الصفح مصطلح قرآني وخلق إنساني رفيع، أمر الله تعالى بالتخلق به فقال تعالى : ﴿فاعفوا واصفحوا﴾ ،و أمر به تعالى نبيه بقوله ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ ،والصفح يعني :ترك التثريب وعدم المؤاخذة، " يقال صَفَحْتُ عن ذنب فلان وأَعرضت عنه فلم أُؤَاخذْه به وضربت عن فلان صَفْحاً إِذا أَعرضت عنه وتركته".[1]
تعريف الصفح
الصفح لغًة
أَعرض عن ذنبه، وهو صَفُوح عَفُوٌّ، والصَّفُوحُ الكريم؛ لأنه يَصْفَح عمن جَنى عليه".[2][3] وقيل أن الصفح مشتق من صفحة العنق؛ لأنَّ الذي يصفح كأنه يولي بصفحة العنق، إعراضًا عن الإساءة.[4]
الصفح اصطلاحًا
قال الراغب: الصفح: ترك التثريب، وهو أبلغ من العفو.[5]
الفرق بين الصفح والعفو
هناك من العلماء من فرق بين الصفح والعفو ولم يجعلهما بمعنى واحد، قال العسكري : "الفرق بين العفو والصفح: هما بمعنى في اللغة.وقال الراغب: الصفح: ترك التثريب، وهو أبلغ من العفو وقد يعفو الانسان ولا يصفح.وقال البيضاوي: العفو ترك عقوبة المذنب، والصفح: ترك لومه.قلت: ويدل عليه قوله تعالى: ﴿فاعفوا واصفحوا﴾.ترقيا في الامر بمكارم الاخلاق من الحسن إلى الاحسن، ومن الفضل إلى الأفضل".[6] وقال محمد رشيد رضا : "الْعَفْوُ : تَرْكُ الْعِقَابِ عَلَى الذَّنْبِ (إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً) (9: 66) وَالصَّفْحُ : الْإِعْرَاضُ عَنِ الْمُذْنِبِ بِصَفْحَةِ الْوَجْهِ، فَيَشْمَلُ تَرْكَ الْعِقَابِ وَتَرْكَ اللَّوْمِ وَالتَّثْرِيبِ ".[7]
الصفح في القرآن
جاءت آيات الصفح في عدة مواضع ومنها :
- ﴿وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ ﴿85 الحجر﴾
- ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ ﴿109 البقرة﴾
- ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ ﴿13 المائدة﴾
- ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ ﴿22 النور﴾
- ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ ﴿89 الزخرف﴾
- ﴿وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ﴿14 التغابن﴾
من صفات الله تعالى
قال الزجاجي في ((اشتقاق أسماء الله)) (ص 176) : ((الكريم : الجواد ، والكريم : العزيز ، والكريم : الصَّفوح . هذه ثلاثة أوجه للكريم في كلام العرب، كلها جائز وصف الله عَزَّ وجلَّ بها، فإذا أريد بالكريم الجواد أو الصفوح ؛ تعلق بالمفعول به ؛ لأنه لا بدَّ من مُتكرم عليه ومصفوح عنه موجود، وإذا أريد به العزيز ؛ كان غير مقتض مفعولاً)) . اهـ . يعني رحمه الله : إذا أريد به الجواد والصفوح ؛ فهي صفةُ فعلٍ، وإذا أريد به العزيز ؛ فهي صفةُ ذاتٍ . والله أعلم .[8]
الصفح في الديانات
يعلم النبي عيسى تلاميذه على الصفح حين يسأله أحد تلاميذه فيقول: (كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟ ) فيعلمه عيسى الصفح فيقول : ( لَا أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً)[9] .
أقوال في الصفح
- قال:حكى محمد بن الحنفية عن علي رضي الله عنه في قوله تعالى :﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ قال: هو الرضا بلا عتاب، وقال سهل: بلا حقد ولا توبيخ بعد الصفح، وهو الإعراض الجميل.[10]
- قيل : (الصفح الجميل) مواساة المذنب برفع الخجل عنه.[11] ،قال ابن القيم : وسمعت ابن تيمية يقول : ذَكَرَ الله الصبر الجميل، والصفح الجميل، والهجر الجميل ؛ فالصبر الجميل الذي لا شكوى معه، والهجر الجميل الذي لا أذى معه، والصفح الجميل الذي لا عتاب معه .[12][13]
- قال الخليل:
سأُلزمُ نفسي الصَّفحَ عن كلٍّ مذنبٍ | وإن كثرتْ منه عليَّ الجرائمُ | |
فما النَّاسُ إلَّا واحدٌ مِن ثلاثةٍ | شَرِيفٌ ومَشْرُوفٌ ومِثْلي مُقَاوِمُ | |
فأمَّا الذي فوقي فأعرفُ فضلَه | وأتبعُ فيه الحقَّ والحقُّ لازمُ | |
وأمَّا الذي مثلي فإنْ زلَّ أو هفا | تفضَّلت إنَّ الفضل بالعز حاكمُ | |
وأمَّا الذي دوني فإن قال صُنتُ عن | إجابتِه عرضي وإن لام لائمُ |
مقالات ذات صلة
عفو (خُلُق)
المراجع
- لسان العرب ، ابن منظور ، 2 / 512
- لسان العرب، ابن منظور ، 2/ 512
- القاموس المحيط ،الفيروزآبادى ، 1 / 292
- انظر : نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ،البقاعي ، 1 / 220 .
- مفردات غريب القرآن - الراغب الأصفهاني - الصفحة 282
- معجم الفروق اللغوية ،أبو هلال العسكري ، 1 / 248
- تفسير المنار ، محمد رشيد رضا ، 1 / 347
- صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة ، علوي بن عبد القادر السَّقَّاف ، 1 / 182
- متى 18: 21- 35
- تفسير التستري ، 1 / 89
- روح المعاني ، الآلوسي ، 14 / 89
- بدائع الفوائد ، ابن القيم ، 4 / 112 ، 113
- وانظر ، مجموع الفتاوى لابن تيمية ، 10 /666
- مختصر تاريخ دمشق ،ابن منظور ، 11 / 242
وصلات خارجية
موقع المسلم : الصفح الجميل، دواء الفرد والمجتمع، د . عثمان جمعة ضميرية