جماعة (الناجون من النار)
ربما ترجع أول نشأة لفكرة التوقف في الحكم على المسلمين بكفر أو إسلام إلى نشأة " جماعة القطبيين "عام 1965م, حيث ظل القطبيون يتبنون هذه الفكرة منذ نشأتهم وحتى 1981م عندما قرروا التخلي عنها كما أشرنا لذلك سابقا, والفكرة كانت تقوم لدى القطبيين على التوقف عن الحكم للمسلمين المعاصرين بكفر أو إسلام إلى أن يتبينوا حقيقة معتقداتهم.
و كان القطبيون لا يشترطون في المسلم أن ينضم لجماعتهم ليحكموا له بالإسلام انما كانوا فقط يشترطون أن يدين بنفس معتقداتهم التي هي في أغلبها معتقدات الإسلام الصحيحة عدا بعض الجزئيات التي تخالف أصول الإسلام أو اختلف فيها العلماء كعدم العذر بالجهل في العقائد والتشدد في مسألة التحاكم للقوانين الوضعية التي تخالف الإسلام أو لا تخالفه دون مراعاة العوارض والأعذار التي قد تكره المسلم على شئ من ذلك,
في منتصف السبعينات ظهرت مجموعات كثيرة مختلفة تتبنى فكرة التوقف لكن أدخلوا عليها تعديلات جوهرية أهمها أن الحد الأدنى للإسلام لم يعد هو عقيدة الإسلام حسب فهمهم كما عند القطبيين لكنه صار هو ذلك بالاضافة للانضمام لجماعتهم والسمع والطاعة لأميرها في كل صغيرة وكبيرة كما تبنت بعض هذه الجماعات فكرة الانقلاب المسلح لاقامة دولة الإسلام وسعوا للتسلح والتدرب على السلاح, ولكن حتى منتصف الثمانينيات لم يقوموا بأي عمل مسلح ضد الحكومة أو المجتمع.
و لكن في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين تخلى الطبيب الشاب "مجدي الصفتي" عن انتمائه لفكر تنظيم الجهاد وتبنى فكر التوقف والتبين, وسرعان ما كون جماعة خاصة به مزج فيها بين فكر الجهاد في العمل المسلح وبين عقيدة جماعات التوقف والتبين المنتشرة, وقرر أن الطريق الأقصر لنشر فكر التوقف والتبين بين الحركات الإسلامية هو اثبات أن معتنقي هذا الفكر هم أهل جهاد وعمل وليس أهل كلام فقط كما كان يرميهم خصومهم خاصة من تنظيم الجهاد المصري الذي كان يصم جماعات التوقف بأنها لا هم لها سوى تكفير الناس دون القيام بأي عمل إسلامي فعلي, وهذا الإثبات الذي عزم "مجدي الصفتي" على القيام به دفعه لتأسيس منظمة جديدة أطلق عليها اسم "الناجون من النار" وضم إليها مجموعة من الأشخاص من معتنقي فكر التوقف والتبين الذين وافقوا على فكرته في وجوب القيام بتحرك مسلح لاثبات أن فكرهم ليس كلام فقط وانما هو كلام وعمل وجهاد أيضا, وكان من بين بعض من انضموا له في منظمته الجديدة متعاطفون سابقون مع تنظيم الجهاد, وساعد ذلك كله علي مضي مجدي الصفتي في طريقه الذي رسمه لنفسه والذي تأثر فيه بانتمائه السابق لتنظيم الجهاد وبحمله بين جنبيه ثأرا سابقا خاص بمرارات التعذيب الذي تعرض له العديد من قادة وأعضاء تنظيم الجهاد عندما كان يقود وزارة الداخلية كل من اللواء "النبوي إسماعيل" كوزير واللواء "حسن أبوباشا" كمدير لجهاز مباحث أمن الدولة ثم كوزير للداخلية, ولذلك قام تنظيم "الناجون من النار" بثلاث عمليات مسلحة حاولوا في أولاهما اغتيال حسن أبو باشا لكنه نجا بأعجوبة فلم يمت وأصيب بجراح خطيرة, وكانت المحاولة الثانية محاولة اغتيال نبوي إسماعيل أما محاولتهم الأخيرة فقد كانت من نصيب الكاتب الصحفي "مكرم محمد أحمد" المقرب من الحكومة, وقد نجا مكرم والنبوي إسماعيل دون جراح من هاتين المحاولتين, وكانت كل هذه المحاولات في صيف 1987م.
و بسجن قادة المنظمة وأغلب قادتها تفككت وانتهى أمرها ولم يعد لها وجود رغم استمرار هروب مجدي الصفتي لست سنوات متصلة قبل أن يلقى القبض عليه عام 1993م ويسجن مع رفاقه الذين تحول أغلبهم عن فكر التوقف إلى فكر "السلفية الحركية".
و لكن على كل حال فتيار التوقف والتبين ما زال موجودا في واقع الحركات الإسلامية المعاصرة في مصر لكنه لا يتبنى العمل المسلح كما كان حاله قبل ظهور "جماعة الناجون من النار", بل إن هذا الفكر ظل موجودا وقت ظهور جماعة[الناجون من النار] لأنه لم ينضم لها من حاملي هذا الفكر سوى العشرات فقط, بينما ظل الباقون على حالتهم من تبني الفكر العقيدي المتشدد دون أن يقرنوه بحمل السلاح.
و المتبنون لفكر التوقف والتبين في مصر يتراوح عددهم ما بين ألف وألفين شخص على أقصى تقدير.
المرجع : كتاب المؤلف الأستاذ :[عبد المنعم منيب]