محمد أغ كاوصن هو أحد قادة مقاومة الطوارق للاستعمار الفرنسي في النيجر منذ عام 1916 م , وشارك السنوسية أيضا في قتال إيطاليا , واستمر محمد أغ كاوصن مقاوما ومجاهدا حتى استشهد على يد محمد العياط في 1919 م .
نشأته
ولد المجاهد الطارقي محمد أغ كاوصن في بلدة مرقو عام 1880 م وينتمي إلى قبيلة " إيكزكزن " إحدى القبائل الشريفة في سلطنة والليمدن وإليها تنتمي رئاستها , قاد حركة الجهاد ضد فرنسا في النيجر في الحرب العالمية الأولى , و أبلى بلاء عظيما , وقد عاش هذا القائد الطارقي أحداث الجهاد منذ اصطدام طوارق شمال النيجر ضد فرنسا 1901 م , وهاجر ضمن قبائل الطوارق نحو الشرق , حيث استقرو " بقورو " .[1]
انضمام كاوصن للجهاد والطريقة السنوسية
انضم كاوصن للطريقة السنوسية , وكان ضمن المجاهدين في هجومهم على " وشنكال " في نوفمبر في عين " كلكا " , وكان من ضمن المستولين على الموقع الفرنسي التابع لسرية الهجانة في كانم بقيادة الملازم " موتوت " .[1] وقد أعجب به أحمد الشريف وأسند إليه قيادة " عين إيدي " , وانطلق مجاهدا , فأغار على بيسكري عام 1910 م , وضغطت عليه القوات الفرنسية , فلجأ إلى دارفور حيث " سلطنة علي دينار " , ثم رجع إلى " أوتياكا " , والتحق بالشيخ محمد السني في سبتمبر 1911 م , ثم سافر إلى لاي يروكو و واداي , ووضع نفسه تحت قيادة القائمقام العثماني في " عين كلكا " أكتوبر 1911 م .[2]
معركة أم العظام 1913 م
وفي 23 مايو 1913 م شارك كاوصن في معركة أم العظام ضد فرنسا , ولم يتمكن المجاهدون من النصر واستشهد القائد عبد الله الطوير الزوي أثناء المعركة , وبعدها انتقل كاوصن إلى فزان , وشارك في جهاد أهل الجنوب ضد إيطاليا .[2]
رجوع كاوصن لتحرير شمال النيجر من الاستعمار الفرنسي
رجع كاوصن على رأس مجموعة من المجاهدين لتحرير شمال النيجر وطرد الفرنسيين منه , وراسل كاوصن سلاطين طوارق والليمدن , وآيير , ومشائخ قبيلته يطلب منهم إعلان الجهاد المقدس ضد الكفار , ويعدهم بالنصر ويبلغهم أن الألمان سيلاقونهم في نيجيريا .[2] يقول ساليفو (( ولكن كاوصن كان قد بدأ فعلا في مراسلة مختلف زعماء الطوارق في آيير وخاصة سلطان " أقدز " و " تاقامه " صديقه عن طريق مراسلات سرية منتظمة )) .[3] ويقول ساليفو أيضا : (( ومن ناحية أخرى قام تاقامه بالاتصال مع عدد من زعماء القبائل طالبا مساعدتهم في المعركة المرتقبة ضد الكفار , فلبت قبائل : إيكزكزن , إفدين , كل أغاروس , كل فروان , نداء تاقامه على الفور , كما ردت قبائل : المشكرة , تكريكريت , والليمدن في منطقة طاوه بالموافقة على نداء سلطان أقدز , فجاءت هذه القبائل واستقرت في المدينة مع العائلات و المواشي ... )) .[4] وفي سرية تامة انطلقت كتائب المجاهدين التي يقودها محمد أغ كاوصن القائد الطارقي باتجاه أقدز في أواخر فصل الخريف من عام 1916 م , متجنبين حر الصحراء وحاجة المسافرين للماء , وفي مساء ليلة 12 – 13 ديسمبر كان المجاهدون يطوقون أقدز وقد قبضوا في تلك الليلة على مجموعة من المشبوهين ومن لهم علاقة بالفرنسيين , مثل : مترجم المركز الفرنسي , وتاجر تونسي يدعي بأنه يتعامل مع الفرنسيين في التجارة , كما تم القبض على شخص أمريكي تابع لجمعيات تنصيرية .[5] وقسم المجاهدون قواتهم إلى مجموعتين :
- المجموعة الأولى بقيادة محمد أغ كاوصن .
- المجموعة الثانية بقيادة أغالي من قبيلة إيكزكزن .[5]
وبدأ المجاهدون في قصف المركز الفرنسي صباح يوم الخميس 13 ديسمبر لإجباره على الاستسلام , وفي 18 ديسمبر سقطت أربعون قذيفة على المركز , وألحقت به أضرارا بالغة , وكان محمد أغ كاوصن يدير المعركة بمهارة فائقة , وقدرة رائعة , ويشرف على سير المعركة , واستطاع المجاهدون أن يستولوا على المدينة , وتحصلوا على غنائم ولم يبق إلا المركز المحاصر الذي تخندق الفرنسيون داخله حيث تموينهم , وسلاحهم , وذخائرهم , وبدأ المجاهدون يرسلون الدوريات إلى المناطق المجاورة , وإلى تقاطع الطرق المؤدية إلى أقدز , وفي يوم 26 ديسمبر 1916 م , اصطدمت قوة من المجاهدين , بمجموعة فرنسية بقيادة الملازم سودان قادمة من زندر وأبادتها وقتلت الملازم سودان .[6]
معركة " تين تبوراق " 28 ديسمبر 1916 م
علم المجاهدون بقدوم قوة للمستعمر الفرنسي تحمي قافلة الملح القادمة من بلما , فخصص كاوصن قسما من جماعته لحصار المركز , وانسحب بمن معه لملاقاة القافلة , ونصب لها كمينا في منطقة " تين تبوراق " يوم 27 ديسمبر 1916 م .[6] يقول النقيب " سباتي " بتاريخ 28 ديسمبر عام 1916م : (( إن إطلاق النار قد سمع من بعيد في حوالي الساعة 17 من جهة الشرق , وبما أن الوقت متأخر فإنني لم أعين مجموعة للقيام بالاستطلاع في تلك الجهة , وكان ذلك خسارة للفرنسيين , لأنها كانت معركة " تين تبوارق " الشهيرة التي لا تنسى )) .[7] وقد استطاع المجاهدون تحقيق نصر ساحق ضد القوة الفرنسية في حصار معركة تين تبوراق : ( ستين من رجال الهجانة التابعين للفصيل المتنقل قد لقوا حتفهم فلقي الملازم " ديفو " والطبيب العسكري " رينود " والعريف " مريل " والعريف " قازلان " نفس المصير ) .[8] كما أسر المجاهدون ستة أسرى , وستة من سكان المنطقة المجندين مع الفرنسيين وأعدموهم . يقول كافيو : (( ولكن من الناحية المعنوية فإن الهيبة التي أحرزها كاوصن من هذه الضربة كانت واضحة , فانتشرت أخبار الانتصار بسرعة )) .[9] ويقول ساليفو : (( وفي 28 ديسمبر في أثناء الليل زمجرت الطبول المعلنة للاحتفالات في مدينة أقدز , وكان المجاهدون الطوارق يحتفلون بانتصارهم الساحق ضد الرجال البيض الكفار )) .[10]
انحسار قوات الاستعمار الفرنسي
يقول ساليفو : (( وهكذا إذن لم يكن أي فصيل من الهجانة في كل أنحاء إقليم النيجر مستعدا للذهاب إلى أقدز , فما العمل ؟ هل يطلب من فصائل السودان الفرنسي التدخل , وعلى الأخص من فصائل كيدال و تينبكتو التي كانت قريبة أكثر من غيرها ؟ ولكن وبدون شك فإن القدر قد ساعد جماعة كاوصن ؛ لأنه في الواقع إذا كانت فصائل الهجانة مشغولة هنا في أي مكان من النيجر فإن هجانة كيدال قد انطلقوا لتوهم في مطاردة غزوة عبر الصحراء )) .[11] ويقول ساليفو نقلا عن المصادر الفرنسية : (( فلا فائدة أيضا من النظر إلى إقليم الجنوب الجزائري , فقد تم إخلاء حصن ( بولينياك ) وهوجم حصن ( موتيلانسكي ) .[11]
موقف الأروبيين من انتصارات كاوصن
كان الموقف الأوروبي هو الذي استهدفته مسألة ( كاوصن ) وهددته في وسط أفريقيا , ألم يكن كاوصن لديه مشروع التوغل في بلاد الهوسا ؟ وحينئذ تضامن الفرنسيون و الإنجليز الذين كانوا قبل سنوات يتنافسون على هذه الأراضي التي لا يفصل بينها إلا خط وهمي يمر من ساي – بارو – فحاولوا نسيان منازعتهم القديمة لمواجهة عدوهم المشترك .[12] وهكذا توحدت جهود فرنسا و بريطانيا , وعملاء المنطقة على محاربة المجاهدين , وعلى رأسهم كاوصن .[13]
المواجهات بين كاوصن والأروبيين
اندلعت معارك ضارية بين القوات الأوروبية , وقوات المجاهدين وكانت الغلبة للقوة التي ملكها الأوروبيون , وقد أتعب كاوصن الفرنسيين فيها , وقد أبلى بلاء حسنا .[14]
استشهاد كاوصن
كانت وفاة كاوصن في ليبيا حيث تعرض لكمين من بعض القبائل التي كانت تكن له الكراهة والبغض نتيجة لسوء تفاهم بينهم , فعندما مر بحطية أم العظام في جنوب ليبيا بمنطقة فزان هاجمه مجموعة من الرجال , فأمر مجموعته بعدم إطلاق النار قائلا : (( هؤلاء لا بد مسلمون جهلونا , فالفرنسيون بعيدون من هنا وكذلك الطليان )) . وتقدم ليوضح لهم فقبضوا عليه , وضربه رجل اسمه العياط بالسوط فقال كاوصن مخاطبا العياط : (( أنا كاوصن لا أضرب بالسوط اضربني بالرصاص )) فأخذوه حيث أمروه بحفر قبره بيده وقتلوه بعد أن صلى ركعتين في 5 يناير 1919 م .[14] وهكذا انتهت حياة هذا المجاهد العظيم على يد أحمد العياط الذي قتل عام 1924 م على يد أحد المجاهدين بالحمادة الحمراء وهو يقاتل مع الطليان .[15]
مراجع
- الثمار الزكية للحركة السنوسية في ليبيا الجزء الأول , تأليف علي محمد محمد الصلابي , ص 276 , ص 277
- جهاد الليبيين ضد فرنسا , ص 157
- الثورة السنوسية , ص 68
- الثورة السنوسية , ص 70
- جهاد الليبيين ضد فرنسا , ص 159
- جهاد الليبيين ضد فرنسا , ص 160
- الثورة السنوسية , ص 82
- الثورة السنوسية , ص 85
- جهاد الليبيين ضد فرنسا , ص 161
- الثورة السنوسية , ص 86
- الثورة السنوسية , ص 91
- الثورة السنوسية , ص 92
- جهاد الليبيين ضد فرنسا , ص 165
- جهاد الليبيين ضد فرنسا , ص ( 165 إلى 180 )
- جهاد الليبيين ضد فرنسا , ص 176