منير جميل حبيب روفا (1934م - 1998م)، جاسوس إسرائيلي من أصل عراقي تمكن في عام 1966م من الهروب بطائرة ميغ 21 تابعة للقوات الجوية العراقية إلى مطار في إسرائيل في عملية منظمة من قبل الموساد واشتهرت بعملية 007، اعتبر الموساد هذه العملية المخابراتية واحدة من أنجح عمليات الموساد. تمكنت المخابرات الإسرائيلية أيضا من تهريب جميع أفراد عائلة منير روفا من العراق إلى إسرائيل وقام الموساد بإعارة الطائرة المختطفة بصورة مؤقتة لوكالة المخابرات الأمريكية لغرض إجراء التحليلات الفنية والهندسية المتعلقة بنظريات الطيران والخاصة بتصميم الطائرة.
منير روفا | |
---|---|
معلومات شخصية | |
الميلاد | 1934 بغداد |
تاريخ الوفاة | 1998 |
سبب الوفاة | نوبة قلبية |
مواطنة | العراق |
الحياة العملية | |
المهنة | طيار مقاتل |
تهم | |
التهم | خيانة الوطن |
بعد هبوط الطائرة عقد مؤتمر صحفي سمح لمنير روفا بالتحدث لفترة وجيزة تحدث فيها عن دوافعه لخيانة بلده وسلاحه مدعيا بأنه كان يعاني من التفرقة الدينية وأنه يشعر بأن العراق ليس بلده لذلك طلب اللجوء والهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وبعد فترة وجيزة التحقت عائلته به في إسرائيل ولم يسمح له بمغادرة الأراضي الإسرائيلية والتوجه إلى أمريكا. بل منح الجنسية الإسرائيلية وكوفئ بمنحة مالية.
منير روفا كان ضابطًا طيارًا مسيحيًا عراقيًا برتبة نقيب وجاسوس عمل لصالح إسرائيل من مواليد بغداد عام 1934 م من عائلة ينحدر أصلها من الموصل قرية تل الكيف، لأسرة كلدانية كاثوليكية فقيرة، وكان ترتيبه الثاني ضمن تسعة أبناء لموظف بسيط، عوقب بالطرد من وظيفته في وزارة الزراعة، والحبس لعدة أشهر بسبب تلقيه الرشاوى. متزوج وله بنت وولد، أصول عائلته جاءت لاجئة للعراق مع الكثير من العوائل المسيحية التي كانت تقطن جنوب شرق تركيا وجبال شمال غرب إيران بقرار من عصبة الأمم بسبب الأذى الذي عانت منه تلك العوائل أثناء العمليات العسكرية للحرب العالمية الأولى فتم توطينهم في القرى المسيحية المحيطة بالموصل، ويعتقد بعض المحللين إن هذا الأمر جعله يعاني من عقد المواطنة ورغبته الجامحة للهجرة لوطن الاستيطان الافتراضي "أمريكا".
تجنيده في الموساد
تم تجنيده للعمل في الموساد عام 1965 كونه أحد طياري الميغ 21 المتقدمة في ذلك الحين فيما يعرف بالمهمة 007 للتشابه الغريب مع أحد أفلام جيمس بوند لاختطاف طائرة قاصفة متطورة.لقد دخلت طائرة الميغ 21 المنطقة على اثر اتفاق دول الاتحاد الثلاثي كل من العراق ومصر وسوريا مع الاتحاد السوفيتي، فتمخض ذلك دخول طائرة الميغ 21 لاول مرة للمنطقة الشرق الأوسط عام 1965. وكان من المؤمل ان يكون الاتحاد المزمع اقامته بديلاً عن الجمهورية العربية المتحدة وكان من اهداف قيام الاتحاد الوقوف بوجه إسرائيل لاسيما وان قادة الدول الثلاث جميعهم قد اشتركوا بالحرب الفلسطينية الأولى عام 1948 وهم الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس عبد السلام عارف والرئيس أمين الحافظ والرؤساء الثلاثة ينتمون إلى الطبقة العسكرية التي احدثت تغيرات كبيرة في بلدانها ولهم معتقداتهم الثورية والوطنية والنزعة الوحدوية التي تنظر إليها إسرائيل بعداء يهدد كيانها إذا ما اقيمت تلك الوحدة كما أنهم ساندوا حركات التحرر العالمية والعربية ضد الاستعمار والاحتلال بضمنها سياسات الولايات المتحدة، علاوة على ذلك جميع هذه الأنظمة تبنت الفلسفة الاشتراكية بشكل أو اخر وهي صيحة العصر الاقتصادية يومذاك الامر الذي تعده الولايات المتحدة والعالم الغربي عامةً امر معادي لسياساتها واقتصادها المبني على الرأسمالية والاقتصاد الحر، وكانت الدول العربية الثلاث تعتمد في سياساتها وتسليحها بشكل كبير على الاتحاد السوفيتي الذي كان يدعم العرب في الوقت الذي فيه كانت الولايات المتحدة تدعم إسرائيل كحلقة من حلقات سباق التسلح بين المعسكرين الشرقي والغربي للسيطرة على مناطق نفوذ في العالم كل على حساب الطرف الاخر.
الخلفيات السياسية وسباق التسلح
جراء سياسة الحرب الباردة وسعي الدول لامتلاك أفضل ما توصلت اليه تكنولوجيا السلاح تنفيذاً لسياسة سباق التسلح بين العالمين الغربي والشرقي، تم اعتماد ميزانية ضخمة وصلت إلى ستة مليارات دولار لجهاز المخابرات المركزية الأمريكية، حصل من خلالها على التكنولوجيا المتطورة العالية وتوظيف ما يزيد على 250 ألف موظف وعميل انتشروا في سائر دول العالم وذلك لتحسين فاعلية الجهاز وقوة تأثيره بحيث استطاع إسقاط الحكومات في جواتيمالا والكونغو وقبرص وإندونيسيا وإيران، والتصفية الجسدية لرؤساء الدول والشخصيات المعارضة للسياسة الاميركية الطامحة للحصول على مراكز نفوذ استراتيجي، حيث تم اغتيال رئيس الدومينيكان رافائيل تروجيللو أمام قصر الرئاسة بوساطة حقائب دبلوماسية مفخخة، واغتيال الرئيس الفييتنامي نجودين دييم بذات الوسيلة، ثم اغتيال الرئيس الأمريكي نفسه جون كينيدي بتخطيط ما زالت أسراره شبه مكتومة حتى الآن، واغتيال كل من داعية الحقوق المدنية في اميركا مارتن لوثر كينغ والمناضل الأرجنتيني تشي جيفارا وعشرات محاولات اغتيال الرئيس الكوبي فيدل كاسترو، علاوة على اللغز المحير لمقتل الرئيس العراقي عبد السلام عارف الذي سقطت الطائرة التي تقله في ظروف غامضة والذي اقنع بصعوبة الاتحاد السوفيتي لتسليح العراق بطائرة الميغ 21 المتطورة والقاصفة انتونوف وعدد من منظومات الدفاع الجوي والإنذار المبكر المتقدمة، واغتيال الطيارين العراقيين المتخصصين بالطائرة المتقدمة ميغ 21 كل من النقيب شاكر محمود يوسف والنقيب محمد غلوب والملازم الأول حامد الضاحي بالتنسيق مع الموساد الإسرائيلي إضافةً إلى تصفية العلماء المشتغلين في مجال التسليح والتصنيع العسكري والحربي والمفكرين المشتغلين في مجال مناهضة الامبريالية والهيمنة الغربية مثل عالمة الذرة المصرية سميرة موسى عام 1952 والكاتب المكسيكي المشهور إلما بويل بوينديا.
استنادا إلى ملفات الموساد فإن الاتحاد السوفيتي بدأ بالتعاقد لتزويد الدول العربية بطائرات الميغ 21 الحديثة إلى منطقة الشرق الأوسط منذ عام 1961 وبحلول عام 1963 عندما تسلم مائير عاميت رئاسة الموساد كانت طائرات الميغ 21 جزئا رئيسيا في قوات سلاح الجو في مصر وسوريا والعراق وكانت عملية تزويد الطائرات إلى تلك الدول محاطة بإجراءات أمنية سوفيتية عالية لغرض عدم تسريب التكنولوجيا فقد اشترط السوفيت ان يشرفوا على الإجراءات الأمنية وكان هناك غموض وفضول كبير في الغرب عن قدرة وفعالية هذه المقاتلات الجديدة وحاول الموساد اختراق هذا الحاجز الأمني الكثيف حول الطائرة الجديدة في العراق ومصر وسوريا ولكن محاولاتها نجحت فقط في العراق [1].
لماذا طائرة الميغ 21
تتميز الميج 21 بانها من الطائرات المتقدمة في ذلك الوقت فهي طائرة اسرع من الصوت تعمل بالبنزين الذي اعطاها ميزة السرعة والإقلاع الخفيف في حين وقود الطائرات الأخرى عبارة عن مادة (RT) وهو نوع نظيف من النفط الأبيض الكيروسين. وتعد هذه الطائرة من طائرات القتال الجوي لمناورتها العالية وقاصفة ذات احمال خفيفة علاوة على امكاتية اسنادها للقطعات الأرضية المشتبكة، حيث في الطائرات الاعتيادية الأخرى تتخصص طائرة لكل مهمة من هذه المهام. وتتميز أيضاً طائرة المغ 21 عن باقي الطائرات مثيلاتها بسرعة فائقة تقدر بحوالي 2062 كم في الساعة. ويمكنها التحليق في دائرة مغلقة طولها 500 كلم، وبسرعة 1298 كلم في الساعة وفي دائرة مغلقة طولها 100 كلم. وتبلغ السرعة القصوى للطيران المستوي 2375 كم في الساعة، في حين كانت السرعة بمقدار النصف عند السكاي هوك في ذلك الوقت و1،4 للفانتوم و1،5 للميراج. كما كانت قياسات الطائرة محيرة إذ بلغ عرض اجنحتها 7,60 م وطول جسمها 16,75 وهذا ما لم يتوفر للطائرات الأمريكية الفرنسية وتحولت إلى لغز من الألغاز والأهم من ذلك كله ان كل هذه الميزات كانت موضوعة بين ايدي الطيارين العرب وتفتقد إليها إسرائيل فكانت الرغبة عارمة لكشف أسرارها عن كثب حيث أصبحت هدفا للسعي الأمريكي إسرائيل لاختطاف احداها للوقوف على خفايا قوتها.
أهداف من وراء الكواليس
يعتقد بعض المؤرخون والمحللون السياسيون ان عملية 007 كانت تحمل اهدافا خفية بالإضافة إلى الهدف الرئيس المعلن بكشف تكنلوجيا السلاح الجديد ميغ 21 التي أصبحت جزءا رئيسيا في ترسانة سلاح الجو في مصر والعراق وسوريا حيث يرى البعض ان إسرائيل ارادت ان تحقق سبق أو ضربة استخبارية تجني منها ثلاث فوائد هي:
- احباط معنويات الجندي العربي واظهار إسرائيل بمظهر العملاق بعد أن كانت سمعتها وقتذاك لاتعدو كونها دويلة أسستها بعض المجموعات بدعم دولي.
- كانت تطمح هي واميركا بالتعرف على هذا السلاح المتفوق الجديد لتتمكن من ردعه وهي على أبواب حرب 1967 التي تنوي شنها مباغتة بأسلوب الحرب الخاطفة.
- رد اعتبار في الداخل الإسرائيلي وخارجياً عربيا وعالميا بعد عدد من الهزائم والإخفاقات الاستخبارية وهي:
- في نهاية العام 1961 ألقت المخابرات المصرية القبض على الجاسوس المصري جان ليون توماس وهو أرمني الأصل، واعترف خلال التحقيق أن الموساد جنده للعمل على تجنيد طيار مصري بغية الهروب بطائرة ميج 21 إلى إسرائيل مقابل مليون دولار.
- فضيحة عام 1963 عند القاء القبض على عميلين للموساد في سويسرا هددا ابنة عالم ألماني يعمل في القاهرة أدت إلى اقالة مدير الموساد هاريل وتولية عاميت الذي استحصل على ميزانية أكبر للموساد لجلب المزيد من معداته وأدواته ومختبرات البحوث الفنية، وضم المزيد من الخبراء إلى الجهاز.
- افتضاح أمر الجاسوس الإسرائيلي ايلي كوهين عام 1965 في سوريا، بعد أن أصبح عضوًا بارزًا في الحزب الحاكم، ووزيرًا وعضوًا في مجلس الشعب، من قبل المخابرات السورية بالتعاون مع رجل المخابرات المصري المعروف رفعت الجمال الملقب برأفت الهجان.
- الكشف عن شبكة تجسس إسرائيلية تديرها بقايا وكالة الهجرة اليهودية في العراق من خلال مدارس الطائفة اليهودية في العراق "خصوصاً مدرستي شماش وفرنك عيني". ومن أبرز عناصرها الجاسوس اليهودي العراقي عزرا ناجي زلخا وزوجته روان.
- الضربة القاصمة بسقوط الجاسوس وولفجانج لوتز وزوجته في القاهرة.
- كشف الدور الإسرائيلي في الاشتراك بقتل ابن بركة في فرنسا.
- افتضاح الدور الإسرائيلي بالقيام بعمليات تخريبية، ضد بعض المنشآت الأجنبية في مصر على نحو يجعلها تبدو وكأنَّها من صنع بعض المنظمات المصرية، فيما عرف باسم فضيحة لافون.
رسم الخطة الرئيسة والخطط البديلة
تلى ذلك وضع الخطط من قبل وكالة المخابرات الأمريكية والموساد لاختطاف الطائرة والتي كانت اما اعتراض طائرة مصرية أو سورية واجبارها على الهبوط في إسرائيل وهذه الخطة فاشلة لان إسرائيل لا تمتلك طائرة تضاهي ميغ 21 سرعة ولا بمقدور الطيران الإسرائيلي اعتراض الميغ بسبب مهارة الطيارين العرب مما سيؤدي إلى خسارة الطائرات الإسرائيلية وطياريها مما سيؤدي إلى رفع للمعنويات العربية. اما الخطة الثانية هي زرع عميل طيار في إحدى القوات الجوية العربية، وقد رفض الاقتراح لأن تنفيذه يتطلب فترة طويلة. الخطة الثالثة نصت على تجنيد طيار عربي وإغراؤه بمبلغ كبير للهروب بطائرته إلى إسرائيل وكان الأمر يحتمل النجاح بنسبة كبيرة وبدأ العمل الاستخباري لمعرفة أي معلومة ولو كانت بسيطة عن طياري مصر والعراق وسوريا من خلال العملاء في العواصم العربية.
تنفيذ المهمة 007
قام جهاز الموساد برئاسة مائير عاميت بوضع الخطط الكفيلة لتحقيق نصر ينقذ سمعة إسرائيل ويعزز من مكانته كمدير جديد للمخابرات وذلك من خلال تنفيذ للوصول إلى الطيارين العرب وكانوا من العراقيين فتم اختيار اربعة منهم الأول النقيب الطيار شاكر محمود يوسف، وكان منفتحا ولديه العديد من الصداقات والثاني الملازم أول الطيار حامد الضاحي وكان متدينا ودمث الخلق ولا يحب اقامة العلاقات، والثالث فهو النقيب الطيار محمد غلوب اما الرابع فكان النقيب الطيار منير روفا وهو الطيار الوحيد المسيحي بينهم وكان المطلوب رقم واحد بسبب سهولة استغلال لعبة العقائد والاقليات في عالم الجاسوسية ولكن لوحظت ملازمته للقاعدة العسكرية حتى في اجازاته.
عام 1965 تلقت الموساد برقية من جون ميكون مدير جهاز وكالة المخابرات الأمريكية ينذر بوصول طيارين عرب من قادة الميج 21 إلى الولايات المتحدة في دورة تدريبية، وان المطلوب التنسيق من أجل تجنيد أحدهم. واكد تلك التقارير الجاسوس الإسرائيلي في العراق عيزرا ناجي زلخا الذي تم تكليفه بمتابعة النقيب الطيار شاكر محمود يوسف الذي تمت مراقبته من قبل العميلة الاميركية اليهودية كروثر هلكر أثناء سفره لاميركا، ثم لاحقته بعد عودته إلى العراق التي استدرجته إلى إحدى شقق الجاسوس عيزرا ناجي زلخا في محاولة لتجنيده وعند مصارحته باغتها بسحب حزام بنطاله وبدأ بضربها بعنف وفي غمرة ثورته دخل عليه الجاسوس عيزرا ناجي زلخا وقتله وغادرت هلكر إلى لندن حيث قامت المخابرات بقتلها لكي لا تنكشف العملية، خاصة ان تلك المرحلة شهدت انكشاف الدور الإسرائيلي في الاشتراك بقتل ابن بركة في فرنسا. اما الملازم أول حامد ضاحي الذي كان في السادسة والعشرين من العمر فقد عرض عليه الإقامة والعمل في أمريكا مع المخابرات مقابل مبلغ كبير لكن حامد الضاحي أبلغ امرية بالامر الذين وضعوا خطة بالتنسيق مع الاستخابرات العسكرية العراقية للإيقاع بهم وتقرر نقله إلى العراق على وجه السرعة إلا أن اجراءات السفر الاميركية اخرته ثلاثة أيام، حيث تمكن الموساد اثنائها من الإجهاز عليه بعد تحديد موعد كاذب له مع أحد زملائه في احدي الكافتريات مما أدى إلى إنهاء الدورة قبل أنقضاء مدتها بشهر واحد وعودة الطيارين إلى العراق. اما اغتيال الطيار الثالث محمد غلوب فقد تم من قبل الموساد بالتعاون مع المخابرات الإيرانية السافاك في باريس بعد رميه من القطار.
جاء دور النقيب الطيار منير روفا الذي تم تجنيده أثناء حضوره إحدى الحفلات الفنية الترفيهية في أحد النوادي حيث تعرف على باربرا وهي سيدة إنجليزية تبين له لاحقاً بانها زوجة مدير مجموعة شركة النفط العراقية المحدودة الشهيرة بتسمية (IPC) التي تم تأميمها لاحقاً على عهد الرئيس الاسبق أحمد حسن البكر عام 1972، والتي كانت رأس حربة وقاعدة للمصالح البريطانية في العراق والمنطقة ووكراً للجاسوسية " وللمزيد من المعلومات راجع محاكمة الجواسيس عام 1969 ".
كانت السياسة البريطانية في تلك الفترة تطمح لرد اعتبارها على اثر الهزيمة المنكرة في العراق بعد الإطاحة بمصالحها ورجالاتها في ثوره يوليو / تموز 1958 حيث كان العراق ورئيس الوزراء والسياسي المخضرم نوري السعيد باشا يمثل قطب الرحى وعراب هذه السياسة في الشرق الأوسط والمنطقة العربية. فربطت بريطانيا دول المنطقة الموالية لها سياسيا واقتصاديا بحلف سمي حلف السنتو أو حلف المعاهدة المركزية أو مجازاً حلف بغداد للوقوف امام المد الثوري والتحرري في المنطقة على اثر حركة يوليو / تموز 1952 في مصر وحركة يوليو / تموز 1958 في العراق وحركة سبتمبر/ ايلول 1962 في اليمن، وكذلك الوقوف امام التوجه الاميركي المتعاظم في المنطقة العربية التي تعتبرها هي وفرنسا تركة لها بعد اتفاقية سايكس بيكو التي منحت الإمارات والولايات العثمانية صفة دولا مستقلة. تطورت علاقة منير روفا مع باربرا بشكل متسارع لإسقاطات مصلحية لكلا الطرفين فارتبط بها بعلاقة عاطفية عارمة سرعان ما تحولت إلى علاقة غريزية محاولا استغلال موقع زوجها المؤثر لدى السفارة البريطانية لغرض تهريبه إلى إنجلترا أو الولايات المتحدة، وهي تعلقت به لوسامته الشخصية ورشاقته العسكرية، ثم رأت فيه الاداة لتنفيذ تطلعاتها ومطامح السفارة البريطانية في بغداد. فأخذا يلتقيان تارةً في الكنيسة بذريعة لصلاة وتارة في الموصل المدينة الشمالية البعيدة تلافيا لانظار زوجها من جهة وانظار الاستخبارات العسكرية العراقية من جهة أخرى والمخابرات البريطانية التابعة للسفارة البريطانية وشركة نفط العراق البريطانية من جهة ثالثة.
من جانبها كانت تصور علاقتها به للمخابرات البريطانية على انها علاقة عمل الهدف منها تجنيده للعمل مع المخابرات البريطانية أو كمصدر للمعلومات عن تسليح العراق وتعبئة قطعاته خصوصاً بعد مشروع الوحدة الثلاثية مع مصر وسوريا عام 1964 على الاخص بعد التطور الخطير على مصالحهم على اثر اتفاق حكومات الدول الثلاثة، لاتخاذ خطوات من شأنها تفعيل الإجراءات الخاصة بالوحدة بين تلك الدول حيث تم تنفيذ خطة التبادل الاستراتيجي للدفاع المشترك الخاص بأنتشار القطعات العسكرية لتلك الدول على اراضيها، ففي عام 1965 تم إرسال بعض قطعات المشاة واسراب الطائرات العراقية لمصر وسوريا وتم استقبال قطعات تلك الدول في العراق بضمنها كتيبة من القوات الخاصة المصرية ومجموعة من عناصر جهاز المخابرات المصري العامل ضد إسرائيل وكان بضمنهم رجل المخابرات المصري المعروف رفعت الجمال الملقب برأفت الهجان في عهد الرئيس عبد السلام عارف، للتنسيق والعمل المشترك للوقوف امام دور الجالية اليهودية في دعمها للتجسس ضد العراق لصالح إسرائيل من جهة ولبناء اللبنات الأولى لتأسيس جهاز المخابرات العراقي الذي كانت تقوم بمهامه إحدى الاقسام التابعة للاستخبارات العسكرية. من جانب اخر ترددت إلى مسمع مدير الشركة علاقة زوجته بالطيار المسيحي الذي وضع هدفا لتجنيده حيث كان تساوره شكوك حول تصرفاتها مما شجعه لتسفيره للتخلص منه. وبعد فترة ابلغت باربرا منير روفا برغبة زوجها مدير شركة النفط لمقابلته الذي التقى زوجها حيث رحب به وشرح له خطة هروبه التي تتضمن مرحلتين:
- الأولى، بضرورة تقديم اجازة مرضية من سربه في قاعدة الرشيد الجوية قرب بغداد والعمل على نقل افراد عائلته إلى المحافظات الشمالية لتهريبهم إلى إيران التي كان يحكمها الشاه محمد رضا بهلوي صديق بريطانيا حيث كان لشركة نفط العراق فرعا في طهران باسم شركة نفط إيران، والتي ستقوم من جانبها بتأمين نقلهم كلاجئين إلى بريطانيا ومن ثم الولايات المتحدة.
- الثانية، ترحيله من البصرة متخفياً إلى بريطانيا الذي من المفترض ان يلتقي عائلته هناك ثم الانطلاق منها إلى الولايات المتحدة.
وافق منير على الخطة مع بعض التعديلات خصوصاُ التوقيتات لأسباب مهنية تتعلق بعمله العسكري. وتلافي متابعة مديرية الاستخبارات العسكرية له. فطلب اجازة مرضية طويلة متحججاً بمرض زوجته لمرافقتها لزيارة اهلها في الموصل وقد رفضت باديء الامر للشكوك التي كنت تحوم حوله من زملائه وامرية حول تذمره الدائم والانطباع لعدم وطنيته الذي عزز ذلك التقارير نصف السنوية لمديرية الاستخبارات العسكرية عنه وطلب دراسة اما ايقافه عن الخدمة العسكرية واحالته على التقاعد أو نقله إلى صنف سلاح اخر بصفة خدمات ارضية، وبقي الامر قيد المتابعة والمراقبة لعدم وجود ادله على خيانته، وايد ذلك بعض زملائه بانه كان يمر بضروف اجتماعية صعبة بزوالها ستزول مبررات تذمره. وبدلاً عن السفر إلى الشمال نحو الموصل سافر بالاتجاة المعاكس إلى الجنوب نحو البصرة حيث التقى زوجها مدير شركة النفط للمرة الثانية الذي رحب به واعد لتنفيذ الخطة لتهريبه بجواز مزور بصفة أحد العمال المشتغلين على ظهر إحدى البواخر من اسطول ناقلات النفط العائدة للشركة.
انطلقت الرحلة والمفاجأة كانت بعد ساعات نوم عميقة من جراء المخدر الذي اعطي له. فوجد نفسه في تل ابيب بدلاً عن لندن. وتم التحقيق معه من قبل الموساد الذي وثق له الصور وأبلغه بأنهم سينشرون هذه الصور مالم يتعاون معهم وأن جميع طلباته ستكون مستجابة وعلى رأسها هجرته وأفراد أسرته إلى الولايات المتحدة ولكن بطائرة حربية عراقية من النوع الحديث الذي تعاقد عليها العراق مؤخراً. رفض باديءالامر مدعيا عجزه عن تحقيق هذه المهمة مع وجود قوة جوية عراقية صارمة واستخبارات عسكرية دقيقة. إلا أن الموساد تعهد بتذليل جميع الصعوبات من خلال العمل على إحداث ثغرات تساعد على خرق الدفاعات والاستخبارات العراقية باستغلال أحد أيام العطل الرسمية وجذب انتباه الاستخبارات والقوة الجوية العراقية لحادث ثانوي مفتعل لتمكين منير روفا بالهرب بالطائرة. وفي الجانب الآخر كانت عائلة روفا قد وصلت إلى الموصل لاتعلم شيئا عما يجري سوى ما أبلغها منير بأنه في واجب عسكري لمدة شهر وعليهم السفر لزيارة الأهل.
بعد عودته عكف بهدوء لتنفيذ الخطة فبعد أشهر تم نقل أفراد عائلته من بغداد إلى الموصل ومنها إلى المناطق الكردية المتاخمة للحدود مع إيران حيث نقلوا بطائرة عمودية إلى داخل إيران ومنها إلى لندن. ظل الطيار منير روفا بعد سفر عائلته إلى لندن في حال عصبية شديدة لكن أحدا لم ينتبه إلى هذا التغيير الذي طرأ على هذا الطيار فكانت تتملكه نوبات من الخوف والقلق على مصيره إذا ما افتضح وعلى عائلته. كانت الساعة قد بلغت الثامنة إلا ربعاً صباح يوم 16 اغسطس / اب 1966 عندما اصطف تشكيل من طائرات الميج 21 التابع لسلاح للقوة الجوية العراقية للقيام بطلعات تدريبية معتادة وكان ضمن الطاقم التدريبي في هذا اليوم الطيار الجاسوس منير روفا.
الهروب
صعد منير روفا إلى طائرته وصعد طيارو تشكيل الميغ 21 الجاثمة على أرض قاعدة الرشيد في بغداد وكان منير قد عقد العزم على ألا يفوت هذه الفرصة مطلقاً، بينما تأخر هو قليلاً بتشغيل محرك طائرته الأسرع من الصوت شغل باقي افراد التشكيل محركات طائراتهم التي أخذت تزمجر على مدارج القاعدة الجوية، على غير عادتها وربما بسبب العطلة الرسمية، كانت القاعدة في ذلك اليوم يشوبها هدوء غريب اشبه بالهدوء الذي يسبق العاصفة، وأخيراً أقلع منير وألتحق خلف التشكيل، وما لبث أن قام آمر التشكيل بالاتصال بمنير ليتحقق من سلامة إجراءات الإقلاع والتوتر الواضح الذي أعتراه منذ الصباح الباكر لهذا اليوم غير العادي، وعلى حين غرة صدم منير الجميع بأبتعاده عن التشكيل وطار بسرعة أعلى بكثير من التشكيل أو حتى السرعة المعتادة في التدريب مدعياً قيامه بمناورة تدريبية ضمن المنهج المقرر، وبعد تأخره لدقائق وجه إليه آمر التشكيل نداء العودة للتشكيل إلا أنه لم يرد عليه فحاول اللحاق به إلا أن منير كان قد تجاوزه بمسافة كبيرة متخذاً طريقه نحو الحدود الأردنية وبسرعة فائقة متجنباً المرور من فوق مدافع مقاومة الطائرات، وعند اختراقه للحدود الأردنية قامت طائرتان من طراز هنتر أردنيتان ذات السرعة الاقل من الصوت، باعتراضه إلا أنه قد أفلت منهما نظراً لفارق السرعة والتقنية واتجه فوراً إلى حدود إسرائيل التي دخلها مخترقاً منطقة البحر الميت.. وبمجرد دخول الطائرة الميغ 21 الأجواء الإسرائيلية رصدتها ثلاثة ردادات كما دوت صافرات الإنذار معلنةً وجود هجوم جوي معادي، أقلع النقيب الطيار ران وكان معروفاً بأنه متخصص بطيران الألعاب بطائرته الميراج 3 الاقل كفاءة عن الميغ 21 والذي تقدم نحو الطائرة بعلمها العراقي الثلاثي النجوم متصوراً هجوما معادياً قد أنطلق صوب إسرائيل، بينما قام عدد من الطائرات بأسناده، وكان الطيارين الإسرائيليين يرون الميغ ذات الجناح المثلث وهي تخترق الأجواء الإسرائيلية ومرت لحظات صمت رهيبه تقطعت فيها الأنفاس.. حتى كسر منير الصمت بالتنحدار قليلاً و خفض سرعة الميغ 21 ليتمكن الطيار الإسرائيلي ران من التسلق بسرعة إلى ارتفاع أعلى من ارتفاع الطائرة الميج 21 وأخذ ران يعد العدة لوضع طائرته بوضع الاستعداد القتالي لمهاجمة الطائرة متصوراً ان مناورةً ما سيقوم بها الطيار المعادي عندما خفض سرعته. وفي هذه الثواني العصيبة دوى صوت قائد القوة الجوية الإسرائيلي مردخاي هود عبر جهاز اللاسلكي الخاص بران وطائرات سرب الميراج المتصدية، يطلب من ران بلهجة حازمة "توقف عن إطلاق النار توقف فوراً" لكي لا يعترض الطائرة الميغ 21 ويصاحبها حتى تهبط.
منير روفا في عمل درامي
في عام 1988 تم اقتباس قصة منير روفا في فيلم رجال السماء وهو فلم تلفزيوني أمريكي ذو ميزانية محدودة من إخراج جون هانكوك وكتابة كرستوفر وود وقام البريطاني بين كروس بتمثيل دور روفا وبمشاركة الممثلة ميرل همنغواي [2] حفيدة الروائي المشهور إرنست همنغواي ويرى بعض النقاد إن الشيء الحقيقي الوحيد الذي تم اقتباسه في ذلك الفيلم هو هروب منير روفا إلى إسرائيل مع طائرة الميغ 21 وكان بقية الفيلم مليئا بالأخطاء التأريخية والعسكرية فعلى سبيل المثال كانت طائرة الميغ التي تم استعمالها في الفيلم أقدم بجيلين من الطائرات مقارنة بالميغ المتطور آنذاك التي إستعملها منير روفا والتي كانت طائرة اسرع من الصوت تعمل بالبنزين الذي اعطاها ميزة السرعة والإقلاع الخفيف بينما كانت الطائرة المستعملة في الفيلم عبارة عن الميغ 17 ويرجع هذا إلى ميزانية الفيلم المحدودة [3].
قامت الممثلة ميرل هامنغواي بتجسيد دور باربرا التي كانت في الحقيقة سيدة إنجليزية وزوجة مدير مجموعة شركة النفط العراقية التي تم تأميمها لاحقاً ولكنها تظهر في الفيلم على انها مواطنة أمريكية. كما يركز الفيلم على اصول روفا المسيحية وهناك نصوص في الفيلم على لسان الممثل بين كروس (منير روفا) بانه تعرض للاضطهاد بسبب كونه مسيحيا في دولة إسلامية. تحاول باربرا إغراء الطيار العراقي المتزوج بتوجيه من الموساد وعندما يكتشف الطيار حقيقتها يكون الوقت متؤخرا جدا للتراجع فهو امام خيارين إما خطف الطائرة إلى إسرائيل أو التعرض إلى الشنق من قبل الحكومة العراقية ويظهر الفيلم دور كبيرا لميرل همنغواي في تهريب افراد عائلة منير روفا إلى إسرائيل [4].
المراجع
- الجاسوس الخائن، تأليف: فريد الفالوجي [5]
- حروب الاستخبارات، تأليف: توماس باورز [6]
- الموساد في العراق ودول الجوار، تأليف: شلومو نكديمون
- مقابلة الكاتب د.جلال النعيمي مع فرج بطرس قريب منير روفا ورئيس جمعية الطيران العراقية في وقت اختطاف الطائرة.
- مقابلة مع بعض طياري القوة الجوية العراقية
- التجمعات البشرية في العراق.. تأليف الفريق طه الهاشمي 1936
- موقع كتب أمازون [7]
- المكتبة المرئية اليهودية [8]
- محاضرات في تاريخ الجاسوسية الإسرائيلية [9]
- مقالة في صحيفة الغارديان [10]