ميثولوجيا الماوري (Māori mythology) أو الميثولوجيا الماورية تتكون من فئتين رئيسيتين وهما التقاليد التي تم توارثها من جيل إلى جيل حتى لا تضيع، والأساطير المتنوعة. وكانت المعتقدات والطقوس والنظرة العالمية لدى مجتمع الماوري تستند إلى أساطير معقدة ورثت من بولينيزيا وقد تم تكييفها وتطويرها لتلائم البيئة الجديدة للماوري. وأثناء قدوم الماوري إلى نيوزيلندا أحضروا معهم تقاليدهم والفولكلور والعادات. كانت الأساطير والمعتقدات الروحية مهمة وتم توارثها من جيل إلى جيل. وعلى الرغم من أن العمل التبشيري المسيحي كان له دور رئيسي في تشكيل نيوزيلندا الحديثة، إلا أن مجتمعات الماوري كانت متمسكة بأسلافهم وأساطيرهم المحلية الموجودة حاليًا.
لقد آمن الشعب الماوري بعالم تسيطر فيه الآلهة على حياة الناس ويمكن العثور عليها في الطبيعة. كل الأشياء لها قوة الحياة. كان لديهم أساطير لشرح خلق الأرض والنجوم والقمر والمناسبات الخاصة. لقد اشتهروا بأعمالهم الفنية المزخرفة واستخدموا الفن لوصف معتقداتهم. كان هناك كهنة اجروا الطقوس. والأرواح كانت جيدة أو شريرة ويمكن أن تؤثر على الناس. ويتم تشارك الأساطير والمعرفة الدينية من خلال قصص للشباب.[1]
مصادر الأساطير
يوجد عدد قليل من الليجندات التي مازالت سليمة ومحفوظة والتي دونت فيها مجموعة من الأساطير والتقاليد الماورية، وأمَّا باقي الليجندات الأخرى والتي سجلت إبان الاتصال الأوروبي بالماوريين فلم تسلم من تقادم الزمان وآفاته فضاعت معها أغلب الأساطير والتقاليد التي تخص شعب الماوري. وكان لدى المبشرين أفضل فرصة وقتئذ للحصول على المعلومات، ولكنهم فشلوا في القيام بذلك في البداية، جزئياً؛ لأن معرفتهم باللغة كانت غير مكتملة. وكان معظم المبشرين الذين أتقنوا اللغة لم يكونوا متعاطفين مع معتقدات الماوريين، باعتبارها "معتقدات صبيانية"، أو حتى "أعمال شيطانية". باستثناء: ج. ف. وهلرز من الجزيرة الجنوبية، وريتشارد تايلور، الذي عمل في منطقتي تاراناكي ونهر وانجانوي، وويليام كولينسو الذي عاش في خليج الجزر، وأيضًا في خليج هوك. "كتابات هؤلاء الرجال هي من بين أفضل مصادرنا لأساطير المناطق التي عملوا فيها".
وفي الأربعينيات من القرن التاسع عشر بدأ إدوارد شورتلاند والسير جورج جراي وغيرهم من غير المبشرين في جمع الأساطير والتقاليد. في ذلك الوقت، كان العديد من الماوريين يعرفون القراءة والكتابة بلغتهم الأم، وكانت المواد التي تم جمعها مكتوبة بشكل عام من قبل الماوريين بنفس الأسلوب الذي يتحدثون به. يبدو أن الوسط الجديد كان له تأثير ضئيل على أسلوب ومحتوى القصص.
تم كتابة الأنساب والأغاني والسرد (القصصي) بالكامل بأسلوب ترتيلي وغنائي أو شاعري. وتم نشر العديد من هذه المخطوطات المبكرة، وبحلول عام 2012، أصبح بإمكان العلماء الوصول إلى مجموعة كبيرة من المواد (أكثر من أي منطقة أخرى في المحيط الهادئ) تحتوي على نسخ متعددة من مجموعات الأساطير العظيمة المعروفة في بقية بولينيزيا، وكذلك التقاليد المحلية المتعلقة فقط بنيوزيلندا. تم العثور على قدر كبير من أفضل المواد في كتابين، نغا ماهي ونغا توبونا (أفعال الأسلاف)، جمعه السير جورج جراي وعنونه: الأساطير البولينيزية؛ والتاريخ القديم للماوري (في ستة مجلدات)، الذي حرره جون وايت.[2]
أصل الماوري وثقافتهم
لا يزال الغموض يحيط بأصل قبائل الماوري البدائية التي تسكن الجزء الشمالي من نيوزيلندا. وتقول الاسطورة الشعبية ان اصل هذه المجموعة العرقية يقوم على ثلاثة احداث عظيمة متصلة. الحدث الأول هو رانجويني، اي أبو السماء وهو الحدث الذي تخلق فيه الماوري، والحدث الثاني هو بابا توناكو، اي الارض الام وهو الحدث الذي هبطت فيه القبائل إلى الارض، اما الحدث الثالث فهو ماوى، اي الآلهة التي اصطادت الارض ومنحتها الخير والبركة.
أما أكبر الاحداث التي أدت لتخلق الماوري فهو تشكل تاوهاكى الذي يرمز للارستقراطية والبطولة وتتمحور حول شخصيته كل الالهة الاخرى والاساطير والاتباع واصل الانسان والذي تحكي عنه الحكايات وينظم فيه الشعر وتقام له الطقوس والاحتفالات الدينية ولا يتجرأ اي من افراد الماوري على الاستهانة بنفوذه وإلا تعرض لصنوف من عذاب الضمير وانتهى نهاية مأساوية.
ويحدد الموروث التاريخي للماورى المراحل الحديثة الثلاث المتصلة لهذا التطور والتشكل بثلاث مراحل اساسية، هي تي كوري، اي لحظة تكون الطاقة والقوة والفراغ والعدم، ثم تي بو اي مرحلة تكون الاشكال والاجسام والظلام والضوء واخيراً تي ماراما اي لحظة تكون البدايات الاولى للحياة والواقع وتحديد المكان الذي يسكنه البشر. ويقول الماوري انهم ابحروا من هاويكي، موطنهم الاسطوري ورست قواربهم بالجزء الشمالي من نيوزيلندا قبل نحو أكثر من الف عام.
ولكن اين تقع هاويكي هذه؟
يعتقد بعض المؤرخين والدارسين انها تقع في منطقة ما بالمحيط الهادي وقد تكون في منطقة بولينيزيا. الا ان بعض الدراسات الحديثة تدعى ان الماوري كانوا يسكنون فيما يعرف حالياً بالصين قبل نحو أكثر من خمسة عشر الف عام، وانهم انتقلوا من هناك عبر تايوان والفلبين إلى اندونيسيا. وتضيف هذه الدراسات إلى انه وقبل أكثر من ستة آلاف عام انتقل الماوري إلى جزر فيجي ومنها إلى ساموا ثم جزر الماركيز التي انتقلوا منها إلى تاهيتي وجزر كوك واخيراً نيوزيلندا. وبالرغم من عدم التحديد الدقيق لموقع هاويكى، المنطقة التي يعتقد الماوري بانها المكان الذي كانوا يعيشون فيه، الا ان الحكايات الشعبية التي يتداولونها تقول انه وبعد ان يلفظ الواحد منهم انفاسه تعود ارواحهم إلى هاويكى المقدسة في رحلة طويلة حيث تلتقي ببقية الارواح في هاويكى وهي تنشد «لقد اشتقت اليك ايها المكان المقدس البعيد ايها الوطن الروحي للماوروي».
وبصرف النظر عن تلك الاساطير والقصص حول اصل الماوري، الا ان كتب التاريخ تذكر ان قواربهم رست على شواطيء نيوزيلندا قبل الف عام، كما ان الشواهد اللغوية والثقافية تؤكد انهم نزحوا من جزر كوك التي كانت مكاناً يضج بالحركة والحياة والنشاط الاجتماعي والتجاري. وبنهاية القرن الرابع عشر شهدت المنطقة تكون تجمعات سكانية كان افرادها يرتدون ملابس مصنوعة من الكتان ويتزينون بجلود الكلاب وريش الطيور مثل الكيوي والموا الذي يبلغ ارتفاعه عن الارض نحو اربعة امتار ولا يوجد الا في هذا الجزء من العالم.
واستطاع الماوري، بعد ان استقرت اوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية تطوير تقاليد فنية متطورة للغاية ويتجلى هذا في الهندسة المعمارية للمنازل وقوارب الصيد والحفر على الخشب والتاتو ـ اي النقش على الجلد ـ الذي يعتبر واحداً من ابرز ملامح الرجولة والقوة. ونظراً لاعتماد الماوري على صيد السمك والطيور فان تجمعاتهم السكانية تتكاثر في مواقع الصيد، الامر الذي جعلهم أكثر تمسكا بما يطلقون عليه «الواهناو» اي العائلة وزاد من ترابطهم الاسري والقبلي وهو النظام الذي يطلقون عليه «هابو» اي القبيلة ومكنهم من رسم حدود واضحة بين مختلف القبائل وشجع الزواج بين افراد القبيلة الواحدة.
ويسكن الماوري داخل قرى محصنة ومنيعة وتحيط بها الاسوار، وان تمكن الاعداء من اختراق السور الخارجي وجدوا انفسهم امام سور آخر. وساعدت هذه الهندسة المعمارية التي تهدف اساساً لحماية السكان وممتلكاتهم على تطور طقوس خاصة بالحرب مثل الرقصات، كما أدت لنشوب العديد من المعارك حول ملكية الارض والثأر ومجموعة من الاسباب الاخرى والتي يتعرض الطرف المهزوم فيها إلى الاسترقاق أو يتحول لوجبة دسمة. وبرغم الغموض الذي يكتنف اصل الماوري الا ان الحقيقة تقول ان هذه التجمعات السكانية البدائية قد تعرضت ومنذ هبوطها بهذا الاماكن إلى هجمات الرجل الابيض الذي جاء ومعه العديد من الامراض الاجتماعية والتهديدات الامنية التي جعلت الماوري يتقاتلون فيما بينهم ويصرفون النظر عن تقاليدهم وموروثاتهم حتى تفشت الامراض وانتشرت العادات الضارة وسطهم بالدرجة التي قد تحولهم إلى شيء من التاريخ المجهول مثل اصلهم تماماً.[3]
الأساطير
السماء والأرض
في الزمن البعيد حيث لا ليل أو نهار، ولا شمس أو قمر، ولا حقول خضراء أو رمال ذهبية، استلقى رانجي، أبونا السماء، في أحضان بابا، أمنا الأرض. ظلا ملتصقين ببعضهما حقبا طويلة، وكان أبناؤهما يتلمسون طريقهم بينهما كالعميان. لم يكن في العالم الذي عاش فيه أبناء رانجي و پاپا أي نور، فتاقوا إلى الحرية، وإلى رياح تهب على رؤوس التلال، وإلى نور يدفئ أجسادهم الشاحبة.
وأخيرا صار التصاق هذا العالم الضيق لا يطاق، فزحف أبناء الأرض والسماء عبر أنفاق أرضهم الضيقة وكهوفها ليعقدوا اجتماعا. جلسوا حيث كانت بضع أشجار تتمدد نحو السماء وتلتوي أغصانها بأشكال غريبة[4]... وبعد هذا الاجتماع ينجح الأبناء بالفعل في فصل أبونا السماء عن أمنا الأرض ولكن بعد محاولات فاشلة وجهد عظيم، ونشأت الكائنات، وظهرت الأشياء...الخ
متاورا ونيواريكا
في العالم السفلي
في سالف العصور السحيقة، راح متاورا، كبير المحاربين، يتقلب في نومه تقلبا. رأى في المنام أن رمحه الخشبي الطويل كان في يده، وأنه كان يخوض معركة مميتة. وكان يحيط به رجال ونساء يجلسون على الأرض ويصيحون ابتهاجا لكل طعنة وضربة. ثم تحول صياح الناس في المنام إلى ضحك. فتلفت حوله بذهول. انزاحت غشاوة النوم عن عينيه وهب وافقا على قدميه. رأى وجوها بيضاء تحملق فيه من الباب والنافذة. تلفت حوله فرأى شعلة شعرهم تؤطرها الفتحة كأنها ریش نبتة التوتو في شمس الصباح.
صاح بهم، «من أنتم؟»
جاءه الرد، «نحن التوريهو»
«من أين أنتم؟»
قالت له إحداهن، «نحن من العالم الأسفل. من أنت؟ هل أنت إله؟» ثم قالت أخرى، «هل أنت رجل؟» فضحكن لسؤالها لأن التوريهو جميعا نساء.
فأجابهن غاضبا، «لماذا تسألن؟ ألا ترين أنني رجل؟»[5]... الخ
ماوي نصف الإله
بعيدا في منتصف المحيط كانت صرة من أعشاب البحر تعلو و تهبط مع الأمواج. وكانت طيور البحر تُحوِّم فوقها وتصرخ. كان طفلٌ رضيعٌ ملفوفا لفًا محكما بشعر أمه يتوسط الصرة التي حمته من الطيور ومخاطر البحر العميق. كان هذا الطفل هو ماوي، ماوي الصغير الملفوف بقنزعة (الشعر يدور حول الرأْس) أمه، ترانغا. كان هذا هو ماوي، الطفل الخامس، غير المرغوب به، الذي ألقي به في البحر وليس له ما يغطيه إلا شعر أمه.
قذف الموج الصرة إلى رمال الشاطئ في الحال، فازدادت جرأة الطيور وتزاحمت عليها أسراب الذباب. بدأ الطفل يصرخ لأن أعشاب البحر راحت تذبل وتتساقط والذباب يحط على جسده الطري. من بيته القريب من الأجراف سمع تاما الساوي صرخة الاستغاثة الرفيعة. هرع إلى كومة الأعشاب، ورفع الشعر المتشابك، وحل لفافة الطفل. اتسعت عيناه لما رأى ماوي في الصرة وقد ازرق من البرد. حمل الطفل بمنتهى العناية، وقفل راجها إلى بيته ثم علقه بعوارض السقف وراح يتأرجح برفق فوق دفء النار المنبعثة من الموقد، فما لبث أن راح يضحك ويلوح بيديه[6]... الخ
مقالات ذات صلة
مراجع
- "Maori Mythology". مؤرشف من الأصل في 2 أغسطس 201902 أغسطس 2019.
- B.G. Biggs. Maori Myths and Traditions. p447.
- "الماوري .. أصل غامض ومستقبل مجهول". مؤرشف من الأصل في 2 أغسطس 201902 أغسطس 2019.
- أ. و. رِيد. أساطير الماوري وحكاياتهم الخرافية. ص 29.
- أ. و. رِيد. أساطير الماوري وحكاياتهم الخرافية. ص 47.
- أ. و. رِيد. أساطير الماوري وحكاياتهم الخرافية. ص 59.