الرئيسيةعريقبحث

شمد لاوري


☰ جدول المحتويات


شمد لاوری:(1912 - 1941 م) هو الشيخ محمد بن شیخ عبد الرحمن بن شیخ مصطفی بن شیخ حسن بن شیخ محمد بن شیخ راشد بن شیخ مصطفی بن شيخ حسن المدني، مشهور بــ شمد لاوري وهو حفيد العلامة الشيخ حسن المدني، أحد الدعاة المعروفين في (بر فارس). من مواليد عام (1912 م ــ 1941 م) في قرية جاه قيل في منطقة كودة التي تتبع البلدة المركزية ( بالفارسية: بخش مركزى ) من توابع مدينة بستك وتقع في غرب محافظة هرمزگان في جنوب إيران. شمد لاوری كان رجلاً شهماً، وفارساً شجاعاً لايهاب الموت، دافع عن الضعفاء والفقراء والمستضعفين، وفي النهاية خسر حياته في سبيل ذلك، في تلك الفترة التي كانت الظلم والجور سائداً، لقد کان ذاك الزمان شدیداً علی أهل فارس، وکانت قسوة الظلمة، وجامعي الضرائب من الاقطاعیین وأرباب مال لا تطاق. وهو من الشخصيات المعروفة في تاریخ إيران الحدیث، خصوصاً فی منطقة هرمزگان وبستك الواقعة فی الجنوب الغربی من إیران. جده كان من كبار الرواد العلم في منطقة (بر فارس) المشهورة بشيبكوه، هاجر من المدينة المنورة إلى بر فارس عام 1087 هـ. يرجع نسبه إلى الإمام علي بن أبي طالب ، وكرم الله وجهه.

الشيخ محمد بن عبد الرحمن المدني
Shamad.jpg
شَمَد لاوری

معلومات شخصية
الميلاد 1912
جاه قیل
الوفاة 1941
ایلود - بستك - إيران ( قتل غدراً)
الجنسية إيران إيران
اللقب شمد لاوري - (عقاب جنوب)
الحياة العملية
التعلّم الكتاتيب
المهنة مدافع عن المظلومين - ثائر على الحكومة الإيرانية

مولده وتعليمه

ولد شَمَد لاوری عام (1912 م) في قرية جاه قیل، إحدى قرى بستك في محافظة هرمزگان، اشتهر بـ« شَمَد لاوري» نسبةً إلى مسقط رأسه قرية لاور. والدته سيدة فاضلة من قرية بست قلات في منطقة كودة التابعة لـالبلدة المركزية في مدينة بستك، في محافظة هرمزگان. تعلم في الكتاتيب حيث لم تكن المدارس متوفرة في المنطقة آنذاك، كان لديه القابلية للتعليم، وهواية ركوب الخيل والرماية. وكان له استعداد لتذوق الأدب والشعر. وكان يتحدث اللغة الفارسية والعربية بطلاقة. كان فارساً شجاعًا لايهاب الموت، وكان لديه الجرأة المفرطة، وكان معروفاً عند كل أهل المنطقة. بدأ حیاته بطلب العلم الشرعي وکان یقدم لإمامة الجماعة أحیاناً، وإلقاء خطب الجمعة بالعربية، فقد کان فقهاء المنطقة سابقاً، یرون وجوب « عربیة الخطبة». و لأن قریة لاور إحدى القری المعروفة بالعلم والعبادة، کانت محل أذی ومضایقة عسکر حکومة رضا خان بهلوي. الذي اتخذ المنهج الأتاتورکی آنذاك، وأمر (بكشف الحجاب) أي السفور، وتبرج النساء، مما أدى إلى انتشار الفساد، لم یکن هذا الحال مناسباً لأخلاق الشیخ محمد. وماكان أن يسكت على الضيم. فقرر تکوین مجموعة من أهل قریته لمواجهة هذه المواقف. والتصدي لتجاوزات رجال الأمن، حيث كانوا يقومون مضايقة الناس وخصوصاً النساء. في يوم من الأيام هوجمت القرية من قبل رجال اللأمن، ودارت معركة شديدة بين رجال الأمن ورجال الشيخ محمد، حتى انتهت بفرار عناصر الأمن، ونصر رجال شمد لاورى.

القبض على شمد لاوري

بعد هذه الواقعة بعدة أیام، حوصرت قرية لاور من قبل رجال الأمن المسى بــ(أمنيه) والقي القبض علی مجموعة من أهل القریة، من بینهم الشیخ محمد أى شَمَد لاوری ، ورحلوهم الی منطقة "عدلیة" وهي نقطة أمنية التابعة لمدينة لار، تبعد عن قرية لاور بمسافة (184) كيلومتراً. في « عدلية لار » جرت محاكمة صورية للمعتقلين فأفرج عن الکل عدا أربعة أفراد من بینهم الشیخ محمد. وأرسلوهم الی قلعة كريم خان الواقعة في مدينة شيراز والمسى بـ(زندان كريمخانى)، أي « سجن كريمخانى » حيث أودعوهم السجن الذائع الصيت، والذي يبعد عن مدينة لار (370) كيلومتراً.

قلعة كريم خان الذي سجن فيه شَمد لاوري ـ في شيراز

فرار شمد لاوري من السجن

الشيخ محمد رجل عنيد، ولا يرضى بالضيم أبداً. وكان دائماً يقول لأصحابه:(من يرضى بالضيم لايستحق الحياة)، لذلك قرر الفرار من هذا السجن اللعين. فقد کان معروفاً بصلابته وعناده. سجن كريمخانى أو (زندان كريمخانى) كان من أكبر السجون وأشدها حراسةً في مدينة شيراز العاصمة الفارسية القديمة، في ذلك الوقت، وكان يخضع لحراسة أمنية صارمة. ولكن الشيخ محمد (شمد لاوري) استطاع الفرار من هذا السجن. رغم علو جدار هذا السجن الذائع الصيت، إلا أن « الشیخ محمد لاوری » لم یستطع کبح جماح نفسه عن الفرار. فی احدی اللیالی الممطرة استطاع الوصول الی سطح السجن ومعه مجموعة من المناشف کان قد جمعها من حمام السجن من قبل. وصنع منها حبلاً طویلاً، غیر ان الفاصل بین طرف الحبل والأرض فكانت 8 أمتار. فرمی بنفسه ونجی بأعجوبة. وشرع بالفرار بین أزقة شيراز الممتلئة بالوحل حتی ابتعد عن المدینة. وفی طریقه مر على مرکز أمني، فتسلل حتی وصل إلی الحارس فخنقه وأخذ سلاحه، وقتل من فی المرکز من عسکر، وأخذ معه سلاح وحصان محمل بالذخیرة، وراح متوجهاً إلی قریته البعیدة. و بعد وصوله إلی بر فارس بأشهر جعل أحد أهدافه مراکز الأمن والعسکر، واستحل أسلحتهم وذخائرهم.

عودة شمد لاوري

لقد کان سقوط شمد لاوری ذلك الفارس الشهم والشجاع ونصير الضعفاء في الأسر عرساً للظَلَمَة وَ المُنافقین، وأصحاب النفوذ، والمّلاک والإقطاعیین. وعزاءً للفقراء. ولکن حدث عکس ذلك بعودته. عندما علم خان بستک محمد رضا خانالعباسي برجوع « شمد لاوری »، أرسل إلیه رسولاً یعرض علیه تولیه مکان أبیه المرحوم الشیخ عبد الرحمن المدني، بحیث یکون أحد رجال الخان المسلحین. ونظراً لفکر « شمد لاوری » ونظرته لما تحدث من امور فی زمانه، رفض هذا العرض. کان قد انتشرت الفوضی فی فترة غیاب شمد لاوری. فقد أصبح الأمن مفقوداً آنذاك، في تلك الفترة التي كانت الظلم والجور سائداً، لقد کان ذاك الزمان شدیداً علی أهل المنطقة، وکانت قسوة الظلمة، وجامعي الضرائب من الاقطاعیین وأرباب مال لا تطاق. و رغم بقاء رجال « شمد لاوری » علی تکتلهم، إلا انهم لم یستطیعوا مواجهة ما حصل فی ظل غیاب قائدهم الشجاع. وحالما عاد الشیخ محمد التف أتباعه حوله من جدید. وفی أول جلسه عقدت بینهم أخبروا الشیخ بما حدث فی غیابه، فقال: إذا ً کان الفعل قویاً، فلا بد من أن تکون ردة الفعل ایضاً قویة. هؤلاء لا یعرفون الا لغه البندقیة، لا بد وان نتسلح من جدید. لقد كان سقوط « شمد لاوری » في الأسر أمراً صعباً لرفاق سلاح الشيخ محمد، خصوصاً في تلك الفترة والتي كانت مظاهر الظلم سائداً في المنطقة، وعلى أهل فارس. هذا ما دفع الشیخ محمد الی تشکیل جمع من المنقذین لقد کان فی قمة الشجاعة، معروف بسرعة الحرکة وخفة الجسم مع الصلابة. وکان فارساً شجاعاً یحسن رکوب الخیل، ولا یزیل سلاحه عن کتفه كما لا یزیل عمامته عن رأسه، وكذلك لا یزیل حذائه مستعداً للانطلاق في أي لحظة. فإن لم یستطیع رده بالحوار والطیب، لم یکن یتردد فی استعمال القوة. ومن مقولته الشهيرة : " من يرضى بالضيم لايسحق الحياة ". فی أحد أیام الربیع کان الشیخ محمد أى « شمد لاوری » وأتباعه جالسین علی إحدی التلال القريبة کعادتهم. وقد صفوا ثلاثة جرار بعیدة للرمي. اتخذ الشیخ وضعیة الرمایة، وکان صدیقه وحبیبه الشیخ محمد بن الشیخ عبد النور (شَمّد شبدالنور)، ینظر لشّلال صغیر بمنظاره. فشرع « شمد لاوری » بالرمایة فأصاب ألأهداف الثلاثة بثلاث رصاصات. فَقَبلّ البندقیة وقال لها: « یا ذات الأخمص السوداء ». دلالي أنتي والله، فقال له « شَمّد شبدالنور » وهو ما زال ینظر بالمنظار الی ذاك المجری: هذا لا شیء، ان قارنته برمایه والدك (الشیخ عبد الرحمن). فقد کان بهذه البندقیة یرمی القرش وهو فی الهواء. فرد « شَمّد لاوري »: رأس المجرم کحجم الجرة مالی والقرش. فوضع « شَمّد لاوري » سلاحه علی کتفه ونظر الی حرکة الغیوم فی السماء وقال: بإذن الله، سأرفع الظلم بهذا السلاح عن هذه المنطقة، أرید أن أکمل طریق المَولا علی إذ قال « کونوا أنصار المظلوم وأعداء الظالم ». من معی علی هذا الدرب لیرفع یده. فقال الشیخ راشد متسائلاً: ما ذا یجول في رأسك یا شَمّد؟ فأجاب: واجب کل مسلم. مساعدة المظلومین والمحتاجین، قطع ید الظَلَمَة اللذین یأکلون لحم الناس ویشربون دمائهم، نشر العدالة وحفظ المنطقة وتوفیر الأمن للناس. فرد الشیخ راشد: ما هذه الخزعبلات التی تتفوه بها، وکأنك تحسب رأسك زائده لا حاجة لك بها؟.. یا محمد عبد الرحمن. فقال عندها الشیخ محمد بن الشیخ عبد النور: كثيرون حاولوا قبلك، فأین هم الآن؟.. تحت التراب.. أو بالأحری، دفنوهم فی باطن الأرض. فاقترب منه « شَمّد لاوري » ووضع کفه علی کتف صدیقه العزیز « شَمّد شبدالنور » وقال: سنعمل ما یرضی الله، الإیثار بالنفس... فلیرموني فی البحر ان شاءوا.

اسيتلاء على مخفر مهران

کان قاسم ارژنگ الشجاع (أحد أبرز رجالات شمد) حینها يقوم بإصلا حذائه، فقام مخاطباً شمد لاورى قائلاً: یا زعیم، ذلك الضابط اللعین کان یهذي بالکذب فخراً حین غیابك، فقد کان یکرر بأن القبض علیك کان أسهل من شرب الماء. فقال الشیخ محمد ببرودة أعصاب:لا تحزن یا قاسم، غداً سوف ألغي اعتبار بطاقته الشخصیة. لقد کنت فی تلك اللیلة التي هاجمت فیها قوات الأمن، مریضاً طریح الفراش. ولم یجرأ حتی للقبض علي إلا ومعه ثلاثون عسکري مسلح. لاعليك ياصديقي سوف تثأر لكرامتنا عما قريب.

بخطة من شمد لاوری ، أرسل قاسم ارجنگ کرجل عجوز بیده عصاة یتکئ علیها، وفی یده حفنة من البلح، یأکل منها وهو مار علی مرکز الأمن. فلاحظه حارس المخفر، وناداه: هی، أیها الرجل العجوز، ماذا تفعل هنا؟! مالذي بيدك؟. تعال واعطني مما فی یدك من بسر. فکان ذلك ما ینتظره قاسم، فذهب الیه واعطاه ما فی یده. فأسند الحارس سلاحه علی الجدار واخذ یأکل من البسر باطمئنان. فالتف قاسم ارژنگ من خلف الحارس وأحکم ذراعه حول رقبته، ولم یفلته حتی مات خنقاً. فانطلق شمدلاوری ومن معه فور نجاح المرحلة الأولى من الخطة. فالتقط شمدلاوری السلاح الجندى المقتول، واسرع نحو مکتب رئیس المخفر. فکان ذلك الضابط اللذی القی القبض على شمد لاوری جالساً یتعاطی التریاک "نوع من الحشیش". فأوقع الجمیع فی الأسر، وضرب الضابط الکبیر بأخمص سلاحه علی رأسه وقال: تحرک الی الامام، الآن أرید أن أبر قسمی. فقال بصوت عال مخاطباً قاسم ارژنگ: ماذا کان قسمي عن حضرة الضابط یا قاسم؟ فقال قاسم وهو یضرب ذلك الضابط الظالم: قلت انک ستجعله ضابطاً للنار، یا زعیم. فأحکموا قید رجلیه ویدیه ورموه فی احدی الغرف وأضرموا النار فیها. فعلی صراخ الضابط وعویله حتى خفت وسکت میتا، وألسنة اللهب تخرج من فتحات الغرفة. و فی تلك الأثناء، جمعت ذخیرة المخفر وأسلحته ووضعت علی ظهر حصان الشیخ محمد. فذهب الشیخ محمد إلی بقیة الجنود والضباط المقیدین وقال لهم: قولوا لقادتکم، بأن الشیخ محمد قاتل الظلمة، قال لنا : « هذه هي عاقبة کل ظالم »

أتباع ورفقاء درب شمد لاوری

من أشهر أتباع ورفقاء درب شمد لاوری هم على نحو التالي:

  • الشیخ محمد بن الشیخ عبد النور.(كان يعتبر العمود الفقري لنضال شمد لاورى ضد قوات الأمن)
  • الشیخ راشد.
  • الشیخ أحمد بن الشیخ عبد النور.
  • قاسم ارژنگ الشجاع.
  • رستم.
  • بهزاد.

ثم انضم إلیهم في ما بعد:

  • أحمد مصطفی.
  • عدد من اللاوریین الشجعان والمسلحین.
  • السید أحمد الهاشمی الكوخردي.

و عندما رجع شمد لاوری من دبي انضم إلیه عدد من الرجال منهم:

  • محمد عبد الرحيم.
  • علي اکبر.
  • حاجي عبد الغفور.

قتاله مع قطاع الطرق في وادي فخري (منطقة كودة)

ارتفع صیت شمد لاوری بین أهالي المنطقة، وبالفعل كان فارساً شجاعاً ورجلاً شهماً، لايهاب الموت، وكان لايتوانى عن نصرة المستضعفين. فکان کل من تسرق أملاکه أو یقع تحت سطوة الظلمة یرجع إلیه. حتی زاد حب الطبقة الفقيرة الکادحة له. ولکن علی العکس زاد أعداء بین الأعیان والإقطاعیین والمخاتير والمسئولین الحکومیین وأرباب مال والعسكر.

فقد کان الشیخ محمد بین المظلومین کالعجینة لیناً ورحیماً، وکان صخرة صلبة امام الظالمین. لذا فقد أطلق المتنفذون إشاعات بأن « شمدلاوری » رجل فاسد، سفاك دماء خارج على القانون. وما زالت هذه الإشاعات تدور علی ألسنة بعض أحفادهم.

و المثیر للسخریة، أنه حینما کان یتعرض هؤلاء المتنفذون واصحاب الاملاك للسرقة والنهب وقطع الطریق، یلجؤون إلى « شمدلاوری » لینصفهم ویعید لهم اموالهم المسروقة. لأن هذه المهمة صعبة علی حراس الأمن والعسکر، أو بالأحری لا تستحق معاناتهم ومواجهات مسلحة، ربما یخسر أحدهم فیها حیاته. فی أحد اللیالي أرسل « الشیخ یعقوب بن الشیخ سلطان » رسولاً الی « شمدلاوری » یطلب المساعدة، فقد غارت مجموعة من قطاع الطرق علی ماشیته. فحینما استخبر الشیخ محمد بما حدث وان قطاع الطرق لم یبعدوا کثیرا عن المکان، قام من مکانه وقال ایدخل لص فی مناطقنا ورأسی یشم الهواء؟ فانطلق نحوهم، وکان اللصوص فی « وادي فخري » (هو وادى سحيق في جبال گوده)، ینتظرون اللیل حتی یعبروا المنطقة بسلام. فوصل الشیخ حینما کان نصف الشمس غارقاً فی الافق. وکان اللصوص مشغولین بتناول عشائهم. فرمی الشیخ محمد رصاصة وسط سفرتهم وقال : یا احمق، الم تسمع عن شمدلاوری؟ فهرب اللصوص وترکوا اسلحتهم ورائهم. ولکن زعیمهم قد رجع متسللاً من خلف صخرة کبیرة، لیأخذ سلاحه، فرماه « قاسم ارژنگ » فی فخذه برصاصة، وأسقطه أرضاً مضرجاً بدمائه. أما الشیخ محمد وأتباعه فقد ذهبوا فی اثر البقیة وقبضوا علیهم. وکان زعیمهم ساقطاً یسبح فی برکة دمائه. فجاء الشیخ محمد وداس علی جرحه باحکام وقال له: یا تیمور، یا عدیم الأصل، اوصلت بك الجرأة بأن تمارس سرقتك فی منطقة شمدلاوری؟ فشل لسان تیمور من هیبة الشیخ، فمسك قدم شَمّد وأخذ یقبلها ترجیا.ً ارجع الشیخ محمد الماشیة إلی صاحبها وأرسل المجرمین إلی « خان بستك » وأبقی أسلحتهم غنیمة له. فأرسل خان بستك الی الشیخ محمد رسولاً لیبلغه عدم رضاه عن إبقاء الأسلحة. فغضب الشیخ من هذه الرسالة وقطع أذن رسول الخان ووضعها فی ید صاحبها وقال له: أبلغ الخان ألا یضع رأسه برأسی، نحن نعرف انه یرید أن یحتفظ بالسلاح للدفاع عن نفسه وماله، ولکننا أبقیناه معنا لحمایة ضعفاء المنطقة المظلومین. لقد کان قطع الآذان عادة للشیخ محمد، ورسالة مجسمة لکل من یرید مواجهته، فقد کان تکرار هذه الحادثة سبباً فی تردد الکثیر من الرسل فی أداء مهامهم. لقد حدت قساوة شمدلاوری من نشاط اللصوص وقطاع الطرق فی المنطقة.

قتاله ضد یوسف نفر فی ممر دالان الجبلی

یوسف نفر كان من أشهر اللصوص المنطقة، وكان يسرق جهاراً نهاراً، ولا يهاب أحداً. فی إحدی المرات، أرسل سید منطقة کنچی (رحمة الله علیه وعلی أجداده الأطهار) المعروف بـآغاى کنچی، أرسل إلی « شمد لاوری » رسولاً يبلغه بأن أتباع یوسف نفر (أحد اللصوص المشهورين في المنطقة) قد استولوا على أموال ومواشي أهل القریة، وتوجهوا نحو مضیق المعروف بممر تنگ دالان أى (ممر مضيق دالان الجبلی). فعاد وأرسل شمد لاوری الی السید الهاشمی یقول: و الله لو کان مال أهل قریتك فی حلق باباخان نفر (کبیر تلک المجموعة الفاسده) سأخرجه لهم منه، فکیف إذا ما زالوا فی مضیق دالان. ذهب الشیخ محمد إلی التلة الحمراء المطلة علی المضیق یتفحص بمنظاره الأحادي الطویل کل القمم والودیان، حتی رأی دخاناً یصعد من أحد التلال غیر المأهولة. فعرف ان اللصوص قد عسکروا هناك. فقد کان « شَمَد » یعرف تلك المنطقة کما یعرف کف یده فذهب « شمدلاوری » مع أتباعه عن طریق الوادي حتی اقترب من معسکرهم. فقال شمد: سأذهب أنا عبر هذا السرج الجبلی والتف حولهم، فإذا أوقعتهم فی الأسر، اظهروا من مواقعکم. فأخذ تعویذته وربطها فی کتفه وتوکل علی الله نحو هدفه. فلمحه حارس اللصوص. فصوب بندقیته نحو الشیخ وأطلق منها رصاصة. ولکنه أخطأ هدفه، فقد کان الشیخ معروفاً بسرعة الحركة، وخفته علی الجبال. ومن حسن الحظ، فقد کان اتباع الشیخ محمد قد وصلو قبله خلف الحارس، فأخذ المرحوم « قاسم ارژنگ » حفنه من الحصیات ورماها علی الحارس وقال: أیها الرفیق! فالتفت الحارس ورائه وإذا بجمع من المسلحین خلفه مصوبین اسلحتهم نحوه. فاتبع عقله ووضع سلاحه علی الأرض بهدوء وسلم نفسه. فی تلك الأثناء، وصل « شمدلاوری » الی أعلی التلة التی یستقر تحتها جمع اللصوص وصرخ فیهم قائلا: مکانکم لا یتحرک احدکم من مکانه، والا سأغرق مکانه بدمائه. بقی قاسم وبهزاد یقیدون الحارس، وأما البقیه فلحقوا مسرعین بقائدهم. فأخلع شمدلاوری قطاع الطرق ملابسهم کلها وأحرقها أمام أعینهم، وقال: کنتم قد جئتم لتخلعوا أموال الناس وحلالهم، الیس کذلك؟! ذوقوا الآن طعم ذلك، ویاله من طعم؟. ثم قطع آذانهم وقال لهم: قولوا لــ« باباخان نفر » (زعيم اللصوص) بأن هذا جزاء من یمد یده علی املاك شمدلاوری واهله.

قتاله ضد قطاع الطرق الشمالیین

کانت مجموعة من الاتراك قد هاجرت منذ زمن بعید من شمال إيران الی صحراء باغ في إقليم لارستان. واستقرت فیها. كانوا يعرفون عند سكان المنطقة بــ(ترك شمالى) أى « الأتراك الشمالين » كونهم جاءؤ من الشمال، وبعد زمن من استقرارهم. بسبب عوامل مختلفة، اقتصادیة واجتماعیة أو غیرها، سلکوا طریق السرقة والإغارة علی املاك الناس، وقطع الطريق على أهل القری المجاورة. فقد کانت عادتهم بأن یغیروا علی القری الآمنه لیلاً وینهبوا الاموال والحلال. فی أحد الأیام، جاء « أحمد مصطفی » راکضاً من بعید نحو الشیخ محمد وقال: قطاع الطرق الشمالیین أغاروا علی القری ونهبوا وعثوا فی الاض الفساد. و کان « شمدلاوری » ممسکا بقدح لبن یشرب منه، فوضعه من یده علی الأرض فی هدوء وقال لأحمد مصطفی: التقط انفاسك وحدثنی بهدوء. قال أحمد مصطفی: قطاع الطرق الشمالیین قد اغاروا علی املاك الناس، وعثوا فسادا. فانطلق الشیخ محمد لاوری وکمن علی طریق الذي كان يسلكون قطاع الطرق. وکان قطاع الطرق راجعین مسرعین بغنیمتهم من المواشی مخلفین ورائهم غیمة من الغبار. و حینما وصلوا إلی مکمن الشیخ ورجاله، أطلق علیهم النار فجأة، فأوقعوا اللصوص فی حیص بیص، ولم یعلموا بمصدر النار. فارتبکوا ولم یعرفوا ما یفعلوا. فإذا بصوت مدو یقول: قد جائکم عزرائیل اللصوص « شمدلاوری ».

فحمل علیهم هو ورجاله من المرتفع فقتلوا منهم جمعاً وقیدوا الباقی. فأمسك الشیخ محمد بیقة أحد المجروحین وقال له : من أی قبیله أنت؟ فقال الرجل بین آهاته وآلامه: نحن من قبلیة زیاد خان. فقال آخر منهم: من الأفضل لك أن تترکنا، فمعاداة قبیلة زیادخان تعنی الموت. فضربه شمدلاوری بأخمص سلاحه فی بطنه وقال:


از زياد خان نباشدش باک آنكه باشد ياورش يزدان پاک
  • الترجمة

لاخوف ور رهبة من زياد خان. من لايخاف، فصاحبه الخالق الطاهر.


بگوئيد زنده باد شم لاورى كه بى نظير است در دلاورى

قولوا فليحيا شمد لاورى، فهو لا مثيل له في الشجاعة.

فقال المبطون متأوها: فلیحیا شمدلاوری.

مقتل الشیخ محمد بن الشیخ عبد النور

من عادة شمد لاوری المرور بین الحین والآخر علی الفقراء والمحتاجین لتقدیم المساعدة لهم. وکان مصدر هذا المال الإقطاعیون. أی أنه یأخذ منهم مما یغتصبوه بالقوة ویساعد به الفقراء. غیر أن طریقة فی ذلك لیس السرقة، وإنما بالأمر. فی أحد الأیام ذهب « شمدلاوری » ورجاله المقربین إلی بیت « عبد الله محمود » مختار قریة هرنك، بعد تناولهم طعام الغداء جلسوا لاحتساء الشای. فبینما کان المختار « عبد الله محمود » یناول « شمد لاوری» کأس الشای، قال له شمد: حسنا یا عبد الله، أحتاج إلی مائتی تومان، إلي بهم. فأجاب عبد الله محمود بتردد: حضرة الشیخ محمد، أمرك مطاع، ولکنی أقسم بالله، لا أملك مالاً. فقال شَمّد مستهزئاً: ترید أن أصدق قسمك؟ فقال المختار: و الله إنی صادق فیما أقول. فقال شمد لاوری: طیب سوف نرى!... فأمر شمدلاوری رجاله بأن یعلقوا المختار من رجلیه فی البئر في فناء بیته الذی هم فیه. فأخذ المختار یصرخ وهو فی منتصف البئر العمیق معلقا رأساً على عقب: من عینی یا حضرة الشیخ، کل ما تأمر به مطاع، ترید مائتی تومان، مائتی تومان لاشئ، سأعطیك ثلاثمائة. فسحبوه إلى الأعلاء، وأخذوا المال وذهبوا.

کان للشیخ محمد بیت فی قرية هرنگ، حیث تقطن فیه زوجته الهرنگیة، فذهب لقضاء تلك اللیلة فیه مضیفا اصحابه.

فی آخر تلك اللیلة الرطبة الحارة، بینما کان « شَمّد لاوری » ورجاله نائمین علی السطح کعادة الناس هناك فی الصیف. استیقض الشیخ وبینما کان یفرك عینیه بظهر یدیه، سمع صوتاً صادراً من البیت المقابل. فوصل الصوت الی مسامعه بشکل أوضح، فکان صوت تعبئة مخازن بنادق بالرصاص. ففهم شَمّد الموضوع وأسرع فی إیقاض أصحابه. فی تلك الأثناء أطلق علیهم عدة رصاصات، مما دفع بالجمیع إلی الإسراع بالتوجه نحو الأسفل، ثم اتجهوا بعدها إلی منزل خرب مهجور ومنه بدئوا بالرد على إطلاق النار بالمثل. غیر أنهم لم یکونوا مجهزین بما فیه الکفایة من حیث الذخیرة فأوقفوا إطلاق النار من جهتهم واتجهوا نحو قریة كوخرد.

بعد هذه الواقعة، ذهب المختار إلى خان بستك وأبلغه بما حدث له على يد شمد لاورى واتباعه، طالباً النجدة، فقال له الخان حسناً: سوف نتكفل با الأمر، ولن ندع مجموعة من الخارجين على القانون أن يعبثوا با المنطقة.

کان مع مختار هرنگ أربعون مسلحا هذه المرة، يلازمونه كَظِلٍّ أينما ذهب. قد أرسلهم خان بستك إلیه دعماً له، اثر ارساله للخان فور وقوع ماحدث له علی ید شمدلاوری فی بیته.

کان أهل كوخرد وشیوخهم مع الشیخ محمد، ويناصرونه، لأنه كان فارساً شجاعاً ورجلاً شهماً، وحامياًً للمستضعفين، فکان وجوده فی تلك القریة آنذاك خط آمن بالنسبة له. غیر أنه وهو فی كوخرد جمع مقدار من الذخیرة وصمم علی الرجوع لمواجهة المختار ومسلحیه. خالفه فی ذلك عدد من رجاله المقربین، خصوصاً الشیخ صالح. فلیس الوقت مناسباً لذلك والارتجال فیه خطر. إلا إن عناد الشیخ المعروف وعدم رجوعه عن رأیه جعله یخالف رأی أصحابه. فانتظروا منتصف اللیل وتوجهوا إلی هرنگ.

قبل وصولهم إلی قرية هرنگ بمسافة قریبة اختاروا مکاناً لیعسکروا فیه، وأرسلوا أحدهم لاستکشاف الوضع فی القریة. قبل طلوع الشمس رأی حارسهم أحد مسلحی المختار قادم نحوهم، فأسرع لإیقاض الجمع. « شَمّد لاوری » ارتجالا ودون تأمل منه وتفکیر أو خطة یضعها، وجه سلاحه نحو الشیخ یعقوب (أحد حاشیة الخان وأقربائه) فأصاب فرسه وأوقعه أرضاً.

فانتبه المسلحون إلی مکان الشیخ ورجاله فاتخذو مواقع حمایه وتخندقوا بین الهضاب وداخل الودیان وخلف الصخور، ثم بدؤا بإمطار الرصاص علی الشیخ محمد ورجاله، ولم یکن مکان الشیخ مناسباً للتخندق، فتوجهوا إلی « قناة ماء » مهجورة وقریبة ولم تکن عمیقة بما فیه الکفایة لیتحرکوا فیها. فأمر الشیخ محمد الجمیع ألا یرفعوا رؤسهم. وبقی وحده واضعاً علی عاتقه مسئولیة المواجهة حتی آخر الضحی. بقی أتباعه علی ما أمر علیه احتراماً له وطاعة لأمره.

مع کثرة عدد رجال المختار إلا انهم کانوا فی خوف یمنعهم من التقدم. فهیبة « الشیخ محمدلاوری » تسبقه بکثیر إلی قلوب خصومه. کان مرور الوقت بطیئاً علی الجمیع. وکلما ازدادت شدة حرارة الجو قلت کثافة إطلاق النار. فحرارة جو المنطقة لا تقل عن حرارة الرصاص الملتهب. لم یتحمل شَمّد شبدالنور البقاء علی هذا الوضع، فقد کان صعباً علیه تحمل رؤیة صدیقه وأخوه العزیز « شمدلاوری » وحده یبارز أربعین رجلاً. فدفعته مروئته وحمیته إلی القول لشَمّد: ما سمعنا بهذا من قبل وما حصل، کیف بشخص واحد یجابه أربعین رجلاً. إما أن تجیز لنا مشارکتك فی حربهم أو! فقطع شمد لاوری حدیثه بغضب وقال: مثل ما قلت، لا أحد یتدخل فی هذا الأمر.

أبت عزة نفس « شمدلاوری » علیه أن یشرك أصحابه فی موقف کانوا قد خالفوه وحذروه منه، فقد کانوا مخالفین لوقت المجابهة. غیر أن إباء شمدلاوری وتولیه المسئولیة وحده، أحرق قلب رجاله، خصوصاً حبیبه الشجاع « الشیخ محمد بن الشیخ عبد النور » (شَمّد شَبدنور)، فکان قلبه یتفطر ویقطر دماً وهو یری صدیقه العزیز شمدلاوری یقف وحیداً فی هذا الموقف، فقال: لا فائدة من قتال کهذا، لابد وأن نرمی علیهم جمیعاً معاً ثم نکر علیهم. فرفع رأسه من القناة وأخذ یطلق الرصاصات، الواحدة تلو الأخری، فإذا برصاصة تشق طریقها فی الهواء لتخترق جبهته. فصدرت منه آهة وانقلب متدحرجاً إلی الخلف. فأسرع الشیخ أحمد بن الشیخ عبد النور (شَهمَت شبدالنور) نحو شقیقه، وأخذ برأس أخیه وضمه فی حضنه وهو یبکی. وأثر الرصاصة یعلو حاجب « شَمّدشبدالنور » الأیمن. فصرخ عندها شمدلاوری فی وجه شهمت شبدالنور: اسکت ولا ترفع صوتك، إذا علم العدو أن لدینا مصاب سوف یهجم علینا. فی ذلك الوقت وصل التعب والخوف مع حرارة الجو الملتهب برجال المختار إلی اختیارهم الانسحاب. فطلبوا من شمدلاوری الأمان وقال متحدثهم لشمد: إذا أقسمت یا شیخ محمد بأن تترك المختار وشأنه ولا تتعرض له، سنترك میدان المعرکة علی الفور کان الشیخ راشد وقتها یبکی علی شقيقه (شمدشبدالنور)، فقال لشمدلاوری وعیناه مغرورقتان: اقبل یا شیخ محمد، لدینا جریح. فأقسم الشیخ محمد لهم برأس جده الشيخ حسن المدني وأعطاهم الأمان. فتنفس مسلحوا المختار الصعداء وخرجوا من مواقعهم وأطلقوا أرجلهم للفرار. کان الشیخ یعقوب هو من أصاب « شَمّدشبدالنور »، وقد علم بذلك فور حدوث الأمر، فعرف بأن هذا الأمان لا یشمله. فأخذ یزحف داخل إحد القنوات لألا یراه « شَمّد لاورى ». ومن سوء طالعه فقد رآه الشیخ محمد وهو یزحف هارباً رغم الأمان، فتیقن أن ما حدث کان علی یده. فتناول شمدلاوری بندقیة صدیقه العزیز « شَمّدشبدالنور » وصوبها نحو الشیخ یعقوب. أخذ الشیخ یعقوب فی التراجع بخطوات إلی الخلف ویدیه إلی الأمام ویقول: حضرة الشیخ، أقسم بالله إننی لست من فعلها... أرجوك لا ترمی، حضرة الشیخ! و لکن الغضب أنسی الشیخ محمد لاوری کل قسم أخذه علی نفسه، فسحب الزناد ولکن الرصاصة لم تخرج. فحاول عدة مرات ولم یفلح، فاستغل الشیخ یعقوب الفرصة وهرب.

کانت هذه قصة مقتل الشیخ محمد بن الشیخ عبد النور. عند أحدی القنوات الواقعة بین كوخرد وهرنك. ويصف الشاعر مقتل الشيخ محمد بن الشيخ عبد النور في هذه الأبيات قائلاً:


قنات اولی دعوا به پا شد قنات دومی بختم سیاه شد
قنات سومی أمد تفنگچی که شمد کشته شد حکم از خدا شد

ترجمة الأبيات:

لقد بدأ القتال من البئر الأول.

ثم أسودت الدنيا في عيناى في البئر الثاني.

أما الثالث فجائت منها الطلقة قتل بها شَمّد.

وكان ذلك أمراً من الله سبحانه وتعالى.

فأخذ « شَمّد لاورى » صدیقه وعزیزه ووضعه علی فرسه، وأخذه إلی قرية كوخرد، حيث فارق الحياة. دفن (شَمّد شبدالنور) فی أرض کوخرد. فضمته الأرض حین ضم الأفق قرص شمس ذلك الیوم.

کان تهور وعناد « شَمّد لاورى » سبباً فی مقتل أقرب الناس إلی قلبه. فقد کان (شَمّد شبدالنور) نور عینی شمدلاوری وعمود أساسی فی حرکته. وكان يعتبر العمود الفقري لنضال شمد لاورى ضد المعتدين. بعد هذه الحادثة الأليمة تزلزل جمع شمدلاوری. لقد کان مقتل صاحبهم أمرا قاسیاً علی قلبهم. حاول شمدلاوری مرارا وتکرارا الأخذ بالثأر. غیر أنه لم یفلح، إذ کان هم المختار (عبد الله محمود) نشر الرجال وإرسال الجواسیس لمراقبة تحرکات شمد لاوری لیأمن من قبضته.

واصل بعدها « شَمّد لاورى » نضاله ضد عناصر الأمن وملیشیات المخاتیر والخوانین، وقتل منهم الکثیر وأحرق معسکرات. غیر ان ألم فقدان عزیزه لم یرحل عن قلبه. فأخذ أخیه الصغیر السن « الشیخ صالح » وتوجه إلی دبي

شمدلاوري في دبي

بعد فقدان صديقه العزيز « شَمّدشبدالنور » قرر البطل الشجاع الرحيل. كان أثر ذلك قاسيا ً وشديداً على الشيخ محمد لذلك قر الابتعاد عن المنطقة، فتوجه نحو الجنوب حيث ساحل البحر.

رحل « شَمَد لاوری » إلى دبي وأقام عند أقربائه البستكيين هناك. وفي الفترة التي وصل فيها كانت هناك حرب قائمة بين حاكم دبي وحاكم أبوظبي. وقد كان البستكيون على صلة قوية بحاكم دبي، فحدثوا الحاكم عن الشيخ محمد، فضمه مع مجموعاته المحافظة على أمن منطقته. عندما رأى حاكم دبي شجاعة الشيخ محمد وجرأته في القتال وتمكنه الفائق في فن الرماية والقنص، تيقن بما قيل عنه فعينه قائدا لمجموعاته القتالية. وفق الشيخ محمد في هذه المسئولية، ودارت معارك عدة تحت قيادته وكان النصر حليفا له فيها حتى الخاتمة.

الشيخ محمد وسيف بن عبد الله

أثناء قيادة الشيخ محمد لقوات حاكم دبي وحروبه ضد قوات حاكم أبوظبي تعرف على أحد قادة مجموعات دبي القتالية، وهو سيف بن عبد الله. وقد كان هذا الشاب العربي معروفاً بالشجاعة والرمي، كما أن للسلاح معزة عنده، فقد كان دوما ً مصاحباً له. كان سيف بن عبد الله من أهل الشارقة ولكنه يعمل تحت إمرة الشيخ سعيد.

بعد انتهاء المعارك مع أبوظبي صاحب « شَمَد لاوری » سيف بن عبد الله إلى الشارقة وبقي مدة هناك، ضيفاً مع أخيه الصغير الشيخ صالح عند الشيخ ماجد بن صقر القاسمي في امارة الشارقة.

كان من عادة الشيخ محمد وأخيه وصديقه سيف بن عبد الله آنذاك، الذهاب صباح كل يوم لتناول فطورهم في إحدى مقاهي في سوق العرصة القديمة الواقعة في منطقة المريجة في امارت الشارقة، وكان مرورهم السوق وأحزمة الرصاص حول أكتافهم والمسدس جنبهم والبنادق على أكتافهم يضفي هالة من الهيبة حولهم، فكان أصحاب الدكاكين في سوق العرصة، يقومون عند مرورهم احتراماً لهم ولمكانتهم.

يذكر أن سيف بن عبد الله اصطحب الشيخ محمدلاوري وأخيه إلي أحد ضواحي الشارقة، فنصب خيمة وبقوا حتى الليل في سمر. فأمر سيف بن عبد الله خادمه بجمع الحطب وإيقاد نار ليجلسوا حولها. فأنشد هذه القصيدة:


أوقد فإن الليل، ليل قر والريح يا موقد، ريح صر
عسى يرى نارك، من يمر إن جلبت ضيفا، فأنت حر

فأجابه الشيخ محمد لاوري برباعية:


خوشا وقتی وخرم روزگاری که مهمانی کند بر ما گذاری
در شب تاریک وسرمای سوزان که باهم طی کنیم لیل ونهاری

يذكر أن سيف بن عبد الله قتل في معركة ضد مجموعة مسلحة من البدو، كانت قد أغارت في أحد ليالي الشتاء على (منطقة حيرة) التابعة لإمارة الشارقة. و كان أثر ذلك قاسيا ًعلى الشيخ محمد، فكان المرحوم سيف بن عبد الله ثاني صديق عزيز يخسره من فوهة البندقية.

رجوع شمدلاوري إلي وطنه

بعد بقاء الشيخ محمد مدة من الزمن ضيفاً عند (الشيخ ماجد القاسمي) بالشارقة، أرسل في طلبه حاكم دبي. فقد كان يريده بجانبه. فودع الشيخ محمد الشيخ ماجد القاسمي، وتوجه إلى دبي.

تزوج « شَمَد لاوری » في دبي وأقام مدة هناك، غير أن طبيعته كرجل جبال ووديان وصحاري منعته من التأقلم مع الجو الجديد، رغم الرفاهية المتوفرة وهو بين مجالس الحاكم ورعايته والنعيم والإكرام الذي لقيه. فقرر الرجوع إلى فارس مرة أخرى.

لقد كان هدف الشيخ محمدلاوري طوال حياته في مقاومة، عساكر الأمن والمجرمين وقطاع الطرق. وقد قتل منهم الكثير. فقد شكل مجموعة مسلحة خرج بها على النظام المألوف. فابتعد قطاع الطرق في زمانه عن المنطقة خوفا من اسمه.

قبل وصول « النقيب پالار »، كان قد اُرسِل عدة ضباط للقبض على الشيخ، غير أن بعضهم رجع بخفي حنين والبعض الآخر قتل على يده « شَمَد لاوری ». و قد كان الشيخ يسمي النقيب پالار بـ(پالدم) استهزاء به، وكان يناديه بذلك.(وپالدم جزء من البردعة التي توضع على ظهر الحمار، هذه الجزئية تستقر أسفل ذيل الحمار) أعزكم الله.

حينما وصل إلي مسامعه بأن النقيب پالار ينوي القبض عليه، لم يهتم أبدا ً بذلك، فپالار في نظره ليس إلى أحد النكرات التي ترسل للقضاء على ثورته. واسمه بالكامل:(النقيب: محمد شريف پالار البستكي).

شاهد عيان يتحدث:

يقول شاهد عيان: كنت في سن العاشرة، حينما ذهبت مع والدي زائرين مختار قرية (جاه بنارد) الشيخ علي الأنصاري. وبينما كنا جالسين إذا بأربعة أفراد دخلوا علينا، فقام الجلوس نحو أحدهم وأخذوا يقبلون يده. فسألت: من هو، فقالوا لي : إنه « الشيخ محمد لاوري ». فتملكني الخوف والفزع، فقد سمعت عنه كثيراً ولم أره. فخلع الأربعة بنادقهم واسندوها على الحائط، وفتحوا أحزمة رصاصهم ووضعوها جانباً. ثم بعدها، قام الشيخ محمد وخرج من الغرفة وتوجه إلى سطح المنزل، وأخذ يتفحص بمنظاره جميع الجهات، وفجأة صرخ قائلاً: عديم الشرف معينا .

رمى منظاره وتوجه وحده إلى الخارج راكضاً نحو حد القرية، فأمسك بشخصين مسلحين وأتى بهم. وقد تعجبنا كثيراً من هذا الأمر، كيف يذهب فرد واحد دون سلاح ويقبض على مسلحين ويأتي بهم.

فربط أيديهم وأرجلهم ورماهم وسط صحن البيت، وأخذ آله شبيهة بالفأس كان يستخدمها قصاب لقطع اللحم في صحن البيت. وأخذ يضرب أرجلهم بها، حتى رأينا لحم أرجلهم وقد أهترى، وبانت أجزاء من عظم أرجلهم.

فقد كان هؤلاء الاثنان صيادين معروفين من قرية زنكارد وكانا متعاونين مع « النقيب پالار ». كان اسم احدهم « مُعينا »، أما الثاني فلا أعرف اسمه. فاعترفا في نهاية الأمر بأن « النقيب پالار » علم بأن « شمدلاوري » ذاهب صباح الغد إلى منطقة (كودة) في البلدة المركزية، وأنه عازم على القبض عليه هناك. فأطلق سراحهم وتوعدهم إذا ما عملوا مع النقيب پالار مرة أخرى. وبعدها تناولوا الغداء معنا وانصرفوا. انتهى.

حينما طّل ليل ذلك اليوم، توجه « شمدلاوري » إلى معسكر صغير قائم على مضيق (شورد) الجبلي في سلسلة جبال كاه بست القريب من بستك، وكان به أربعة عساكر. فأغار عليهم وغنم أسحلتهم وقيدهم بإحكام ورماهم في إحدى زوايا المعسكر. بات الشيخ محمد مع رجاله في ذلك المعسكر. وفي الصباح الباكر، بينما كان يتفحص الأطراف بمنظاره، رأى عدد من العسكر ومعهم النقيب پالار.

خلع ملابس الأسرى ليلبسها اثنان من رجاله على أنهم حراس المعسكر، وكمن هو ورجاله خلف الصخور. وحين وصول « النقيب پالار » ومن معه إلى مكان الكمين، اطلقت رصاصتين من رجال الشيخ فأسقطت اثنين ممن كان مع النقيب من على خيلهم. فأطلق شمد لاوری صرخة يدوي صداها بين الجبال: لا أحد يتقدم، ضعوا اسلحتكم أرضا: سمع پالار صوت الشيخ وعرفه، فاصفر وجهه، وهلع فأخذ يقلب أنظاره حوله، ويقول: ارحمني يا شيخ محمد. تيقن پالار بأنه إذا لم يرم سلاحه أرضاً، سيكون موعد حتفه تلك الساعة. فأمر من معه برمي السلاح. فقال شمدلاوري مرة أخرى. ليتوجه الجميع نحو المعسكر وليبق پالار واقفا.ً توجه الشيخ محمد إلى (النقيب پالار)، وقد كان النقيب ما زال على فرسه. جمع أحد أفراد الشيخ الأسلحة وكومها ورمى عليها حطباً وسعفاً. فأشعل « شمدلاوري » كبيرتاً ليحرقها. فترجي النقيب بالار شمدلاوري إلى حد البكاء وقال: إذا فعلت هذا يا شيخ سوف تقضي علي نهائياً، سيذهب كل ما بنيته خلال عشرين عاماً من عمري هدراً. يكفيني من مصيبة، مقتل هذين الإثنين، علي أن أرفع تقريراً عن مقتلهم. أرجوك يا شيخ لا تؤذني أكثر من ذلك. فقال الشيخ: تخلعني من رأسك؟ فقال النقيب پالار: مرؤتك لن أنساها يا شيخ، وأعدك بأن أكون صديقاً مخلصاً لك اختار الشيخ من خيلهم أربعة، وأخذ ذخيرتهم وأطلق سراحهم. فأخذ العسكر جثتي صاحبيهم وذهبوا. بعدها، قال الشيخ راشد لشمدلاوري: لم صفحت عنه؟ هذا الشخص دنئ ولا يعتمد على كلامه. فقال الشيخ: قتل (پالدمي) يقصد (پالار) كشرب الماء، غير ان صداقة والده لوالدي منعني من ذلك هذه المرة. ولكن إن أعادها فسوف أغلق مكتبه.

بعد هذه الحادثة التقى « النقيب پالار » بالشيخ عدة لقاءات ودية، ليبين للشيخ حسن نواياه ووفائه بما وعد به.

  • بمرورنا على أحداث الأقسام الأولى يتضح لنا بتجلي الفريق المعادي للشيخ محمد لاوري، وهو: « الخوانين »، « الملاك »، « الإقطاعيون »، « المخاتير »، « الطبقات الغنية » و« عسكر الدولة ».

فقد أصبح شمدلاوري سداً منيعاً لمزاولة تنفذهم وضغطهم على الفقراء والفلاحين، فأمسى الشيخ هدفهم الأول، فهو الحائل الوحيد لممارسة ما اعتادوا عليه من طرق ظالمة في ملئ خزائنهم وتنمية مواردهم. غير أنهم، لم تكن لديهم أدنى جرأة في إظهار ذلك أمام الشيخ، وما كان دافع استقبالهم للشيخ ودعوته واستضافته وإجلاسه في صدور مجالسهم إلا الخوف واتقاء مواجهته.

  • على الطرف المقابل كان الفريق المحب، بل العاشق للشيخ محمد يشكل الغالبية لمجتمع المنطقة، غير أنه لم يكن لهذا السواد الأعظم من: « المزارعين الفقراء » و« العاجزين » و« المستضعفين » و« الفلاحين البسطاء » أي دور سوى حمل أثقال الفقر والديون وتوفير لقمة العيش الصعبة المنال لسد جوع فلذات أكبادهم. على هذا فهم في الواقع يشكلون عبئاً اضافياً على عاتق الشيخ محمد (شمدلاوري).

فيعتبر الشيخ في نظر الفريق الأول: عدو جائر، وللفريق الثاني: حامي مطلق. فكان لقبه في أحاديث الفريق الأول الظالم جنگیزخان، وبين الفريق الثاني العادل انوشروان.

لقد كانت قوته وسمعته تهز قلوب قطاع الطرق وترجف أرجلهم، فظللت غيمة الأمن الفقراء وأسقتهم الأمل، وطوقت هالة السكون ساحة قلوب المستضعفين.

لقد اتخذ « شمدلاوري » حماية المستضعفين واجب ووظيفة، يرجع بها لهم ذكريات العدالة والعزة في زمن أجدادهم. فاستعمل ميزانه ليدير حياة الناس الاجتماعيه والاقتصادية. فكانت أحكامه تحثه على التصرف في أموال الإقطاعيين والظلمة إلى درجة التصرف في قوافلهم التجارية، وتوزيعها على الفقراء والمساكين.

مقتل سلطان اللصوص على يد الشيخ محمد

في ذلك العقد من الزمن، كانت القوى المتنوعة الجاثمة على صدور الأبرياء، تتفاوت في درجة النشاط وعلو المقام. حتى قطاع الطرق والمجرمين. كان بينهم هذا التدرج. فقد اعتلى عرش الإجرام آنذاك شخص يدعى قلي خان، المعروف بسلطان المجرمين. وكان يلقب نفسه بــ(سلطان اللصوص).

و للأسف، فقد تعاون خصوم « شَمَد لاوری » مع هذا المجرم، وكلفوه بقتل الشيخ محمد بمبلغ ثلاثين ألف تومان.

امتلئ قلب « قلي خان » بالأمل، وطار به خياله الآفاق، فقبوله هذا الأمر سيجعل منه سلطاناً فعلياً لهذه المنطقة، لن يكون له خصم بعد ذلك. وسيرث بذلك هيبة الشيخ محمد وسيستخدمها في تحقيق مآربه. فبرصاصة منه إلى قلب الشيخ، تهدم سداً فولاذياً قاطعاً لطريقه. بالإضافة إلى المال الذي سيحصل عليه بأداء هذه المهمة.

فأصبح قتل « شَمَد لاوری » هو الشغل الشاغل لقلي خان. فقد كان لا ينفك عن تربصه للشيخ، ومحاولته قنصه، غير أنه لم يوفق في أي منها. وانكشف المسطور مع مرور الوقت وأسدل الستار عن الهدف الذي يسعى ورائه قلي خان، وتعاون متنفذي المنطقة معه، وخبر الجائزة. هؤلاء الذين كانوا يظهرون الاحترام والوفاء للشيخ محمد.

كان الخبر على الشيخ صدمة. كيف يصل بأحد من أهل منطقته الحبيبة إلى بيعه. هؤلاء النفر الذين كانوا يظهرون له الاحترام والوفاء؟

و بينما كان « شَمَد لاوری » جالسا بين همومه متأملاً، فإذا بقاسم ارژنگ وبنظرة یملئها الحب یقول: لا تحزن آیها الزعیم، سندافع عنك بأسناننا ومخالبنا. ونحول دون نقصان شعرة من رأسك. كان وقع هذه الكلمات على نفس الشيخ الأبية كمطر أزال غبار أجلسته فترة من الحيرة والحزن على الصخرة التي تعلو كتفيه، فقام منتفضاً وبرق عينيه يسبق رعد كلماته وقال: شمدلاوري لا يدافع، بل يهاجم، ثم سكت برهة وقال: أذكر، والدي وهو يقول: خير وسيلة للدفاع الهجوم. سأذهب لمحاربت قلى خان، هو الذي أشعل هذا النار ويجب أن يكتوى بلهبه. سوف أقتل قلى خان وانهي هذه اللعبة.

بعد قتل شمدلاوري لكبير قطاع الطرق، المسمى بــ(سلطان اللصوص)، رفع مقام الشيخ إلى أعلى المقامات، وأصبح الشخصية الأولى لملحمة عصره بين أبناء المنطقة.

كان كبير بستك الخان، دائم السعي لاستقطاب « شَمَد لاوری »، غير أن بعد هذه الحادثة أصر على تحقق هذا الأمر. إذ كان حصوله على البطل المشهور وتسليمه قيادة قواته، سوف يظمن له بقاء مكانته. وبعد الحاح الخان على شمدلاوري قبل الشيخ محمد الدعوة.

الشيخ محمد يلبي دعوة خان بستك

في المجلس الموقر، وعلى كرسي الخاص با الحكم وفي الصدارة، كان الخان الكبير رحمة الله جالساً، ونفر من أعيان بستك حاضرين معه. و بينما كانوا يتبادلون أطراف الحديث ويقطعه بين الحين والآخر صوت اضطراب (ماء الغليون) أي (القدو)، دخل اثنان من ملازمي الخان ويتوسط قبضتيهم أحد المزارعين، فقال أحدهما: حضرة الخان الكبير، هذا الرجل، لا يدفع الإتاوة التي عليه فناظره الخان بنصف نظرة وسأله: لم تعص أوامرنا، يا حافي القدمين؟ فأطرق القروي رأسه وقال: أمرك على رأسي يا حضرة الخان، غير أني لا أملك كي أعطي، أقسم برب الكعبة بأن دخلي لا يكفيني، بل حتى لا أملك الآهة على بساطي. فناظره الخان بنظرة حادة وقال: غير أن لديك لسان طويل. فقال أحد ملازميه: ماذا نفعل به يا حضرة الخان؟ فرد الخان بلحن ممزوج بالعجب: كما تفعل عادة مع أمثاله.... ما يستحقه.

بينما كان الملازمان يهمان بالخروج بالمزارع، إذا بدخول « الشيخ محمد » تلبية لدعوة صاحب المجلس. ولما وقع نظر القروي على « شَمَد لاوری »، افلت يديه من قبضة رجال الخان وأمسك بيد الشيخ ورجله طالبا النجدة. فنظر شمدلاوري للخان وقال: ما الذنب الذي اقترفه؟ فقام الخان والحاضرين احتراماً للشيخ بدخوله: فقال الشيخ معلقا على قيامهم بلحن يتمازج معه المزاح مع بريق من الإشارات: هذه الرسوم لشأن الخوانين وليس لأبناء الصحاري، قال ذلك وهو متوجهاً لمجلس بين الضيوف، ثم قال الشيخ في شأن المزارع: منظره لا يثير الشك في كونه فقير بائس، ماذا حصل؟ ما هو جرمه؟ فقال الخان: لا شيء، عصى أوامرنا، قلنا نعلمه الأدب. فقال الشيخ محمد:ـ ــ يا حضرة الخان الكبير، رد كلام الله أكبر عصيان؟ فرد الخان: لم أفهم قصدك يا شيخ محمد؟ الشيخ: قال تعالى :"و أما السائل فلا تنهر." تضايق الخان من هذا الكلام، فقد لامس كلام شمدلاوري كبريائه، فقال: طيب، لقد عفوت لك عنه. فشمد لاوري معروف عندنا بإقامة العدل. فترك المزارع يذهب.

و قال الخان ممازحا الشيخ بوجه طلق: كنت أظن بأن « شَمَد لاوری » قاس القلب. ولكني ما أراه عكس ذلك، فقلبك رؤوف عطوف. قال الشيخ وعيناه شاردتان إلى نقطة من المجلس: للأسف، في هذا الزمان، لا تجد من يتقيد بخلق الرحمة والمرؤة، كل من امتلك القوة مقتدر علي فعل ما يشاء، وكل من طوقه الضعف فلا حول له ولا قوة.

كانت كلماته شديدة على الخان، لم يسبق وأن تجرأ أحد على قول ذلك في وجهه. غير أن الخان حافظ على هدوئه وقال بلحن فيه تلقين وتعليم: لو تسمع كلامي!! ما أريد قوله هو ألا تجلب لنفسك وجع الرأس، اترك تهورك هذا وضعه جانباً، أخشى أن ينتهي بك المطاف بفقدان ما بين جنبيك. فكان جواب الشيخ شعرا من حفظه:ـ


جهان ای دوست نماند بکس دل اندر جهان آفرین بند وبس

الترجمة:

لن تبق الدنيا..ياصديقي.. لأحد فعلق قلبك بخالقها وكفي بذلك عملاً.

فأكمل الشيخ قائلا: العبد راحل عن هذه الدنيا، سواء على فراش حرير ناعم أم برصاصة صلبة ملتهبة.

فقال الخان: لنا الله، هذا الآدمي لا ينفع معه تهديد ولا نصيحة.

فقام الخان من على كرسية وجلس ارضاً، ونادى الشيخ ليأتي عنده، فجاء الشيخ ملبيا. فقال الخان بصوت خافت لا يصل إلا لمسامع الشيخ محمد: أرى أن من المصلحة، أن تذهب هذه الأيام إلى لاور، ومن جهتي سوف أصلح الأمر من جميع جوانبه، وكل منصب تراه مناسبا لك سأعطيك، سأجعلك تترأس كل قواتي والعساكر. بل سأسلمك المنطقة. ولكن شرطي في هذا أن تترك ما اعتدت عليه وتبقى مطيعاً. فقال الشيخ: أنما أنا يا حضرة الخان شجرة أنبتتها البراري واعتادت على أجوائها، غرسي لا يناسب جو الحدائق والبساتين.

بينما كان الخان يريد إكمال حديثه فإذا بقاسم ارژنگ رحمة الله عليه داخلا فجأة، فسلم وقال: لقد هجم نفر من قطاع الطرق على إحدى القرى. وشرعوا في ايذاء خلق الله هناك. فقام الشيخ على الفور، فقال الخان: إلى أين؟ وقت الغداء، لا يصح هذا، فخرج الشيخ والخان معه، و بينما كان « شَمَد لاوری » يحكم ربط العدة على حصانه، قال والخان يسمع: من الواضح تماماً بأننا سنصل إلى نهاية حياتنا ونحن على هذا الطريق.

فسلم بشكل مختصر وذهب لأداء واجبه وقد ظل بقية من كلام على شفتا الخان المطبقة، وهو ينظر متآملا ويده تحت ذقنه، هذا العنيد مديراً ظهره إليه ومتوجهاً لنصرة المستضعفين.

مقتل شَمَد لاورى

شمد لاوری يقتل غدراً في قرية ایلود

لقد تجاوز الشیخ محمد فی نظر المخاتیر حد الطغیان، ونزع هیبتهم من بین الرعیة ووقف حائلاً دون جریان مائهم. فهو یمثل انقلاباً علی حقوق یرونها موروثة.

استرضاءً للشیخ محمد، دعا أحد المخاتیر « شَمَد لاوری » ورجاله إلی ولیمة کبیرة، وأجلسهم فی مجلسه المجلل. وقد کان فی هذا المجلس عدد من أعیان وملاک القریة. عند دخوله تناول الشیخ بیده حبة فاکهة... سلم وقال: أیها المختار، کن صادقاً.... أری مبالغة واضحة فی ارضائنا، أدخل فی الموضوع. اقترب المختار من أذن الشیخ وقال: حضرة الشیخ محمد.. باختصار، اترکنا فی حال سبیلنا... فإن اخترتنا سیصب أثر ذلک فی منفعتک ومصلحتک، وأنا حاضر بما تطلب. فابتسم « شَمَد لاوری » ساخراً وقال: العفو والسکوت علی من یأکل أموال الضعفاء بالباطل، ویشرب دمائهم، هو ظلم کذلک... اسمع یا مختار، أری أن مائی ومائکم لا یجریان فی جدول واحد.... لقد اتخذت عهداً علی نفسی بأن أکون نصیراً للضعفاء، لا معینا لظالمیهم. فتغیر وجه المختار، واتخذ وضعاً أکثر جدیة وقال: أظن أن رجلک قد تجاوزت بساطک.

فقال « شَمَد لاوری » ممازحا: نحن أصلاً لیس لدینا بساط حتی نجلس علیه. فضحک رجال الشیخ مع قائدهم. فاحمر وجه المختار وقال وهو فی ضیق شدید: جمعت حولک عدد من الحمقی، حتی تضیق علی الناس أرزاقهم؟... ما اللذی تظنه؟! أن لیس للحما صاحب؟ فنظر الشیخ إلی رجاله وقال للمختار: ماذا ترا منهم من ذنب... غیر حمایتهم للفقراء؟ هل أصبح مد ید العون للفقیر جنایة؟

وقال شعراً:


آنکه در راحت وتنعم زیست أو چه داند که حال گرسنه چیست؟!

الترجمة:

ذاک اللذی یعیش حیاة الرفاه والتنعم، کیف یشعر بحال الجائع.

فقال المختار: و ما دورنا نحن إذاً؟!، هناک من یقال له رئیس، هناک قائد... هم من یتولی حمایة الناس. فقال الشیخ: علی الرئیس والقائد اتباع سنة الرسول محمد صلی الله علیه وسلم، لا الضحاک ذو الأفاعی (شخصیة أسطوریة ترمز إلی الطغیان فی ملحمة الشاهنامة). المعروف « بقرآن العجم ».

فقال المختار: قالها من قبلنا، تحصی الفراخ فی آخر الخریف.... طبعاً أنا لا أقصد بهذا تهدیداً، ولکن.... (سکت المختار). فمد الشیخ قدماه ووضع إحداهما علی الأخری وقال: و نحن نقول، مادام الجائر موجود فنحن أیضا موجودون. وبالمناسبة أنا أیضا لا أقصد التهدید.

لقد کان النقاش مثیرة لأنفس السامعین، وقد وصل بأحد الأعیان الأمر إلی حد الغضب، فأخذ انبوب غلیونه (بيب القدو) ورماه جانبا وصرخ فی وجه الشیخ: نحن لن نسکت لحفنه من الخارجین عدیمی الأصل، یعملوا ما یحلوا لهم... ما اللذی تظن... أتظن أن الدولة من ملک جیبک؟

لم یرض الشیخ محمد بهذا الإهانة فی حق أتباعه، فهو مع کونه شیخاً ورجاله بین شیوخ وسادة وأبناء عوائل ومن الرعیة، إلا انه یراهم سواسیة أبناء آدم، لهم کرامتهم.

فقام ولمعة الغضب تبرق فی عینیه، فهجم علی المتکلم وسحبه من یقة قمیصه ورطمه بالحائط، ثم ضرب برجله آنیة الفاکهة فارتفعت عن الأرض، فهرب الجمیع من المجلس خارجا.ً

عندما فقد المخاتیر والأعیان الأمل من الخان الکبیر توجهوا إلی النقیب محمد شريف پالار البستكى ضابط الأمن المنطقة.

فذهب عدد منهم إلی منزله واجتمعوا معه، فقال أحد الملاک: لقد طغی هذا الرجل وتجاوز حدوده، لقد أفلت زمام الأمر من أیدینا، فلم یبق احتراماً لنا بین رعیتنا، أصبحت المسألة شائکة صعبة الحل. فشد النقیب پالار نَفَساً عمیقاً من غلیونه الإفرنجی وقال: الأمر بالقبض علیه صادر وجاهز، غیر ان قتل « شَمَد لاوری » لیس بالأمر الهین. فهو بین رجاله مطاع ومعبود، کما ان عددهم لیس بالقلیل، کما ان کثیر من الناس یعتقد بأنه حامیهم ومخلصهم، وأصبح الحدیث عن حسن خلقه ولیونته مع الناس بین الجمیع.

فقال أحد الأعیان: اذن علینا إیجاد حل لهذه المعضلة، یجب أن نشوه سمعته أولاً، حتی یسقط من نظر العامة. و قال آخر: « سید پالار »، نحن سنتبع ما تراه مناسباً فی هذه المسألة، سنتعاون معک. فشرب « النقیب پالار » ما تبقی من کوب شایه الثقیل دفعه واحده وقال: لتکن لدینا حجة. فقال المختار: فلنقل انه هاتک حرمات الناس ومشعل فتن. فقال پالار: جید، لن نجد أفضل من هذه الحجة. فقال المختار: نعم.... خاصة إذا أضحت هذه الإشاعة فی متناول العامة. پالار: مارأیک یا شیخ علی الأنصاری؟.

فقال مختار قرية جاه بنارد علی الأنصاری: کما ترا یا سید پالار.

وصل إلی مسامع الخان الکبیر ما حدث بین پالار ومجموعة المخاتیر والأعیان، فأراد أن یخبر الشیخ محمد بما یدبر له من مکیده، غیر انه کان متردداً بعض الشیء فی الأمر... ما هو الأصلح فی الأمر؟، بقاء « شَمَد لاوری » أم القضاء علیه صحیح ان « شَمَد لاوری » لا یتبع الرسم المتبع فی احترام الخوانين، بالإضافة إلی زرع حس الثورة فی نفوس الرعایا. غیر ان عدم وجوده یعنی رجوع المنطقة الی القلاقل وهدف المجرمین وقطاع الطرق. فالعسکر ورجاله ورجال المخاتیر لا یجرؤن علی مواجهه اللصوص والمجرمین والمسلحین.

فرَجَّحَ بقاء الشیخ علی ما هو علیه، وصمم علی ابلاغه بالأمر. لم یکن للشیخ محمد مکان ثابت لیوصل إلیه الرسالة مباشرة، فأرسل إلی خالة الشیخ محمد السيدة:(فاطمة گل) وهي مختارة قریة (بست قلات) رسالة خطیة لتسلمها بسرعة بید الشیخ محمد. غروب ذلک الیوم وفی قریة (زنكارد) استلم « شَمَد لاوری » الرسالة، ولما علم بأن الرسالة من الخان، رماها فی النار قبل فتحها.

كذلك وصل خبر ما حدث بین پالار ومجموعة المخاتیر والأعیان، إلی سید قریة كنجي (علیه وعلی أجداده وجده المصطفی الصلاة والسلام)، وکان قد علم بأن پالار قد دعا الشیخ محمد إلی ولیمة یوم غد. فأرسل إلیه بأن یأتیه بأسرع وقت.

و بما أن لسید قریة کنچی مقام خاص واحترام کبیر عند « شَمَد لاوری »، خشی عند وصول الرسالة بأن یکون مکروها قد حصل للسید. أو هجوماً علی قریته من قبل قطاع الطرق. فتوجه إلیه لیلاً. غیر ان السید لم یتحدث بشئ ذی اهمیة عند وصوله. فبات الشیخ محمد عند سید کنچی وفی صباح الیوم التالی تناول الشیخ ورجاله مع السید فطورهم وجلس الاثنان یتحدثان: فقال السید احذر یا شَمَد من قبول دعوة پالار. فتضایق شمدلاوری من هذه النصیحة وقال للسید: یا حضرة السید، لو کنت أعلم بأن ما قلته هو أمرک المهم لما أتیت. لقد کان سید کنچی رجلا رزیناً عاقلا زاهداً، یتحلی بالحلم والطیبة. عالماً فی التقوی والورع... فلم یتأثر بقول الشیخ محمد. فحدث الشیخ کحدیث الأب لابنه، وغیمة الوقار ساکنة لا تنفک تظلل رأسه: فکر فی الأمر یا شیخ محمد... ما المقصود من دعوة پالار لک؟. یقال بأنه یبطن السوء لک، إذا أردت رأیی فی الأمر، فلا صلاح من ذهابک إلى هذه الدعوة.

غیر ان صفة العناد للشیخ واصراره علی تنفیذ ما یراه کان غالبا علی خلقه. فلم یثنیه کلام الشیخ..... سلم علی السید واتجه خارجا. فأخذ السید یملئ ناظریه بالشیخ محمد قبل مایبتعد، نظرة یملئها الحزن وقال بصوت خافت: وداعا یا شیخ محمد. فقال رجل کان جالساً عند السید: رأیتک مودعا له یا حضرة السید، وکأنه لن یرجع. فقال السید: یساورنی شعور غریب، وکأن بالشیخ ذاهباً لاستقبال الموت. عداوة قوی الأمن له تصل بحقدهم إلی حد رمی ظله، فما نیتهم إذن من توجیه دعوة خاصة.

فی الطریق إلى قرية ايلود حيث غدر به النقيب پالار، کان « قاسم ارژنگ » و« الشیخ صالح » الشقيق الأصغر لشيخ محمد یتبادلان النظر باضطراب، فقال قاسم مترجیا : قطع لسانی یا شیخ.. غیر ان رائحة الدم تفوح من هذه الدعوة، لیتک تصرف نظرک عن الذهاب یا زعیم. فقال الشیخ عبد الرحيم (شَبرَهیم): اعتقد انه لیس من الصواب مخالفة رأی حضرة السید، یا حضرة الشیخ. أطلق « الشیخ صالح » عنان فرسه لیصل به بجانب أخیه، وقال: ما هذا اللذی نقوم به أخي، ایعقل ان نرمی بأنفسنا فی فخ منصوب لنا؟.. أن للعناد حدود. فاشتط الشیخ محمد غضبا وقال: قولوا لی الآن ما العمل؟! أاهرب من (پالدمی) ؟. « يقصد پالار »

تقولون پالار پالار پالار.... وبماذا محشوة اذن بنادقنا... أبالتبن؟! فارتعب الشیخ صالح من غضب أخیه، وشل لسانه لبرهة، غیر ان اضطراب اعصابه دفعه الی قول لم ینطق بمثله من قبل فی وجه أخیه: قد اعماک الغرور یا أخی، أنت لا تعیر أی اهتمام لکلام أی أحد.. وفی النهایة سیودی الغرور بحیاتک... بأعمالک وبطولاتک.. تتفاخر وحزام رصاصک یحیط جسدک.

بالفعل، کان « شَمَد لاوری » یتفاخر دائماً بذلک الحزام. غیر ان تفاخره کان علی کون هذا الحزام قد ورثه من جده العلامة الشيخ حسن المدني. فقد کان یتفائل به، وکان یعتقد ببرکته وأن بشده حول جسمه لن یصبه رصاص العدو. ففیه رائحة الآباء والأجداد. یشعر بفخرهم به وهو ینصر المستضعفین. وکأن الحزام ملک حافظ ارسلته السماء، اکراما لأجداد هذا الشاب الشجاع.

علی رغم کون کلام « الشیخ صالح » ناتج عن انفعال، غیر انه جرح احساس الشیخ محمد، ففک علی الفور الحزام ورماه بعیدا. فسکت الکل ولم ینطق أحد ببنت شفة.

کانت شجاعة الشیخ محمد وقوة بنیته تسبق عقله. لقد ولدت أوضاع ذاک الزمان الصعب تلک الخصلة فی الشیخ. فعداوته لعناصر الأمن بدأ معه منذ الصغر حینما کان طفلاً فی أحد مراکز التعلیم الدینیه (تحفيظ القرآن). فی أحد الأیام جائت عناصر أمنیه وأبرحت أمام عینی الطفل الصغیر، صاحب المرکز ضرباً قاسیا أدی به إلی الموت علی الفور.

ساد السکوت علی الموقف، وهم متوجهون إلی قریة ایلود. توجهوا في البداية إلی منزل « عبد الرحيم محمد صالح » مختار القریة. وقد کان « النقيب پالار » ذلک الوقت فی بیت « الشیخ عبد الله راستی » أحد کبار رجال القریة، یجتمع به. فأرسل پالار شخص أعزل إلی الشیخ بأنی ضیف فی المنزل الفلانی فتعال أنت کذلک یا شیخ محمد. فذهب الشیخ محمد مع أخیه الشیخ صالح وشخص آخر معه وبقیه رجاله بقوا فی منزل المختار. دخلوا البیت وکانت الأسرجة معلقة من السلم حتی سطح المنزل. صعد « شمدلاوری » وأخیه « الشیخ صالح » حتی وصلا السطح فقام إلیهم « النقيب پالار » وقد کان مرتدیا بزته العسکریة وعلامة رتبته تعلوا کتفیه، فسلم علیهما وسألهما عن حالهما ثم هداهما إلی مکان جلوسهم. قال پالار مکررا ترحابه للشیخ: أهلا أهلا بک یا سید الرجال. فقال الشیخ: مداهن أنت یا (پالدمی). مهما تکرر من هذه الکلمات فلیس لها مکان فی قلبی... لا أعرف! أظن أنی لا أطیقک.... قل لی الآن، ماذا تخطط له. ثم قال: ما هذه الأسرجة المعلقة فی کل مکان فی البیت، أترید أقامة حفل. پالار: أی حفل وأی عرس!!! أیوجد أطیب من مجالسة صدیقین عزیزین. جلس الجمیع لساعات یتبادلون أطراف الحدیث، وأکلوا معا ما شوی لهم من لحم، وشربوا الشای معا. سحب النقیب پالار صینیة علیها عدد من حبات الشمام لجانبه وقال للشیخ: لقد جاء أمر، بأن نعرض علیک تحالفک معنا ونعطیک حکم المنطقة. فأخذ الشیخ شمامة واحده وشقها نصفین وقال: حالی معک کحال هذین، مشیراً إلی السکین والشّمامَة المقطوعة، هذا الأمر الذی وصل لا ینطبق علی ولا أهمیة له عندی، « الشیخ محمدلاوری » لا یستلم أوامره من العباد، وإنما من رب العباد. بینما کان یتناول قطعات الشمام بالسکین، نظر إلی پالار وأدام حدیثه: أترسل فی أثری الجواسیس لتنال منی، وکأنک اشتقت إلی النار کاشتیاق ذلک الضابط؟! فقال پالار فی مسکنه: و الله یا حضرة الشیخ لا علم لدی بما تقول. فقال الشیخ: بلیت بالسرطان.. ما أکذبک..... لو رقیت إلی أعلی الرتب، فأنت عندی مجرد (پالدمی).

فضرب الشیخ اخمص سلاحه بکف یده وقال: خلاصة القول یا رفیق، نحن نخالف البهتان والزور، فانتبه لخطواتک. هلع پالار من هذا التهدید، ولم یعرف ماذا علیه قوله، فأطرق رأسه خشیة النظر فی عینی الشیخ وقال: علی رأسی أنت یا شیخ، أنا خادمک.

ثم بعد ساعة من حدیث متبادل، قام الشیخ محمد وأخیه وودعوا پالار متوجهین إلی الخارج.

و هم نزول من علی السلم کان پالار خلفهم... دقات قلبه تتزاید، والرجفة تنتشر فی جسده، فقتل أحد من الأسرة المبارکة من ذرية الشيخ الجليل العلامة الشيخ حسن المدني، لیس بالأمر الهین.

خبأ پالار فی تلک اللیلة عشرین عسکریا فی المنزل، وعشرة فوق سطح مبنی مطل علی صحن البیت. کان عسکر پالار خائفین، کل منهم ینتظر الأخر یبدأ فی الرمایة. أخرج پالار مسدسه والشیخ علی عتبات السلم الأخیرة. فسحب الزناد بیده المرتجفة فانطلقت رصاصة خرقت کتف الشیخ، فاهتز جذع الشیخ ولکنه ظل واقف غیر راض بقتل سهل کهذا. فرجع خطوات إلی الخلف ومسک سلاحه بیده وقال: پالدمی یا عدیم الرجولة يا خسيس. سیطر الرعب علی النقیب پالار، وظل متخشبا مکان. لا تعینه رجله علی الهروب، ولا یده علی الرمایة.

فرأی الشیخ یصوب سلاحه نحوه مستعدا للرمایة... رأی الموت أمامه فی تلک الساعة، فصرخ: ارموا..... ارموا.... فأمطر الشیخ رصاصاً من کل جانب، وهو موجها بندقیته ویرمی وهو یلف حول نفسه وصراخ غضبه یملئ صحن البیت، بینما یتلقی جسده الطلقات.

لم یتبق من بندقیته طلقات، ولا من جسده دم. فسقط من علی عتبة السلم أرضاً، وأخذ یزحف بما بقی فی جسده من روح حتی وصل عند مدخل الدهلیز وبقی طریح الأرض هناک.

اثناي بدایة الرمی دخل الشیخ صالح مسرعا إلی الدهلیز أولا بقصد الخروج، غیر أن باب البیت کان مقفلا من الخارج، فبقی مختبئا فی إحدی زوایاه لمدة ثم توجه إلی بئر ودخل فیه.

لم یجرأ أحد بعد الحادثة التحرک من مکانه، فکان الخوف والتفکیر مسیطراً علی عقول الجمیع. ولم یصدر صوتا تلک اللیلة إلا صوت الشیخ مرتین کان یطلب فیها ماء.

صباح الیوم التالی، کانت رجلی الشیخ فقط ظاهرة أمام أعین أفراد الأمن وباقی جسده داخل الدهلیز. لم یزل النقیب خائفا من أن یکون الشیخ لا یزال حیاً، فأمر بإطلاق رصاصتین علی رجله، فلم یتحرک. فيقنوا بانه ميت.

بقیة رجال الشیخ کانوا قد بقوا فی بیت المختار، وکان المختار ینتظر إطلاق النار حتی یبدأ هو من جانبه الإطلاق علی رجال الشیخ. أصیب منهم واحد والقی القبض علی البقیة.

بقی البحث عن « الشیخ صالح »، فلم یجدوه إلا بعد مدة طویلة، فأخرجوه من البئر. فرمی سلاحه وحزام رصاصه وسط صحن البیت وطلب الأمان وهو یبکی.

جاء المختار إلیهم مسرعاً ولم یدخل من الباب، بل صعد من الخارج إلی السطح ونزل من السلم.... فرأی جسد الشیخ محمد یسبح فی برکة من دمائه، فقال: و این چثة صالح؟!

کان پالار مرتبکا شاحب اللون خائفا من عاقبة ما فعل، فقال: لیس لصالح أی ذنب، لم تشمل الخطة قتله.. لم یحبذ پالار قتل الشیخ صالح... یکفی قتل واحد من هذه الأسرة، ولکن (عبد الرحيم محمد صالح) مختار قرية ایلود، دون أدنی شفقة قال: سید پالار، هذا الآن کالنمر المصاب بطلقة، ثعبان جریح، ابن ذئب، إن ابقیته حیاً، فلن ینفک عن ملاحقتنا حتی یفنینا، واسرنا،... لم یجبه پالار، فقال المختار شعرا:

عاقبت گرگ زاده گرگ شود گرچه با آدمی بزرگ شود

الترجمة:

الجرو فی نهایة الأمر، یکبر ویصبح ذئباً..... حتی وإن نشأ بین بنی آدم.

جلس پالار القرفصاء یفکر، غیر أن إلحاح المختار ووسوسته المتکررة جعلته یأمر بقتله... فأطلقت عشر رصاصات علی مفرق رأس شاب صغیر لم یتجاوز الثمانیة عشرة عاماً، حتی خرج مخه من راسه.

دفن « الشیخ محمدلاوری » وأخیه « الشیخ صالح » وآخر من رجاله فی مقبرة قرية ایلود في صبيحة يوم الخميس من شهر يوليو من عام 1941 للميلاد.


جدائی می کند بنیاد مارا خدا بستاند از وی داد مارا
ستاند دادم از پالار ظالم به نامردی بکشت سالار مارا

بهکذا قتلة غادرة مخجلة لفاعلیها، تنطوی صفحة من تاریخ منطقة جنوب فارس، کانت ملیئة بقصص عن المرؤة والشجاعة والرجولة لأسطورة حامي الفقراء « شَمَد لاوری ».

قتل شمد لاوری أکثر من مائة شخص بین مجرم وقاطع طریق وعسکری. دون أن یسفک دماء أهل منطقته، حتی الظلمة منهم، بل کان یجالسهم ویدافع عنهم أحیانا حینما یظلمون.

کان رحیل الشیخ محمد من هذه الدنیا عن عمر یناهز التاسعة والعشرین عاما فی صیف عام 1324 هـ شمسی الموافق لعام 1366 الهجری ولعام 1941 المیلادی. غدر به « النقيب: محمد شريف پالار البستكي».

بعد مقتل « شَمَد لاوری » بمكيدة النقيب پالار، ترقي پالار إلى رتبة العقيد.

خطاب إلى العقيد پالار:


جوانی کشتی که سی سال کمترش بود سواد پهلوانی بر سرش بود

ترجمة الأبيات:

لقد قتلت بالغدر شاباً لم يبلغ الثلاثون، وكان يطمح أن يكون بطلاً في عصره.

انشدت مراثی ومدائح واشعار فی وصف شجاعة « شَمَد لاوری » وجرأته ومرؤته. منها هذه القصائد والأناشيد:


گهی که میل برنو برق میداد دز از قلعه جوانی چرخ می داد
سلام من به مادر وارسانید اگر نه برجوانیم داد وبی داد
سقاب گفتا ننالم دست هرکس بنالم دست شمد وهمین بس
اگر انگشت رساند روی ماشم زنم هر لحظه ای ملکی به آتش
چنین بود سرنوشت از رب داور جدا گشت از بر ما شیر لاور
چگویم از قضا وچرخ گردون کجا رفتی تو شمد با برادر
الا شمد که آفتابت غروب کرد که ارژنگی بنالد از غم ودرد
تماما عالم دنیا بگریند مرو مهمانی پالار، تو برگرد
خداوندا که شیخ صالح جوانن که شمدلاوری مان پهلوانن
سلام من به مادر وارسانید که ملک فارس، پر آه وفغانن
الهی بشکخه برنو به گردش گلوله خورده است برپشت برمش
سلام من به منصورخان رسانید هرنگ اتش زنم با تخت ویردش
چریک پالار آمد به حیله کل وکورم کند گرد از گلوله
سلام من به مادر وارسانید که ارژنگی ندارد هیچ وسیله
پسینگاهی رسیدم زیر هرمود به زیر سم اسبم می زند دود
به دل گفتم که دایم پادشاه ام ندانستم که ماتم می رسد زود

جمعت أخبار الشیخ ودرست شخصیته من قبل باحثی المنطقة. وبقیت نقطة طال الأمر لیصلوا إلی نتیجة منصفة فیها، وهي، هل کان شَمّد لاوری کما یقول فریق من الناس، صاحب روح ملائکیة ومنجی للناس. أم رجل صاحب روح شيطانية سیطر علیه الجنون واغتصب حقوق بعض الناس کما یقول الفریق الآخر.

نظرة المحققین

بعد عشر سنوات من البحث وتقصي الحقائق من قبل المحققین، وصلوا إلی النتیجه التالیه:

  • طوال مده البحث والتحقیق وتقصی الحقائق وجمع الأخبار المخفیة خصوصاً من کبار السن من الرجال والنساء وکبار أهل القری ومن بقی من المخاتیر وأبناء الملاک والأعیان وأصحاب النفوذ وعوام أهل القری التی قضی شمد لاوری أغلب أیامه فیها، توصلنا إلی هذه النتیجه:
  1. ـ کل عامة أهل قری المنطقة اجماعا، اللذین تم التحدث معهم بشأن « شمد لاوری » یرون أنه شخص صالح ومحارب للظلم وحامي للفقراء والمساکین والمستضعفین والبؤساء.
  2. ـ کل من تبقی من المخاتیر أو أبنائهم وأبناء الملاک والإقطاعیین السابقین والأعیان السابقین یرون أن « شمد لاوری » مجرم شریر وصاحب فتنه.

المصادر

  • الكوخردى، محمد، بن يوسف، (كُوخِرد حَاضِرَة اِسلامِيةَ عَلي ضِفافِ نَهر مِهران Kookherd, an Islamic District on the bank of Mehran River) الطبعة الثالثة ،دبى: سنة 1997 للميلاد.
  • محمدیان، کوخردی، محمد. به یاد کوخرد ج2. چاپ أول، دبی: سال انتشار 2003 میلادی.
  • *محمدیان، کوخردی، محمد. (کوخرد سرزمین شاعران) ج1. چاپ أول، دبی: سال انتشار 2005 میلادی. (فارسي)
  • پور محمد، عبد الله،. شیخ محمد لاوری (عقاب جنوب) ناشر: چاپخانه مصطفوی، شیراز: چاپ أول، 1374 خورشیدی
  • سلامی، بستکی، أحمد. (بستک در گذرگاه تاریخ) ج2 چاپ أول، 1372 خورشیدی.
  • محمدیان، کوخردی، محمد، «مشایخ مدنی»، چاپ دوم، دبی: سال انتشار 2002 میلادی.
  • محمدیان، كوخردى، محمد، (شهرستان بستک وبخش کوخرد) ، ج1. چاپ أول، دبی: سال انتشار 2005 میلادی.
  • دكتر: ويليم، فلور، (صنعتى شدن إيران وشورش شيخ احمد مدنى) « ترجمه دكتر:ابوالقاسم سرى ».

انظر أيضاً

وصلات خارجية

موسوعات ذات صلة :

لاور شيخ