ثورة البشموريين (Peshmurians Copts) الذين يسكنون شمال الدلتا في العام 832 م ضد الحكم العباسي حيث قاموا بطرد عمال الدولة ورفعوا راية العصيان ورفضوا دفع الجزية.
وقد تعددت ثورات المصريين المسيحيين وشملت الوجهين البحري والقبلي. وكانت أعنف هذه الثورات تلك التي كان يقوم بها أهل البشمور أو البشرود، وهي المنطقة الرملية الساحلية بين فرعي دمياط ورشيد ويعملون في إنتاج ورق البردي الذي كان العالم كله في ذلك الوقت يستخدمه لتسجيل علومه ومعارفه وفي مختلف أنشطه حياته اليومية..ثاروا ضد الظلم أيام عيسى بن منصور الوالى من ولاة مصر في عهد الخلفاء العباسيين في عهد الخليفة المأمون من زياده ظلم جباة الخراج (الضرائب) وولاتهم وضوعفت الجزية.
ولقد ظل المصريون الأقباط يقومون بالثورة بعد الأخرى طوال القرن الثامن الميلادي وكانت حكومة العرب تقابل تلك الثورات بالقوة. وكان يتبع إخماد تلك الثورات في العادة تحول عدد كبير من الأقباط إلى الدين الإسلامي.
وكان آخر تلك الثورات تلك التي انتهت في بداية القرن التاسع الميلادي (832 م) بمجيء الخليفة المأمون وإبادته للثائرين والتي كان من نتائجها أن أصبح الإسلام أغلبية في القطر المصري. ويخبرنا ساويرس بن المقفع عن هذه الثورة فيقول أن الخليفة المأمون صحب معه إلى مصر البطرك ديونوسيوس بطرك إنطاكية وأنه استعان به وببطرك الأقباط الأنبا يوساب، لإخماد ثورة البشموريين وسير إليهم قائده الأفشين لمحاربتهم، ثم سار إليهم بنفسه وجحافله وقضى على حركتهم.
يقول المحقق:
" | أمر المأمون الأفشين بأن يهاجم البشموريين وكان ذلك في ليلة الجمعة الليلة التاسعة من محرم فلم يقدر عليهم لمناعة منطقتهم المحاطة بالمياه، وكانوا يقتلون من جنوده كل يوم عددًا كثيرًا كما حدث من قبل. فأرسل الأفشين إلى المأمون مرة أخرى فسار الخليفة بجيشه ليحارب البشموريين أيضًا وأمر أن يجمعوا كل من يعرف طرق ومسالك مناطق البشموريين، فجاء عدد من أهل المدن والقرى المجاورة لهم ومن كل الأماكن ومن أهل تندا وشبرا وسنباط وعملوا مع المسلمين كدليل إلى أن سلموا لهم البشموريين فهلكوهم وقتلوهم بالسيف ونهبوهم وأخرجوهم من مساكنهم وأحرقوها بالنار. ولما رأى المأمون كثرة القتلى أمر جنوده بأن يتوقفوا عن قتلهم، ثم أرسلهم في طلب رؤسائهم وأمرهم أن يغادروا بلادهم غير أنهم اخبروه بقسوة الولاة المعينين عليهم وأنهم إذا غادروا بلادهم لن تكون لهم موارد رزق إذ أنهم يعيشون من بيع أوراق البردي وصيد الأسماك. وأخيرًا رضخ الأبطال للأمر وسافروا على سفن إلى أنطاكية حيث أرسلوا إلى بغداد وكان يبلغ عددهم ثلاثة آلاف، مات معظمهم في الطريق أما الذين أسروا في أثناء القتال فقد سيقوا كعبيد ووزعوا على العرب، وبلغ عدد هؤلاء خمسمائة، فأرسلوا إلى دمشق وبيعوا هناك". وأمر المأمون بالبحث عمّا تبقىَ من البشموريين في مصر وأرسلهم إلى بغداد -عاصمة الدولة العباسية آنذاك- حيث مكثوا في سجونها. ثم أطلق سراحهم شقيق المأمون وخليفته إبراهيم الملقب بالمعتصم، وقد عاد البعض إلى بلادهم وبقى البعض الآخر في بغداد. وعندما أحرز المأمون النصر سنه 832 م مكث شهرين في مصر ثم ذهب إلى بغداد ولم يعش غير عدة شهور وتوفى في خريف833 م، ثم تولىَ الخلافة أخوه المعتصم فأطلق البشموريين من السجون، ربما لشعوره بالذنب مما فعله الولاة تجاههم. | " |
انظر أيضاً
مصادر
- ابن إياس : بدائع الزهور في وقائع الدهور، تحقيق محمد مصطفى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1982
- جاك تاجر : اقباط ومسلمون، كراسات التاريخ المصري، القاهرة 1951.
- جمال الدين الشيال (أستاذ التاريخ الإسلامي): تاريخ مصر الإسلامية (جزئين)، دار المعارف، القاهرة 1966.
- حسين فوزي :سندباد مصري، جولات في رحاب التاريخ، دار المعارف، القاهرة 1990
- عزيز سوريال عطية، تاريخ المسيحية الشرقية، ترجمة إسحاق عبيد، المشروع القومى للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة 2005
- تقي الدين المقريزي : السلوك لمعرفة دول الملوك، دار الكتب، القاهرة 1996.
- القس منسى يوحنا : تاريخ الكنيسة القبطية، مكتبة المحبة، القاهرة 1983.
- ساويرس ابن المقفع: سيرة الأباء البطاركة، سبولد، بيروت 1904
- يعقوب نخلة روفيله : تاريخ الأمة القبطية، مؤسسة مارمرقس لدراسة التاريخ القبطى، القاهرة 2000.