عبد القادر أعبابوا (:Abdelkader Ababou) ولد سنة 1950 بمدينة بني ملال بـ المغرب ، هو ممثل مسرحي وكاتب، وبدأ الكتابة سنة 1969 ونشر أول نص شعري له سنة 1982. كما يهتم بالمجال المسرحي وبالكتابة الشعرية، وتوفي صبيحة يوم الأحد 20 يناير 2020 بمدينة مراكش.
عبد القادر أعبابوا | |
---|---|
معلومات شخصية | |
اسم الولادة | عبد القادر أعبابوا |
الميلاد | 1950 |
يعد عبد القادر أعبابو من أهم المخرجين المسرحيين المغاربة الذين ساهموا في إثراء المسرح المغربي والعربي على حد سواء، وذلك بنظريته التطبيقية التي تخص الإخراج المسرحي، فقد بلور بيانا وتصورا مسرحيا جديدا سماه بالإخراج الجدلي، أو ما يسمى بسلطة الحركة وسلطة الجدل. لكن هذا التصور النظري ما هو في الحقيقة سوى تطبيق فعلي للنظريات التي اقترحها المسرح الثالث في شخصية صاحبه المسكيني الصغير. وقد ارتبطت أعمال عبد القادر أعبابو بجمعية أنوار سوس للثقافة والفن بأكادير، حيث يقوم بتطبيق آرائه المسرحية والميزانسينية تأليفا وتدريبا وتأطيرا وتكوينا وإشرافا وتنظيرا وإخراجا، وقد نشر ملاحظاته وتصوراته النظرية والتطبيقية في كتابه:" الإخراج الجدلي والمسرح الثالث: سلطة الحركة...سلطة الجدل"1. إذاً، ماهي التصورات النظرية التي يقوم عليها الإخراج الجدلي عند عبد القادر أعبابو؟ وماهو موقفه من التراث؟ وماهي الآليات المنهجية التي استعملها عبابو للتعامل مع الذاكرة والتاريخ والزمان والمكان؟ هذا ما سوف نعرفه في هذه الورقة المتواضعة.
1- تصــورات بيــان الإخــراج الجــدلي
يطرح المخرج المغربي عبد القادر أعبابو تصورا نظريا للإخراج المسرحي نابعا من مفاهيم المادية الجدلية الماركسية، ومتأثرا كذلك بتصورات المسرح الثالث للمسكيني الصغير. ومن ثم، فالمنهج الذي يرتكز عليه الإخراج عند عبد القادر أعبابو منهج تاريخي تطوري قائم على النفي وسلطة الجدل والتغيير والتثوير، وتجاوز الثابت والسكون نحو الحركة والفعل الدينامي. وبالتالي، فالمسرح عنده إبداع ذو طبيعة واقعية اجتماعية وإيديولوجية يحمل رؤية إيجابية للعالم. وبالتالي، فهذا المسرح قائم على " التنشيط الأنسب لحركة النفي الجدلية المتجهة بالأساس إلى خلق الشروط السيكوفكرية الأكثر مواءمة وخصوبة لتركيب وإنماء وتطوير معايير جمالية أسمى وأرقى وأرفع قابلية لتحقيق الجدل / لتحقيق التغيير/ التغيير الذوقي/ التغيير النفسي/ التغيير السلوكي/ التغيير الأخلاقي/ التغيير الإيديولوجي/ التغيير السياسي/التغيير المادي. والعمل الإبداعي بتحقيقه هذه الحركة في شكلها المنطقي الموضوعي داخل صيرورة ميزان قانون التغيير يكون كعنصر إيديولوجي قد أدى وظيفته كعنصر تاريخي خصوصا بتفاعله الأمثل مع الأساس المادي والعلائقي للمجتمع وشروط ديناميته الموضوعية، هذا الأساس الذي يضطلع بالفعالية القصوى والأقوى حسما في توجيه التاريخ وحركة التغيير الاجتماعية ومصير الحياة البشرية بشكل عام، وضمنها الإنتاج الفني والثقافي والعلمي...
ويرى عبابو أن التنظير مهمة ضرورية لتوجيه مسرح الهواة، باعتبار أن العلاقة بين النظرية والممارسة علاقة جدلية لا يمكن الفصل بينهما أو التخلي عنهما. ولابد أن تترابط في هذا التنظير الجدلي الجديد الجوانب المضمونية مع الجوانب الشكلية بشكل جدلي عضوي.
وعليه، فالمسرح المغربي حسب عبابو هو مسرح شعبي مرتبط بالطبقات الكادحة المقهورة والمنخورة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. ومن ثم، فلابد أن يكون هذا المسرح أداة للجدل والتغيير والنفي والحركة والسير نحو التقدم، وبناء مستقبل زاهر ومثمر. كما يدافع عبابو عن مسرح الهواة مادام قد اختار خطاب النقد والتأسيس، وتعرية الواقع، والانخراط في الواقع الاجتماعي، واختيار أدوات المواجهة والنفي والصراع الجدلي. وبذلك، يكون مسرح الهواة أفضل بكثير من المسرح الاحترافي السلبي المهادن والثابت.
وإذا كانت النظريات المسرحية المغربية السابقة قد ركزت على التنظير للمضمون المسرحي، فإن عبد القادر أعبابو قد ركز على الجوانب التقنية والجمالية، ومن بينها الإخراج المسرحي، وإن كانت نظرية المسرح الفقير بالمغرب قد تناولت بدورها مجموعة من الجوانب الشكلية والتقنية والجمالية والفنية التي تفرد الدراما، وتخصص العرض المسرحي .
وعلى العموم، فالإخراج الجدلي هو إخراج ديناميكي مبني على حدة التناقضات، والحركة الفعالة، وسلطة الجدل، ونفي النفي، ومراعاة الصراعات التاريخية والإيديولوجية والطبقية والاجتماعية. ويعني هذا أن الإخراج الجدلي قائم على قانون نفي النفي، وقانون التحول من الكم إلى الكيف، وقانون وحدة وصراع المتناقضات، والاعتماد على رؤية المسرح الثالث للكتابة المسرحية. كما يجادل هذا الإخراج الجدلي النص في شموليته، يجادل تاريخية إبداعه في الزمان والمكان، ويعتمد على آليات وتقنيات مسرحية شكلية خاضعة بدورها لقانون الجدل وسلطة الحركة وفاعلية التناقضات. ويتبنى هذا المنهج الإخراجي أيضا لغة الشعر العميقة، ويميل إلى الفاعلية الإبداعية الجدلية.
هذا، ويرتكن عمل الممثل في منظور الإخراج الجدلي إلى الحركة، والتعبير الجسدي، واستعمال كل ماهو كوريغرافي جدلي. كما أن الممثل هو المحور الأساس في العملية الإخراجية، بل هو المخرج الجدلي عينه عقلا وروحا. وفي هذا الإطار يقول عبابو :" إننا أصبحنا نرى أن هذا الكائن الذي يسمى الإخراج المسرحي عليه أن يرى الأشياء والظواهر والموضوعات هو الآخر من زوايا خاصة من شأنها أن تجادل العيون الأخرى، ورؤى هذه العيون والزوايا التي تختارها هذه العيون لرؤاها. نريده أن يؤسس الذات انطلاقا من خلق أو تجديد العلاقات الأكثر موضوعية ومنطقية وعلمية وجدلية مع كل ماهو خارج من الذات.
نريده أن يصبح طارحا الأسئلة ومجيبا وطارحا...وليس مجيبا فقط، لا نريده إخراجا لنص، ولكن إخراجا لفعالية إبداعية جدلية، خالقا لمنتوج مسرحي، ثم لعرض مسرحي، خالقا لحركة، حركة إبداعية، حركة إنسانية، حركة تاريخية، حركة اجتماعية/ طبقية، حركة فنية إيديولوجية.
نريده خاصا وعاما، نريده مستقلا ومرتبطا، نريده كائنا تاريخيا اجتماعيا له فيزيولوجيته ومورفولوجيته، له عقله وروحه وذاكرته... نريده جهويا /وطنيا/ أمميا/ طبقيا/ تقدميا/ ديمقراطيا/ ثوريا. نريده: مبدعا/مطورا/ مغيرا/ علميا/ جدليا...
الإخراج المسرحي الجدلي يحمل رؤية منهجية وأسلوبا أو أساليب إبداعية يسعى بها ومن خلالها إلى تثوير العملية الإبداعية فنيا واجتماعيا."3
ويقترح عبد القادر أعبابو ما يسمى بالممثل الجدلي الذي يتعامل مع الأحداث والزمان والمكان، وذلك من خلال رؤية واقعية اجتماعية جدلية تراعي تناقضات الذات والموضوع، عبر التركيز على التناقضات والصراعات الكمية والكيفية، وتبيان المواقف المتخذة تجاه قضية ما. ومن هنا، فالإخراج الجدلي يجادل الممثل:" في ذاكرته ومخزونها التاريخي والتراثي، في نفسيته، في ثقافته، في فكره، في أخلاقه، في سلوكه، في عواطفه، في تذوقه للجمال، في رؤيته للفن، في انتمائه الطبقي، في علائقه وتنظيماته الاجتماعية، في وضعه الاقتصادي والاجتماعي، في مواقفه العامة( الفكرية والسياسية...)، في أحلامه، في طموحاته، يكشف عن عناصر وأسباب التناقض في كل مكوناته، يربطها جدليا بتفاعلات العرض المسرحي الجدلي، وتصادمية العوامل الأساسية المؤطرة والموجهة والفاعلة في هذا العرض جدليا( التاريخ- الزمان- المكان- معايير فنية وإيديولوجية سائدة ثورية مطورة- أحداث فنية جدلية- وعي الجمهور- ذاكرته- مواقفه...)
يصبح الممثل مبدعا ومتلقيا في نفس الوقت. فهو بذلك، إنسان منتج يغير ويتغير داخل المجتمع، إذ يساهم وبشكل أرقى في تغيير هذا المجتمع طبقيا وتاريخيا.
الإخراج المسرحي يصنف الممثل فنيا وفكريا وطبقيا وموقفيا. فإما أنه مع الإبداع، إذاً مع التقدم والتحرر وقواه الحية، وإما أنه ضد الإبداع، إذاً ضد التاريخ وضد نفسه، ويكون بذلك سواء عن وعي منه أو عدم وعي في خدمة قوى التخلف المناهضة لمصالحه. في المسرح لا حياد على الإطلاق.
ويتصور عبابو المكان والبناية والمؤسسة المسرحية مكان شعبيا للطبقات الكادحة، ويرفض تحويل المسرح إلى مؤسسات رسمية خاصة بالنظام الرأسمالي القائم على الاستغلال، واستلاب الآخرين، ونشر إيديولوجية الدولة، والدفاع عنها تكريسا وتثبيتا وتدعيما وتقوية. فلابد للمؤسسات والأمكنة المسرحية أن تكون للشعب وفي خدمة الشعب فقط. ومن الأفضل أن تجادل العروض المسرحية الزمان والمكان والتاريخ والمواقف من خلال رؤية جدلية قوامها الحركة الفعالة، والتغيير الإيجابي، والتنوير المتقدم، والتثوير الجذري، والتطوير العلمي والفني والأدبي والتقني، والارتكاز أيضا عل الوحدة الجدلية بينما هو روحي وما هو مادي، وذلك من أجل تقديم عرض مسرحي ممتع ومفيد.
ولا يمكن تصور المنتوج المسرحي إلا بوجود الجمهور، ولكن علاقة الإنتاج والاستهلاك لابد أن تخضع لقانون الجدل والحركية والوظيفية ومجموعة من الروابط والشبكات الإبداعية المتطورة. ويعني هذا أن المتلقي ليس متفرجا سلبيا كما في المسرح الرسمي، بل هو متفرج فاعل إيجابي يشارك في العملية المسرحية عن طريق مناقشة العرض والواقع على حد سواء، وذلك من خلال منطق واقعي جدلي متحرر ومتطور ومتنام يهدف إلى تغيير الواقع وتثويره وتطويره، وأن يكون له موقف واضح من القضية المرصودة في العرض المسرحي على غرار تصورات بريخت نحو المتلقي المشارك . والمقصود من هذا أن:" الجمهور المسرحي في مجتمع طبقي هو نخبة من الناس من هذا المجتمع الطبقي، هذه النخبة تتحكم فيها موضوعيا كل القوانين التي تهيكل وتنمط وتحرك المجتمع.
الجمهور المسرحي هو بالأساس جمهور طبقي: ذاكرته/ ثقافته/ تراثه/ فنه/ لغاته/ رموزه/ عاطفته/ نفسيته/ أخلاقه/ سلوكه/ تاريخه: شكل طبقي.
ويعني هذا أن المسرح الجدلي الذي يقترحه عبد القادر أعبابو هو الذي يقوم على أسس جدلية واقعية وتاريخية، وينبني على جمهور طبقي يؤمن بالتقدم، ويختار العروض المسرحية التي تخدم أغراضه الطبقية ومصالحه الاجتماعية، ويدافع عن رؤاه وأحلامه المستقبلية الممكنة.
2- مصــادر نظريــة الإخـراج الجــدلي
يعتمد عبد القادر أعبابو في بناء نظريته المسماة ببيان الإخراج الجدلي على مجموعة من المرتكزات المرجعية، والتي يمكن إجمالها في الخلفيات والمؤثرات النظرية التالية:
* النظرية الجدلية المادية عند كارل ماركس وهيجل وإنجلز وبليخانوف؛
* المسرح التوثيقي التسجيلي والسياسي عند مجموعة من المسرحيين الألمان كبيتر فايس وبيسكاتور وبريخت؛
* التأثر بمسرح برتولد بريخت بصفة خاصة ؛
* الانفتاح على التصورات المسرحية العالمية المعروفة كتصورات ستانسلافسكي، وبيتر بروك، وكوردون كريك، وأنطونان أرطو، وجيورجيو باربا وآخرين...
* التأثر بمسرح الهواة المغربي بمختلف تصوراته النظرية؛
* التشبع بأفكار مسرح التسييس عند سعد الله ونوس؛
* تمثل مبادئ المسرح الثالث كما في أوراق المسرحي المغربي المسكيني الصغير ، كما يؤكد ذلك عبد القادر أعبابو بوضوح:" وفي مرحلة إغناء ممارستنا ومفاهيمنا في إطار تعاملنا مع رؤية المسرح الثالث الفنية خصوصا في مجال الإخراج أصبحنا ملزمين بالتفكير بشكل أعمق في مسألة الجدل الإبداعي، وكيفية تطويره عبر الممارسة ، وتجديد أسس هذه الممارسة وميكانيزماتها وأدواتها. ورحنا نؤكد لأنفسنا بأن علينا أن نفهم جدليا مفهوم الجدل في الإبداع ، وعلينا أن نعلم بأن الإبداع وجدلية الإبداع لا يمكن حصر قوتها وحرارتها وسرعة فعلهما في وصفة أو وصفتين...إننا بصدد بحر إبداعي عظيم لا حدود له...يجب أن نشكل قوة إيجابية خلاقة بشكل أرفع في ظاهرة مده وجزره.فكان أن أصبحت موضوعيا أشكال تعاملنا مع الإخراج قبل هذا غير قادرة بالدرجة المواتية على استيعاب طموحاتنا الإبداعية، وعلى حمل وتنقيل الشحنات الفنية التي تستوجبها العملية المسرحية وفق نوعية الزمان والمكان وخصوصية الحضارة والتاريخ والتراث لإحداث التفجيرات الإبداعية الأكثر سموا وفعالية في المجتمع.
ويعني هذا أن عبد القادر أعبابو لم يستقل بنظريته المسرحية إلى حد كبير، بل كان يشتغل ضمن المنظور البريختي الجدلي ، وضمن تصورات المسرح الثالث . وقد بقي عبابو وفيا لنظرية المسكيني الصغير مخرجا جدليا. أي إذا كان المسكيني الصغير يؤلف المسرحيات على ضوء تصور المسرح الثالث، فإن عبابو يخرج هذه المسرحيات وفق عروض جدلية لا تخرج عن نطاق المسرح الثالث. وفي هذا الإطار يقول المسكيني الصغير:" من خلال هذا العمل المسرحي وغيره من الأعمال المسرحية التي راكمها بعض كتاب ومخرجي المسرح الثالث في المغرب. يتبدى للمتتبع المهتم والمشاهد أهمية تثوير موضوع" حكاية بوجمعة الفروج" الذي تم استحضاره كما في نص مسرحية:" الرحبة" و" الركب" أو في مسرحية " غمزة" للمخرج المؤلف عبد القادر أعبابو، أو في أي موضوع آخر...تثوير يمنح للغة العرض معنى خاصا وجمالية لها نكهتها البارزة... كل ذلك من أجل تحقيق تواصل مرغوب فيه أبدا.
وهنا، نطرح سؤالا مهما: فإلى أي مدى يمكن الحديث عن نظرية مستقلة عند عبد القادر أعبابو إذا كان مجرد مخرج مطبق لنظريات المسرح الثالث ليس إلا؟!!!
وعليه، فعبد القادر أعبابو يدعو في تصوره الدرامي الجديد مغربيا أو التابع لورقة المسرح الثالث نظريا إلى منهج مسرحي جدلي بريختي معروف عالميا، حيث يقول:"اعتبارا لهذا كله نرى أن الإخراج المسرحي الهاوي سوف لن يكون تلك الفاعلية الإبداعية المسرحية المطلوبة موضوعيا ، أي المنسجمة مع روح التاريخ إذا لم يكن إخراجا جدليا. والإخراج الجدلي ليس جديدا على ساحة المسرح العالمي فقد كانت تجربة برتولد بريخت المسرحي الألماني الكبير الذي نكن له كل احترام وتقدير تجربة رائدة في هذا الاتجاه ، وهي مازالت حتى الآن تعتبر اتجاها متقدما وتقدميا متميزا أكد وجوده تاريخيا على خارطة الممارسة المسرحية والفكر الإبداعي المسرحي العالمي، بصورة جعلت بامتياز من هذه التجربة منهلا حقيقيا ومنبعا لا ينضب بالنسبة لأغلبية اتجاهات المسرح العالمي الساعية إلى التجديد والتغيير والتثوير الحقيقي لفن المسرح"8.
وهكذا، فقد تبنى عبابو في إخراجه الجدلي تصورات برتولد بريخت في التعامل مع المسرحيات فهما وتفسيرا؛ لأن المسرح البريختي مسرح جدلي اشتراكي يقوم على التوثيق والتسييس وتوظيف المادية الجدلية. لذا، كانت نظرية بريخت مرجعا للكثير من النظريات المسرحية العربية بصفة عامة والمسرحيات المغربية بصفة خاصة كمسرح التسييس عند سعد الله ونوس ودريد لحام، ونظرية مسرح النفي والشهادة عند محمد مسكين، والنظرية الاحتفالية عند عبد الكريم برشيد، ونظرية المسرح الثالث عند المسكيني الصغير، ومسرح المرحلة عند حوري الحسين، وغيرها من النظريات المسرحية الأخرى ذات الطابع الواقعي الاجتماعي.
وفي هذا الصدد يقول الباحث المغربي يونس الوليدي بأن بيان الإخراج الجدلي عند عبد القادر أعبابو وغيره يؤكد بكل صراحة ووضوح مدى تأثر أصحابه: " بالمسرح العالمي ومختلف اتجاهاته ومدارسه حيث استفادوا من تجربة بريخت وستانسلافسكي وبيتر بروك وآرتو، وغيرهما من التجارب المسرحية في الإخراج التي فرضت نفسها على الساحة الإبداعية العالمية.
وبهذا، يكون منهج عبد القادر أعبابو على مستوى الإخراج المسرحي منهجا جدليا قائما على المادية الجدلية والواقعية التاريخية والتصور البريختي التوثيقي .
3- نمــاذج مسرحيـة تمثيليـة للإخـراج الجــدلي
من أهم الأعمال المسرحية التي أخضعها عبد القادر أعبابو للمنهج الإخراجي الجدلي مسرحية:" الشيخ بوعمامة الخرساني"، ومسرحية:" ايت الكل"، ومسرحية" غمزة"، ومسرحية" الرحبة" ومسرحية" الركب" ، وهذه المسرحيات كلها من تأليف عبد القادر أعبابو ، وتشخيص فرقة جمعية أنوار سوس للثقافة والفن بأكادير.
أما مسرحية:" ثورة الزنج" فهي من تأليف الشاعر الفلسطيني الراحل معين بسيسو، وإخراج عبد القادر أعبابو على ضوء التصور الجدلي البريختي. وأخرج هذا المخرج كذلك ضمن ريبرتواره الاقتباسي والدراماتورجي مسرحية:" المهمة" للكاتب الألماني هاينر مولر...
هذا، وقد أخرج عبابو مجموعة من العروض المسرحية التي تقدم بها المسرح الثالث في شخصية مؤسسه المسكيني الصغير كمسرحية:" الجاحظ وتابعه الهيثم"، ومسرحية: "الجندي والمثال"...
ويعني كل هذا أن النظرية المسرحية عند عبد القادر أعبابو ترتبط بالممارسة التطبيقية تأليفا وإخراجا وتأثيثا. وبهذا، تكون لهذه النظرية الدرامية الجدلية الجديدة نوع من المصداقية والمشروعية والجدة مادامت ترتكز إلى العروض المسرحية المنجزة.
4- نظريـــة المنهـج الجــدلي والتعامــل مع التــراث
ينطلق عبد القادر أعبابو من رؤية جدلية في التعامل مع التراث قالبا وتوظيفا وتقنية. فالتراث أو الذاكرة المتعلقة بالممثل أو الإنسان لابد أن ينبني على استكشاف المنطق الجدلي المادي والروحاني. وبالتالي، فلابد من إخضاع التراث لقراءة تاريخية واقعية اجتماعية جدلية قائمة على الحركة ، وفرز التناقضات الكمية والكيفية، وإبراز وحدة التناقضات ، ورصد الصراعات الذاتية والموضوعية واقعيا واجتماعيا. وفي هذا السياق يقول عبابو:" فحركة الجدل الإبداعية المطورة وظيفتها العميقة عبر شبكة الربط الإبداعية الجدلية ( عملية التواصل مع الجمهور) هي التوجيه الفني الإيجابي الخلاق للفعل الإنساني المنتج عبر جدلية عقل الإنسان وروحه وارتباطهما بالواقع والتاريخ والذاكرة والتراث الإنساني.
ومن هنا، فعبابو يدعو إلى التعامل مع كل أنواع التراث سواء أكان محليا أم وطنيا أم عربيا أم غربيا أم شرقيا أم كونيا إنسانيا. وبالتالي، فرؤية عبابو إلى التراث رؤية جدلية تاريخية منفتحة وكونية. ولكن الآلية التي يشترطها عبابو للتعامل مع التراث الإنساني لابد أن تكون هي آلية الجدل والحركة والواقع والنفي والصراع والتناقض. ومن هنا، فالإخراج الجدلي يتعامل مع التراث بطريقة بعيدة عن الاستنساخ والتوظيف الاجتراري والإقحام المجاني، بل يستقرئ التراث عبر رؤية جدلية تطورية تاريخية تستكشف التناقضات الواقعية والاجتماعية والصراعات الجدلية ، وذلك لدفع المتلقي المتفرج لفهم تناقضات واقعه، وتشخيص سلبياته ، وحثه على تغييره وتثويره لصالح الإنسان المقهور طبقيا وسياسيا واجتماعيا وتاريخيا:" يتعامل الإخراج الجدلي مع التاريخ والتراث ، ويستحضر ظواهرهما جدليا في العملية الإبداعية ليس بهدف إعادة إنتاجها على شاكلة الانعكاس الشكلي، ولكن من منظور الكشف الفني العميق عن جوهر مكوناتها وتناقضاتها وعلائقها وسببيتها وحركيتها ومناحيها ، وخلق حركة جدل إبداعية مطورة من شأنها أن تدخل الجمهور حتما عبر شبكة الربط الإبداعية الجدلية في منطق جدل (تصادم فكري/ إيديولوجي) مع قوانين التاريخ ، وكيفية تجلي هذه القوانين في الواقع المعاش يصبح المتلقي هنا بفعل حركة الجدل الإبداعية المطورة هذه داخل تيار عملية تصارع داخلي تدريجية تضع أمامه على مستوى أول فهم ميكانيزمات واقعه طبقيا وفهم ما يعد به هذا الواقع، وعلى مستوى ثان حتمية الانخراط التدريجي أيضا في عملية تغيير هذا الواقع. فكلما كان الفعل كان الزمان والمكان.....انطلاقا من هذا ، فإن الإخراج الجدلي لا يمكن له أن يتعامل في إبداعاته مع عاملي الزمان والمكان إلا من المنظور الحقيقي لمنطقة التاريخ لكن بواسطة الإبداع الفني.
إذًا، ينظر الإخراج الجدلي عند عبد القادر أعبابو إلى الزمان والمكان والتاريخ والتراث من خلال منظور جدلي دينامي تاريخي متطور ، ويسعى إلى تحقيق التقدم والازدهار من خلال ربط المسرح بالشعب، والاعتماد على إبراز التناقضات الجدلية، وكشف الصراع الكمي والكيفي، وذلك عبر عمليات الخرق والتجاوز والتغيير والتثوير .