الرئيسيةعريقبحث

بشير الريس


الأستاذ/ بشير طالب الريس (19041976)

بشير الريس
معلومات شخصية
تاريخ الميلاد سنة 1904 
تاريخ الوفاة 1976
الحياة العملية
المدرسة الأم الجامعة الأميركية في بيروت 

ولد الأستاذ بشير طالب الريس في مدينة غزة سنة 1904، و فيها تلقى تعليمه الابتدائي، ثم رحل في طفولته إلى بلاد الشام مع أسرته وذلك عند قيام حكومة الانتداب البريطاني بنفي والده إلى مدينة "درعا" بالشام. رجع ثانية إلى غزة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى فالتحق بالكلية الإنجليزية الثانوية في القدس وحصل على شهادة الثانوية سنة 1924. التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت وتخرج منها حاصلا على شهادة البكالوريوس في العلوم والرياضيات.

تدرج بسرعة فائقة في الوظائف التعليمية المختلفة حيث عمل مدرسا في مدينة نابلس مدة عام واحد ثم نقل إلى "المدرسة الرشيدية في غزة" ليكون مديرا لها وبعدها مديرا لمدرسة الإمام الشافي (المدرسة الثانوية الوحيدة في اللواء الجنوبي من فلسطين) ثم ارتقى إلى وظائف التفتيش، حيث انتقل من غزة إلى يافا مساعدا لمفتش اللواء الجنوبي الأستاذ "مصطفى مراد الدباغ". بعد مضي أربع سنوات ارتقى إلى وظيفة مفتش قضاء غزة سنة 1946 ليصبح رجل التعليم الأول ومؤسسه والمسؤول عنه في الجزء الجنوبي الغربي من فلسطين. ظل كذلك إلى أن جاءت الإدارة المصرية لتشرف على قطاع غزة.

أخذ الأستاذ بشير يساهم في إعادة بناء المؤسسة التعليمية بالتعاون مع اليونسكو والبعثة المصرية التي أوفدتها مصر في ذلك الحين برئاسة الأستاذ "محمد عبد الهادي" وذلك بوضع الأسس المتينة للتعليم الذي انطلق بعد ذلك انطلاقته المعروفة التي أدخلت نور المعرفة والثقافة إلى معظم البيوت والعقول في قطاع غزة حيث كان مفجرا للثورة التعليمية رافعا شعار العلم للجميع كالماء والهواء. بجهوده تم إنشاء المباني المدرسية والملاعب الرياضية والوسائل التعليمية والمختبرات العلمية والمكتبات المدرسية. أقر مجانية التعليم وأتاح لأبناء اللاجئين التعليم الثانوي في المدارس الحكومية، حيث أن وكالة الغوث تعلم حتى انتهاء المرحلة الإعدادية فقط. شجع التعليم الجامعي لكل من يحصل على الشهادة الثانوية، وقدم منحا دراسية للطلبة غير القادرين للدراسة خارج البلاد لمواصلة تعليمهم. أرسل البعثات التعليمية إلى البلاد العربية في كافة المجالات والتخصصات وكان العصر الذهبي للتعليم في الستينات حيث كانت نسبة التعليم في قطاع غزة من أعلى النسب في العالم.

جاء عام النكسة 1967 وقد دمرت الحرب معظم المدارس ولكنها لم تدمر النفوس ولا العزيمة و لا الإرادة حيث قام جهاز التعليم ينفض عن نفسه غبار التخاذل والانهزامية. لكن للأسف خرجت أصوات مدمرة هدامة تنادي بأن لا تعليم في ظل الاحتلال وهنا جلجل صوت الحكمة والحنكة وتجربة السنين، صوت بشير الريس شجاعا صادقا مدويا غيورا يقول "لا لن نساعد العدو على تحقيق مآربه ...ولا لسياسة التجهيل ولننطلق في دروب العلم والمعرفة. علينا أن نتعلم كيف نواجه هذه الحراب المصوبة إلى صدورنا ونكسرها. علينا أن نتعلم كي نجابه الاحتلال وندحره، ولنتذكر ماذا فعل الألمان واليابانيون في تعليمهم بعد أن خسروا الحرب أمام أعدائهم ؟؟؟ ماذا يفعل الشعب الفيتنامي في تعليمه وهو يجابه أمريكا؟؟" استمع إليه الشباب ومنهم اليوم قياديون في السلطة الوطنية وانتصر القائد في رأيه على من عاداه وعادت عجلة التعليم ومعها عجلة الحياة للدوران.

كان أول عمل قام به الأستاذ بشير هو إنجاز كشوف رواتب شهر يونيو عام 1967 , لأن جميع الموظفين كانوا قد صرفوا رواتبهم في شراء المواد التموينية أثناء الحرب. تم صرف رواتب جديدة لهم وكان قد أخذ على عاتقه مسؤولية إعادة جميع الموظفين إلى العمل بعد أن أحرقت جميع المستندات الخاصة بالموظفين. واجهت مديرية التربية والتعليم عقبات كثيرة: من مباني مهترئة مهدمة وعجز في الأثاث المدرسي، وحظر للكتاب المدرسي بحجة ما يحويه من "مادة تحريضية" ضد إسرائيل. لكن العزيمة لا تلين وصدرت تعليماته بتعليم الطلاب بدون الكتاب المدرسي وذلك بإعداد الملخصات وتمليتها على الطلاب.

من مواقفه أيضا انه كان يعارض معارضة شديدة فرض أية رسوم جديدة على طلاب المدارس عدا الرسوم التي كانت مقررة عام 1967. حاول ضابط ركن التعليم (الإسرائيلي) تغيير بعض المناهج وإدخال المناهج المعمول بها في المدارس العربية في إسرائيل، لكن الأستاذ بشير رفض ذلك. بعد فتح المدارس، حاول اليهود طمس الهوية القومية وذلك عندما طلب ضابط ركن التعليم تغيير ختم المديرية وأختام المدارس وإضافة اللغة العبرية فيها. رفض الأستاذ بشير ذلك وقال له "أنت تريد هدم التعليم , لأن الدول العربية سوف لن تعترف بشهاداتنا" وأصر على ذلك ولم تتغير الأختام، وعمل حلا وسطا بإضافة اللغة الإنجليزية في ختم المديرية.

اقترح ضابط ركن التعليم عقد امتحان مستوى للطلاب الذين ينجحون في امتحان الشهادة الإعدادية العامة كل عام قبول من يحصل على 75% في المرحلة الثانوية، فرفض الأستاذ بشير الريس هذه الفكرة حتى لا يحرم أحدا من حق التعليم الثانوي. أراد ضابط ركن التعليم أن يتخلص من الممرضين الموجودين في المدارس لعدم وجود عمل لهم وذلك بفصلهم، لكن الأستاذ بشير رفض ذلك وعمل جاهدا على تحويلهم واستيعابهم في مستشفيات القطاع وذلك حرصا عليهم وعلى أسرهم. أراد ضابط ركن التعليم الاستغناء عن بعض أذنة المدارس، بحجة أن عدد الأذنة كان كبيرا. رفض الأستاذ بشير ذلك وقام باقتراح تحويل الاذنة الحاصلين على الثانوية العامة في كافة المدارس إلى مدرسين في المرحلة الابتدائية وسكرتيرين بعد أن نظمت لهم مديرية التربية والتعليم دورات تأهيلية و تربوية. أراد ضابط ركن التعليم تغيير أسماء المدارس التي تحمل أسماء المدن الفلسطينية والشخصيات العربية المشهورة. رفض الأستاذ بشير ذلك وقال له: "أنت تريد أن تعمل ثورة في المدارس"، ولم تتغير هذه الأسماء.

كان الأستاذ بشير يحرص على إعادة الطلاب الذين يسجنون ولم تثبت إدانتهم إلى مدارسهم لمواصلة تعليمهم. بالرغم من الكثافة الصفية العالية كان الإقبال شديدا على التعلم. كانت هناك مشكلة أكثر تعقيدا من أي مشكلة واجهت الأستاذ بشير، وهي توفير معلمي بعض المواد في المرحلة الثانوية مثل الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية بعد أن عاد المعلمون المصريون إلى بلدهم. لكن لم تضعف العزيمة ولم تهن وقال للمعلمين: "عليكم أن تقوموا بتعليم كل المواد وليتعاون الجميع" وكانت هناك لقاءات مصغرة أشبه ما تكون بحلقات دراسية، وتحقق ما أراد الأستاذ بشير وبرع المدرسون الفلسطينيون في أداء الواجب، وساعدهم في ذلك الطالب المحب للعلم، الذي كان مثالا في الأدب والخلق كما كان مثالا في الدرس والتحصيل رغم كل الصعاب. وقف مساندا لأبناء القطاع من طلبة الثانوية العامة بغية حصولهم على شهادة معترف بها في دول العالم، وقام بتشكيل وفد من بعض الشخصيات المرموقة والمعروفة في القطاع للسفر إلى الجمهورية العربية المتحدة، وبدأت رحلة أخرى من المعاناة حيث بدأت جولاته المكوكية عن طريق جسر الآلام (الأردن) إلى القاهرة لمقابلة المسؤولين ومفاوضتهم وإقناعهم بمد يد المساعدة والمساندة لطلاب قطاع غزة.

نجح في استصدار قرار جمهوري بعد مقابلة شخصية مع الرئيس جمال عبد الناصر بأن تقوم وزارة التعليم في مصر بإعداد امتحان الثانوية العامة لطلاب قطاع غزة، على أن تشرف عليه منظمة اليونسكو وإعادة الأوراق إلى مصر لتصحيحها وإعلان النتائج. هل كان هذا ليتحقق لولا إصرار وكفاح هذا البطل ؟؟!! لم يكتف بذلك ولكن عقد اتفاقا مع الحكومة المصرية بقبول جميع الطلاب الناجحين في الثانوية العامة في الجامعات المصرية بجميع التخصصات. هنا قامت خفافيش الظلام من سباتها العميق لتحارب هذا المشروع الوطني بحجة أنه يريد تفريغ الوطن من أبنائه، لكن صوت الحق يعلو لا يعلى عليه حيث قال: "هل أبناء الضفة الغربية يتعلمون في الجامعات الأردنية وغيرها أم لا؟؟هل يحق لهم التعلم وأبناء قطاع غزة لا؟؟؟ هل هم أبناء الحرة ونحن أبناء العبدة الذين لا حق لهم في التعليم ؟؟" ومرة أخرى انتصر الحق وتم قبول جميع الحاصلين على الثانوية العامة ومعاملتهم معاملة المصريين وتم إعفاؤهم من الرسوم الجامعية، بل وحصولهم على منح شهرية تصرف لكل طالب. كذلك أرسل إلى الجامعات السورية سنة 1970 – 1971 بعد الاتفاق مع جامعة دمشق والحكومة السورية.

كان له الباع الطويل في إرسال أول بعثة مكونة من 54 طالب إلى الجزائر سنة 1974 للدراسة في التخصصات المختلفة على نفقة الحكومة الجزائرية وذلك بالتنسيق مع الأستاذ "أحمد وافي" مدير مكتب منظمة التحرير في الجزائر في ذلك الحين. قام الصليب الأحمر بواجبه بنقل الطلاب من غزة إلى مصر وبالعكس. صاحب الأستاذ بشير الأفواج الأولى للاطمئنان عليهم. في أثناء سفره كان يلتقي بأبنائه الطلبة ويحثهم على العودة إلى القطاع بعد إنهاء دراستهم لأن القطاع في حاجة ماسة لهم وكان كل من يعود يتم تعيينه فورا. في عام 1975 تم تعيينه مستشارا للتعليم، وكان ذلك آخر محاولة للعدو الصهيوني كي يبعد ذلك المارد الجبار الذي ثار في وجهه من الميدان كي تخلو له الساحة. لكن إرادة الله كانت فوق كل شيء، واختاره الله إلى جواره في 14 يناير من عام 1976.

موسوعات ذات صلة :