محيي الدين الخياط
العلامة الشيخ محيي الدين الخيّاط (1875 – 1914) من مواليد مدينة صيدا المحروسة، هو نجل السيد أحمد بن السيد إبراهيم الخياط.
دراسته
تلقى دراسته الأولى في مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في صيدا، وما إن بلغ السادسة عام 1881 حتى ختم القرآن الكريم وأتقن مبادئ اللغة العربية.
في عام 1881 انتقل مع والده وعائلته إلى بيروت، فأكمل دراسته في مدارس مقاصد بيروت وكان الأول في صفه باستمرار، وقد تعلم النحو والصرف والفقه والتوحيد والجغرافيا والحساب والخط العربي، فضلاً عن اللغة التركية (العثمانية). في عام 1889، وعلى رغم صغر سنه، ونظراً إلى ما أظهره من النجابة والتفوّق، فإن جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت تعاقدت معه، وانتدبته للتعليم في مدارسها للصفوف الابتدائية ومن ثم للصفوف الثانوية، وكان في الوقت نفسه يتابع دراسته، وقد تتلمذ على علماء عصره وفي مقدمهم العلماء: الشيخ يوسف الأسير (1815 – 1889)، والشيخ إبراهيم الأحدب (1824 – 1891)، والشيخ عبد الرحمن سلام (1871 – 1941) وسواهم.
مواهبه ومناصبه
جمع العلامة الشيخ الخياط بين التعليم والدعوة إلى الإسلام والخطابة والإمامة والتحصيل العلمي والتأليف. كان أديباً وفقيهاً وشاعراً بارزاً ومحرراً وكاتباً في صحف "ثمرات الفنون" و"الإقبال" و"الاتحاد العثماني" صحيفة ولاية بيروت الرسمية، كما كان مدرساً بارعاً، ثم ما لبث أن أصبح مفتشاً عاماً في مدارس مقاصد بيروت، كما آمن بالإصلاح والتحديث، لذا أصبح عام 1913 عضواً في جمعية بيروت للإصلاح.
مؤلفاته
دروس التاريخ الإسلامي (5 أجزاء)، دروس الصرف والنحو (جزءان)، دروس القراءة (4 أجزاء)، دروس الفقه، مدخل إلى دروس القراءة، سوانح وبوارح، شرح ديوان أبي تمام، شرح ديوان ابن المعتز، تعليق على شرح نهج البلاغة للشيخ محمد عبده، والوطن أو سلسترة (تعريب من التركية).
وفاته
في عام 1914 أصيب العالم الجليل بمرض قاتل، وفي غضون عشرة أيام، وبالتحديد في 7 نيسان 1914 وافته المنية، ولم يبلغ بعد الأربعين من عمره. وقد أصيب البيارتة وأهل صيدا والولايات العربية بصدمة لخبر وفاة عالمهم الجليل. أقيم له حفل تأبين ورثاه علماء بيروت ولبنان والأمة العربية والإسلامية. واحياء لذكراه و تكريما لمآثره , أطلقت بلدية بيروت اسمه على شارع في منطقة المصيطبة.
من قصائده
خيمة من زمرد ذكرت بالفضاء ربعا ودارا . . . فهي تأبى دون الفضاء ديارا
ذكرت ظعنها فهاجت وهامت . . . فهي تأبى التهويم إلا غرارا
خلها للظعين تفري الفيافي . . . تقترى أثره وتبري القفارا
هزها الشوق والغرام حداها . . . فهي تأبى دون القرار قرارا
نزعت تضمر الرهان بقفر . . . هي فيه لن تبلغ المضمارا
ملعب دونه الصوافن حسرى . . . مثلما دونه القلوب حسارى
أيها الصافن الجري رويدا . . . صافنات الأفكار ليست تجارى
تبتغي قبة الأثير مجالا . . . لخطاها فاحذر عليها العثارا
يرجع الطرف خاسئا عن مداها . . . حيث لا يدرك المجلي الغبارا
هي ترجو كشف السرار ولكن . . . أين منها أن تدرك الأسرارا
موقف عنده الأنام حيارى . . . وسكارى وما هم بسكارى
موقف كم به خواطر شتى . . . خطرت وهي ترقب الأخطارا
ولجت في محيط لج فخاضت . . . في دجاه الخضارم الزخارا
ركبت صهوة الفضاء فزلت . . . ثم راحت تستصرخ الآثارا
فلكا دائرا وشمسا وبدرا . . . ونجوما منازلا أدوارا
روضة من بنفسج عقد الأفـ . . . ـق عليها من زهره أزهارا
خيمة من زمرد أو غدير . . . سندسي يموج بالشهب نارا
يا لنهر على المجرة يسقى . . . نرجس الأفق من سناه جمارا
سرطان يعوم فيه وحوت . . . وترى النسر حام يبغي وجارا
ويصب الميزان بالشط منه . . . ما عهدنا كنهره أنهارا
والثريا كطائر من نضار . . . أو كجام بمحفل الأفق دارا
وسهيل ظمآن يبغي ورودا . . . أو مشوق يستطلع الأخبارا
زهرة الزهر بين ريا الخزامى . . . ذكرتنا زهر الربى والعرارا
وكأن الجوزاء شجرة تبر . . . حولها الفرقدان طيران طارا
وكأن السماك في رمح نار . . . ثار يبغي من الدجنة ثارا
وذكاء سبيكة من لجين . . . في زجاج تذوب الأنوارا
وهلال كمخلب من عقاب . . . منجل الأفق يحصد الأعمارا
وبنات السماء تحمل نعشا . . . مستديرا فوق الرؤوس استدارا
رب ورقاء فوق خوطة بان . . . جددت لي بسجعها تذكارا
ذكرت إلفها فحنت وأنت . . . وتغنت تهيج الأطيارا
أعربت لحنها فكادت بشجو . . . وشجون تستنطق الأشجارا
بلسان الزمان تطلب مني . . . شرح حالي وحالتيه جهارا
قلت : ذات الهديل هيهات عني . . . أن تميطي أو تهتكي الأستارا
حالتي لو عقلت يا ذات طوق . . . لاختصرت المقال فيها اختصارا
أو تفكرت في المنى والمنايا . . . لنسيت الآمال والأفكارا
أبنات الغدير غادرت طرفي . . . ذا شؤون ولم يكن غدارا
رددي النوح يا حمام فقلبي . . . بين نوح الحمام والوجد طارا
حدثي النفس فالحديث شجون . . . عل منك الحديث يشفي الأوارا
عل منك الهديل يرجع قلبا . . . قلبا بالغرام طار فحارا
ليس بدعا أن حار فالكون هاد . . . مرشد والأنام فيه حيارى
أمم حالها عجيب ودنيا . . . هي منهم والله أعجب دارا
في فيافي الوجود تاهوا قديما . . . وهم الآن يقطعون القفارا
يعجب الدارس الحقائق عنهم . . . وهو يتلو من خلقهم أطوارا لو يأوبون للضمير جميعا . . . لرأينا الملائك الأبرارا
غرمنا الأغرار عصر حديث . . . سل بالأحداث الظبي والغرارا
ملك اللب حير الأفكارا . . . أدهش السمع أذهل الأبصارا
لقبوا علمه بعلم الترقي . . . صح هذا لو لم ندنسه عارا
شوه الله وجه علم علينا . . . شوه الدين شوش الأفكارا
ليت شعري ماذا جنينا منه العلـ . . . ـم وماذا جنى بنوه ثمارا
هل جنينا غير التفنن بالأز . . . ياء والبذخ والفجور اختيارا
أم جنينا منه التفنن بالمكسـ . . . ـيم والرشاش الذي لا يبارى
بل فقدنا الأخلاق والدين فيه . . . وعدمنا عفافنا والوقارا
ولبسنا ثوب الغواني دريسا . . . وخلعنا عذارنا للعذارى
أن تقر الحرية اليوم هذا . . . فابك يا رق واندب الأحرارا
أبهتك الستار سدنا البرايا . . . أم بذات الخمار شدنا الفخارا
أنماري حكم النواميس جهرا . . . ونواري الحقائق استكبارا
ونساوي من لا يساويه شيء . . . أو يساوي الأضداد والأغيارا
أو يعيد الأوضاع وضعا جديدا . . . أو يخطي الوجود والأقدارا
نعرف الداء والدواء ولكن . . . لم تراع الأزمان والأدوارا
لم نراع الأخلاق والأطوارا . . . لم نراع الأجسام والأفكارا
نعرف الداء والدواء وننسى . . . أن داء الأساة زاد انتشارا
نعرف الداء والدواء وننسى . . . أن جرح الأساة أمسى جبارا
نعرف الداء والدواء ونبغي . . . أخذه صبرة وننسى البوارا
أيناجى من شأنه أن يناغى . . . أم يمارى من شأنه أن يجارى
أيها العصر أي علمك أجدى . . . دعة راحة ذماما ذمارا
أنت عصر العلوم لكن عليه . . . قذف الجو ريحه إعصارا
لا تذم العلوم منك ولكن . . . سنذم الآثام والأوزارا
أيها المنكر المكابر عفوا . . . كبرت يوح بالضحى توارى
إن أردت الدليل دون انحياز . . . أبلجا ناصعا يضاهي النهارا
هذه الناس والشعوب جميعا . . . لك كالدرس فاختبرها اختبارا
وانتخب أعرق الجميع علوما . . . ونفوذا وسطوة واقتدارا
ثم قابل أعماله والترقي . . . بعلوم الأخلاق تلق اعتبارا
غمض حق ونقض عهد وجورا . . . وفجورا وأثرة وختارا
لا يرى غيره من الناس إلا . . . مثلما يرى الهصور الفرارا
كل حكم له شذوذ وخرق الـ . . . ـحكم في الخلق سنة لا تبارى
وبحكم المجموع حكم البرايا . . . وعليه لا تنكر الأخيارا
حكمت سنة البقاء قديما . . . أن تجاري الشعوب من كان جارا
وتضحى على هياكل ضعف . . . هكذا الضعف يقصف الأعمارا
لا ترع أيها اليراع فعهدي . . . أن تروع المهند البتارا
إن فوق الطروس منك صريرا . . . يستبيل الغضنفر الزارا
وإذا ما جرى خميسك بالخمـ . . . ـس يقل العرمرم الجرارا
زعموا الدين والترقي محالا . . . زعموا باطلا وقالوا كبارا
إن أسفار كل دين دليل . . . إن أرادوا فلينظروا الأسفارا
إن آثار ديننا هي فيهم . . . إن أرادوا فلينظروا الآثارا
وليحيوا وسطى القرون وما قـ . . . ـبل فقد يحمد السراة السرارا
دار مصر والقيروان وغرنا . . . ط وفاس وبصرة عمت دارا
وسمرقند من دمشق وبغدا . . . د عليك الديار تبكي الديارا
لعب ذكرنا القديم وهزؤ . . . إنما ذكره يعد اعتبارا
ليس يجدي المجد القديم ولكن . . . يتأسى من ينشد الأشعارا