التنطع اتفق شرع الرب تعالى وقدره على أن خيار الأمور أوساطها وأن دينه بين الغالي والجافي، وكما أن الجفاء مذموم؛ كذلك الغلو والتنطع سواء في القول والفعل.
مفهوم التنطع
للتنطع معاني متعددة عند علماء اللغة والشريعة ويكون غالبا في تكلف الفصاحة والتشدق بالكلام، أو التكلف في أمر لايبلغه عقله ولايعنيه، أو ترك الرفق والمبالغة على ماشرعه الله.
قال أبو السَّعادات: هم المُتعمِّقُون المُغالون في الكلام، المتكلمون بأقصى حلوقهم؛ مأخوذ من النِّطَع وهو الغار الأعلى من الفم، ثم استعمل في كل من تعمق قولًا وفعلًا.[1].
وقال الخطابي: المُتَنطِّع: المتعمق في الشيء، المُتكلِّفُ البحث عنه على مذاهب أهل الكلام، الداخلين فيمالايعنيهم، الخائضين فيما لاتبلغه عقولهم[2].
وفي فيض القدير[3]: هم الغالون في عبادتهم بحيث تخرج عن قوانين الشريعة، ويسترسل مع الشيطان في الوسوسة. وكل هذه الأقوال صحيحة، فإن المتكلفين من أهل الكلام مُتنَّطعون، والمُتقعِّرون في الكلام ومخارج الحروف مُتنطِّعون، والغالون في عبادتهم مُتنطِّعون، وبالجملة فالتنطع: التَّعمُّق في كل قول أو فعل كما قال أبوالسعادات[4].
التنطع في الشريعة الإسلامية
جاء عند البخاري [5] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة)). وفي رواية[6]: ((القصد القصد تبلغوا)).
نقل الحافظ في الفتح[7] عن ابن المنير عند شرحه لحديث البخاري: في هذا الحديث علم من أعلام النبوة، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع. أي يعجز عن العبادة. قال الحافظ [7]]: وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة، فإنه من الأمور المحمودة، بل المقصود منع الإفراط المؤدي إلى الْمَلال أو المبالغة.
نقل ابن بطال في شرح البخاري[8] عن الطبري قوله: وفي أمره عليه الصلاة والسلام بالتيسير في ذلك معان أحدهما: الأمان من الْمَلال. والثانية: الأمان من مخالصة العجب قلب صاحبه حتى يرى كأن له فضلاً على من قصر عن مثل فعله فيهلك.
من أمثلة التنطع
بحسب اعتقاد علماء أهل السنة والجماعة فإنهم يرون من أمثلة التطع تعظيم الصالحين إلى الحد الذي يفضي إلى الشرك[9]، والامتناع عن المباح مطلقا، كالذي يمتنع من أكل اللحم والخبز، ومن لبس الكتان والقطن، ولايلبس إلا الصوف، ويمتنع من نكاح النساء، ويظن أن هذا من الزهد المستحب[10]. وكالإكثار من التفريع على مسألة لا أصل لها في الكتاب ولا السنة ولا الإجماع وهي نادرة الوقوع جدا[11].
حكم التنطع
ذكر جمع من أهل العلم كابن القيم في كتابه الصلاة[12]، والنووي في رياض الصالحين[13]. أن التعمق والتطع منهي عنه، وأنه مخالفة لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن يكره التقعر في الكلام وتكلف الفصاحة، ومن أدلتهم على ذلك: مارواه مسلم في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((هلك المتنطعون)) قالها ثلاثا[14]. قال رسول الله هذه الكلمة ثلاث مرات، مبالغة في التحذير والتعليم[15].
ويحتمل معنى الهلاك في الحديث أمران[16]:
- أن المراد هلاك الدين، وعليه يكون الهلاك مباشرة من الغلو؛ لأن مجرد الغلو هلاك.
- أنه هلاك الأجسام، وعليه يكون الغلو سببا للهلاك؛ أي إذا غلوا خرجوا عن طاعة الله فأهلكهم الله.
روابط خارجية
المصادر
- النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 5/74.
- معالم السنن للخطابي 4/300.
- فيض القدير لمحمد المناوي 6/355.
- تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد لسليمان بن عبدالله 1/266.
- صحيح البخاري برقم 39.
- صحيح البخاري برقم 6463.
- فتح الباري لابن حجر 1/94.
- شرح صحيح البخاري لابن بطال 9/302.
- الملخص في شرح كتاب التوحيد للفوزان 1/167.
- فتح المجيد شرح كتاب لعبدالرحمن بن حسن1/228.
- فتح الباري لابن حجر13/267.
- الصلاة وأحكام تاركها لابن القيم الجوزية ص228.
- رياض الصالحين للنووي ص393.
- أخرجه مسلم برقم 2670.
- تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد لسليمان بن عبدالله ص266.
- القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح العثيمين 1/373 دار ابن الجوزي ط الأولى 1434هـ.