كمال السيد (1944 - 24 أكتوبر 2001)كمال السيد طالب السيد عليوي الحسيني، ملحن عراقي يعد من أهم الملحنيين العراقيين الذين أسسوا انعطافاً جديداً بالأغنية العراقية في مرحلة أطلق عليها " مرحلة السبعينيات " أو مرحلة " الأغنية السبعينية " غنى له أغلب المطربين العراقيين، وكان له الفضل في ظهور المطرب العراقي ياس خضر بعد أن كان مطرباً ريفياً، من خلال أغنية " المكير " التي لحنها السيد عام 1968. لم ينل الملحن كمال السيد حظه من الصحافة والاعلام، ولكن وبعد وفاته في المنفى حيث العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، كتب عنه الناقد العراقي حسين السكاف مقالاً مفصلاً يعد أول مقال يكتب عن هذا الملحن العراقي، وصار المقال الركيزة الأساس التي بنى عليها العديد من الكتاب والنقاد مقالاتهم في ما بعد، نشر المقال لأول مرة عام 2002 في " جريدة المؤتمر " العراقية المعارضة لنظام الحكم في العراق آنذاك، والتي كانت تصدر من لندن. نص المقال:
كمال السيد | |
---|---|
معلومات شخصية | |
تاريخ الميلاد | سنة 1944 |
تاريخ الوفاة | أكتوبر 24, 2001 |
الحياة العملية | |
المهنة | ملحن |
'''في الذكرى الثانية لرحيله... الملحن كمال السيد، رحلة موسيقية من حرمانه إلى منفاه'''
كتابة الناقد '''حسين السكاف'''
الكثير أسموه صاحب أغنية " المكير "، على الرغم من أن له أغاني لا تقل جمالاً وحلاوة عنها وربما تفوقها جمالاً. إنه الملحن العراقي الراحل كمال السيد، الذي غنى له أغلب المطربين العراقيين، فما من مطرب عراقي سمعه الجمهور باحترام، إلا ولكمال السيد حصة في بصوته، وما من مطرب أدى لحناً له إلا وزادت شعبيته، فأغاني السيد لها ميزة لم يعرفها المستمع العراقي من قبل، تكمن في طبيعة القصائد المختارة، فأغنية " ياريحان " للشاعر مظفر النواب وأداء المطرب فاضل عواد، هي ببساطة أغنية صورة شعرية لم تألفها أذن المستمع العراقي: " شكَد ندى نكَط ع الضلع.. ونسيت أكَلك يمتى.. شكَد راسقي ونيمته ".
هذه الصورة الشعرية وغيرها كأغنية " بين جرفين العيون " التي عرفناها بصوت المطرب سامي كمال: " بين جرفين العيون.. غركَت والروجة رمش.. تيهيتني وردت أكَلك.. هاك أخذ كَلبي وإمش ". هذه الصور دخلت أذهان العراقيين في الوقت الذي كانت معتادة على أغاني مثل " طالعه من بيت أبوها " و" يا طبيب صواب دلالي كلف " وغيرها، فلقد سجلت فترة نهاية الستينيات هذا التحول الكبير بصورة الأغنية العراقية الجديدة، من خلال ألحان كمال السيد وزميله الفنان كوكب حمزة، اللذان عرفتهما ساحة الأغنية العراقية منذ عام 1968، ليشكلوا نواة أهم مرحلة غنائية عرفتها ساحة الغناء العراقي إلى الآن. هذه الموجة للصورة الجديدة أثارت ردود أفعال لدى المستمع والمعني بالغناء على حد سواء. فهناك من رحب بها باعتبارها موجة تجديد تمنح حياة جديدة للأغنية التي قاربت على الاستهلاك، وهناك آخر اعتبرها انتهاكاً للروح الشعبية في الأغنية، التي تتميز بالبساطة والتلقائية وحتى السذاجة أحياناً. هوية الفنان هو الملحن كمال طالب عليوي الحسيني، ولد في مدينة الناصرية عام 1944. تخرج من معهد الفنون الجميلة ببغداد، قسم الموسيقى للعام 1964-1965، وكان من الأوائل على دفعته. تخصص بآلة العود بعد أن درس الموسيقى على كبار الموسيقيين العراقيين مثل الموسيقار جميل سليم وروحي الخماش. عمل بعد تخرجه، معلماً في مدارس مديرية تربية الناصرية لسنوات قليلة ليتحول فيما بعد إلى الإشراف التربوي على المدارس الابتدائية في مديرية تربية محافظة السماوة ثم بغداد. توفيت والدته وهو في عامه الأول، وبعد ذلك بفترة قصيرة تركه والده تحت رعاية جدته وسافر إلى البصرة للعمل في المقاولات الإنشائية، ليتزوج ويستقر هناك، فتولت جدته تربيته، وصارت بمثابة أم له. المكيَّر وأغاني أخرى عندما وضع كمال السيد جمله اللحنية على مقاطع قصيدة " المكيَّر " للشاعر زامل سعيد فتاح، وقف الكثير من أصدقائه وبعض أساتذته ومن بينهم الموسيقار جميل سليم موقف عدم الرضا، كان ذلك قبل تسجيلها، وعلى الأخص عندما عرفوا بأن المطرب ياس خضر ذا الصوت والأداء الريفيين هو الذي سوف يغنيها، ولكن كمال السيد أصر على تسجيل الأغنية وتقديمها للجمهور العراقي، فخرجت عام 1969 بصوت الفنان ياس خضر الذي كان في بداياته الغنائية كمطرب ريفي، كان يغني أغانيه البسيطة مثل " أبو زركة " و" الهدل "، ولكن " المكيَّر " فتحت له أفقاً جديداً، حيث وجد الناس أن الأغنية الحديثة تتسع له، كما فتحت آفاقاً لشهرة هذا المطرب الواعد، حيث كشف الملحن كمال السيد أجمل ما في صوته من إمكانات غنائية، مما دفع بقية الملحنين العراقيين إلى الإقبال بألحانهم إلى هذا المطرب بعد أن تعرفوا على ثراء وعمق صوته. قدم له الملحن طالب القره غولي أغنية " إعزاز " وبعد ذلك أغنية " البنفسج ". حصل الملحن كمال السيد على مبلغ أربعة دنانير وعلى مثلها حصل الشاعر زامل سعيد فتاح كأجور فنية عن أغنية " المكيَّر " التي أصبحت لا تقدر بثمن. وإذا كان لأغنية " المكيَّر " حلاوتها وتأثيرها الخاص على الأذن العراقية، فهناك أخرى أغاني خرجت من جعبة الملحن كمال السيد لا تقل حلاوة وأهمية في تاريخ الأغنية العراقية، مثل أغنية " كون السلف ينشال " التي سمعناها مطلع السبعينيات بصوت المطرب حسين نعمة. بالإضافة إلى أن أرشيف الأغنية العراقية يحتفظ بالكثير من الأغاني لهذا الملحن مثل " كصت المودة " للمطربة أنوار عبد الوهاب و" حبنه حبيبي لولاه " لعارف محسن وأديبة وأغنية " يا غريب الدار " و" سلمت وإنت ما رديت السلام " للمطرب قحطان العطار، وللمطرب الراحل صباح السهل أغنية " العشك مو بالشكل "، وللمطربة غادة سالم أغنية " هنيالك "، أما أغنية " تُمُرْ بيه " فلقد غناها المطربان سالم رمضان ومرتضى العراقي الذي غنى بعد ذلك أغنية " ألف مرحب " وأغنية " ليش حبينة " التي عرفها الجمهور العراقي في فترة السبعينيات بصوت المطرب فتاح حمدان، أما المطرب حميد منصور فقد غنى للملحن كمال السيد العديد من الأغاني نذكر منها أغنية " نجمة حبيبي " وهي أغنية مبنية على تركيبة شعر الأبوذية في مقاطعها الغنائية، وأغنية " مثل الحدايق " و" قالت لي الشموع "، أما سعدون جابر فقد غنى أغنية " يا أهيف الطول " التي وضع كمال السيد ألحانها منتصف السبعينيات. في عام 1974 قدم الملحن كمال السيد صوتاً غنائياً جديداً إلى المستمع العراقي من خلال أغنية " مدللين " من كلمات الشاعر إسماعيل محمد إسماعيل، كان اسم هذا المطرب سامي مناتي، الذي غيره إلى سامي كمال حباً وولاءً لأستاذه الملحن. توالت ألحان كمال السيد لصوت هذا المطرب، حيث غنى سامي العديد من ألحان السيد مثل أغنية " أحبه وأريده " للشاعر كاظم إسماعيل كاطع و" الحب ضاع " كلمات كريم العراقي، وأغنية " بين جرفين العيون " من كلمات الشاعر مهدي عبود السوداني، هذه الأغنية بصورتها الشعرية الدافئة وبالأخص الكوبيليه الأول منها الذي يقول: (يا البريسم شرد أعاتب.. شرد أعاتب يا البريسم.. وإنت تسبقني بعتابك يا البريسم.. وأنسى كل ما أرد أقلك يا البريسم.. من كثر هم الليالي.. ذوبت حتى الليالي) أثرت بشكل ملحوظ على مطرب شاب كان اسمه (حسن غضيب) ليغيره إلى " حسن بريسم " ليكون هذا الاسم أشهر الأسماء الغنائية العراقية في وقتنا الراهن. منذ ذلك الحين حتى السنوات الأخيرة من حياة الفنان الراحل كمال السيد، لم يفترق المطرب سامي كمال عن أستاذه الملحن، حيث شاركه ترحال المنافي بعد الهجمة البربرية التي شنها نظام الدكتاتور الزائل على مثقفي ومبدعي العراق نهاية السبعينيات. فرق المنفى الغنائية كانت اليمن الديمقراطية هي محطة المنفى الأولى لهذا الفنان وآخرين غيره، حيث عمل كمال السيد في مجال التعليم كأستاذ للموسيقى في معهد الفنون الجميلة هناك، وهناك شارك زميله الملحن حميد البصري في تأسيس " فرقة الطريق الغنائية " التي ضمت بالإضافة إلى السيد واليصري، المطرب سامي كمال وجعفر حسن وعازف الإيقاع حمودي عزيز والمطربة شوقية، عملت هذه الفرقة عدة سنوات في اليمن بطابعها الحيوي المعروف، حيث أغناها كمال السيد بألحانه الرائعة. غادر كمال السيد اليمن بعد أن قضى عدة سنوات فيها إلى سوريا، وهناك أسس كمال السيد مع زميل منفاه الفنان كوكب حمزة " فرقة بابل الغنائية " عام 1983 وبالاشتراك مع المطربين فلاح صبار، سامي كمال وسالم البهادلي، وعازف الإيقاع حمودي عزيز، ثم انضم إليهم صوتان نسائيان وهما حنان وشقيقتها جنان سامي كمال. لقد كانتا " فرقة الطريق " وفرقة " بابل " الصوت الحقيقي للإنسان العراقي المنفي، حيث كانت الأغنية الوطنية والتراثية تشكل المصدر الروحي الملهم لهاتين الفرقتين. قدم كمال السيد عشرات الألحان لهاتين الفرقتين نذكر منها أغنية " مضايف هيل " للشاعر مظفر النواب، وأغنية " هلاهل " بصوت المطرب فلاح صار، والأغنية الشهيرة " ويها يا أهلنا " والتي تقول في مستهلها: ويها يا أهلنا واحنه منها وبيها.. بغداد شمعة ولا هوه ايطفيها. أغاني الأطفال كان كمال السيد قليل الكلام غزير الألحان سريع البديهة محب للنكتة، وكان كثير الدموع حين يستعيد تعاسة حياته الخاصة، كان لفقدانه المبكر لوالدته الأثر الكبير في حياته، حيث ضل يبحث عنها في وجوه النساء وأحضانهن، وربما يكون هذا هو السبب المباشر في تعدد زيجاته. حدثني في إحدى لقاءاتنا بعد أن سألته عن ظاهر ولعه وحبه للأطفال، وشغفه بعالمهم، قائلاً: " أنا لم أعيش طفولتي كما ينبغي أو كما عاشها أقراني، فلقد كانت طفولتي مأساة حقيقية، ولذا أخذت على نفسي عهداً وأنا في مرحلة الشباب، بأن لا أحرم أي من أطفالي حنين والديه، ولكني نكثت بعهدي هذا مجبراً تحت وطأة ظلم الدكتاتور والسياسيين وعنجهية النساء ". من هنا نستطيع أن نخمن السبب الحقيقي الذي حدا بالفنان كمال السيد إلى أن يلحن عشرات الأغاني للأطفال، والتي تعد من أجمل ما لحن للطفل، ولكن وللأسف لم يتم تسجيلها أو إذاعتها من قبل وسائل الإعلام، ولكننا نستطيع القول بأن مكتبة الطفل العراقي الغنائية على موعد مع أجمل الأغاني حين يتسنى لنا أن نعود إلى الوطن، فأصدقاء ومحبو هذا الفنان الكبير وأنا منهم، نحتفظ بهذه الأغاني، وسوف نقدمها هدية إلى الطفل العراقي من رجل مبدع كان للطفل حيز كبير في حياته. في كل بلد يحل فيه كمال السيد ضيفاً (لاجئاً) كان يسعى لتشكيل نواة لفرقة أطفال، كان أهمها الفرقة التي شكلها في سوريا والدانمارك، حيث ضل كمال السيد يدرب الأطفال على الموسيقى والغناء سنوات عديدة. من أغانيه الجميلة التي لحنها للأطفال أغنية " أجمل وطن " و" يا بلبل الصباح " و" يا بنيات المحلة " و" ما أبسط الحياة " و" يمه يا يمة " و" قلم التلوين " والأغنية الرائعة " محروس يا عراقنا " وغيرها الكثير. أغاني بطعم العراق من المهم أن نذكر في حديثنا عن الملحن كمال السيد أغنية " هي ولك يا بلام " التي غناها المطرب حسين نعمة، والتي قال عنها الملحن المبدع كوكب حمزة: " إن هذه الأغنية من أهم الأغاني العراقية، لأنها تكشف لنا الجرأة الكبيرة التي يحملها ملحن الأغنية، والتركيبة الخاصة لها، حيث شملت الكورال والوقفات الموسيقية الدقيقة، والمهارة الفائقة التي أبداها الملحن كمال السيد في الانتقال من (كوبليه) إلى أخر وبالتالي الانتقال من نغم إلى لآخر ". تعمق إحساس الملحن كمال السيد في غربته التي نحتت في ذاكرته صورة العراق وهو بعيداً عنه جغرافياً، فأبدع ألحاناً تعد صوراً حقيقيةً لغربة العراق التي عاشها تحت وطأة حكم الدكتاتور، فسمعنا منه أغنية " كل سنة وإنت طيب يا وطني الحزين " و" يا غريب الدار " بصوت المطرب قحطان العطار، وأغنية " أبو المواني " بصوت المجموعة، وهي أغنية جميلة جداً تمتزج فيها روح التراث العراقي وحلاوة الأغنية الحديثة، وأغنية " ترافة وليل " من كلمات الشاعر مظفر النواب، والكثير من الأغاني التي كان يؤديها كمال السيد بصوته في الحفلات العراقية التي كانت تقام في بلدان المنافي. في الثاني عشر من تشرين الأول عام 2001، نُقل كمال السيد من داره التي كان يقيم فيها مع آخر زوجاته السيدة إيمان عبد الجبار الجزائري وولده " كيم الحسين " إلى إحدى مستشفيات كوبنهاغن، على أثر مرض عضال لم يمهله كثيراً، ففاضت روحه العاشقة للعراق في يوم الرابع والعشرين من الشهر نفسه، ودفن في المقبرة الإسلامية التابعة للعاصمة، حيث تجمع أصدقائه ومحبوه من العراقيين والعرب والدانماركيين، وكانت مراسيم دفنه تليق برجل خدم الفن العراقي قرابة الأربعين عام. وهنا أختتم سيرة حياة هذا الفنان بأغنية من أغانيه أو " بحرح من جروحه ": بغداد ما تموت... مثل العشق والشمس... ما تموت... مثل الفرات، وبكل مساره ايفوت... ما يموت... بغداد حبنه، شلون حبنه ايموت؟
حسين السكاف - كاتب وناقد فني عراقي مقيم في الدنمارك