الأمير قوام الدين أبو سعيد كربوغا (أو كربوقا) بن عبد الله الجلالي هو أمير تركماني من مماليك السلطان السلجوقي ملكشاه بن ألب أرسلان، من قادة حركة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين. كان أميرًا للموصل، وتولى تربية عماد الدين زنكي وتعليمه فنون الفروسية والقيادة والقتال.
كربوغا قبل توليه حكم الموصل
ظهر كربوغا على مسرح الأحداث عقب وفاة السلطان السلجوقي جلال الدولة ملك شاه، حيث لعب دورًا بارزًا في الصراع الذي نشب داخل العائلة السلجوقية الحاكمة، وانحاز إلى تركان خاتون (زوجة ملكشاه الأخيرة) في صراعها مع بركياروق من أجل تولية ابنها محمود (ولد عام 1087 م) الحكم، وقد حسم ذلك الصراع بأن تولى محمود حكم أصبهان وفارس، وحكم بركياروق بقية الدولة السلجوقية، غير أن محمود سرعان ما توفي سنة 1094، فسار بركياروق إلى أصبهان، فدخلها وتملكها[1].
غير أن صراعًا آخر نشب بين بركياروق وعمه تتش، الذي أخذ يطالب بالسلطنة، وكان كربوغا في تلك المرة في صف بركياروق، وعندما انتصر تتش، كان مصير كربوغا الاعتقال في حمص، وبعد مقتل تتش عام 1094 وتفرُّق أملاكه بين ولديه دقاق ورضوان، جرت اتصالات بين بركياروق ورضوان أُطلق على إثرها سراح كربوغا.[2]
حكم الموصل
بعد إطلاق سراح كربوغا، نجح في سنة 489 هـ في الاستيلاء على حران ونصيبين، ثم تمكن من الاستيلاء على الموصل، وكان ذلك في الرابع من ذي القعدة عام 489 هـ (أكتوبر 1096 م)، منهيًا بذلك حكم بني عقيل، ومستهلًا بذلك حكمه للموصل، الذي دام حتى وفاته عام 495 هـ (1101 م).[3]
حصار أنطاكية
حاصر الصليبيون أنطاكية ثمانية أشهر، نجحوا في نهايتها في احتلال المدينة في 3 يونيو 1098، وكان سقوط أنطاكية قبل أربعة أيام فقط من وصول كربوغا صاحب الموصل على رأس جيش كبير أنفذه بركياروق لنجدتها، وكان كربوغا قد توقف في طريقه وحاصر الرها ثلاثة أسابيع، أخرته عن نجدة أنطاكية، وقد سمع كربوغا بسقوط أنطاكية وهو يهم بعبور الفرات، لكنه واصل المسير بجيشه عن طريق نهر العاصي، لعلمه بأن قلعة أنطاكية ما زالت بيد المسلمين، فشدد الحصار على أنطاكية برًا وبحرًا، وعسكرت قوات كربوغا جنوبي أنطاكية عند باب البحر، وتسلم كربوغا القلعة من شمس الدين بن ياغي سيان، وضيق الخناق على الصليبيين ـ الذين لم يكن قد استقر بهم المقام بعد في أنطاكية ـ حتى أرسل إليه الصليبيون وفدًا "يطلبون منه الأمان ليخرجوا"، وكان من رجال هذا الوفد بطرس الناسك، غير أن هذا الوفد عاد خالي الوفاض بعد أن رفض كربوغا طلبهم قائلًا: لا تخرجون إلا بالسيف.[4]
غير أن كربوغا تردد في إصدار الأمر بالهجوم على الصليبيين أثناء خروجهم من المدينة المحاصرة، ولم يبدأ هجومه إلا بعد أن تكاملت جموع الأعداء، وانتهى الأمر بهزيمة الجيش الإسلامي، ومقتل الآلاف من المسلمين، وكان ذلك في 28 يونيو 1098.
أيامه الأخيرة
بعد هزيمة أنطاكية، توجه كربوغا إلى الموصل، حيث ساهم مرة أخرى في صراع السلطة الذي نشب بين بركياروق وأخيه محمد، وفي سنة 1100 م أرسله السلطان بركياروق إلى أذربيجان فاستولى على معظمها، وعندما وصل إلى مدينة خوي، سقط مريضًا، وبعد ثلاثة عشر يومًا ـ في منتصف ذي القعدة سنة 495 هـ (1101 م) ـ توفي كربوغا في خوي، ودُفن بها،[5] وخلفه في حكم الموصل موسى التركماني، نائب كربوغا في حصن كيفا، الذي كاتبه الموصليون بعد سماعهم نبأ وفاة الأمير قوام الدين كربوغا.
المراجع
- ابن القلانسي: ذيل تاريخ دمشق، ص 127
- ابن العديم: زبدة الحلب في تاريخ حلب، ج 2، ص 118
- رشيد الجميلي: كربوقا صاحب الموصل والصليبيون. مجلة "التاريخية"، سنة 1972، العدد 2، ص 228 ـ 241
- ابن الأثير: الكامل، ص 277
- ابن الأثير: الكامل، ج 10، ص 341