الرئيسيةعريقبحث

ألهانية


الأُلْهانيَّة [1]: هذه اللَّفظةُ مِنْ "مُتَخَيَّرِ اللُّغَةِ" المَنْقُولةِ عن التّابعيِّ وُهَيْبِ بْنِ الْوَرْدِ؛ فقد أخرج أَئِمّةُ الرِّوايةِ مِنْ حَدِيثِهِ الوَلَوِيِّ قال: "إِذَا وَقَعَ الْعَبْدُ فِي أُلْهَانِيَّةِ الرَّبِّ، وَمُهَيْمِنِيَّةِ الصِّدِّيقِينَ، وَرَهْبَانِيَّةِ الْأَبْرَارِ؛ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَأْخُذُ بِقَلْبِهِ"!

وتَفْسيرُ أنْ يقَعَ الْعَبْدُ فِي أُلْهَانِيَّةِ الرَّبِّ: أَي: أَنْ لا يَجِدَ أَحَدًا يُعْجِبُهُ، وأَنْ لا يسْتَولي على عَرشيَّةِ قلبِهِ، وسُلْطانِ حُبِّهِ إِلَّا الله ُ سُبْحَانَهُ.

قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: "هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ "إِلاهٍ"، وَتَقْدِيرُهَا: فُعْلَانِيَّةٌ، بِالضَّمِّ، تَقُولُ: إِلاهٌ بَيِّنُ الْإلاهِيَّةِ وَالْأُلْهَانِيَّةِ. وَأَصْلُهُ مِنْ "أَلِهَ، يَأْلَهُ": إِذَا تَحَيَّرَ!

قال: يُرِيدُ إِذَا وَقَعَ الْعَبْدُ فِي عَظَمَةِ الله، تعالى، وَجَلَالِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَصَرَفَ وَهْمَهُ إِلَيْهَا؛ أَبْغَضَ النَّاسَ حَتَّى لَا يَمِيلَ قَلْبُهُ إِلَى أَحَدٍ".[2][3][4][5][6][7]

قال الشّيخ عبد الرّحمن: ولو قال: "استوحشَ مِنْ كُلِّ أحَدٍ مِنَ الأَناسِيِّ"؛ لكان أليقَ وأوفق؛ على حدِّ ما عبَّرَ عن مِثْلِهِ الإمامُ الشِّبليُّ؛ مُسْتَشْهِدًا بقولِ الأُحَيْمَر السَّعْديّ:[8][9][10]

عَوَى الذِّئبُ فَاِستَأنَستُ بِالذِّئبِ إِذ عَوَى *** وَصَوَّتَ إِنسانٌ فَكِدْتُ أَطِيرُ [11].

وقال الدّاعي أحمد حميد الله الكَرْمانيُّ، في المَشْرَعِ السّادسِ مِنَ السُّورِ الثّالثِ، مِنْ كِتاب "راحة العقل": "الأُلْهانِيَّة: هي الشَّوقُ والْوَلَهُ؛ الَّذي هو الحَيْرَةُ؛ على ما يُقالُ: أَلِهَ فُلانٌ يأْلَهُ أُلْهانِيَّةً؛ إِذا اشْتاقَ. ووَلِهَ فُلانٌ يأْلَهُ؛ إِذا تَحَيَّر"[12].

قال المعلِّمُ بُطْرُس البُستانيُّ في "مُحيط المُحيط": "والأُلاهَةُ، والإلٰهِيَّةُ، والأُلُوهَةُ، والأُلُوهِيَّةُ، والأُلْهانِيَّةُ: بمعنًى واحدٍ. وهو عند الصُّوفيَّةِ: اسمُ مَرْتبةٍ جامعةٍ؛ لمراتبِ الأسماءِ والصِّفاتِ كُلِّها" [13].

وذهب الشّيخ عبد الله العلايليّ [14] إلى أنّ "الأُلْهانِيَّة": "مصدرٌ بمعنَى "العِبادة"؛ وصُوفيّـًا: عبادةُ التَّأمُّلِ المُسْتَغْرِقَةُ في الشُّهُودِ" [15].

قال الشّيخ عبد الرّحمن: "وبمعنى ما قاله شيخنا العلايليّ؛ يصِحُّ إطلاقُ اسمِ "الأُلْهانِيّ"؛ على كُلِّ مُتَعَبِّدٍ ربّانيّ، كإِطْلاقِ اسمِ "المُتَأَلِّه" على كُلِّ مُتَنَسِّكٍ نُورانيّ؛ على ما جاء في شِعْرِ رُؤبَة بن العجّاج":

للهِ دَرُّ الغَانِياتِ المُدَّهِ *** سَبَّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ مِنْ تَأَلُّهِي [16].

قال الشّيخ عبد الرّحمن: وحولَ مَعْنَى "المُدَّه"؛ نقلَ الأَزهريُّ في "تهذيب اللُّغَة" عن اللَّيث، قال: "المَدْهُ يُضارعُ المَدْحَ، إِلَّا أنَّ المَدْهَ في الجمالِ والهيئةِ، والمَدح في كلِّ شيءٍ عامٍّ.

ونقل عن غيره قال: المَدْحُ والمَدْهُ واحِدٌ؛ أُبْدِلَتْ "الحاءُ" "هاءً".

قال: ورَوَى النَّضْرُ عنِ الخليل بن أحمد أنَّهُ قال: مَدَهْتُهُ، في وجهه. ومَدَحْتُهُ، إذا كان غائبًا"[17].

وعليه: فالمُدَّه؛ إمّا لُغَةٌ بمعنَى "المُدَّح". وإمّا إبْدَالٌ ومعاقبةٌ بين "الحاء" و"الهاء"؛ ألجأت إليه هُنَا الضَّرائر الشِّعْريَّة.

مراجع

  1. هذه المقالة مُستلّةٌ من كتاب "الشّيخ عبد الرّحمن الحلو مفكّرًا وفقيهًا مجدّدًا: مقالات.. رؤًى وشذرات"، تأليف صالح الرّفاعيّ (بيروت، الدّار النّعمانيّة «توزيع شركة التّمام»، ط1، 2018م). نسخة محفوظة 03 يونيو 2017 على موقع واي باك مشين.
  2. ابن الأثير، النّهاية في غريب الحديث والأثر؛ تحقيق: علي حسن عبد الحميد (الدَّمّام، دار ابن الجوزيّ، ط1، 1421هـ) ص: 44.
  3. ابن منظور، لسان العرب (بيروت، دار صادر، ب.ط، ب.ت) 13: 467.
  4. الزَّبِيديّ، تاج العروس؛ تحقيق: عبد الكريم العزباويّ (الكويت، مؤسَّسة الكويت للتّقدّم العلميّ، ط1، 2001م) 36: 322. مصحَّحًا ما وقع فيه من تصحيفٍ طباعيٍّ.
  5. ابن قُتَيْبَة، غريب الحديث؛ تحقيق: عبد الله الجبّوريّ (تونس، دار الغرب الإسلاميّ، ط2، 2010م) 3: 728- 729.
  6. الهرويّ، الغريبين في القرءان والحديث؛ تحقيق: أحمد فريد المزيديّ (صيدا، المكتبة العصريّة، ط1، 1999م) 1: 95.
  7. الزَّمخشريّ، الفائق في غريب الحديث (بيروت، دار الفكر، ط3، 1979م) 1: 55.
  8. البكريّ، الوزير أبو عُبَيد، سمط اللّآلي في شرح أمالي القالي؛ تحقيق: عبد العزيز الميمنيّ (بيروت، دار الحديث، ط2، 1984م) 1: 195- 196.
  9. الحَمَويّ، ياقوت بن عبد الله، معجم البلدان (بيروت، دار صادر، ب.ط، ب.ت) 2: 483- 384.
  10. ابن قُتَيْبَة، عيون الأَخبار (القاهرة، دار الكتب المصريّة، ب.ط، 1925م) 1: 237.
  11. السُّلَمِيّ، أبو عبد الرَّحمن، كتاب الأمثال والاستشهادات، (ضمن: «رسائل صوفيّة»؛ تحقيق: جرهارد بورينغ وبلال الأُرْفه لي، بيروت، دار المشرق، ط1، 2009م) ص: 115.
  12. الكَرْمانيّ، أحمد حميد الدِّين، راحة العقل؛ تحقيق: مصطفى غالب (بيروت، دار الأَندلس، ط2، 1983م) ص: 195.
  13. البستانيّ، المُعلِّم بُطْرُس، مُحيط المُحيط (بيروت، مكتبة لبنان ناشرون، ب.ط، 1993م) ص: 15.
  14. « أنظر الرّابط الخارجيّ لتحميل نسخة من االكتاب - تصفح: نسخة محفوظة 07 نوفمبر 2017 على موقع واي باك مشين.
  15. العلايليّ، عبد الله، المرجع معجم وسيط (بيروت، دار المعجم العربيّ، ط1، 1963م) ص: 261.
  16. البروسيّ، وليم بن الورد (محقّق)، ديوان رؤبة بن العجّاج ( بيروت، دار الآفاق الجديدة، ط2، 1980م) ص ص: 165- 167.
  17. الأزهريّ، مُحَمَّد بن أحمد، تهذيب اللُّغة؛ تحقيق: مُحَمّد عبد المنعم خفاجي، ومحمود فرج العقدة (القاهرة، الدَّار المصريّة للتّأليف والتّرجمة، ب.ط، ب.ت) 6: 230.

موسوعات ذات صلة :