ديناميكية الجماعات وتفسير تماسك الجماعة، إن الإنسان كائن عضوي نفسي اجتماعي فهو يعيش بالجماعة و فيها و بين أحضانها . لذلك يرى علماء النفس الاجتماعي والاقتصادي ان دراسة الجماعة و دينامياتها هي نقطة البدء لفهم الإنسان من زاوية اجتماعية نفسية.[1]
مفهوم الجماعة
إن فهم طبيعة الحياة الاجتماعية لا يكون إلا من خلال فهم الجماعة و دينامياتها ؛ فالجماعة هي " وحدة اجتماعية تتكون من فردين أو عدد من الأفراد بينهم علاقة صريحة على النحو يسمح بأن يدرك الأنا الآخر كعضو في الجماعة، و لكل فرد من أفراد الجماعة دوره الذي يؤديه "[2] و يعرفها معوض بكونها " وحدة اجتماعية تتكون من ثلاثة أشخاص فأكثر يتم بينهم تفاعل اجتماعي. وعلاقات اجتماعية وتأثير انفعالي ونشاط متبادل على أساسه تتحدد الأدوار والمكانة الاجتماعية لأفراد الجماعة وفق معايير وقيم الجماعة إشباعا لحاجيات أفرادها ورغباتهم وسعيا لتحقيق أهداف الجماعة دائما"[3] و تتميز الجماعة بعدة خصائص كالتجمع والتماسك والانسجام إضافة إلى أن عدد أفرادها يزيد عن اثنين، فضلا عن خاصية الانتماء والعمل الجماعي من أجل تحقيق هدف مشترك، وتبادل التفاعلات والأدوار والوظائف.
الخصائص السيكولوجية للجماعة
يشير موشييللي Mucchielli R. إلى أن الجماعة تنبني على مجموعة من الخاصيات السيكولوجية الأساسية ويجملها في :
- التفاعلات.
- وجود أهداف مشتركة.
- بروز مقاييس أو قواعد التصرف.
- بروز بنية غير شكلية لنظام العواطف والود والنفور.
- وجود انفعالات ومشاعر جماعية مشتركة .
- وجود لاشعور جماعي.
- إقامة توازن داخلي ونظام للعلاقات المستقرة مع محيطها[4]
- الاعتمادية المتبادلة داخل الجماعة والتي"تبرز من خلال تأثير كل طرف على مشاعر ومعتقدات الطرف الأخر".
ديناميكية الجماعات
يعرف لوين كورت (1980-1947) دينامية الجماعات بأنها ”مجموع القوى النفسية والاجتماعية المتعددة والمتحركة والفاعلة التي تحكم تطور الجماعة”. و يعرفها ( بونر ) " بأنها فرع من فروع علم النفس الاجتماعي يبحث في تكوين وبناء الجماعة وتغيرها عن طريق جهود أعضائها لإشباع حاجاتهم " . أما ( ليفين ) فهو يرى أن " الجماعة كل دينامي، و هذا الكل الدينامي لا يساوي مجموع أجزائه أو أعضائه، بل هو محصلة لصراع القوى المتمثلة في هذه الأجزاء "[5].
- هذا التعريف يأتي على أنقاض مجموعة من التفسيرات للظاهرة الاجتماعية و الجماعة منها بالخصوص، سواء تلك التي ركزت على أن المجتمع هو مصدر تشكيل الفرد و قولبته أو تلك التي تقول بدور الإرادة الواعية للفرد في تشكيل المجتمع [6]، و أصبح التصور الدينامي أساس مهم في العلاجات النفسية، لذلك سوف تتناول هذه المقاربة أهمية تماسك الجماعة ضمن الإطار النظري الدينامي .
تعريف تماسك الجماعة
يعرف (كارتريت و زاندر) تماسك الجماعة بأنه " ما ينتج من التفاعل بين كل العوامل التي تدفع الأفراد للبقاء في الجماعة " و يحددها في مجموعتين من العوامل :
- عوامل تؤدي إلى زيادة جاذبية الجماعة لأفرادها .
- عوامل مرتبطة بدرجة جذب العضوية في جماعات أخرى .
و تتصف الجماعة ذات التماسك العالي أو المرتفع بمجموعة من الخصائص و التي يجملها الباحثون في :
- الإعلاء من قيمة العمل الجماعي .
- التضامن و المسؤولية الجماعية .
- الروح المعنوية المرتفعة .
- التنسيق بين وحدات العمل في الجماعة .
- الاعتزاز و الافتخار بالانتماء إلى الجماعة .
- إحساس الأعضاء باستمرارية جاذبية الجماعة .[7] و سوف نتناول بالتفصيل خاصتين مهمتين التي تتصف بها الجماعات ذات التماسك العالي و هما : الروح المعنوية و جاذبية الجماعة لأفرادها .
أولا الروح المعنوية
عرف (موكور) الروح المعنوية بأنها " إرادة يدعمها العقل لبلوغ هدف مشترك " أما هاريمان فيعرفها بأنها " شعور انفعالي حماسي تجاه ما تقدم عليه الجماعة من أعمال "[8] ، أما وارين فو يؤكد على أن " الروح المعنوية اتجاه قوامه الثقة و المثابرة في العمل و التمسك بمثل الجماعة "[9] و هناك مجموعة من العوامل تؤدي إلى ارتفاع الروح المعنوية في الجماعة و عوامل أخرى تؤدي إلى العكس . و من أهم العوامل المساهمة في ارتفاع الروح المعنوية هي :
- موقف الأفراد من الجماعة و الرغبة في الاستمرارية .
- النظر إلى الجماعة كقيمة ايجابية .
- قيم و مبادئ الجماعة .
- حيوية الأهداف و وضوحها .
- توحد الفرد مع الجماعة .
- اشباع الجماعة لحاجات الأفراد الثانوية .
أما العوامل التي تساهم بصورة عكسية فهي :
- غياب الهدف المشترك
- عدم اشباع الجماعة لحاجات الأفراد
- تضخم الشعور بالأنا الفردية على الانتماء الجمعي [9]
ثانيا جاذبية الجماعة لأفرادها
من الحقائق الاجتماعية المتواضع عليها علميا أن الأفراد لا ينجذبون إلا لجماعة تمثل لهم مصدرا لاشباع حاجاتهم . و من أهم العوامل الجاذبة للأفراد إلى الجماعة هي :
- تأكيد الإحساس بالهوية لدى الفرد .
- المشاركة في صنع أحلام الجماعة .
- شعور أفراد الجماعة بالاتحاد مع قيم الجماعة .
- قدرة الجماعة على الاستجابة لدوافع و تطلعات الأفراد .
و تجدر الإشارة إلى أن كل مرحلة عمرية تلائمها نوعية محددة من الجماعات التي يمكن أن ترتقي بمستويات استجابتها لحاجات الأفراد وفق كل مرحلة عمرية . و تتعدد مستويات تفاعل الأفراد و الارتباط بالجماعة تبعا للعديد من المتغيرات المتداخلة، منها ما هو ذاتي و منها ما هو موضوعي أو داخلي و خارجي .
و يعتبر تماسك الجماعة من أكبر التحديات التي تواجه الجماعات صغيرة كانت أو كبيرة . فالتماسك عامل و عنوان الفعل و الإنتاج و التأثير في الواقع، إضافة إلى كونه يحقق استمرارية الجماعة و تطورها و يمكنها من الاستجابة الفاعلة للتحديات ؛ أما في عدمه تصبح الجماعة محاطة بأسباب الفشل و العجز عن الفعل في الواقع، و مهددا لاستمراريتها و وحدتها .
علمي النفس والاجتماع ودورهما
( علم النفس) بأنه علم يعني بدراسة سلوك الكائن الحي كفرد في حد ذاته ودافعه ومدى توافقه مع البيئة .
كما أن( علم الاجتماع) يعرف بأنه العلم الذي يهتم بدراسة الجماعات وتكوينها وتشكيلها وعوامل تماسكها وتضامنها
ويأتي (علم النفس الاجتماعي)ليجمع بينهما ويكون الميدان المشترك الذي يهتم بدراسة سلوك الفرد في الجماعة
وذلك من حيث علاقته بالافراد الآخرين وتأثره بهم وتأثيره فيهم وبكيفية تصرف الناس في الجماعات وكيف تؤثر تلك الجماعات على أعضائها.....
واليكم بعض التعريفات لعلم النفس الاجتماعي لبعض من أشهر علمائه :
يقول البرت بأنه العلم الذي يسعى إلى فهم الاساليب التي تتأثر بها مشاعر الفرد وأفكاره وأفعاله(أو
مجموعة من الافراد بأفعال شخص آخر أو وجوده) ، ويعرفه يونج بأنه دراسة الافراد في صلاتهم البيئيه المتبادلة وبما تحدثه هذه الصلات البيئيه من
آثار على أفكار الفرد ومشاعره وانفعلاته وعاداته. ويرى كرتش وكرنشفيلد بأنه ذلك العلم الذي يتناول بالدراسة سلوك الإنسان في الجماعة وكيفية دراسة هذا السلوك في اطار الجماعة سواء أكانت الجماعة أوليه كالاسره أو جماعه ثانويه كالمدرسة وجماعة النادي أو الجيرة وغير ذلك من الجماعات.
ويعرف لامبرت علم النفس الاجتماعي بأنه الدراسة التجريبية للافراد في المواقف الاجتماعية والثقافية .
الانتماء ودوره في التجاذب الاجتماعي
مفهوم الانتماء الاجتماعي واحداً من أهم المفاهيم المركزية التي تحدد طبيعة علاقة الفرد بالجماعة في كل زمان ومكان يقابله على الضد تماماً مفهوم الاغتراب الذي يعني الابتعاد النفسي للفرد عن ذاته وعن جماعته، وسواء ابتعد الفرد عن جماعته أو غادرها إلى جماعة اخرى، فهو في كلتا الحالتين انما يفقد انتماءه لجماعته من جانب ويواجه برفض الجماعة الاخرى له من جانب اخر لاختلاف عاداته وقيمه ونمط شخصيته وخبراته مما يسبب غربته من ناحية وعدم انتمائه لمجتمعه من ناحية اخرى، وهناك حقيقة ان البشر كائنات اجتماعية، مخلوقات تتجمع سوياً ويعتمد كل منهما على الاخرجسمياً أو نفسياً عبر الحياة، فالعلاقات الوثيقة مع الاخرين تبدو من الضروريات وهي امور تتكامل مع بقاء الإنسان ورفاهيته فالبشر قادرون على تقديم كل منهم للاخر اعظم مسرات الحياة وافراحها وكذلك احزانها العميقة كما ان بامكانهم اعطاء نوع من التعاطف والتأكيد والحماية من الأخطار وبالتالي فان حاجة الفرد للاخرين تكمن في مساعدته على حل مشاكله وارضاء حاجاته التي لايستطيع حلها وارضاءها بمجهوده الخاص فيشعره بالامن ويزيد من احترامه لنفسه.
وتبرز اهمية الانتماء على المستوى الاجتماعي هو العمود الفقري للجماعة وبدونه تفقد الجماعة تماسكها وتماسك الجماعة هو انجذاب الأعضاء لها والذي يتوقف على مدى تحقيق الجماعة لحاجات افرادها فطالما ان الجماعة تحقق حاجات الفرد فان بامكانها ان تؤثر على افكاره وسلوكه عن طريق تلك الفوائد التي يحصل عليها من جراء انتمائه لها والمتمثلة بالاتي:
- تحقيق الرغبات الشخصية والاجتماعية التي يعجز الفرد عادة عن تحقيقها بمفرده.
- الشعور بالانتمائية إلى جماعة تتقبله ويتقبلها فيشعر بالامن والطمأنينة.
- يمكن تغيير سلوك الفرد عن طريق الجماعة، فكل جماعة لها معاييرها وقيمها التي يتحتم على الفرد المنتمي اليها اكتسابها.
- ويتمكن الفرد عن طريق انتمائه للجماعة من اكتساب الميراث الثقافي الذي يمكنه من التفاعل ايجابياً مع افراد مجتمعه.
- تساعد الجماعة الفرد على ممارسة انواع من النشاط، يستغل فيه كفايته ويكتشف كفايات اخرى.
اما اهمية الانتماء على المستوى النفسي، فتبرز من خلال كثرة المتغيرات النفسية المرتبطة به والتي كشفت عنها نتائج العديد من البحوث والدراسات منها:
- العلاقة بين حاجة الفرد للانتماء والتشابه بين الأشخاص حيث توصلت ان للجماعة ميولاً انتمائية نحو الشخص الذي يتفق أو ينسجم معهم في اتجاهاتهم وفي ما يظهره من مفاهيم قيمية مشابهة لتلك القيم التي يحملونها بخصوص موضوع ما.
- الكشف عن السلوكيات التعبيرية المرتبطة بارضاء الحاجة للانتماء حيث توصلت إلى ان كشف الذات هو واحد من هذه السلوكيات وان الأشخاص ذوي الحاجة العالية للانتماء هم أكثر كشفاً للذات من الأشخاص ذوي الحاجة المنخفضة.
- اما تأثير الجنس على الحاجة للانتماء فقد اظهرت الدراسات إلى ان الإناث بالمقارنة مع الذكور هن أكثر تحسساًَ لمشاعر الاخرين وأكثر ادراكاً
واستيعاباً لحاجاتهم ورغباتهم وان هذا يقربهن من الاخرين ويؤدي إلى اشباع حاجة الانتماء لديهن.
التجاذب الاجتماعي
يقصد بالتجاذب الاجتماعي مدى توفر صفات معينة في فرد أو جماعة معينة تجعل الافراد الاخرين يميلون لهذا الفرد أو الجماعة وينجذبون الية . ومن العوامل التي تساعد على التجاذب الاجتماعي:
1_المظهر أو الشكل الفيزيقي للفرد: فكل واحد منا يميل إلى الشخص الوسيم أكثر من غيره فالشخص الطويل محبب آلى النفس أكثر من الشخص القصير هذا مع توفر صفات فيزيقية اخرى بالإضافة آلي الطول.
2_المقدرة والكفاءة: فالاشخاص الأكثر مقدرة وكفاءة ينالون احتراما أكثر من غيرهم.
3_التشابة بين الافراد: فنحن نميل آلى الافراد الذين يشبهوننا في المعتقدات والاتجاهات والقيم والمستوى الثقافي والاجتماعي وغيرها.
4_المحبة المتبادلة : حيث اننا نميل آلي محبة الأشخاص الذين يحبوننا ونرفض الأشخاص الذين يرفضوننا .
5_ الالفة: ان الأشخاص الذين نختلط معهم مدة طويلة لسبب أو اخر يتولد فينا وفيهم شعور من الالفة . الامر الذي يقود آلى نوع من التجاذب الاجتماعي.
دوافع تكوين الجماعة الصغيرة
محك المقارنة الشخصي
محك المقارنة بين البدائل
- الحاجة إلى الانتماء.
- التجاذب بين اعضاء الجماعة.
- جاذبية نشاطات الجماعة واهدافها
تتكون الجماعة بقيام علاقة تفاعل بين شخصين أو أكثر، وفي المراحل الاولى لتكوين الجماعة يتميز هذا التفاعل الاجتماعي بوجود قدر كبير من النشاط، والتغير، وعدم الاستقرار، حيث يحاول الافراد إقامة بناء الجماعة، (أي تنظيم العلاقات الداخلية فيما بين الأعضاء) وتحديد اهداف الجماعة، وتوزيع الأدوار بما يتلاءم مع قدرات ميول كل عضو من اعضائها، وتتسم المراحل التالية في تاريخ الجماعة بالاستقرار النسبي، حيث يقل التغاير إلى حد ما، ولكنه لايتوقف.
والواقع أن الجماعات تختلف من حيث المراحل التي تمر بها، منذ بداية تشكلها على اكتمال تكونها، باختلاف نوع الجماعة ونوع المهام المكلفة بها. ولكنها في كل الحالات تعايش أكبر قدر من التغاير في مراحلها المبكرة، ثم تتجه بعد ذلك إلى الاستقرار في المراحل التالية[10]
أكثر ما يعني به الباحثون في هذا المجال هو تكوين الجماعة، أي دراسة الدوافع النفسية و الاجتماعية التي تؤدي بالافراد إلى تكوين الجماعات المختلفة، أو العوامل المشجعة لهم على الانتماء إلى جماعات قائمة بالفعل، وتختلف تفسيرات الباحثين ليلك الدوافع، فيكتفي البعض بتقديم تفسيرات عامة، بينما يعني آخرون بتقديم تفسيرات نوعية لدوافع تكوين الجماعات، حيث تتضمن تفسيراتهم تصنيفات مختلفة للحاجات النفسية التي يشبعها الافراد من خلال عضويتهم في الجماعة.
من التفسيرات العامة، ماقدمه تيبوتThibaut وكيللىKelley على سبيل المثال، وهو التفسير الذي يشير إلى ان الافراد ينضمون إلى الجماعات لاشباع حاجات خاصة، ولم يحدد في هذا التفسير، على نحو مفصل طبيعة تلك الحاجات، وان اكد الباحثان ان الفرد يقيم الاشباعات التي يحصل عليها من الجماعة في ضوء محكين رئيسيين هما:
محك المقارنة الشخصي
ويعني ان الفرد يحافظ على عضويته في الجماعة التي تحقق له الحد الأدنى من الإشباع كما يتصوره هو، أي بمقارنة الاشباعات بمحك شخصي، فإما ان يقنع الشخص بالاشباعات التي توفرها له الجماعة فيرضى عن الجماعة، أو لا يقنع بما تمنحه من اشباع فينصرف عن الاشتراك فيها.
محك المقارنة بين البدائل
ويقصد به ان الفرد يقارن الاشباعات التي يحصل عليها من علاقة معينة، بكم ونوع الاشباعات التي يمكنه ان يحصل عليها من علاقة اخرى بديلة، و المسلم به ان الفرد يسعى إلى العلاقة التي توفر له اعلى مستوى من الإشباع، ويستمر في الحفاظ عليها، مالم تتوفق عليها علاقة بديلة مع جماعة اخرى[11] في التفسيرات النوعية، عنى الباحثون بتصنيف مصادر التدعيم، أو انواع الاشباعات التي تتيحها الجماعة للافراد، والتي تشجع على الانضمام اليها والحفاظ على عضويتهم فيها، ومنها صور الإشباع للدوافع أو الحاجات النفسية التالية:
- الحاجة إلى الانتماء.
- التجاذب بين اعضاء الجماعة.
- جاذبية نشاطات الجماعة واهدافها.
الحاجة إلى الانتماء
يؤكد الباحثون ان الإنسان كائن اجتماعي، ولذا فهو في حالة سعي دائم إلى الانتماء و الارتباط بالآخرين، بهدف خفض التوترات الانفعالية التي تعتريه عندما ينعزل أو ينأى عن الجماعة. وتكتشف دلائل واقعية متعددة ان حاجة الفرد إلى الانتماء تقوى و نعرض فيمايلي لنماذج من الدراسات التي تؤكد حاجة الافراد إلى الانتماء كما ويمكن لن نستخلص منها بعض الأليات أو العمليات التي تخفض الجماعة من خلالها شعور اعضائها بالتوتر، مما يزيد من انجذابهم اليها وتمسكهم بها. تعد بحوث شاشترSchchter من أهم البحوث التي ابرزت نوع التجمع في خفض درجة القلق، وهي بحوث قام فيها بتنويعمقدار التهديد الذي يعانيه اعضاء الجماعة، وتوصل هو زملاؤه إلى ان التهديد المرتفع يسبب قدرا أكبر من الجاذبية لاعضاء الجماعة بالمقارنة بالتهديد المنخفض، وقد قام شاشتر في احدى تجاربه بإثارثة قلق مجموعة من الطالبات بطريقة تجريبية معتمدة بأن اوهمن بأنهن سوف يتلقين صدمة كهربائية، وقام بتنويع درجة القلق، فأخبر بعض الطالبات بأن الصدمة ستكون مؤلمة، غير انها لن تحدث اثرا جسميا دائما (مجموعة القلق المرتفع)، واخبر المجموعة الثانية بأن الصدمة ستكون خفيفة ولن تحول دون استمتاعهن بالتجربة (مجموعة القلق المنخفض).
كما أخبرت الطالبات في كلتا المجموعتين، بضرورة الانتظار لمدة عشر دقائق قبل تقديم الصدمات، وخيرهن بين الانتظار بمفردهن، أو مع بعضهن البعض، وكشفت التجربة ان62.5% من الطالبات المتوقعات للصدمة المؤلمة فضلن الانتظار معا، في مقابل3.33% فقط من الطالبات المتوقعات للصدمة الخفيفة، بالتالي تؤكد هذه التجربة ان الافراد يتجمعون معا بهدف خفض القلق، وان مواقف الشدة تزيد من الرغبة في الصحبة [12]
افترض شاشتر، فيما بعد ان هذا الميل إلى التجمع يرجع إلى رغبة الافراد في عقد مقارنات اجتماعية بينهم وبين الآخرين عندما يواجهون حالات انفعالية جديدة أو غير مألوفة، أو عندما الموقف بالغموض، وقد تحقق من صحة فرضه هذا بعد ان اجرى تجربة اخرى اخبر فيها كل المبحوثين بأنهم سوف يتعرضون لصدمة كهربائية شديدة. خير بعضهم بين الانتظار بمفردهم أو مع زملاء لهم يمرون بالتجربة نفسها، وخير البعض الآخر بين الانتظار بمفردهم أو مع طالب لا يمر بتلك التجربة، وانما تصادف وجوده في المكان الذي تجرى فيه الدراسة، وبينت النتائج ان المبحوثين في الظرف الأول فضلوا الانتظار مع زملائهم الذين يمرون بظروف مماثلة عن الانتظار بمفردهم، اما في الظرف الثاني فقد فضل المبحوثون الانتظار مع شخص لا تتشابه حالته الوجدانية[13]
وتشير دراسات واقعية اخرى إلى ان الرغبة في المقارنة تتعدى حدود السمات المزاجية (الشعور بالقلق على سبيل المثال)، لتشمل القدرات العقلية أيضا، بمعنى ان الافراد قد يتجمعون معا لكي يقارنوا بين قدراتهم وقدرات الآخرين.
وقد اجريت تجربة في هذا الصدد تم فيها توزيع39 طالبا بطريقة عشوائية في ظرفيين تجريبين مختلفين، في اولهما قدمت للمبحوثين معلومات عن مستوى ادائهم. لمهمة تجريبية معينة، اما في الظرف الثاني فلم تقدم للطلاب معلومات عن مستوى ادائهم. ثم طلب من المبحوثين الانتظار لحين بدء الجزء الثاني من التجربة، وسمح لهم بالانتظار كما يشاءون، اما بمفردهم أو مع زملائهم وكشفت التجربة ان الطلاب الذين لم تتح لهم فرصة الاطلاع على مستوى دائهم، فضلوا بدرجة أكبر الانتظار مع زملائهم، وذلك لرغبتهم في مقارنة ادائهماو قدراتهم بقدرات الآخرين[14]
ويفسر بعض الباحثين تلك الرغبة في عقد مقارنات اجتماعية بين الذات والآخرين بأنه في اوقات الأزمات، أو تحت وطأة الشعور بالعزلة تهتز ثقة الافراد في قدراتهم على تحمل الضغوط، وهنا يصبح الشخص أكثر استعدادا للاعتماد على الآخرين، اما بهدف مقارنة نفسه بهم، والتحقق من صحة آرائه وتصرفاتها والتماسا للمساندة النفسية من جانبهم[15]
التجاذب بين اعضاء الجماعة
يمثل التجاذب بين اعضاء الجماعة حاجة نفسية اجتماعية دافعة إلى تكوين الجماعة، ويشير التجاذب بين الأشخاص فيي في معناه العالم إلى"الاتجاه الإيجابي الذي يشعر به شخص ما، نحو شخص آخر، ويمكن ان يعرف التجاذب بأنه نمط خاص من الاتجاهات يتضمن توجها نحو، (أو بعيدا عن شخص ما)،ويمكن ان تكون وجهة هذا التجاذب ايجابية أو سلبية، أو محايدة، ويقوم هذا التجاذب (بوصفه اتجاها) على ثلاثة مكونات رئيسية. وهي: المكون المعرفي، ويتضمن المعتقدات والمعلومات عن الشخص المرغوبفيه، والمكون الوجداني ويتعلق بمشاغر الحب أو الكراهية نحوه، والمكون السلوكي، ويفصح عن نفسه من خلال الميل على الاقتراب أو الابتعاد عن الشخص موضوع هذا الاتجاه"[16]
وقد عنى كثير من الباحثين بدراسة المحددات النفسية والاجتماعية للتجاذب بين الأشخاص واستهدفت بحوثهم الكشف عن طبيعة الخصال النفسية، أو الظروف الاجتماعية، التي إذا توافرت لاحد الأشخاص فإنها تجعله جذابا أي مرغوبا ومحببا لدى الآخرين. وكشفت هذه الدراسات بالفعل عن وجود محددات متنوعة للتجاذب بين الافراد، ونركز على ثلاث منها فيمايلي، هي:
- التقارب المكاني.
- الجاذبية الشمسية.
- التماثل في القدرات العقلية وسمات الشخصية والظروف الاجتماعية.
التقارب المكاني:
يتحدد التجاذب بين الأشخاص احيانا بتأثير عوامل بيئية كالتقارب المكاني، الذي يهيئ للاشخاص فرصا متعددة للاتصال والتفاعل مع بعضهم البعض، فكثيرا ما يبدأ التعارف بين الأشخاص نتيجة لقربهم وتجاورهم، سواء في المسكن، أو الفصل الدراسي، أو محل العمل. وهناك العديد من الدراسات النفسية والاجتماعية التي تكشف عن العلاقة الايجابية بين التقارب المكاني والتجاذب بين الأشخاص.
وفي احدى هذه الدراسات اجريت مقارنات بين علاقات البيض والسود الذين يعيشون في مبان سكنية مشتركة (ثجمع بين البيض والزنوج) اوغير مشتركة، وتبين ان البيض والزنوج الذين اقاموا على مقربة من بعضهم البعض عقدوا فيما بينهم علاقات اجتماعية حميمة بقدر لم يتيسر للبيض والزنوج الذين اقاموا في مساكن متباعدة.
كما اتضح من دراسة ثانية ان الطلاب الذين تجاورت مقاعدهم في قاعة المحاضرات، تعرفوا على بعضهم البعض بدرجة تفوق ما حدث من تعارف بين طلاب تباعدت مقاعدهم.
واظهرت دراسة ثالثة اجريت على طلاب احدى المدن الجماعية، وزع فيها الطلاب على الحجرات بحيث يقطن طالبان فقط في كل حجرة. ولم يؤخذبالتخصص الدراسي أو باي متغير اخر يمكن ان يؤثر على علاقات الصداقة، كاساس لتوزيع الطلاب على الحجرات، وكشفت النتائج أنمعظم الطلاب الذين كنوا معا توثقت بينهم عرى الصداقة، وان أغلب الطلاب الذين سكنوا في أماكن متطرفة تقلصت علاقاتهم الأجتماعية مع زملائهم .[17]
كل ذلك يؤكد تاثير التقارب المكاني كمحدد للتجاذب دائما. بل قد يترتب عليه احيانا شعور بالنفور، وهو ما يمكن أن نلاحضه في علاقات الجيران ببعظهم البعض. وبهذا المعنى تتمثل قيمة التقارب المكاني في انه يهيء فرص التفاعل و الأتصال بين الأشخاص، لكن علاقتهم يمكن أن تقوى أو تفتر أو تنعدم، بناء على ما يتوفر من محددات أخرى في الموقف تلغب دورا اساسيا في دعم التجاذب، وفي مقدمتها تماثل الأتجاهات، أو القيم، أو سمات شخصية، أو الظروف الأسرية و الأجتماعية .... الخ.
الجاذبية الجسمية:
نعني بالجاذبية الجسمية مستوى الوسامة، أو الجمال، أو تناسق الملامح الذي يتصف به أحد الأشخاص، ذكرا أو انثى، كعامل مؤثر في تحديد درجة التجاذب بين الأفراد. ويتوقع أن يزداد هذا التأثير في حالة العلاقات بى ن الجنسين بصفة خاصة.
وقد أوضحت احدى الدراسات التي تناولت هذا المتغير أن الجاذبية الجسمية تظل محددا قويا للاتجاذب بين الأشخاص، حتى وانتعارضت تصرفات الشخص الجذاب مع النشاطات التي تنهض بها الجماعة لتحقيق هدف مشترك.[18]
كما أوضحت دراسة اخرى ان هناك ميلا عام لدى معظم الأفراد للأدراك الأشخاص المتمتعين بالجاذبية الجسمية على أنهم أفضل، في وجوه متعددة من الأشخاص الأقل جاذبية أو جمالا أو وسامة، ففي تلكالدراسة غرضت على مجموعة من المبحوثثى ن صور لثلاثة اشخاص متفاوتين في الجاذبية الجسمية،(الأول منخفض في درجة الجاذبية، والثاني متوسط والثالث على درجة عالية من الجاذبية الجسمية).وطلب من كل مبحوث شارك في التجربة النظر إلى الصور الثلاث، ثم تقدير بعض الخصال الشخصية التي يرى انها تميز صاحب كل صورة منها، وبدون توافر اية معلومات اضافية عنه. وأوضحت النتائج ان المبحوثين قد نسبوا إلى الأشخاص مرتفعي الجاذبية الجسمية قدرا من الخصال الأيجابية يفوق ما نسب إلى منخفضي الجاذبية، فقد تصور المبحوثون ان الأفراد ذو الجاذبية العالية أكثر نجاحا في عملهم، وأكثر سعادة في حياتهم الزوجية، وأفضل توافقا في في حياتهم الأجتماعية بصفة عامة، وظل هذا التقدير قائما وثابتا سواء كانت الصور لأشخاص من نفس الجنس أو من الجنس الأخر.[19]
ويبدوا أن النظرة المتحيزة لخصال الأشخاص مرتفعي الجاذبية الجسمية تؤدي إلى تحيز في الأسلوب الذي يعايعاملون به في حياتهم اليومية، بالقياس إلى الأشخاص منخفضي الجاذبية، والدليل على ذلك نستمده من دراسة تجريبة قدمت فيها مجمة عة من المقالات لمجموعة من المبحوثين، وطلب منهم تقييم كفاءت المقالة و قدرة كاتبها، و ارفقت بالمقالات صور شخصية لكتاب لتلك المقالات و روعي أن تتفاوت فيما يظهر فيها من عناصر الجاذبية الجسمية (الجمال، الوسامة...الخ). وأظهرت النتائج انه كلما تميزت صورة كاتب المقالة بالجاذبية ارتفعت التقديرات التي تحصل عليها مقالته بصرف النظر عن المستوى الحقيقي للمقالة، اما ما استنتجه الباحث بناء على هذه النتيجة فهو ان الجمال يمكن ان يؤدي إلى التحيز في الحكم على جودة الأعمال الصادرة من الشخص الجمييل أو الوسيم، في اتجاه المبالغة في تقدير كفائتها[20]
كذلك عن الباحثون بالتعرف على حدود و ظروف تاثير الجاذبية الجسمية فيتشكيل علاقات الأفراد، وتوصلوا إلى خلاصة مؤادها ان الجاذبية الجسمية يكون لها اثرها القوى في تحديد درجة التجاذب بين الأشخاص عند بدء التعارف، وفي بدايات التفاعل الأجتماعي فيما بينهم، وعندما لا تتوافر لديهم معلومات كافية عن الأخرين، حيث يصبح الشكل أو المظهر الخارجي هو المعيار الذي يعتمد عليه في ادراك خصالهم، ولكن بمضي الوقت ومع تراكهم خبرات التفاعل الحقيقي فيما بين اعضاء الجماعة يقل التركيز على الجوانب الجسيمة أو المظهرية، ويزداد تأثير المتغيرات الشخصية الجوهرية في تحديد درجة التجاذب فيما بينهم.
- التماثل بين الأشخاص
يعد التماثل (أو التشابه) أكثر المحددات تاثيرا في التجاذب بين الأشخاص، فالأفراد عادة أكثر قبولا لمن يشبهونهم في سماتهم الشخصية أو قدراتهم العقلية، أو ميولهم، أو اهتماماتهم، أو عاداتهم، أو مستواهم الأجتماعي و الأقتصادي. و يكتسب هذا التماثل أهمية خاصة في هذا الصدد لأعتبارات متعددة، منها ان الأشخاص المتشابهين يكونون أكثر تفاهما؛ إذا تلتقي أفكارهم حول العديد من الموضوعات الأساسية في الحياة و باتالي يؤيد و يدعم كل منهم وجهة نظر الطرف الأخر نحو هذه الموضوعات، مما ينمي روابط المحبة و المودة بينهم.
وقد أوضحت الدراسات وجود علا قة طردية قوية بين التماثل و التجاذب بين الأشخاص. ومنها التصديق على اللأراء و المعتقدات الشخصية، وتاكيد صحتها، ودعم الثقة بالنفس، وتهيات فرص اوفر للمشاركة في اهتمامات و نشاطات و ميول محببة إلى النقس نظرا لتشابه اهتمامات هؤلاء الأشخاص[21] ويكفي ان نشير هنا إلى الدراسة التي اجراها بيرن byrne في هذا الموضوع، والتي تكشف بوضوح علاقة التماثل بالتجاذب. حيث قدم المجموعة من المبحوثين من طلاب الجامعة استخبارا يقيس سماتهم الشخصية، و اتجاهتهم نحو بعض الموضوعات، وبعد ان صحح الباحث لأستخبار اعد مجموعة من الأستخبارات الممائلة، وراعي في اعدادها تنويع وجه التمائل بينها وبين إجابات المبحوثين، بمعنى ان تكون متماثلة تماما مع إجابتهم، أو غير متماثلة على الأطلاق. ثم قدم الأستخبارات الزائفة و المجاب عنها إلى المبحوثين، وادعي ان بعض الأشخاص قد اجابوا عنها، وطلب منهم ان يعبروا عن مدى شعورهم بالتجاذب اوعدم التجاذب نحو الأشخاص الذين نسبت اليهم تلك الأستخبارات. و يبين الشكل (1) نتائج هذه التجربة، والتي تبرهن بوضوح على انه كلما زادت نسبة التجاهات المتماثلة لدى بعض الأشخاص، زاد الشعور بالتجاذب فيما بينهم. ويطلق بيرن على هذه العلاقة المطردة بين التماثل و التجاذب اسم(قانون التجاذب)[22]
مع ذلك تجدر الأشارة إلى أنه في بعض الأحيان يؤدي توافق حاجات يشبع كل طرف حاجات الطرف الأخر؛ فيقوى التجاذب فيما بينهم، ويتحقق توافق الحاجات عندما تتوافر الحاجة نفسها بين شخصين. ولكن بدرجات متفاوتة الشدة، كان يشعر أحدهما برغبة أقل أو أضعف في السيطرة، فتنشأ بينهما-نتيجة هذا التفاوت في هذه الرغبة-علاقة ناجحة لا يشوبها التنازع على السيطرة.
ويحدث توافق الحاجات أيضا عندما تنشا بين طرفي العلاقة دوافع متقابلة، كأن يشعر أحدهما بحاجة قوية إلى احتواء الأخر ورعايته في حين يشعر الطرف الأخر بحاجة شديدة إلى الحنان وتلقى الرعاية، فهنا يمكن أن تقوم بينما علاقة متناغمة يشبع فيها كل منهما حاجته الخاصة[23]
هذا ما يتصل بالتجاذب بين أعضاء الجماعة كدافع من دوافع تكوينها، ويبقى المحدد الأخير من محددات تكوين الجماعة، ويقصد به مدى جاذبية أهداف الجماعة للأفراد.
جاذبية أهداف ونشاطات الجماعة
ينضم الأفراد إلى الجماعات التي تحقق الأهداف التي يتطلعون إلى تحقيقها، وفي بعض الأحيان ينتمي الفرد إلى جماعة معينة لشعوره بالانجذاب نحو النشاطات التي تمارس فيها. والمثال الذي يوضح الحالة الأولى انضمام فرد ما إلى جماعة معينة تكونت بهدف جمع تبرعات لبناء مدرسة أو مسجد أو ناد اجتماعي أو سياحة رياضية مثلا، لاقتناعه بأهمية وجدارة هذا الهدف.
والمثال الذي يعبر عن الحالة الثانية التحاق شخص ما بأحد النوادي، أو رغبته في الاستمتاع بالنشاط الاجتماعي أو الرياضي الذي يمارس فيه.
والغالب أن تقترن الجاذبية لأهداف الجماعة، بالجاذبية نحو نشاطاتها، فأغلب الظن أن الفرد الذي ينتمي إلى جماعة هدفها جمع تبرعات لبناء مدرسة، على سبيل المثال سيكون راضيا في الوقت نفسه عن النشاطات التي تمارسها الجماعة لتحقيق هذا الهدف. ويندر أن ينظم فرد جماعة وهو يشعر بالرضا عن أهدافها دون نشطتها، أو العكس، ومن الأمثلة التي تكتشف هذه الحالات الناذرة انضمام شخص لإحدى الجماعات التي تستهدف جمع الأموال لأحد المشروعات، ليس لحرصه على هذا الهدف، ولكن لرغبته في الاستمتاع بالنشاطات الفنية أو الرياضية التي تنظمها الجماعة لجمع التبرعات وتدبير الأموال اللازمة [24]
هذه هي الحاجات أو الدوافع النفسية الثلاثة، التي تسهم بدور فعال في تكوين الجماعات الإنسانية، وهي الحاجة إلى الانتماء، والجاذبية نحو أهداف الجماعة ونشاطاتها. ويبقى أن نشير هنا إلى أن الجماعة، مع كونها تشبع كل هذه الحاجات من داخلها، فإنها تشبع حاجات نفسية للأفراد من خارجها أيضا، وذلك حين ينتمي الفرد إلى جماعة معينة لاعتقاده بأنها يمكن أن تحقق له أهدافا خارجية لن تتيسر له إلا من خلال عضويته فيها، حيث تصبح الجماعة في هذه الحالة وسيلة لإشباع حاجات شخصية، وليست غاية في ذاتها، ومن بين الحاجات التي يمكن أن تشبعها الجماعة لأعضائها من خارجها:
- الجاذبية لأشخاص خارج الجماعة.
- الجاذبية لأهداف خارج الجماعة.
فقد ينضم بعض الأشخاص إلى أحزاب سياسية انعقادا منهم بأن عضويتهم الحزبية ستهيئ لهم فرص الاتصال بمسئولين من ذوي السلطة و النفوذ (أو الجماعة)، الأمر الذي يمهد لهم فرص تحقيق مصالحهم أو أهدافهم الشخصية التي تمكن خارج الجماعة.[25]
الجماعات البشرية(النظريات)
لا يستطيع الفرد أن يتواجد بمعزل عن الآخرين، بل لابد من التواجد مع الآخرين بدرجة أو بأخرى، وحتى في حالة عدم الحضور الفعلي للآخر – كما بين ذلك التحليل النفسي – فإن الفرد يتواصل مع الآخر على المستوى المتخيل، كما يظهر ذلك في الأحلام والكوابيس.
وليست مدرسة التحليل النفسي فقط هي التي تؤكد حقيقة وجود الإنسان مع الآخرين، بل إن كافة المدارس والاتجاهات النفسية قد أكدت استحالة النظر إلى الإنسان بمعزل عن الآخرين، ولعل المبدأ الأول من المبادئ هو وحدة وتناقض الأضداد. فالإنسان ووسطه (أي العالم بكل ما يحتويه) نقيضان لا ينفصلان، ولا يكفا عن التناقض، كذلك نجد في الفكر الفلسفي مبدأ: Being – in – the world أي الوجود في العالم، وعن استحالة تصور الإنسان بمعزل عن وسطه أو خارج عنه، كذلك نجد: هاري ستاك سوليفان يفيم نظريته مع العلاقات المتبادلة بين الشخص والآخرين، كما أن نظرية المجال عند "كورت ليفين" نموذج واضح لهذا الموقف، فكما أن الآخر يساعد على بلورة الذات وتشكيلها، فإنه بدون الآخر ينقطع التواصل بين الإنسان ونفسه.
العوامل المؤثرة في تماسك الجماعة (بصفة عامة)
هناك مجموعة من العوامل تؤدي إلى استمرار تماسك الجماعة يمكن تلخيصها في:
- مدى تحقيق الجماعة لإشباع احتياجات الفرد، فالفرد ينضم إلى الجماعة حين يشعر أنها تحقق رغباته، فإذا تحقق ذلك استمر الفرد في الجماعة.
- أن الجماعة تمارس أنواعاً من الأنشطة ويرغب الفرد في ممارسة هذه الأنشطة.
العوامل التي تؤثر سلباً في تماسك الجماعة:
- إذا كانت عضوية الفرد للجماعة سبباً في إشعار بمشاعر أليمة، فإننا لا نتوقع من هذا الفرد الاستمرار في عضويته للجماعة.
- يترك الفرد الجماعة إذا ما حدث اختلافاً في الآراء حول ما تقوم به الجماعة من أعمال.
- تعرض الفرد داخل الجماعة للإحباط المستمر، وأن وجود الإحباط (بشكل مستمر) يقود إلى عدم تماسك الجماعة.
- إذا كانت أهداف الفرد تخالف أهداف الجماعة، ويحدث أن يغير الفرد من أهدافه ومن هنا يكون تواجده في الجماعة ليس له معنى.
عوامل تماسك النفس في الجماعة الصغيرة:
- عندما يكون للجماعة رصيد نفسي يجذب الفرد ويغريه لاستمرار الارتباط بالجماعة.
- عندما تعمل الجماعة على إشباع أكبر قدر ممكن من حاجات أفرادها ولا ينبغي أن يسعى الفرد لإشباع جميع رغباته داخل الجماعة وذلك لوجود جماعات متخصصة في ذلك مثل رغبة الفرد في ممارسة الرياضة.. هنا توجد جماعات أخرى من الممكن أن ينضم إليها الفرد لإشباع هذه الحاجة.
- حسن توزيع المراكز والأدوار في بناء تلك الجماعة بحيث ينال كل عضو فيها قدراً من المسئولية والامتياز إلى جانب الحقوق والواجبات، وهذا التوزيع يجعل الفرد عضواً ذا مكانة في تواجده مع الجماعة ويحس أنه عضو فاعل.
- قيام علاقات تعاونية بين أعضاء الجماعة وتقوم على مبدأ التشاور في إنجاز الأعمال والمشاريع، والفرد حين يقول رأيه في أمر ما يخص الجماعة ويأخذ بهذا الرأي فإنه يزداد تمسكاً بالجماعة.
أنواع الجماعات
تنقسم إلى:
أولاً: الجماعات الأولية
ولعل من أشهر هذه الجماعات: الأسرة والأسرة في وصفها الأساسي عبارة عن وحدة إنتاجية بيولوجية تقوم على زواج شخصين، ويترتب على ذلك الزواج – عادة – نتاج من الأطفال، هنا تتحول الأسرة إلى وحدة اجتماعية تحدث فيها علاقات تفاعل ما بين:
الطفل ، الأم
الطفل ، الأب
الطفل ، الوالدين
الطفل ، الأخوة والأخوات
الطفل ، الأعمام والعمات
الطفل ، الأخوال والخالات
الطفل ، ومختلف الأقارب الذين يأتوا لزيارة الأسرة
الأسرة كمجتمع صغير عبارة عن وحدة حية ديناميكية، لها العديد من الوظائف أهمها:
العمل على نمو الطفل نفسياً واجتماعياً وجسدياً وأخلاقياً (عقلياً) وتحويله من مجرد (كائن بيولوجي) إلى كائن (اجتماعي) تعدّه لكي يخرج من إطارها ويتعامل مع باقي وحدات ومؤسسات المجتمع الأخرى.
وتعد الأسرة (البيئة الأولي) التي ينمي فيها الطفل قدراته ويكون ذلك عن طريق اللعب، ومشاركة رفاقه في لهوهم، ومسيراتهم ولا شك أن لتشجيع الأسرة أثرها في نمو الكثير من الصفات والسمات الإيجابية.
ثانياً: الجماعات الثانوية
ولعل أشهر هذا النوع من الجماعات هم جماعة الزملاء والأصدقاء ذلك لأن الأسرة لا ترى أطفالها لكي يعيشوا في (نطاقها) فقط بل تعدهم لكي يستطيعوا التعامل والتفاعل بكفاءة مع الآخرين. فالطفل – كمثال- حين يبلغ السادسة من العمر يذهب إلى المدرسة، ولا شك أن المدرسة بيئة اجتماعية تختلف عن بيئة الأسرة حيث تزداد المعارف والعلاقات وصور وأشكال التفاعل والإدراك الاجتماعي.. وهنا – ومن خلال الآخر- يشعر الطفل بكيانه الاجتماعي وبرغبته في الدخول في التعاون (أو حتى التنافس الشريف) مع الأفراد الآخرين، وهذا يتوقف على العديد من العوامل (السابقة) مثل:
- طريقة تربيته في الأسرة
- مدى ثقته –أو عدم ثقته في نفسه.
- مدى تشجيع –أو عدم تشجيع أفراد أسرته لمثل هذه العلاقات.
- مدى طاقة الطفل واستعداداته وميوله.
- مدى (النتائج) المترتبة على هذه العلاقات.
- مدى (الإشباع) للكثير من احتياجات الطفل.
والخلاصة أن العلاقات في الجماعات الأولية تتميز بأنها:
- محدودة العدد (عدد أفراد الأسرة)
- التفاعل يكون مباشر أو وجهاً لوجه.
في حين أن العلاقات في الجماعات الثانوية لا تكون كذلك حيث:
أ.زيادة الأعداد
ب.إمكانية عدم التعامل مباشرة أو علاقة الوجه للوجه.
ت.لا يعيش إعطاء الجماع مع بعضهم البعض أكبر فترة ممكنة (كما هو الحال في العلاقات الأسرية مثلاً)نوع من التفاعل بين الفرد وجاره وينتهي بمجرد الوصول.
د. جماعات مستمرة لفترات طويلة ومستمرة: مثل: (جماعات الأسرة، الأصدقاء، مثلاً).
نظريات في دراسة الجماعة
توجد العديد من النظريات التي تناولت بالتحليل والتفسير طبيعة العلاقات بين أعضاء الجماعة، بيد أننا سنقتصر في حديثنا على نظريتين فقط هي:
أولاً: نظرية التبادل
-صاحب هذه النظرية كل من تيبوت وكيللي عام 1959م.
-تهدف هذه النظرية إلى توضيح وتفسير السلوك بين الأشخاص في الجماعة.
-تفترض هذه النظرية أن وجود الجماعة يقوم فقط على مشاركة ورضا الأفراد في الجماعة.
-كلما كان أفراد الجماعة أكثر توافقاً مع بعضهم البعض وفي نفس الوقت قادرين على حل جميع المشاكل التي تواجههم كلما أدى ذلك إلى (استمرار ودينامية الجماعة).
ثانياً: نظرية العلاقات بين الأشخاص
-صاحب هذه الظرية العالم (شويتز Schuts) عام 1955م ، ثم قام بعمل تعديلات عليها في الفترة من 1958 م حتى 1967.
-تحاول النظرية تفسير العلاقات بين الأشخاص من زاوية اتجاهات الآخرين.
-تذهب النظرية إلى أن الناس يتجهون بأنفسهم نحو الآخرين من خلال أنماط معينة الخصائص والتي تعتبر المحددات الأساسية للسلوك بين الأشخاص.
-تحتوي النظرية على ثلاث مفاهيم أساسية هي:
أ.الاحتواء: ويشير إلى الحاجة للارتباط بالآخرين ولوجود معهم وتنصح هذه الحاجة عن نفسها من خلال سلوك الفرد المعد لجذب انتباه واهتمام الآخرين.والشخص الذي تكون لديه حاجة قوية للاحتواء فإن ذلك يظهر خلال كفاحه من أجل الشهرة والمكانة.
ب.الحاجة إلى الضبط والتوجيه: ويشير هذه الحاجة إلى عملية اتخاذ القرار، وتختلف الحاجة للضبط عن الحاجة للسيطرة على الآخرين، وتظهر هذه الحاجة في رغبة الفرد في أن يكون سلوكه منصباً كما يريد الآخرين (من تلقاء نفسه وليس من خلال شعوره بإمكانية فرض ذلك عليه).
ت.العاطفة: وتشير المشاعر الانفعالية الشخصية الوثيقى بين فردين وطرفاها الحب والكره. والشخص الذي يكون لديه حاجة قوية من العاطفة يصادق الآخرين، وبوجه عام يحاول إقامة روابط انفعالية قوية مع الآخرينـ وفي الطرف الآخر، فإن الشخص الذي تكون لديه هذه الحاجة منخفضة يتجنب إقامة علاقة قوية مع الآخر.
انظر
- محمد إبراهيم عيد ( علم النفس الاجتماعي ) مكتبة زهراء الشرق القاهرة 2000 ص 65
- محمد عيد ( علم النفس الإجتماعي ) ص 64
- في : http://anthro.ahlamontada.net/montada-f9/topic-t1600.htm?sid=1d0a291dc2302d143bb1e9c95b22a150
- في : حمداوي ، http://www.adabfan.com/criticism/2285.html
- محمد عيد ( علم النفس الإجتماعي ) ص 65
- إبان كريب ( النظرية الإجتماعية ) ترجمة محمد حسين غلوم وعصفور محمد المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الآداب سلسلة عالم المعرفة عدد244 نيسان 1999 ص14
- Al Moqatel - التماسك الاجتماعي - تصفح: نسخة محفوظة 04 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين.
- محمد عيد ( علم النفس الإجتماعي ) ص 76
- محمد عيد ( علم النفس الإجتماعي ) ص 77
- Shaw، 1977، P.82
- Shaw، 1977،P.83
- See. Berkouitz، 1980، P.251
- See. Hendrick & Hendrick،1983، P.59
- See. Shaw، 1977، P.94
- Berkowits، 1980،P.254
- Hendrick & hendrick، 1983، P.30
- shaw،1977، p 86-84
- shaw.1977.p.86
- hendrick.1983.p.50
- hendrick.1983.p.51
- byrne،1971،p. 337-355
- hendrick.1983.p33-34
- hendrick.1983.p38
- Shaw, 1977, PP.91-93
- Shaw, 1977, P 95
مصادر
- حمداوي ، جمال : ديناميكية الجماعات .
http://www.adabfan.com/criticism/2285.html
- كريب ، إيان : النظرية الاجتماعية ، ترجمة : غلوم ، محمد حسين و عصفور ، محمد . الكويت : المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الآداب ، سلسلة عالم المعرفة ، عدد 244 , نيسان 1999 .
- عبد المعطي ، عبد الباسط : اتجاهات نظرية في علم الاجتماع . الكويت : المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الآداب ، سلسلة عالم المعرفة ، عدد 44 , أغسطس 1981 .
- عيد ، محمد إبراهيم : علم النفس الاجتماعي . القاهرة : مكتبة زهراء الشرق ، 2000 .
- http://anthro.ahlamontada.net/montada-f9/topic- t1600.htm?sid=1d0a291dc2302d143bb1e9c95b22a150
- التماسك الاجتماعي: http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Mnfsia15/SocCohesiv/sec01.doc_cvt.htm