الرئيسيةعريقبحث

المالوف في الجزائر


☰ جدول المحتويات


المالوف في الجزائر[1]، "المَالُوفْ" هو تحريفٌ عامِّيٌ لكلمة "المألوف" ناتجٌ عن عادات وتقاليد لغوية أندلسية سرعان ما أصبحت تقاليد أندلسية – مغاربية. ومن بين هذه العادات التي صبغت اللسان الأندلسي ثم المغاربي بصبغته الخاصة ظاهرتا التصغير والنفور من نُطق الهمزة مثلما تؤكد ذلك المصادر التاريخية الإسلامية القديمة والحديثة، من بينها البحوث التي أجراها عالم الاجتماع الفرنسي فيليب مَارْسِي (Philippe Marçais) في خمسينيات القرن 20م حول اللهجات الجزائرية والمغربية وكذلك أعمال الباحث المغربي محمد رَزُّوق نهاية تسعينيات القرن الماضي في سياق دراساته حول الهجرات الأندلسية إلى الجزائر. كان الأندلسيون[2]يميلون في تصغيرهم للمفردات إلى القول "السّْوِيقَة" بدلا من السُّوق و"الدّْوِيرَة" بدلا من الدَّار و"الزّْنِيقَة" محلّ الزَّنْقَة ويفضلون "عْوِيشَة" على عائشة و"عْمِيمَرْ" على عَمْرو. وفيما يتعلق بالهمزة كانوا يستسهلون النطق بإلغاء الهمزة فيقولون "الجَزَايَرْ" بدلا من الجزائر، و"لََنََْدَلْسِي" بدلا من "الأندلسي"، و"البِيرْ" بدلا من البئر، و"البَشَايَرْ" عوضا من البشائر، وحتى سيدنا أيُّوب، نطقه البعضُ "سيدنا يُوبْ". وبما أن الجزائر تأثرت مبكرا بالثقافة الأندلسية وبلهجاتها فإنها لم تشذّْ عن هذه القاعدة ووَجدتْ نفسَها بالتالي ميالةً بالعادة إلى القول "المالوف" بدلا من المألوف. هكذا إذن جرى تحريف كلمة المألوف التي يُقصد بها في مجال الموسيقى ما تآلف الناس على سماعه من غناء وإنشاد . وهو المدلولُ ذاتُه الذي تحمله هذه الكلمة في تونس ويلقى قبولاً في أوساط فن المالوف هناك. أما اقتراحُ الباحثة الجزائرية في عِلم الموسيقى مَايَا سْعِيدَانِي التي تفترض أن يكون "المالوف" اشتقاقًا من "التأليف" فلا يبدو أنه أكثر من مجرَّدِ تخمينٍ أو اجتهادٍ يبقى بعيدًا عن الواقع وعَمَّا تآلف عليه الناسُ حتى الآن في تحديدِ مصْدرِ هذه العِبارة. وبينما يقول خبراء في الموسيقى الأندلسية إن هذا النوع الغنائي الموسيقي سُمي مالوفا لأن الناس تقصد بهذه العبارة ما ألفه الناس من ألحان وأشعار، يقدم بعض المتتبعين والممارسين لغناء المالوف بمختلف الأنواع المنبثقة عنه في قسنطينة تفسيرا آخر لأصل مصطلح "المالوف". يقول الزجال القسنطيني مصطفى المْسَامْرِي المدعو "سْطُوفَة" في حوار له مع الباحثة مايا سعيداني إن "المالوف" اسم مشتق من عصفور كان يُسمَّى في الأندلس "المؤلَّف". وهو عصفور مهجن يتم الحصول عليه بتلقيح طائر الحَسُّون والكناري. ولاشك أن لهذه النظرية علاقة مباشرة بثقافة تربية العصافير المُغرِّدة الشائعة في أوساط الزّجالة في قسنطينة. إلا أن هذه الرواية تبقى ضعيفة المصداقية لأنها لا تتمتع بالإجماع حتى داخل أوساط المالوف. على كلٍّ، كل المؤشرات تدل على أن غناء المالوف أندلسي ترسَّخ في قسنطينة وما جاورها من المدن كمدينة عنابة، سوق أهراس من الحواضر الجزائرية الشرقية خلال (العهد الحفصي) الدولة الحفصية عندما حلَّ عددٌ كبير من اللاجئين من إشبيلية، التي سقطت بيد المسيحيين عام 1248م، ليستقروا في تونس الحفصية وشرق الجزائر وأقاليمها التي كانت قسنطينة خاضعة حينها لسيطرتها. أما سِرُّ اختيار الإشبيليين اللجوء إلى أراضي الحفصيين فيعود للعلاقة الوطيدة التي ربطت إشبيلية بالدولة الحفصية خلال أربعينيات القرن 13م والتي بلغت حدَّ مبايعة الإشبيليين الأمير الحفصي أبي زكريا وخضوعهم الطوعي له حتى يُعينهم على مقاومةِ حصار الإسبان المسيحيين. غير أن هذه المبايعةَ لم تنفعْ ولم تحُلْ دون سقوط إشبيلية، عاصمة الموسيقى وصناعة الآلات الموسيقية في الأندلس، بيد ملك قشتالة فرناندو الثالث في شهر رمضان 646هـ/ديسمبر 1248م. وكانت حينها قسنطينة وعنابة وجزء هام من الشرق الجزائري وحتى بعض بلدات وسط البلاد تحت سيطرة الدولة الحفصية. خلال هذه الفترة، تجذرت الثقافة الموسيقية الإشبيلية والتقاليد المرتبطة بها في إقليم قسنطينة ، فيما كان الغناء والطرب الأندلسي موجودا في المنطقة الشرقية من الجزائر منذ قرون تعود إلى ما قبل الفترة التي أقام فيها أبو الصلت أمية بن عبد العزيز في بجاية ورسّخ فيها التقاليد الموسيقية الإيبيرية بين نهاية القرن 11م وبداية 12م....". الحاج محمد الطاهر الفرقاني، الهرم الأكبر لهذا الطابع الغنائي الأندلسي. والحاج محمد الطاهر الفرقاني بدأ المالوف، وتعلّمه في فرقة مغنّي المالوف اليهودي الشيخ رايموند. لم يكن اليهودي الوحيد، فكُثُرٌ هم اليهود الذين غنّوا "المالوف" بالجزائر في فِرقهم الخاصة، التي جمعت عازفين مسلمين ويهودا، فكانت نماذج لتعايش عرفته البلاد بين الأديان تحت راية الفن.

جوقات مشتركة

يذكر الباحث الجزائري فوزي سعد الله في كتابه "يهود الجزائر مجالس الغناء والطرب"، أن يهود الجزائر اشتهروا بغناء طبوع فنية أندلسية منها: المالوف والصنعة والغرناطي، ويؤكّد أن الطائفة اليهودية "كانت لها مساهمتها في التراث الموسيقي. "اليهود والمسلمون كانوا يغنون مع بعض في نفس المجالس، في نفس الجوقات الموسيقية في نفس المدارس والجمعيات الموسيقية، على غرار المطربية والأندلسية والجزائرية - الموصلية، وحتى في جوق الإذاعة والتلفزيون، مثلما غنوا منفصلين عن بعضهم داخل أوركسترات خاصة بكل طائفة على حدة". ويدلّل المؤلف على هذا التعايش، ولقد "كان للفنانين اليهود في الجزائر أسماء عربية في الغالب أو حتى عربية – عبرية – أمازيغية، لا تختلف كثيرا عن أسماء الأهالي المسلمين. ففي غالب الأحيان، لَمْ يبتعد هؤلاء كثيراً عن وعائهم الثقافي الجزائري، وفي أقصى الحالات لم يَستهوِهم "التَّفَرْنُس" في أعقاب سقوط مدينة الجزائر العاصمة عام 1830 بيد الفرنسيين إلا جزئيا".

يهود المالوف

من أبرز شيوخ المالوف اليهود في الجزائر، الشيخ رايموند، واسمه الكامل ريموند ليريس، أشهر نجوم "المالوف" في قسنطينة، ضمت فرقته يهود ومسلمين. ولد سنة 1912 بمدينة قسنطينة شرق الجزائر العاصمة، غنى وعزف على العود، أبوه يهودي جزائري من باتنة (شرق) وأمه فرنسية. سجّل ما لا يقل عن 30 ألبوما وأقام حفلات كثيرة، خاصة في فترة شهرته بين 1956 و1961، ومن أشهر أغانيه "يا قلبي". وبما أن المالوف اشتهر في شرق البلاد، فإن كل من غنّاه غالبا ما يكون من هذه المنطقة في الجزائر، ومنها مدينة عنابة (500 شرق)، التي ظهر فيها الفنان اليهودي سليم الهلالي، اسمه الحقيقي "سيمون الهلالي"، ولد سنة 1920 في عنابة، غنّى في مسقط رأسه ثم هاجر إلى فرنسا، وبقي هناك يقيم الحفلات إلى أن توفّي هناك سنة 2005، وإلى جانب المالوف، غنى سليم الهلالي الطابع "الشعبي" أيضا، وهو طابع مشهور وسط الجزائر، ومن أشهر الأغاني التي أدّى "محنّي الزيّين". و روني بيريز هو الآخر كان أحد مطربي الحوزي (نوع من الطرب الأندلسي، تفرّع عنه المالوف نفسه)، وقد ولد روني سنة 1940 في تلمسان، وينحدر من عائلة بن سوسان الأندلسية. كان يغني "الشعبي" و"الحوزي" وهما نوعان متفرعان. غادر الجزائر إلى فرنسا رفقة عائلته وتوفي في سبتمبر 2011 بباريس. آلان شقرون هو رابع يهودي غني المالوف في الجزائر، ولد بقسنطينة لعائلة يهودية، وكان يدمج في غنائه نصوصا من التوراة. غادر الجزائر إلى فرنسا وبقي محبا لمسقط رأسه قسنطينة.

تعليم متبادل

أن اليهود مع فن "المالوف" إلى أعماق سحيقة في التاريخ، فيذكر منهم "منصور اليهودي وداني الأندلسي، اللذان كان يغنيان في بلاط الحُكم الأموي في قرطبة، وكذلك ابن سهل الإسرائيلي الأندلسي وابن باجة وبن ساشيل.. وصولا إلى ريموند ليريس (الشيخ ريموند) و"سيلفان غريناسيا" ونجله "غاستون غريناسيا" المعروف بإنريكو ماسياس، سيمون تمار. وغيرهم كثيرون". أن هذا لا يعني بأن اليهود أبدعوا "المالوف"، بل كانوا جزءا منه ومنهم من تعلّم على يد شيوخ مسلمين في هذا الفن، مثل "المعلّم اليهودي بن فراشوا الذي تتلمذ على يد المسلم "الشيخ المنمَش" في النصف الثاني من القرن 19، دون أن يكون اختلاف الديانة حاجزا بينهما. وتعلم "المعلَم يافيل" ابن الشّباب، اليهودي هو الآخر، أصول الطرب الأندلسي، حسب أسلوب ما يُسمى بمدرسة الصنعة الخاصة بمدينة الجزائر العاصمة، على يد المسلم الشيخ محمد بن علي سفنجة الذي توفي سنة 1908، مثلما درس مسلمون الغناء الأندلسي على يد مخيلف بوشعرة ولاهو صرور وموزينو (اسمه الحقيقي شاؤول دوران) وألفريد لبراطي المعروف بالمعلّم السَاسي".

انظر أيضاً

المراجع

  1. فن "المالوف" إرث غنائي أندلسي بالشرق الجزائري مهدد بالاندثار - تصفح: نسخة محفوظة 22 سبتمبر 2018 على موقع واي باك مشين.
  2. فوزي سعد الله: صفحات مجهولة من الغناء الأندلسي...". دار قرطبة. الجزائر 2011م.

موسوعات ذات صلة :