عصر المشروطية الثانية، هو الفترة التي بدأ فيها إعلان الدستور العثمانى من جديد في 24 تموز 1908 م، بعد أن ظل معلق تسعة وعشرين عاماً وهي أيضا تعد فترة التصفية النهائية للدولة العثمانية في 5 نوفمبر 1922م. فنظراً لكون المشروطية الأولى لم تنته رسمياً ولم يحدث تغيير بالدستور، فإن بعض المؤرخين اعتبروا أن هذه المشروطية واحدة وأن لها مشروطية ثانية.
ففى هذه الفترة التي أستمرت أربعة عشر عاماً فيما بين المشروطية الأولى والثانية، تعرف فيها المجتمع على مفاهيم مثل الديمقراطية البرلمانية، والانتخابات، والحزب السياسى. وعايش اثنين من أكبر الحروب هما: (حرب البلقان والحرب العالمية الأولى) وشهد انهيار الإمبراطورية التي عمرت 600 عاماً.
بعد إعلان المشروطية الثانية، سارع أبناء المجتمع إلى الانتخابات على الفور. وانقسمت الأنتخابات إلى حزبين رئيسين، هما: حزب الاتحاد والترقى و"احرار فرقه سى= فرقة الأحرار" ذات التوجه الليبرالي. وفي النهاية حسمت الانتخابات بفوز الاتحاديين. وقد بدأ "مجلس المبعوثان" الجديد الذي تشكل عقب الانتخابات العمل في 17 ديسمبر 1908م. وفي هذه الفترة التي كان يدير فيها الاتحاد والترقى الدولة من خلف الستار، سادت ردود أفعال غاضبه تزايدت حدتها تجاه هذه الإدارة، وخصوصاً بعد مقتل الصحفى المعارض حسان فهمى بك في السادس من أبريل عام 1909م على يد أحد أعضاء حركة الاتحاد والترقى. فقد آثارت هذه الحادثة ردود فعل ومظاهرات عارمة في إستانبول. وفي النهاية بدأت في الثالث عشر من أبريل عام 1909 م حركة انقلاب في بعض الوحدات العسكرية، وانضم إليها طلاب المدارس، وقاموا بمعاقبة بعض الضباط وأعضاء الأمة بالقتل دون محاكمة وإحداث عمليات تخريب في مقار الصحف والجرائد التي تبنت تأييد الاتحاديين. وهذه الحركة الانقلابية التي عرفت بأحداث 31 مارس- بسبب فرق التوقيت بين التوقيت القديم والجديد- قد تم مهاجمتها على يد (جيش الحركة) الذي قدم من سلانيك.
وقد حمل المجلس -الذي انعقد من جديد في 27 أبريل- السلطان عبد الحميد الثانى المسؤولية عما حدث وأسقطه من على العرش، وقرر تنصيب الشيخ المسن محمد رشاد أفندى على العرش باسم (السلطان رشاد).
وقد قلص التغيير الرديكالى- الذي حدث من خلال "القانون الأساسى = الدستور" في 8 أغسطس 1909م- صلاحيات السلطان إلى مستوى "الرمز" فحسب. وكانت هيئة وكلاء الأمة (مجلس الوزراء) هي المسؤلة أمام المجلس. فصلاحية المجلس غلبت الوكلاء والحكومة. رئيس وكان السلطان لايختار رئيس المجلس وإنما يختار المجلس نفسه. مع إعلام السلطان أيضاً بصلاحيتة المجلس. لكن هذه الصلاحية تتوقف على شروط ويتم بعدها في خلال ثلاثه أشهر إجراء انتخابات جديدة. ومن خلال هذه التغييرات تكون الدولة قد خطت أولى خطوات النظام البرلمانى. بالإضافة إلى أنه أضيفت للدستور بعض مبادئ الحق والحرية مثل حرية المجتمع. لكن تم إسقاط السلطان عبد الحميد الثانى من العرش على يد كلا من الكتلة السياسية وأصحاب المشروطية والضباط في الجيش. لكن السلطان الذي تولى عرش الدولة العثمانية في الفترة التي أعقبت هذه الفترة، ظل في مستوى "الرمز" من حيث صلاحياته في الحكم.
حرب البلقان وحركة الضباط الأحرار
إن جمعية الاتحاد والترقى تحت رئاسة حسين حلمى باشا في الفترة من (مايو 1909م- يناير1910م) وإبراهيم حقى باشا (يناير – أيلول 1910م)،ومحمد باشا السعيد (أيلول -1901م تموز 1912م)، كانت لها صلاحية الإدارة السياسية الفعليه للدولة.
فقد تمت انتخابات 1912م تحت نفوذ جمعية الاتحاد والترقى، إلا أن حركة الضباط الأحرار الذين ظهروا نتيجة لبداية عصيان الأرناؤوط في شهر تموز وتدهور الوضع السياسية فيما بين الوزراء. أجبرت حكومة محمد سعيد باشا على الاستقالة، وتشكلت حكومة فوق حزبية برئاسة أحمد مختار باشا. أما انتخابات وكلاء الأمة فقد اعتبرت لاغية وأعيدت الانتخابات من جديد. وبعد فترة من استقالة أحمد مختار باشا تأسست حكومة كامل باشا، الذي أعلن موقف صريح ومعارض ضد الاتحاديين.
وقد حملت حرب البلقان التي بدأت في 8 أكتوبر 1912م، معها مصائب عدة في فترة قصيرة. حيث فقدت الدولة العثمانية الأرناؤوط، مانيستر, سلانيك، ترقيا الغربية.
ضغط الباب العالى وجمعية الأتحاد والترقى
عندما كان مجلس الوزراء مجتمعاً في الباب العالى، قامت مجموعة فدائية مع الاتحاد والترقى يترأسها "أنور بك" في 23 يناير 1913م، بمهاجمتهم.وفى هذا الهجوم الذي عرف في التاريخ باسم"هجوم الباب العالى" قتل وزير الحربية ناظم باشا، واستقال رئيس الوزراء كامل باشا تحت تهديد السلاح. ونصب الصدر الأعظم محود شوكت باشا رئيساً للأركان الحربية.
أما السبب المعلن للشعب فهو، أن الدافع وراء هجوم الباب العالى هو استرجاع أدرنه من قبضة السيطرة البلغارية، فعلى الرغم من أنه في معاهدة لوندرا التي وقعت في 30 مايو قد تم الاتفاق على ترك أدرنه للبلغار، ولكن دول البلقان اختلفوا فيما بينهم بشأنها في ذلك الحين. فالإدارة التي أدركت أنها فرصة، قد استعادت أدرنة ووضعت حدود نهر "مريتج" حدوداً جديدة.
وفى 11 يونيو قتل الصدر الأعظم محمود شوكت باشا داخل سيارته الخاصة نتيجة لمخطط دبر له. وقد مارست حكومة الدولة- من خلال التدابير الحذرة التي اتخذتها عقب حادث الاغتيال هذا - ضغوطات كبيرة. وأعدمت خمسة عشر شخصاً متهمين في هذه القضية، وتم نفى عدد كبير من الكتاب والمفكرين لقلعة سينوب. وقد تشكلت حكومة الدولة من ثلاثة هم: محمد طلعت باشا، وأنور باشا، وجمال باشا، حيث كانت تحت قيادة الصدر الأعظم سعيد حلمى باشا. فيما شاركت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى متحالفة مع ألمانيا. فإدارة الاتحاد والترقى شاركت في هذه الحرب بهدف استرجاع الأراضي التي فقدتها الدولة العثمانية إلا أنها بخوضها للحرب العالمية الأولى لم تربح سوى فقدان المزيد من الأراضي، فضلاً عن الخسائر المالية وتضاعف المديونيات العثمانية.
المجلس الأخير
بعد الهزيمة التي لاقتها الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، تم حل مجلس المبعوثان الثالث الذي استمر ستة أعوام بحكم المشروطية الثانية، وذلك في 21 ديسمبر 1918م . لكن الدولة لم تقم بإجراء انتخابات جديدة لمدة عام كما ينص الدستور؛ نظرا للظروف التي تعرضت لها على إثر احتلال أراضيها. فالانتخابات التي لم تشارك فيها الولايات العربية سوف تبعث برسالة تأكيد مفادها أن الدولة العثمانية فقدت أراضيها رسمياً، بالإضافة إلى تخوف المجلس الجديد من دخول عناصر ذات انتماءات من الاتحاد والترقى. إلا أن الحزب نفسه قد أعلن ألغائها وترك إدارة البلاد العليا بضغط من الإنجليز.
وقد عقدت حكومة الصدر العظم - "دوزتابان على رضا باشا" التي تشكلت في 2 أكتوبر 1919م بدلاً من حكومة "داماد فريد باشا" الذي استقال بناء على طلب مؤتمر سيواس- الانتخابات في نفس اليوم، حيث تمت المطالبة بهذه الانتخابات من قبل حركات التحرير التي بدأت في الأناضول، وأيضاً من إدارت إستانبول ودول الاحتلال. فقد طالبت بها دول الاحتلال حتى تكتسب شرعية في تنفيذ القرارات التي تطلبها وتمكنت من التدخل في إدارة إستانبول، أما حركة الأناضول فقد طالبت بها حتى تجد دعم أقوى في نضالها القومى. وقد اختارت الانتخابات التي أجريت في شهر ديسمبر مبعوثين والين لـ: "مدافعهء حقوق" من كل مكان خارج إستانبول.
وعلى الرغم من أن مصطفى كمال باشا قد أنتخب في ولايتين منفصلتين؛ إلا أنه لم يشارك في المجلس المجتمع بإستانبول لدواعي أمنية. فالمجلس الذي اجتمع في 12 يناير 1920م، قد أخذ موقفاً من حركة الأناضول. وقد وافق بإجماع الآراء على منشور الميثاق القومى في 16 فبراير. وفي 16 مارس وضعت دول التحالف إستانبول تحت الاحتلال العسكرى المؤقت. وألقت القبض على رئيس المجلس رؤوف بك وبعض المبعوثين. وقد عطل المجلس الذي اجتمع في 18 مارس نفسة. فمعظم أعضاؤه انتقلوا إلى أنقرة. وانضموا إلى مجلس الأمة التركي الكبير الذي اجتمع في 23 أبريل. وفي 11 أبريل ألغى رسمياً مجلس محمد وحيد الدين.
وأصبح التاريخ الفعلى للدولة العثمانية اعتبارا من 5 فبراير 1922م، وصار وجود الحكومة العثمانية على الورق فقط ولا تتمتع بأي وجود في السياسة الداخلية ولا الخارجية.
انظر المزيد
المشروطية الأولى جمعية الأتحاد والترقى التغيرات في 1909م
المصادر
- النزاعات التاريخية الرسمية، جيم أوزون، نشر جامعة الحربية ,2005م.