الأبدال هم المرتبة الرابعة من مراتب الأولياء عند الصوفية، وهم من رجال الغيب أي لا يعرفهم أحد [1]. ويعرفون بالرقباء ولهم كرامات خاصة[2]. وتقول بعض المراجع أنهم قوم من الصالحين لا تخلوا منهم الدنيا؛ لا يموت أحدهم إلا قام بدله آخر من سائر الناس[3]، وهم في الشام. وقد ورد فيهم أحاديث نُسِبَت إلى الرسول محمد وردّها المحقّقون، منها:« الأبدال بالشام وهم أربعون رجلا كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا يسقي بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب»[4]. وكل الأحاديث التي على هذه الشاكلة إما مرفوعة أو مقطوعة أو معلولة.
احاديث في الإبدال
(حديث مرفوع) حديث : الأبدال . له طرق عن أنس رضي اللَّه عنه مرفوعا بألفاظ مختلفة كلها ضعيفة . منها للخلال في كرامات الأولياء بلفظ : " الأبدال أربعون رجلا ، وأربعون امرأة كلما مات رجل أبدل اللَّه رجلا مكانه ، وإذا ماتت امرأة أبدل اللَّه مكانها امرأة " . ومنها للطبراني في الأوسط بلفظ : لن تخلو الأرض من أربعين رجلا مثل خليل الرحمن ، فبهم يسقون ، وبهم ينصرون ، ما مات منهم أحد إلا أبدل اللَّه مكانه آخر . ومنها لابن عدي في كامله بلفظ : البدلاء أربعون ، اثنان وعشرون بالشام ، وثمانية عشر بالعراق ، كلما مات منهم واحد بدل اللَّه مكانه آخر ، فإذا جاء الأمر قبضوا كلهم ، فعند ذلك تقوم الساعة . وكذا يروى كما عند أحمد في المسند والخلال وغيرهما ، عن عبادة بن الصامت رضي اللَّه مرفوعا : لا يزال في هذه الأمة ثلاثون مثل إبراهيم خليل الرحمن كلما مات واحد أبدل اللَّه عز وجل مكانه رجلا . وفي لفظ للطبراني في الكبير : بهم تقوم الأرض ، وبهم يمطرون ، وبهم ينصرون . ولأبي نعيم في الحلية ، عن ابن عمر رفعه : " خيار أمتي في كل قرن خمس مائة والأبدال أربعون ، فلا الخمس مائة ينقصون ، ولا الأربعون كلما مات رجل أبدل اللَّه مكانه آخر " ، قالوا : يا رسول اللَّه ، دلنا على أعمالهم ؟ قال : " يعفون عمن ظلمهم ، ويحسنون إلى من أساء إليهم ، ويتواصلون فيما أتاهم اللَّه عز وجل " . وفي لفظ للخلال : " لا يزال أربعون رجلا يحفظ اللَّه بهم الأرض ، كلما مات رجل أبدل اللَّه مكانه آخر وهم في الأرض كلها " . وفي الحلية أيضا ، عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه رفعه : " لا يزال أربعون رجلا من أمتي قلوبهم على قلب إبراهيم يدفع اللَّه بهم عن أهل الأرض ، يقال لهم الأبدال ، إنهم لم يدركوها بصلاة ولا بصوم ولا بصدقة " ، قالوا : فبم أدركوها يا رسول اللَّه ؟ قال : " بالسخاء والنصيحة للمسلمين " . والجملة الأخيرة تروى كما للطبراني في الأجواد وغيره ، كأبي بكر بن لال في مكارم الأخلاق ، عن أنس رضي اللَّه عنه رفعه بلفظ : " إن بدلاء أمتي لم يدخلوا الجنة بصلاة ولا صيام ، ولكن دخلوها بسخاء الأنفس وسلامة الصدور والنصح للمسلمين . وللخرائطي في المكارم من حديث أبي سعيد نحوه . وبعضها أشد في الضعف من بعض ، وآخرها جاء عن فضيل بن عياض رحمه اللَّه من قوله بلفظ : لم يدرك عندنا من أدرك بكثرة صيام ولا صلاة ، وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس وسلامة الصدور والنصح للأمة . وأحسن مما تقدم ما لأحمد من حديث شريح يعني ابن عبيد ، قال : ذكر أهل الشام عند علي رضي اللَّه عنه وهو بالعراق ، فقالوا : العنهم يا أمير المؤمنين ، قال : لا ، إني سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ، يقول : " البدلاء يكونون بالشام وهم أربعون رجلا ، كلما مات رجل أبدل اللَّه مكانه رجلا يسقي بهم الغيث ، وينتصر بهم على الأعداء ، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب " ، ورجاله من رواة الصحيح ، إلا شريحا وهو ثقة ، وقد سمع ممن هو أقدم من علي ، ومع ذلك فقال الضياء المقدسي : إن رواية صفوان بن عبد اللَّه عن علي رضي اللَّه عنه من غير رفع : لا تسبوا أهل الشام جما غفيرا ، فإن فيها الأبدال ، قالها ثلاثا ، أولى ، أخرجها عبد الرزاق ، ومن طريقه البيهقي في الدلائل ، ورواها غيرهما ، بل أخرجها الحاكم في مستدركه مما صححه من قول علي نحوه . ورأى بعضهم النبي صلى اللَّه عليه وسلم في المنام فقال له : أين بدلاء أمتك ؟ فأومأ بيده نحو الشام ، وقال : فقلت يا رسول اللَّه ؟ أما بالعراق أحد منهم ؟ قال : بلى وسمى جماعة . ومما يتقوى به هذا الحديث ، ويدل لانتشاره بين الأئمة قول إمامنا الشافعي رحمه اللَّه في بعضهم : كنا نعده من الأبدال . وقول البخاري في غيره : كانوا لا يشكون أنه من الأبدال . وكذا وصف غيرهما من النقاد والحفاظ والأئمة غير واحد بأنهم من الأبدال . ويروى في حديث مرفوع : " ثلاث من كن فيه فهو من الأبدال : الرضا بالقضاء ، والصبر عن المحارم ، والغضب للَّه " . وعن بعضهم قال : أكلهم فاقة وكلامهم ضرورة ، وعن معروف الكرخي ، قال : من قال : اللَّهم ارحم أمة محمد في كل يوم كتبه اللَّه من الأبدال ، وهو في الحلية بلفظ من قال في كل يوم عشر مرات : اللَّهم أصلح أمة محمد ، اللَّهم فرج عن أمة محمد ، اللَّهم ارحم أمة محمد ، كتب من الأبدال ، وعن غيره ، قال : علامة الأبدال أن لا يولد لهم . بل يروى في مرفوع معضل : " علامة أبدال أمتي أنهم لا يلعنون شيئا أبدا " . وقال يزيد بن هارون : الأبدال هم أهل العلم . وقال الإمام أحمد : إن لم يكونوا أصحاب الحديث فمن هم ؟ وقال بلال الخواص فيما رويناه في مناقب الشافعي ورسالة القشيري : كنت في تيه بني إسرائيل فإذا رجل يماشيني فتعجبت منه وألهمت أنه الخضر ، فقلت له : بحق الحق من أنت ؟ قال : أنا أخوك الخضر ، فقلت له : أريد أن أسألك ، قال : سل ، قلت : ما تقول في الشافعي ؟ قال : هو من الأبدال ، قلت : فما تقول في أحمد ؟ قال : رجل صديق ، قلت : فما تقول في بشر بن الحارث ؟ قال : رجل لم يخلق بعده مثله ، قلت : فبأي وسيلة رأيتك ، قال : ببركة أمك . وروينا في تاريخ بغداد للخطيب ، عن الكتاني ، قال : النقباء ثلاثمائة ، والنجباء سبعون ، والبدلاء أربعون ، والأخيار سبعة ، والعمد أربعة ، والغوث واحد ، فمسكن النقباء المغرب ، ومسكن النجباء مصر ، ومسكن الأبدال الشام ، والأخيار سيَّاحون في الأرض ، والعُمُدُ في زوايا الأرض ، ومسكن الغوث مكة ، فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة ابتهل فيها النقباء ، ثم النجباء ، ثم الأبدال ، ثم الأخيار ، ثم العمد ، فإن أجيبوا وإلا ابتهل الغوث ، فلا تتم مسألته حتى تجاب دعوته . وفي الإحياء : ويقال إنه ما تغرب الشمس من يوم إلا ويطوف بهذا البيت رجل من الأبدال ولا يطلع الفجر من ليلة إلا ويطوف به واحد من الأوتاد ، وإذا انقطع ذلك كان سبب رفعه من الأرض ، وذكر أثرا . إلى غير ذلك من الآثار الموقوفة وغيرها ، وكذا من المرفوع مما أفردته واضحا بينا معللا في جزء سميته نظم اللآل في الكلام على الأبدال .
ورد في (الأبدال) أحاديث أشهرها:
(1) حديث عبادة بن الصامت:
أخرجه الإمام أحمد (5/ 322) عن عبد الوهاب بن عطاء عن الحسن بن ذكوان عن عبد الواحد بن قيس عن عبادة بن الصامت مرفوعاً: أنه ـ ـ قال: (الأبدال في هذه الأمة ثلاثون مثل إبراهيم خليل الرحمن، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاًَ).
قال الإمام أحمد ـ مستنكراً له ـ: (فيه ـ يعني حديث عبد الوهاب ـ كلام غير هذا، وهو منكر، يعني حديث الحسن بن ذكوان) المسند (5/ 322)، وانظر مجمع الزوائد (5/ 62).
(2) حديث على بن أبي طالب: (ذكر أهل الشام عند علي بن أبي طالب، وهو بالعراق، فقالوا: العنهم يا أمير المؤمنين، قال: لا. إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (الأبدال يكونون بالشام وهم أربعون رجلاً، كلما ما مات رجل، أبدل الله مكانه رجلاً، يسقى بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب).
أخرجه أحمد (1/ 112) ومن طريقه الضياء في المختارة ( 2/ 110) ـ من طريق شريح بن عبيد الحضرمي .
والطبراني في ( الأوسط ) ( 5/ 39 ) والحاكم ( 4/ 596 ) من طريق عياش بن عباس القتباني عن عبد الله بن زرير الغافقي.
كلاهما عن علي بن أبي طالب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرفوعاً بلفظه في حديث شريح، وبمعناه مطولاً في حديث عبد الله بن زرير، وفي رواية الحاكم إدخال الحارث بن يزيد بين عياش، وعبد الله بن زرير .
وهذا الحديث ـ أعني رفعه ـ معلول لما يلي :
أ- أن في الطريق الأول شريحاً لم يدرك علياً فهو منقطع ينظر ( تهذيب الكمال والمختارة ) .
ب- وأما الطريق الثاني فقد اختلف فيه على عياش بن عباس في إسناده على ما تقدم ولذا أعله الطبراني ، والهيثمي (7/317) .
ج- أن هذا الحديث قد روي موقوفاً على علي بن أبي طالب من وجه أصح فقد أخرجه عبد الرزاق (11/ 249) ونعيم بن حماد في (الفتن) (1/ 235) وابن أبي الدنيا في (الأولياء) (ص 30) والضياء في (المختارة) (2ح 485، 486) من طرق عن الزهري عن صفوان بن عبد الله بن صفوان الجمحي عن علي بن أبي طالب بنحوه موقوفاً.
ولهذا لما ذكر الضياء في (المختارة) هذا الاختلاف في رفعه، ووقفه قال: الموقوف أولى.
(3) حديث عبد الله بن مسعود مرفوعاً: (لا يزال أربعون رجلاً من أمتي، قلوبهم على قلب إبراهيم، يدفع الله بهم عن أهل الأرض، يقال لهم: الأبدال)، ثم قال - صلى الله عليه وسلم-: (إنهم لم يدركوها بصلاة، ولا بصوم، ولا صدقة) قالوا: يا رسول الله فبم أدركوها؟ قال: (بالسخاء والنصيحة للمسلمين).
أخرجه الطبراني في (الكبير) (10 /1 18ح ، 39 ، 1) من طريق ثابت بن عياش الأحدب عن أبي رجاء الثعالبي عن الأعمش عن زيد بن وهب عن ابن مسعود فذكره.
وهو معلول بثابت بن عياش وشيخه، فإنهما مجهولان ، قال الهيثمي في (المجمع): رواه الطبراني من رواية ثابت بن عياش الأحدب عن أبي رجاء، وكلاهما لم أعرفه
(10/ 63).
وأيضاًَ أين أصحاب الأعمش الحفاظ عن هذا الحديث؟!
(4) حديث عوف بن مالك مرفوعاً: (فيهم ـ أهل الشام ـ الأبدال، فبهم تنصرون وبهم ترزقون).
أخرجه الطبراني في (الكبير) (18 /65) من طريق عمرو بن واقد عن يزيد بن أبي مالك عن شهر بن حوشب قال: لما فتحت مصر، سبوا أهل الشام، فأخرج عوف بن مالك رأسه من برنس ثم قال: يا أهل مصر، لا تسبوا أهل الشام، فإني سمعت رسول الله -صلى اله عليه وسلم- يقول: (فيهم الأبدال...) فذكره.
وهذا معلول أيضاً؛ لأن عمرو بن واقد متروك، قال الهيثمي: ضعفه جمهور الأئمة (10 / 62) ويزيد بن أبي مالك ، ليس بالقوي، وكذا شهر بن حوشب على الراجح.
وبهذا العرض الموجز لأحاديث الأبدال يظهر جلياً أنه لا يصح في هذا الباب شيء كما قال ابن القيم رحمه الله: (ومن ذلك أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والأوتاد كلها باطلة على رسول الله وأقرب ما فيها: (لا تسبوا أهل الشام ، فإن فيهم البدلاء كلما مات رجل منهم أبدل الله مكانه رجلاً آخر) ذكره أحمد، ولا يصح أيضاًَ، فإنه منقطع (المنار المنيف) (ص 136).
والله أعلم .
مراجع
- مائة سؤال عن الإسلام، تأليف: محمد الغزالي. المجلد الثاني ص289-291. دار ثابت، القاهرة.
- القاموس الإسلامي، أحمد عطية الله. الجزء الأول ص8. مكتبة النهضة المصرية.
- التعريف بمصطلحات صبح الأعشى - محمد بن قنديل البقلي. الهيئة المصرية العامة للكتاب.
- رواه الإمام أحمد في مسنده، وقال السيوطي عنه: رجاله رجال الصحيح غير شريح بن عبيد وهو ثقة.