حصن الصخرة[1]، وهي قلعة تقع على أرض صخرية في عرض البحر المتوسط أقامها الإسبان على مسافة ثلاثمائة متر من مرسى مدينة الجزائر.
تاريخ
في نهاية القرن 15م، بل وحتى قبله ببضعة قرون، لجأ عدد كبير من الأندلسيين هروبا من القمع والإبادة ومحاكم التفتيش الإسبانيين إلى جزائر بني مزغنة، فبنوا بها الجامع الكبير، بشارع البحرية حاليا، وبنوا أيضا على صخرة السطفلة برجا عاليا لمراقبة حركة السفن عن بُعد والاحتياط من هجمات ومُلاحقات الإسبان. لكن سرعان ما استولى القائد الإسباني "بيدْرُو نافارو" (P. Navaro) على هذا البرج في يوم 31 ماي 1510م وبنى مكانه ما سيشتهر عند المؤرخين باسم: حصن البنيون (Penon)؛ أي صخرة السّطُفْلة الكبيرة، بِلُغة سيرْفَانْتيسْ، في 1510م. وانطلاقا منه سوف يُسَيْطر على بني مزغنة ويتحكَّم في أرزاقهم طيلة 19 سنة كاملة.
فماكان أمام أهل المدينة من حيلة سوى الصبر إزاء هذا الاعتداء حتى يوم 27 ماي 1529مليأتي الخلاص على يد خير الدين بربروس الذي حطم الحصن بعد معركة شرسة وأَسَر خلالها 120 عسكريا إسبانيا أو حتى 500 حسب مصادر أخرى. وقد كانت خطة هذا التحرير مخابراتية بحيث اخترق خير الدين الحصن بواسطة جاسوسيْن من أهل المدينة، حسبما ذكر هو نفسه في مذكراته التي أملاها على كاتب وصديق له في الباب العالي واشتهرت فيما بعد بـ:"غزوات خير الدين وعروج". سلَّمَ الجاسوسان نفسيهما للقائد مارْتانْدِي فارْغاسْ بالحصن طالبين اللجوء السياسي وتظاهرا باعتناق المسيحية على يديه. في نفس الوقت، جَهَّزَ خير الدين جيشه وبقي ينتظر منهما إشارة الاقتحام معتكفا بالصلاة والصيام كغيره من أغلبية سكان المدينة الصغيرة. وجاءت الإشارة في يوم جمعة من شهر ماي في الصباح الباكر من فوق أسوار الحصن أثناء انشغال الإسبان بالصلاة في الكنيسة. ودامت محاولة الاقتحام بالسلالم طيلة أسبوع كامل تحت غطاء مدفعي كثيف،ولم تتكلل بالنجاح إلا بعد إحداث ثغرة في أسوار الحصن. فاتورة التحرير لم تكن بسيطة: عشرات القتلى، مئات الجرحى، إصابة عدد من مباني المدينة بالقذائف الإسبانية كالجامع الكبير الذي تحطمت مِأذَنته، بالإضافة إلى إعدام الجاسوسيْن من طرف مارْتان دي فارْغاسْ بعد انكشاف أَمْرهما. حدث ذلك قبل 484 سنة...
أما الأسرى وعلى رأسهم القائد "دي فارغاس" فقد فرض عليهم خير الدين مهمتيْن كبيرتين، يساعدهم على إنجازها الأسرى المسيحيون بالمدينة: تتمثل الأولى في ترميم الأبراج والحصون التي حطموها أثناء قصفهم المدينةَ وإصلاح الأضرار العمرانية التي خلََّفها القصف الإسباني. أما الثانية وهي الأهم فتكمن في ربط الجزر الثلاثة ببعضها البعض لتصبح كتلة واحدة بواسطة أحجار حصن البنيون، قبل إيصالها بالمدينة بجسر من الصخور وبقايا أطلال مدينة تامنفوست الرومانية وأحجار محجرة باب الوادي. وكان خير الدين عند تفقده لسير العمل دائم الترديد على مسامع الأسرى الإسبان بتهكم: "لقد حَطمْتُمْ مدينتنا بمدافعكم فأعيدوا بناءها الآن كما وجدتموها".
هكذا، إذن، وُلد مرسى الجزائر القديم في عهده الأول، وسوف يشتهر باسم مؤسِّسه حتى اليوم؛ أي "رصيف خير الدين"... خير الدين الذي كاد أن تُصبح ملحمته هو وإخوانه عروج وإسحاق وإلياس فيلماً يؤدي الأدوار فيه أبرز نجوم هوليوود في بداية الستينيات من القرن الماضي لولا أن أحمد بن بلة الذي عُوِّل عليه لتمويل الإنتاج تمت الإطاحة به من طرف هواري بومدين قبل أن ينطلق المشروع.
المراجع
- فوزي سعد الله ..... مرســى الجزائــر: الجــزر التي صنعت عاصمــة - تصفح: نسخة محفوظة 3 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
- غارنير، Edith L'Alliance Impie Editions du Felin، باريس، 2008،