التفكك الأسري أو التصدع الأسري حالة من الخلل الوظيفي نتيجة لخلافات أو تخلي أحد الوالدين عن الأدوار الأساسية المنوطة به، مما يؤدي إلى خلل وظيفي عام لعمل الأسرة ككل، والذي يعرف في المفاهيم الاجتماعية بالتفكك الأسري، ويشير إلى الفشل في الدور التربوي الرئيس للأسرة حيث ينخفض مستوى مساهمتها في عملية التنشئة الاجتماعية، وفي بناء شخصية الفرد بصورة مستمرة وضبط سلوك الفرد وتوجيهه وفق متطلبات الحياة.[1]فهو انهيار الوحدة الاسرية وانحلال بناء الادوار الاجتماعية لافراد الاسرة.[2]
الأسرة المختلة هي عائلة يتواجد فيها النزاع، وسوء السلوك/التصرف، وغالباً ما يكون إهمال الأطفال أو سوء معلملتهم على وجه الخصوص من جانب الآباء مستمراً وبشكل منتظم، مما يؤدي إلى قيام أشخاص آخرين غيرهم بتلبية مثل هذه الاحتياجات.[3][4] ينمو الأطفال أحيانًا في هذه العائلات على أساس فهمهم أن هذا هو التسلسل الطبيعي للعائلات بشكل عام. والأسر التي تعاني خللاً وظيفيًا هي السبب الرئيسي لانتاج نوعين من الأشخاص البالغين غير الأصحاء، أحدهما عادة ما يكون مسيئًا بشكل علني، وقد يتأثر أيضًا بالإدمان، مثل تعاطي المخدرات™(مثل الكحول أو المخدرات)، أو أحيانًا مرض عقلي غير معالج.
الآباء والأمهات الذين يعانون من اختلال وظيفي أحداً منهم تربى في عائلة مختلة وظيفياً وقد تأثر بها. في بعض الحالات، اساءة معاملة أحد الآباء (وهو في الغالب يكون القوة الأكبر في العائلة) لأطفاله أو إهمالهم، مع عدم اعتراض الوالد الآخر أو عدم قدرته على الاعتراض، يؤدي إلى تضليل الأطفال في الحكم واللوم على أي منهم.
مفهوم التفكك الأسري
لغة
تفكك الشيء أي انفصلت أجزائه عن بعضها البعض.قال ابن منظور : وفَكَكْتُ الشيء خَلَّصْته وكل مشتبكين فصلتهما فقد فَكَكْتَهما وكذلك التَّفْكِيك، قال :ابن سيده فَكَّ الشيءَ يفُكُّه فَكّاً فانْفَكَّ فصله.[5] التَّفْكِيكُ : الفَصْلُ بين المُشْتَبِكَيْن.[6]
اصطلاحاً
يراد بظاهرة التفكك انهيار وحدة اجتماعية وتداعي بنائها واختلال وظائفها وتدهور نظامها سواء كانت هذه الوحدة شخص أم جماعة أم مؤسسة أم أمة بأسرها، وهو عكس الترابط والتماسك.[7], يعرف " أحمد يحي عبد الحميد " التفكك الأسرى بأنه " انهيار الوحدة الأسرية وتحلل أو تمزق نسيج الأدوار الاجتماعية، عندما يخفق فرد أو أكثر من أفرادها في القيام بالدور المناط به على نحو سليم، وبمعنى آخر هو رفض التعاون بين أفراد الأسرة وسيادة عمليات التنافس والصراع بين أفرادها ".[8]ويعرّفه غيث : وهن أو سوء تكيف وتوافق أو انحلال يصيب الروابط التي تربط الجماعة الأسرية كل مع الآخر، ولا يقتصر وهن هذه الروابط على ما قد يصيب العلاقة بين الرجل والمرأة، بل قد يشمل أيضاً علاقات الوالدين بابنائهما.[9]
تعدد أسماء مصطلح التفكك الأسري
تعددت التسميات لمصطلح التفكك الأسري، فمنها:
- تصدع الأسرة.
- الأسرة المحطمة.
- التفكك العائلي.
- العائلة المتداعية.
إن التنوع في الألفاظ لا يخرج عن كونها تشير إلى معنى واحد، ويعود سبب هذا التنوع في الألفاظ إلى ترجمة بعض المصطلحات الاجنبية مثل : (Broken Home - The Broken family)،ولكنها بمجملها تشير إلى تفكك الأسرة بسبب عدة عوامل.[10][11]
أنواع التفكك الأسري
هناك نواعان من التفكك الأسري هما:
التفكك النفسي
ويسمى بالتفكك المعنوي[12]، يكون الوالدان موجودين جسدياً ؛ولكن هناك خلافات مستمرة، ويقل في هذه الأسر احترام حقوق الأفراد ولا يشعر فيه الأبناء بالانتماء.ويظهر في التفكك المعنوي الاضطراب الذي يسود العلاقات بين أفراد الأسرة، و سوء التفاهم الحاصل بين الوالدين و انعكاساته على شخصية الأولاد، وجهل الوالدين بأساليب التربية السليمة.[13]
التفكك البنائي
ويسمى أيضاً بالتفكك المادي [14]،وينشأ من غياب الوالدين أو أحدهما بالموت أو الطلاق أو الانفصال أو الانشغال.[15]
تصنيف آخر للتفكك الأسري :
- التفكك الأسري الجزئي : الناتج عن حالات الانفصال والهجر المتقطع حيث يعود الزوجان إلى الحياة الأسرية غير أنها تبقى حياة مهددة من وقت لآخر بالهجر والانفصال.
- التفكك الأسري الكلي : الناتج عن الوفاة أو الطلاق أو قتل أحد الزوجين أو كلاهما.[16]
أسباب التفكك الأسري
التفكك الاسري يحدث لاسباب عديدة منها :
- الطلاق.
- وفاة أحد الوالدين أو كلاهما.
- إدمان أحد الوالدين على المخدرات أو المشروبات الكحولية.
- السجن.
- الهجرة.[17]
- عدم التوافق الجنسي بين الزوج والزوجة.
- انخفاض دخل الاسرة، بسبب البطالة أو انخفاض الدخل الشهري للأسرة.
- تدخل بعض الأقارب (كأهل الزوج أو الزوجة) في أمور الأسرة.
- عدم العدل في حال تعدد الزوجات.
- سكن بعض الأقارب مع الأسرة ومشاركتهم المادية والمعنوية للأسرة.
- عدم ملائمة المنزل التي تقيم فيه الأسرة، فقد يكون المسكن ضيقاً مما يؤدي إلى نفور أفرادها وخروجهم خارج المنزل.
- حالات النزاع والشجار بين أفراد الأسرة وخاصة بين الوالدين.
- الغياب الاضطراري للأب بسبب الوفاة أو الكوارث (كالحرب) مما يؤدي إلى غياب النموذج الرجولي في الأسرة.
كما أن هناك عوامل أخرى ساهمت بشكل أو بآخر إلى إحداث شرخ في العلاقات الأسرية مثل غياب الأمن مما أدى إلى عجز أو ضعف الأسرة عن القيام بواجباتها مثل التنشئة الاجتماعية، والتربية، وتلبية حاجات أفرادها، يؤدي حتماً إلى التفكك الأسري.[18]
مراحل التفكك الأسري
تشير "باك " ( beck ) إلى أن التفكك الأسري يمر في العادة بعدة مراحل يمكن تلخيصها على النحو التالي :
- مرحلة الكمون : وهي فترة محدودة قد تكون قصيرة جداً بحيث لا يمكن ملاحظتها، و الخلافات فيها سواء كانت صغيرة أو كبيرة لا يتم مناقشتها أو التعامل معها بواقعية.
- مرحلة الاستثارة: وفيها يشعر أحد الزوجين أو كلاهما بنوع من الارتباك و بأنه مهدد وغير قانع بالإشباع الذي يحصل عليه.
- مرحلة الاصطدام: و فيها يحدث الاصطدام أو الانفجار نتيجة للأفعال المترسبة، حيث تظهر الانفعالات المكبوتة لمدة طويلة.
- مرحلة انتشار النـزاع: إذا زاد التحدي و الصراع والرغبة في الانتقام فإن الأمور تزداد حدة، ويؤدي ذلـك لزيادة العداء والخصومة بين الزوجين والنقد المتبادل بينهما، حيث يكون هدف كل طرف هو الانتصار على الطرف الآخر دون محاولة الوصول إلى التسوية، وينظر كل منهما إلى نفسه على أنه الإنسان المتكامل على حساب الطرف الآخر، ويزداد السلوك السلبي، وإذا كان النـزاع في البداية يتعلق بناحية معينة فإنه سرعان ما ينتشر ليغطي النواحي الأخرى المتعددة.
- مرحلة البحث عن الحلفاء: إذا لم يستطع الزوجان حل المشكلة بمفردهما فإنهمـا يبحثان عمن يساعدهما في تحقيق ذلك من الأهـل و الأقارب و الأصدقاء، و إذا استمر النزاع لفترة طويلة فإن القيم و المعايير التي تحكم بناء الأسرة تصبح مهددة، و هنا قد يلجأ أحد الطرفين أو كلاهما للحصول على إشباع من خلال المصادر الأخرى البديلة مثل التركيز على الاهتمام بالأطفال، أو المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والتركيز على النجاح في العمل على حساب الإشباع الذي يتحقق داخل الأسرة.
- مرحلة إنهاء الزواج: عندما يكون لدى الزوجين على الأقل الدافعية و الرغبة لتحمل مسؤولية القرار المتعلق بالانفصال تبدأ إجراءات الانفصال، والتي تعني عدم التفكير في العودة مرة أخرى للحياة الزوجية، وهنا قد يوكل أحد الطرفين أو كليهما محاميا لذلك و يلجأ للقضاء.[8]
التفكك الأسري و دوره في السلوك الإجرامي
أشارت نتائج العديد من الدراسات إلى أن هناك علاقة وطيدة ما بين التفكك الأسري والسلوك الإجرامي، كما وجد (الربايعة،1984م)[19]: أن غياب أحد الوالدين يؤدي إلى غياب السلطة الضابطة والتوجيهية مما يعرض الشخص إلى التوتو والقلق والحرمان و الاضطهاد ويشكل لديه ميلاً لممارسة السلوك الإجرامي.[20]وفي دراسة الشمس والعقاد (1412 هـ، 137 ) حول تأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية على معدلات الجريمة، أشارا إلى أن المشكلات الأسرية تؤدي إلى ارتكاب الجرائم ومنها جرائم السرقة والجرائم الأخلاقية وجرائم تعاطي وترويج المخدرات، و أن (59%) من المبحوثين يرون أن الخلافات بين الوالدين من أهم العوامل التي أدت إلى الوقوع في الجريمة.[21]
أثر التفكك الأسري على الأطفال
أثبت الدراسات المختلفة في هذا المجال أن المراهقين الذين كانوا يعيشون في بيوت مفككة، كانوا يعانون من المشكلات العاطفية و السلوكية والصحية و الاجتماعية بدرجة أكثر من المراهقين الذين كانوا يعيشون في بيوت عادية، وقد ثبت أن غالبية المطرودين من المدرسة بسبب سوء التكيف كانوا من بين أبناء البيوت المفككة، كذلك اتضح أن الأطفال الذين انفصل أبواهـم أو طلقا ظهر عندهم ميل شديد للغضب ورغبة في الانطواء، كما كانوا أقل حساسية للقبول الاجتماعي وأقل قدرة على ضبط النفس و أكثر ضيق.[22][8]
مقالات ذات صلة
المراجع
- أسباب الجريمة وطبيعة السلوك الإجرامي، عدنان الدوري، 1984م،ط 3،دار السلاسل.ص 268.
- دراسة تحليلية للعوامل المرتبطة بالتفكك الأسري للعائلة العراقية بعد أحداث 9/4/2003،د. فخري صبري عباس، 2010.
- "معلومات عن أسرة مختلة على موقع jstor.org". jstor.org. مؤرشف من الأصل في 10 مارس 2020.
- "معلومات عن أسرة مختلة على موقع id.loc.gov". id.loc.gov. مؤرشف من الأصل في 15 ديسمبر 2019.
- لسان العرب،المؤلف : محمد بن مكرم بن منظور،الناشر : دار صادر - بيروت،الطبعة الأولى،10 / 475.
- تاج العروس من جواهر القاموس،المؤلف : محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الزَّبيدي،تحقيق مجموعة من المحققين،الناشر دار الهداية، 27 / 301.
- معجم العلوم الاجتماعية،نخبة من الأساتذة في علم الاجتماع، مصر: مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1975، ص168
- التفكك الاسري و اثره على البناء النفسي والشخصي للطفل مقاربة سوسيونفسية،ايديو ليلى، جامعة عباس لغرور خنشلة،الجزائر.
- المشاكل الاجتماعية والسلوك الانحرافي، محمد عاطف غيث، دار المعرفة الجامعية، ص 161.
- التفكك الأسري وعلاقته بانحراف الفتيات في الأردن، نادية هايل العمرو،رسالة ماجستير غير منشورة،جامعة مؤتة،2007 م، الأردن |، ص 8.
- كتاب المؤتمر الدولي المحكم :التفكك الأسري، طرابلس -لبنان 2018م، بحث بعنزان :العوامل المؤية إلى التفكك الأسري في الضفةالغربية من وجهةنظرالمواطنين،د. عصام حسني الأطرش – جامعة الأستقلال، ص 90
- التفكك الأسري وعلاقته بارتكاب جرائم المخدرات، فؤاد عبدالكريم البديوي،رسالة ماجستير غير منشورة،جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية،ص56
- الأحداث المنحرفون،علي محمد جعفر، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع،بيروت، 1994، ص62
- التفكك الأسري وعلاقته بارتكاب جرائم المخدرات، فؤاد عبدالكريم البديوي،رسالة ماجستير غير منشورة،جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية،ص56
- المرشد الأسري، أمين ماهر، حرف للنشر والتوزيع،ص 15.
- التفكك الأسري وعلاقته بانحراف الفتيات في الأردن، نادية هايل العمرو،رسالة ماجستير غير منشورة،جامعة مؤتة،2007 م، الأردن |، ص 14.
- أثر هجرة الزوج على الأسرة،سوسن العليوي،رسالة ماجستير غير منشورة، 2001 م.
- دراسة تحليلية للعوامل المرتبطة بالتفكك الأسري للعائلة العراقية بعد أحداث 9/4/2003، فخري صبري عباس،
- أثر الثقافة والمجتمع في دفع الفردلارتكاب الجريمة، أحمد الربايعة،الرياض، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب.
- التفكك الأسري وعلاقته بارتكاب جرائم المخدرات، فؤاد عبدالكريم البديوي،رسالة ماجستير غير منشورة،جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية،ص2
- تأثير العوامل الاقتصادية على معدلات الجريمة ، محمد الشمس و عدنان العقاد، مركز أبحاث مكافحة الجريمة بوزارة الداخلية،الرياض، ص 137.
- سيكولوجية الطفولة و المراهقة، مصطفى غالب، بيروت: دار مكتبة الهلال، 1991، ص 63