قبرص قديما
تشير بعض الحفريات والوثائق إلى أن جزيرة قبرص إحدى الجزر الماهولة بالسكان منذ الالف السادس قبل الميلاد وان قبرص ارتبطت بعلاقات مختلفة مع حضارات البحر المتوسط منذ آلاف الثاني قبل الميلاد. وان الجزيرة كان لها علاقات تجارية في آلاف الثاني قبل الميلاد مع مصر وسوريا تتمثل في تصدير النحاس الذي تمتلى به اراضى الجزيرة.
في النصف الثاني للالف قبل الميلاد نشئت في قبرص كتابة خاصة لم ينجح العلماء في فك رموزها حتى لحظة كتابة تلك السطور. وتوافد على الجزيرة موجات من المهاجرين اليونانين مما أدى لازدهار الجزيرة وانتعاش اقتصادها. كنتيجة للازلازل التي اصابت الجزيرة عام 1100 ق.م هجر السكان المدن الكبرى بالجزيرة مثل بافوس Paphos وانكومى Encomi وكيتيوم caitium الجزيرة.
مع مطلع الالف الأول قبل الميلاد كان بالجزيرة ثلاث جماعات لغوية أساسية تختلف لغاتها ما بين الفينيقية والقبرصية القديمة ولغة مشتقة من اليونانية وادى ذلك التنوع اللغوى لظهور ثقافة قبرصية غلب عليها الفكر اليونانى. وفي ذلك الوقت تقاسم الجزيرة 9 ممالك منها مملكة بافوس ،مملكة امانوس ومملكة سولى وكان اهمهم مملكة سلاميس التي حكمها الملك ايفاجورا Evagoras.
خضعت قبرص بعد ذلك للسيطرة الاشورية في عهد سرجون الثاني 705-724 ق.م وحتى عام 612 ق.م ثم احتلها المصريون لمدة قرن والفرس عام 522 ق.م حتى مجى الاسكندر الأكبر المقدونى وانتصاره على دارا الثالث ملك الفرس في موقعة اسوس عام 333 ق.م. بعد وفاة الاسكندر الأكبر أصبحت قبرص من نصيب بطليموس حاكم مصر وعندما اشتدت المعارك بين بطليموس وخصمه انتيجونوس استولى الأخير على الجزيرة لمدة لا تتجاوز 10 سنوات وعام 310 ق.م تمكن البطالمة من اعادة السيطرة على قبرص وظلت الجزيرة تحت سيطرتهم قرابة قرنين ونصف حتى احتلها الرومان عام 58 ق.م فريد مات
من الحكم الإسلامي إلى الحملات الصليبية
عندما تم تقسيم الامبراطورية الرومانية إلى شرقية وغربية عام 330م. أضحت قبرص خاضعة للإمبراطورية البيزنطية حتى القرن السابع الميلادي حيث حاول المسلمون غزوها عام 12هـ-632م. واستولى عليها الخليفة معاوية بن أبي سفيان عام 28هـ في ألفٍ وسبعمئة سفينةٍ وفرض على أهلها الجزية التي امتنع أهل قبرص بعد ذلك عن دفعها في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان فقام المسلمون بحملةٍ على الجزيرة عام 75هـ-693 م وعام 109 هـ-726 م، وعام 126 هـ-743م وفي عهد هارون الرشيد.
خلال الحملة الصليبية الثالثة غزا ريتشارد قلب الاسد قبرص عام 1191 م وكانت مركزاً للحملات الصليبية وعام 1196 أنشئت بالجزيرة كنيسة أرثوذكية وأصبحت قبرص دولة أرثوذكسية. لم تستطع جيوش ريتشارد قلب الاسد السيطرة على الجزيرة طويلاً فباعها لفرسان المعبد ولكنهم لم يستطيعوا الوفاء بالثمن فانتزعها منهم وباعها للملك جي دي لوسينان ملك بيت المقدس المعزول والذي أسس أسرة لوسينان التي حكمت قبرص حتى عام 1489م. أصبحت الجزيرة مركزاً هاماً للثقافة الفرنسية في الشرق إبان حكم جى دى لوسينان وأسرته.
إبان هذا شن السلطان المملوكي برسباي ثلاث حملاتٍ على الجزيرة ما بين عامي 1424-1426م أسر في الثالة ملكها جانوس وأجبر قبرص على دفع الجزية لمصر حتى تم ضمّها للبندقية.
نتيجة لسيطرة مدينة جنوة الاقتصادية على الجزيرة وتجارتها خضعت الجزيرة لوصاية جنوة وأصبحت قبرص دولة كاثوليكية. أراد حكام الجزيرة التخلص من سيطرة جنوة على الحكم في قبرص فعقدوا تحالفاً مع مدينة البندقية تزوج بموجبه جيمس الثاني الأميرة البندقية كاترين كورنارو التي تربعت على عرش الجزيرة بعد وفاة زوجها وماتت تاركة حكم البلاد إلى البنادقة.
الحكم العثماني
استولى العثمانيون على الجزيرة بعد ذلك وطردوا البنادقة منها عام 1571 م على يد السلطان سليم الثاني وذلك بغرض القضاء على مراكز القرصنة في شرق البحر المتوسط. تشكلت بالجزيرة جاليات تركية بعد الغزو العثماني حتى بلغ عدد السكان المسلمون في قبرص ثلث السكان خلال قرن واحد. وفي عام 1777 م كان عدد السكان 84000 نسمة منهم 47000 من المسلمين.
كان من أهم نتائج الغزو العثماني للجزيرة القضاء على النظام البندقي الإقطاعي والسماح لاهل قبرص بإدارة اراضيهم مقابل الجزية وأيضا الاعتراف بالاسقف الأرثوذكسي كشخصية لها سلطات إدارية في قبرص والسماح للأرثوذكس بممارسة انشطتهم الدينية بعد ما شهدوه من الاضطهادات الدينية من قبل حكام قبرص البنادقة الكاثوليك. وفي عام 1821 اتهمت السلطات العثمانية الكنيسة الأرثوذكسية القبرصية بدعم اليونانيين الثائرين على الحكم العثماني فقامت السلطات بعزل الاسقف الأرثوذكسي واعدام العديد من الأرثوذكس.
الحكم الإنجليزي
في عام 1878 وبموجب اتفاقية بين الدولة العثمانية وبريطانيا حصلت الأخيرة على حق إدارة قبرص مع الاحتفاظ بسيادة الدولة العثمانية عليها ومبلغ مالي تدفعه بريطانيا واستمرار دفع اهالى قبرص الجزية ومساعدة بريطانيا الدولة العثمانية ضد أي هجوم روسي.
استقبل القبارصة اليونانيون القرار السابق بالترحاب حيث وجده خطوة في طريق الانضمام إلى اليونان. وكان أول ما فعلته السلطات البريطانية هو تكوين مجلس محلي يعين فيه ستة موظفين بريطانيين وينتخب القبارصة فيه 9 من القبارصة اليونانين و 3 من القبارصة الاتراك حسب النسب بين الجماعتين في ذاك الوقت.
عام 1914 ونتيجة دخول الدولة العثمانية الحرب إلى جانب ألمانيا اعلنت بريطانيا ضم قبرص إليها. وفي عام 1915 عرضت بريطانيا على اليونان اعطائها قبرص مقابل مشاركة اليونان في الحرب إلى جانب الحلفاء الامر الذي رفضته اليونان.
بموجب معاهدة لوزان تخلت الدولة العثمانية عن قبرص لبريطانيا عام 1923و في عام 1925 اعلنتها بريطانيا أحد مستعمراتها.
خلال تلك الفترة ساد الود ما بين القبارصة اليونانين والاتراك وتعاونوا معا ضد الوجود الإنجليزي ففي عام 1921 رفض اهالي قبرص قانون يلزم مدارس الجزيرة باعتماد اللغة الإنجليزية وزادت العمليات العسكرية ضد الوجود البريطاني في الفترة ما بين عامى 1928 إلى 1931 م. وعام 1931 اعتمدت السلطات البريطانية ميزانية هذا العام على الرغم من عدم موافقة أغلبية اعضاء المجلس التشريعي مما أدى لحدوث انتفاضة شعبية هائلة خاصة من القبارصة اليونانين بدعم من الكنيسة الأرثوذكسية.
اتجهت السلطات البريطانية بعد تلك الانتفاضة إلى تعليق الاحزاب والغاء الحريات واعدام الزعماء السياسين وانشئت بقبرص قاعدتين عسكريتان لا تزالان تعملان حتى الآن في منطقتى أكروتيري ودهكيليا، على امتداد الساحل الجنوبي.
مع مقدم الخمسنيات ضاق القبارصة بالغزو البريطاني وخاصة القبارصة اليونانيون فاسسوا حركة سرية تدعى ايوكا هدفت لمحاربة الغزو والانضمام إلى اليونان وعينت الحركة الاسقف مكاريوس رئيسا لها. قامت الحركة بهجمات عنيفة ضد الإنجليز طالت القبارصة الاتراك مما القى البلاد في اتون الحرب الاهلية.عام 1955 اخذت الحرب بين ايوكا والإنجليز شكل حروب الشوارع والعصابات فقامت بريطانيا بنفي مكاريوس إلى سيشل إلا أن الثورة اشتدت. مما اضطر السلطات البريطانية للإفراج عنه والدخول في مفاوضات استقلال الجزيرة.
في مقابل حركة ايوكا السرية انشا القبارصة الاتراك حركة فولفان السرية عام 1957 م برئاسة رؤوف دنكطاش وبمعاونة تركيا وذلك لحماية القبارصة الاتراك ومالبثت الحركة ان تخلت عن السرية واطلقت على نفسها المقاومة التركية.
و في عام 1959 اجتمع قادة قبرص الاتراك واليونانين وممثلي الغزو البريطانى في مدينة زيورخ لبحث استقلال الجزيرة وبعد مفاوضات طويلة وشاقة اعلن استقلال قبرص في 16 اغسطس 1960م ووضع دستور للجزيرة.
المسألة القبرصية
وافقت بريطانيا على استقلال الجزيرة من خلال مفاوضات زيورخ. وفي 31 يوليو 1960م تم انتخاب اعضاء المجلس التشريعي وفي 16 اغسطس 1960م اعلنت بريطانيا استقلال قبرص. تم بعد ذلك انتخاب الاسقف مكاريوس رئيسا للبلاد. ووضع دستور عام 1960م الذي بموجبه تم اشراك القبارصة الاتراك في الحكم سواء في الجيش أو في الحقائب الوزارية أو في البرلمان بنسبة 30%. وان يكون نائب الرئيس من القبارصة الاتراك واعتبر الدستور موافقته على القرارات الهامة المتعلقة بالدفاع والعلاقات الخارجة والنواحي الاقتصادية ضرورية لبدء العمل بتلك القرارات. مع وجود قوات تركية ويونانية رمزية داخل الجزيرة.750 جندي تركي وما يقرب من 1000 جندي يوناني.
تعديلات مكاريوس عام 1963 تقدم الاسقف مكاريوس رئيس البلاد بتعديلات دستورية للبرلمان ذكر فيها بان دستور قبرص لعام 1960 اعطى للقبارصة الاتراك ما يفوق حقوقهم وبانه اصاب إدارة البلاد بالشلل وطالب بالحد من صلاحيات القبارصة الاتراك في الحكم. رفض القبارصة الاتراك تلك التعديلات وايدتهم في ذلك تركيا. نتيجة للذلك اندلعت في الجزيرة أعمال العنف بين القبارصة اليونانين والاتراك وسقط القتلى والجرحى من الجانبين مما دفع الأمم المتحدة لارسال قوات حفظ السلام الدولية إلى الجزيرة عام 1964 وعاد السلام للبلاد ولكنه سلام هش فما لبثت ان اندلعت أعمال العنف عام 1967 والتي استمرت حتى عام 1974.
في عام 1973 تم اعادة انتخاب الاسقف مكاريوس رئيس للبلاد. ولكن في 13 يوليو 1974 نجح انقلاب عسكري في الإطاحة بالرئيس مكاريوس ورغمه على الهرب إلى خارج البلاد وفي تنصيب ناشر صحفي يسمى نيكوس سامسون رئيسا لقبرص الذي قدم استقالته بعد ايام ليخلفه في الحكم رئيس مجلس النواب غلافكوس كلرديس. بعد تلك الأحداث باسبوع واحد وفي 20 يوليو 1974 ونظرا لأوضاع قبرص السياسية المظطربة قامت تركيا بإطلاق ما عرف بالغزو التركي لقبرص حيث قامت القوات التركية بمهاجمة السواحل الشمالية الغربية للجزيرة ونجحت في تحقيق تقدم عسكري ملموس والسيطرة على مايقرب من 39% من اراضى قبرص واجبرت 170000 قبرصى يوناني على النزوح إلى جنوب البلاد ونتيجة للسيطرة التركية على شمالي قبرص قام حوالي 50000 قبرص تركي بالنزوح إلى شمال البلاد.
في اواخر عام 1974 تم التوصل إلى هدنة لوقف إطلاق النار بين القوات التركية والقبارصة اليونانين وبموجب ذلك الاتفاق عاد الاسقف مكاريوس للحكم وظل رئيسا حتى وفاته عام 1977.
خلال عام 1975 اعلن القبارصة الاتراك المناطق الشمالية من قبرص التي تخضع لسيطرة القوات التركية مناطق حكم ذاتي واطلقوا عليها اسم الولايات القبرصية التركية الفدرالية برئاسة رؤوف دنكتاش. في عام 1983 اعلن القبارصة الاتراك المناطق الشمالية من قبرص كدولة مستقلة وسموها جمهورية شمالي قبرص التركية ورأسها رؤوف دنكتاش وعلى الفور اعترفت بها تركيا في حين رفضت أي دولة أخرى الاعتراف بها واصدر مجلس الامن قرار رقم 541 بعدم شرعية قيام تلك الجمهورية وطالب القوات التركية بالانسحاب من قبرص الامر الذي لم تنفذه تركيا. وحتى لحظة كتابة هذه السطور لا يعترف المجتمع الدولي الا بحكومة شرعية واحدة في جنوبي الجزيرة.
الآن قبرص تنقسم فعليا إلى دولتين احدهما في شمال الجزيرة سكانها من المسلمين السنة ولغتهم التركية ويتواجد فيها 30000 جندي تركي وغير معترف بها دوليا إلا من تركيا والأخرى دولة قبرص سكانها من اليونانين المسيحيين ولغتهم اليونانية ومعترف لها دوليا بالسيادة على جميع اراضي الجزيرة.
في 1 مايو 2004 اعلن الاتحاد الاوروبي عن انضمام قبرص اليه غير معترف بالسيادة من قبل قبرص التركية على شمالي الجزيرة وفي نفس العام قدمت الأمم المتحدة مع امينها السابق كوفى عنان مشروعا لتوحيد الجزيرة رفضه القبارصة اليونانين ووافق عليه القبارصة الاتراك وباء المشروع بالفشل.
في مطلع عام 2008 جرت انتخابات رئاسية بقبرص تم خلال الجولة الأولى منها خروج الرئيس تاسوس بابادوبولوس من السباق الرئاسى ليفسح الطريق نحو الجولة الثانية بين المرشحان ديميتريس خريستوفياس زعيم الحزب الشيوعى القبرصي والمرشح يوانيس كاسوليدس زعيم اليمين القبرصي واسفرت الجولة الثانية في 24 فبراير 2008 عن فوز مرشح الحزب الشيوعي ديميتريس خريستوفياس والذي وعد بعد انتصاره بتوحيد الشعب القبرصي.