يجري على الصعيد العالمي من انتهاك لقرارات المنظمة الدولية وعودة إلى مبدأ التسلح وخرق المعاهدات الدولية ولقد قوت الأزمة بطريقة غير مباشرة النظام الشيوعي الذي لم يتأثر بها بغض النظر عن أزماته الداخلية.

هكذا كانت الأزمة الاقتصادية الكبرى نتيجة من نتائج الحرب العالمية الأولى وسبباً من أسباب قيام الحرب العالمية الثانية.

مقالات ذات صلة

المصادر

  1. الكساد العظيم (1929 - 1939) - موقع بابونج - تصفح: نسخة محفوظة 2020-05-01 على موقع واي باك مشين.

موسوعات ذات صلة :