إبراهيم بن علي بن عثمان يكنى أبا سالم، ولقبه المستعين بالله، (ولد 735هـ / حوالي 1335م - تُوفي 762هـ / 1361م ) سلطان مغربي من بني مرين، حكم مدة سنتين وثلاثة أشهر (1359 - 1361).
إبراهيم بن علي | |
---|---|
المستعين بالله | |
فترة الحكم | 1359 – 1361 |
معلومات شخصية | |
الميلاد | 735هـ / حوالي 1335م فاس |
الوفاة | 762هـ / 1361م القلة بفاس |
الأب | أبو الحسن علي بن عثمان |
الأم | قمر |
عائلة | سلالة المرينيين |
حاله
قال المؤرخ الناصري في الاستقصا: «كان هذا السلطان جوادا، جم العطاء، معروفا بالوفاء، كثير الحياء».
عودته للمغرب بعد النفي
عندما استولى السلطان أبي عنان على مقاليد الحكم بالمغرب، كان قد نفى الأمير أبي سالم إبراهيم مع أخيه محمد إلى بلاط غرناطة لكي لا يتطلعا إلى العرش المريني. و في أعقاب وفاة أخيه أبي عنان تحركت أطماع أبي سالم للملك، فطلب من مدبر دولة ابن الأحمر بالأندلس أن يأذنوا له في اللحاق بوطنه لكنهم رفضوا طلبه، فغاضه ذلك فهرب، وطلب المساعدة من طاغية قشتالة فساعده وكلف إحدى سفن الأسطول القشتالي بنقله إلى ساحل المغرب. عندما نزل بجبل الصفيحة من بلاد غمارة على طريق سبتة وجد تأييدا قويا من قبائل المنطقة، فالستولى على سبتة و طنجة و أصيلا و جبل الفتح بسهولة، وكان قد ساعده في ذلك شخصيات قوية أمثال: السلطان أبو العباس بن أبي حفص صاحب قسنطينة الذي كان معتقلا بسبتة فقد ساعد السلطان أبي سالم وكذلك انضم إليه الحسن بن يوسف الورتاجني وأبو الحسن بن علي بن السعود والشريف أبو القاسم التلمساني.
الحرب مع منصور بن سليمان
كان منصور بن سليمان -السلطان الذي فُرض بالقوة في ظل الصراع وعدم الإستقرار والمشاكل التي كانت بينه والوزير الحسن بن عمر الفودودي وسلطانه المحجور أبو بكر الثاني- قد ارتاب في شأن أبي سالم ومعاونيه و قد ظن أنهم يداخلون الوزير الحسن بن عمر الفدودي، فأرسل لهم منصور بن سليمان جيشا بقيادة أخويه عيسى وطلحة لكنهم هُزموا وانتصر الأمير أبي سالم إبراهيم مما أدى إلى إقبال الناس وانضمامهم إليه، ومن ناحية أخرى فقد جرت مراسلات سرية بين الوزير الحسن بن عمر الفدودي و أبي سالم وكانت النتيجة هي خلع السلطان أبي بكر السعيد بن أبي عنان و تسليمه وأمره إلى عمه الأمير أبي سالم. يقول السلاوي في ذلك: (فانصرفت إليه -أبو سالم- وجوه أهل المغرب و بطل أمر السلطان أبي بكر السعيد ومنصور بن سليمان معا وذابا كما يذوب الملح». و تم خلع السلطان أبي بكر السعيد يوم 12 شعبان سنة 760هـ.
البيعة للسلطان أبي سالم إبراهيم
كانت بيعة السلطان الجديد أبي سالم إبراهيم يوم الجمعة منتصف شعبان سنة 760هـ بمقر الحكم المريني، يقول المؤرخ الناصري في الاستقصا: «دخل السلطان أبو سالم البلد الجديد يوم الجمعة منتصف شعبان من سنة ستين وسبعمائة، واستولى على ملك المغرب، و توافت وفود النواحي بالبيعات وعقد للحسن بن عمر على مراكش، و جهزه إليها بالعساكر تخففا منه وريبة بمكانه من الدولة، واستوزر مسعود بن عبد الرحمن بن ماساي والحسن بن يوسف الورتاجني، واصطفى من خواصه خطيب أبيه الفقيه أبا عبد الله محمد بن أحمد بن مرزوق وجعل إلى أبي زيد عبد الرحمن بن خلدون صاحب التاريخ توقيعه وكتابة سره... ».
الغني بالله ابن الأحمر ووزيره ابن الخطيب مخلوعين
اندلعت الثورة بغرناطة في رمضان 760هـ / 1359 م، وانتهت بأن فقد السلطان الغني بالله ملكه، واستولى اخوه الأمير إسماعيل على العرش، كما تمخضت هذه الثورة عن مقتل الوزير (ابي النعيم رضوان)، ثم فرار الغني بالله إلى وادي أش، وعليه فأصبح ابن الخطيب لا يملك من الأمر شيئا، غير أنه حاول أن يستميل إليه السلطان الجديد، فقبله في الوزارة مؤقتا، ثم تشكك بعد قليل في نواياه، بتحريض منافسيه وحساده، فقبض عليه، وصادر أملاكه، وبذلك فقد ابن الخطيب جاهه ونفوذه، بل ومتاعه بين عشية وضحاها. لم تطل هذه النكبة بابن الخطيب، فقد بعث ملك المغرب السلطان أبو سالم سفيره (الشريف أبا القاسم التلمساني) إلى ملك غرناطة الجديد، يطلب إليه أن يسمح للملك المخلوع (الغني بالله ووزيره ابن الخطيب) بأن يغادرا الأندلس إلى المغرب ضيفين عزيزين، فرضخ سلطان غرناطة الجديد لهذا الطلب، سياسة منه، وابقاء على أواصر الوداد مع بني مرين، واحتفاظا بهم سندا في مستقبل الدولة الاسلامية بالأندلس. وبهذا أطلق سراح ابن الخطيب ولحق بسلطانه حيث لجأ بوادي آش، ومن ثم إلى المغرب ومعهما نفر كبير من الحاشية، فوصل الركب فاس في محرم 760هـ / 8 دجنبر 1358 م، حيث استقبلهما السلطان أبو سالم استقبالا حارا، واحتفل بقدومهم احتفالا عظيما، وألقى ابن الخطيب في هذه المناسبة بين يدي المضيف قصيدته الشهيرة يستنصره ليعين سلطانه على أمره. و هذا مقطع من القصيدة الطويلة:
سلا هل لديها من مخبره ذكر | وهل أعشب الوادي ونم به الزهر | |
وهل باكر الوسمي دارا على اللوى | عفت آيها إلا التوهم والذكر | |
بلادي التي عاطيت مشمولة الهوى | بأكنافها والعيش فينان مخضر | |
وجوى الذي ربى جناحي وكره | فها أنا ذا ما لي جناح ولا وكر | |
نبت بي لا عن جفوة وملالة | ولا نسخ الوصل الهنيء بها هجر | |
ولكنها الدنيا قليل متاعها | ولذاتها دأبا تزور وتزور | |
فمن لي بقرب العهد منها ودوننا | مدى طال حتى يومه عندنا شهر | |
ولله عينا من رآنا وللأسى | ضرام له في كل جانحة جمر | |
وقد بددت در الدموع يد النوى | وللشوق أشجان يضيق لها الصدر | |
بكينا على النهر الشروب عشية | فعاد أجاجا بعدنا ذلك النهر | |
أقول لأظعاني وقد غالها السرى | وآنسها الحادي وأوحشها الزجر | |
رويدك بعد العسر يسر أن أبشري | بإنجاز وعد الله قد ذهب العسر | |
ولله فينا سر غيب وربما | أتى النفع من حال أريد بها الضر | |
وإن تخن الأيام لم تخن النهى | وإن يخذل الأقوام لم يخذل الصبر | |
وإن عركت مني الخطوب مجربا | نقابا تساوى عنده الحلو والمر | |
فقد عجمت عودا صليبا على الردى | وعزما كما تمضي المهندة البتر | |
إذا أنت بالبيضاء قررت منزلي | فلا اللحم حل ما حييت ولا الظهر | |
زجرنا بإبراهيم برء همومنا | فلما رأينا وجهه صدق الزجر | |
بمنتجب من آل يعقوب كلما | دجا الخطب لم يكذب لعزمته فجر | |
تناقلت الركبان طيب حديثه | فلما رأته صدق الخبر الخبر | |
ندى لو حواه البحر لذ مذاقه | ولم يتعقب مده أبدا جزر | |
ويشهد ابن خلدون المؤرخ ذلك الحفل - بصفته من كبار رجال البلاط المريني - فيصفه لنا ويقول: أن ابن الخطيب استولى على سامعيه فأبكاهم تأثرا.
ثورة الحسن بن عمر الفدودي ومقتله
يقول ابن خلدون في التاريخ عن خبر انتقاض الحسن بن عمر الفدودي وخروجه بتادلا وتغلب السلطان عليه ومهلكه: «لما فصل الوزير الحسن بن عمر إلى مراكش واستقرّ بها، تأثّل له بها سلطان ورياسة، نفسها أهل مجلس السلطان وسعوا في تنكّر السلطان له، حتى أظلم الجوّ بينهما، وشعر الوزير بذلك فارتاب بمكانه، وخشي بادرة السلطان على نفسه، وخرج من مراكش في شهر صفر من سنة إحدى وستين وسبعمائة فلحق بتادلا منحرفا عن الطاعة، مرتبكا أمره، وتلقاه بنو جابر من جشم، واعصوصبوا عليه وأجاروه. و جهّز السلطان عساكره إلى حربه، وعقد عليها لوزيره الحسن بن يوسف وسرّحه إليه فاحتل بتادلا، ولحق الحسن بن عمر بالجبل، واعتصم به مع الحسين بن علي الورديغي كبيرهم. وأحاطت بهم العساكر وأخذوا بمخنقهم، وداخل الوزير بعض أهل الجبل من صناكة في الثورة بهم، وسرّب إليهم المال فثاروا بهم، وانفض جمعهم، وتقبّض على الحسن بن عمر، وقاده برمّته إلى عسكر السلطان فاعتقله الوزير، وانكفأ راجعا إلى الحضرة. وقدم بها على السلطان في يوم مشهود، واستركب السلطان فيه العسكر وجلس ببرج الذهب مقعده في ساحة البلد لاعتراض عساكره. وحمل السلطان الحسن بن عمر على جمل طيف به بين أهل ذلك المحشر، وقرّب إلى مجلس السلطان فأومأ إلى تقبيل الأرض فوق جمله، وركب السلطان إلى قصره، وانفضّ الجمع وقد شهروا وصاروا عبرة من عبر الدنيا. ودخل السلطان قصره فاقتعد أريكته واستدعى خاصّته وجلساءه، وأحضره فوبّخه وقرّر عليه مرتكبه، فتلوّى بالمعاذير وفزع إلى الإنكار. وحضرت هذا المجلس يومئذ فيمن حضره من العليّة والخاصّة، فكان مقاما تسيل فيه العيون رحمة وعبرة. ثم أمر به السلطان فسحب على وجهه، ونتفت لحيته وضرب بالعصي، وتلّ إلى محبسه، وقتل لليال من اعتقاله قعصا بالرماح بساحة البلد، ونصب شلوه بسور البلد عن باب المحروق، وأصبح مثلا في الآخرين».
استيلاء السلطان أبي سالم على تلمسان
أجمع السلطان أبو سالم النهوض إلى تملك تلمسان منتصف سنة 761هـ، فعسكر بظاهر فاس و جمع الجنود وشد الرحال إلى تلمسان، لما خبر أبي حمو بن يوسف الزياني بنهوض السلطان أبي سالم إلى تلمسان، نادى في العرب من بني عامر بن زغبة وبني معقل وخرج أبو حمو وشيعته عن تلمسان إلى الصحراء، وعندما دخل السلطان أبو سالم تلمسان واستولى عليها جاءه خبر دخول أبو حمو ومن معه إلى المغرب و نزولهم بأكرسيف ووطاط وبلاد ملوية و أنهم حطموا زروعها وخربوا عمرانها لذلك قرر السلطان أبو سالم العودة إلى المغرب و كان في جملته من بني زيان أبا زيان محمد بن عثمان ابن السلطان أبي تاشفين، فعقد له على تلمسان، ورجع السلطان أبي سالم إلى فاس، فخالفه أبو حمو والعرب إلى تلمسان فطردوا منها أبا زيان واستولوا عليها، ولحق أبو زيان بالسلطان أبي سالم إلى المغرب، وعقد المهادنة مع أبي حمو واستقر الأمر على ذلك. و كان قد ذكر المؤرخ الناصري في الاستقصا أن لسان الدين بن الخطيب عندما بلغه استيلاء السلطان أبي سالم على تلمسان هنأه بقصيدة طويلة يقول في مطلعها:
أطاع لساني في مديحك إحساني | و قد لهجت نفسي بفتح تلمسان | |
وفادة السودان من أهل مالي
في أيام حكم أبو الحسن -والد السلطان أبي سالم- أرسل كونكو موسى وفدا لتهنئته عندما فتح تلمسان و أكرم أبو الحسن وفادة السفارة المالية وأعد لسلطان مالي هدية من تحف المغرب مما كان في ملكه الخاص ثم بعث بدوره وفدا يحمل هذه الهدية. و لما وصلت هدية أبي الحسن إلى مالي انشغل البلاط السوداني بفتنة داخلية حتى تولى منسا جاطة فرد على هدية المغرب بأخرى وكان ضمنها زرافة جميلة، وقد وصلت هذه الهدية في عهد السلطان أبي سالم سنة 762هـ فجلس بمجلس العرض وأمر أن يحتفل سكان العاصمة بقدوم الوفد، ثم نادى الناس في الخروج إلى الصحراء لمشاهدة الزرافة، وقام عدد من الشعراء بإنشاء قصائد في مدح السلطان والتنويه بهذه المناسبة وكان الوفد يحثو التراب على رأسه تحية للسلطان وتقييدا لهم إذا ذاك، وأقاموا في ضيافة ملك المغرب مدة طويلة ثم رجعوا عن طريق مراكش و السوس إلى بلادهم. يقول ابن خلدون في التاريخ: «و كان يوم وفادتهم يوما مشهودا جلس لهم السلطان ببرج الذهب مجلس العرض ونودى في الناس بالبروز إلى الصحراء فبرزوا ينسلون من كل حدب حتى غص بهم الفضاء وركب بعضهم بعضا في الازدحام على الزرافة اعجابا بخلقتها وأنشد الشعراء في معرض المدح والتهنئة ووصف الحال... ». و من الشعر الذي قيل ذلك اليوم قول ابن خلدون في قصيدة مطلعها:
قدحت يد الأشواق من زندي | و هفت بقلبي زفرة الوجد | |
و نبذت سلواني على ثقة | بالقرب فاستبدلت بالبعد |
و قول ابن زمرك الأندلسي من قصيدة يقول في مطلعها:
لولا تألق بارق التذكار | ما صاب واكف دمعي المدرار | |
لكنه مهما تعرض خافقا | قدحت يد الأشواق زند أواري |
ثورة الوزير عمر بن عبد الله
كان أبو سالم قد قرر نقل مقر الحكم من البلد الجديد، إلى قصبة فاس القديمة وكان قد قلد إلى أحد كبراء الدولة ووزرائها و هو عمر بن عبد الله الأمانة على القلعة بدار ملكه في البلد الجديد مما أدى إلى استيلاء عمر بن عبد الله على دار الملك وثورته على السلطان أبي سالم وفي ليلة السابع عشر من ذي القعدة سنة 762هـ خلصوا إلى تاشفين الموسوس ابن السلطان أبي الحسن بمكانه من البلد الجديد فخلعوا عليه وألبسوه شارة الملك. حاول السلطان أبي سالم استعادة زمام الأمور وفض الثورة التي دبرها عمر بن عبد الله، لكنه لم يفلح ولاذ بالفرار، حتى تم القبض عليه بأمر من عمر بن عبد الله وهو نائم في إحدى المجاشر بوادي ورغة.
مقتل السلطان أبي سالم
لما علم عمر بن عبد الله بخبر القبض على أبي سالم أرسل شعيب ابن ميمون بن ورداد، وفتح الله بن عامر، وأمرهما بقتله وإنفاذ رأسه، فلقياه بخندق القصب أمام كدية العرائس بظاهر مدينة فاس و أمرا بعض جند النصارى أن يتولى ذبحه ففعل، وحملوا رأسه في مخلاة ووضعوه بين يدي الوزير الثائر ومشيخته و كان ذلك يوم الخميس الحادي والعشرين من ذي القعدة سنة 762هـ و دفن بالقلة خارج باب الجيسة بفاس . يقول أبو الوليد إسماعيل ابن الأحمر: قتل رحمه الله تعالى وأنا أنظر إليه وأتوجع و أبكي يوم الخميس الحادي والعشرين لذي القعدة سنة 762هـ و له 28 سنة. و قال ابن الخطيب في الإحاطة: «كان السلطان أبو سالم رحمه الله بقية البيت وآخر القوم دماثة وحياء وبعدا عن الشرور وركونا للعافية ». قال: وأنشدت على قبره الذي ووريت به جثته قصيدة أديت فيها بعض حقه:
بني الدنيا بني لمع السراب | لدوا للموت وابنوا للخراب | |
المراجع
- روضة النسرين في دولة بني مرين لإسماعيل ابن الأحمر ص ( 30 و 31 ) مطبوعات القصر الملكي.
- تاريخ ابن خلدون الجزء السابع ص 410.
- الاستقصا للمؤرخ الناصري الجزء الرابع ص (39 ،35 ،34 ،33 ،8 ،7) دار الكتاب الدار البيضاء.
- تاريخ المغرب الإسلامى والأندلس في العصر المرينى للدكتور محمد عيسى الحريري الفصل الثالث ص (162,160,159).
المصادر
- [1] المؤرخ الوزير لسان الدين بن الخطيب.
- [2] سياسة المغرب الخارجية في عهد بني مرين.
- [3] (الخبر عن انتقاض الحسن بن عمر وخروجه بتادلا وتغلب السلطان عليه ومهلكه)