المقدمـــة
ان كلمة رباط وجمعها رُّبُط: تعني الحصن أو المكان الذي يرابط فيه الجيش.
اي ان الرباط هو الحصن الذي يقيم فيه المقاتلين الذين يدافعون عن الثغور،المواجهة للعدو، للذود عن ديار المسلمين. ان هذه التسمية مقتبسة من القرآن الكريم وذلك في قوله: {وأعدُّوا لهم مَّا اسْتَطعتُم من قُوَّة ومن رِّبَاط الخَيْل}[1].و قوله تعالى: { يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اصبْرُوا وَصَابرُوا وَرَابطُوا واتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[2]. لقد كانت الرُّبُط إضافة لدورها في التصدي لمواجهة المعتدين، فهى كانت أيضا المنطلق لنشر العقيدة الإسلامية من عبادة وأخلاق ومعاملات. ونتيجة مكوث المرابطين فيها مدة طويلة، تطورت الرُّبُط فغدت مدارس علمية تدرس علوم الدين من فقه وحديث وتفسير، إضافة للعديد من العلوم الأخرى. وكانت الحياة فيها تقوم على أساس من التعاون الجماعي بين أفراد هذه الرُّبُط. والرباط والمرابطة ملازمة ثغر العدو، واصله ان يربط كل واحد من الفريقين خيله، ثم صار لزوم الثغر رباطا. والرباط في الاصل الإقامة على جهاد العدو[3].
رباط الشونيزية
رباط الشونيزية يقع بالجانب الغربي من بغداد بالقرب من مقبرة الشونيزية[4] واسماه ياقوت الحموي "خانقاه" في تعريفه للشونيزية فقال: «وهناك خانقاه للصوفية».[5].
ولم يتبين لنا مؤسس هذا الرباط ولا تأريخ انشائه، ولعله اسس في القرن الخامس الهجري فيما روى عن سكناه في ذلك العصر، ولكن يذكر ابن الفوطي انه رباط الجنيد[6] (ت297هـ)، وقد كان الرباط موجوداً في سنة 584هجري [7]، ولكن من غير المعروف ما إذا كان مستمراً دون انقطاع منذ زمن الجنيد وحتى القرن السادس الهجري، ولو كان وجوده مستمراً لكان اقدم الربط البغدادية ويبدو انه قريب من مسجد الشونيزية ولهذا الرباط أوقافا كانت تكفي لسد حاجة الفقراء المقيمين فيه والانفاق في تعميره وصيانته [8]، قال ابن الدبيثي في ترجمة ابي عمرو[9] الصوفي (ت605هـ/1208م): «انتقل إلى رباط الشونيزية مقدما فيه وخادما للفقراء الساكنين فيه وناظرا في وقفه فعمر الموضع وظهر من توقد همته على مصالح ماشهد بحسن نيته وحمد عليه»[10].وانه الآن أصبح أثرًا بعد عين[11].
وفي سنة [12](606هـ/1209م) عهد برباط الشونيزية لابي محمد[13] الزبيدي (ت620هـ/1223م) فيما ذكر ابن الدبيثي عنه: «تولى رباط الشونيزي يخدم الصوفية فيه وينظر في وقفه» [14]. يظهر ان هذا الرباط كان يتمتع بخزانة من الكتب الموقوفة وانها كانت في خدمة الساكنين فيه[15]. ولعل هذا السبب الذي دفع أبا حامد البلخي ليوقف كتبه فيه. قال ابن الدبيثي: «وقف كتبه برباط الشونيزية».[16]
أشهر من أقام في هذا الرباط
1- المعين أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن محمد بن يحيى الزبيدي (ت 620هـ/1223م). وصاحب الوافي بالوفيات قال هو: أبو محمد البغدادي عبد الرحمن بن إسماعيل بن محمد بن يحيى الزبيدي أبو محمد البغدادي الشافعي، سمع في صباه من ابن البطي وأحمد بن يمان البقال وعبد الله بن المبارك بن البقلي وغيرهم وبرع في الفقه وصار معيداً بمدرسة أم الخليفة جوار معروف الكرخي، وكانت لديه يد باسطة في الفرائض والحساب ثم رتب شيخاً برباط الشونيزية وتوفي سنة عشرين وست مائة[17].
2-عبد الله بن محمد بن أبي المفضل. أبو بكر الطوسي الشنجي شيخ رباط الشونيزية، وذكر أنه ابن أخت أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، ولقد توفي في ذي الحجة سنة أربع وثمانين.[18]
وفي محلة الشونيزية هناك رباط آخر يسمى رباط النورية، وقد جاء ذكره في مخطوطة لكتاب مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث.[19]
وبالرغم من وضوح النصوص السابقة في تولي نظارة وقف رباط الشونيزية، لكننا لم نتعرف على نوع ومقدار هذه الأوقاف أو اصحابها لكنها فيما تبدو كانت كافية لسد حاجة الرباط.
المصادر
- القرآن الكريم، سورة الأنفال،الآية رقم60.
- المصدر نفسه، سورة آل عمران، الآية رقم200.
- ابن منظور، لسان العرب ،مادة"ربط".
- ياقوت الحموي ،معجم البلدان ،ج3 ،ص374.انظر :مصطفى جواد، وأحمد سوسة، دليل خارطة بغداد المفصل ،ص89-91.
- الخانقاه:وتلفظ خانكاه أيضا وهي دار لسكنى المتصوفة موقوفة عليهم للاقامة والعبادة والتزهد والطعام واللباس، وهي لفظة فارسية بمعنى الزاوية. انظر:(المقريزي ،الخطط،ج4 ،ص271).وقيل هو رباط الصوفية. انظر:(شهاب الدين احمد الخفاجي، شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل،ص113). انظر أيضا:(المرتضى الزبيدي ،تاج العروس،ج6،ص340) وايضا انظر:(دائرة المعارف الإسلامية، النسخة العربية، مادة خنق ،ج10 ،ص23). وايضا انظر:(مصطفى جواد ،الربط البغدادية ،ص219-220).
- ابن الفوطي ،تلخيص مجمع الاداب، ج4 ، ق1، ص248.
- الذهبي ،تاريخ إسلامي،ج 41، ص184.
- الدكتور عبدالحسين مهدي الرحيم ،الخدمات العامة في بغداد، ص148 -149.
- هو عثمان بن عمر من اهل همدان قدم بغداد واقام بها حتى وفاته. انظر :ابن الدبيثي ،ذيل تاريخ بغداد، ج3، ورقة122.
- ابن الدبيثي ،ذيل تاريخ بغداد ،ج3، ورقة122.
- زيارة ميدانية للباحث وليدالصكر عام2001 نسخة محفوظة 18 مايو 2015 على موقع واي باك مشين.
- ابن الساعي ,الجامع المختصر في عنوان التواريخ وعيون السير, ج9، ص284.
- هو عبد الرحمن بن إسماعيل بن محمد بن يحيى الزبيدي، من اهل الحريم الطاهري. انظر : ابن الدبيثي ،مصدر سابق ،ج3 ،ورقة32. وسماه ابن الفوطي "الحسن" ،الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة ،ص4.
- ابن الدبيثي ،مصدر سابق، ج3، ورقة32.
- الدكتور عبد الحسين مهدي الرحيم ،المرجع السابق، ص173 و174.
- ابن الدبيثي، المصدر السابق، ج3، ص354.
- صلاح الدين الصفدي، الوافي بالوفيات ،ج6،ص63.
- الذهبي ،المصدرالسابق ، ج41 ،ص184.
- رباط النورية، ذكر صراحة في نسخة من (مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث) محفوظة في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد تحت الرقم (2949) وعدد أوراقها (119) ورقة، وتحتوي كل ورقة على صفحتين في كل صفحة إحدى وعشرون سطرا، بمعدل عشر كلمات في السطر الواحد، وعليها حواش وآثار مقابلة، كتبت بخط النسخ العادي، ويعود تأريخ نسخها إلى سنة (807 هـ) إذ نسخت في رباط النورية في محلة الشونيزية ببغداد، على يد، محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الإسفراييني وهي قليلة الأخطاء نادرة السقط.