مقاومة الطوارق للاستعمار الفرنسي هي سلسلة من عشرات المعارك التي حدثت بين القوات الاستعمارية الفرنسية وسلطنات الطوارق التي تتكون من اتحاد قبائل، أو بين القوات الفرنسية وقبائل طارقية منفردة، وكانت أولى هذه المعارك عام 1881م واستمرت حتى عام 1923م.
مع أنه لم يكن هناك اتحاد قوي بين قبائل الطوارق، وكان من المألوف قيام غزوات بين السلطنات الطارقية نفسها كتلك التي حدثت بين كل آهقار وكل آجر بين عامي 1875 م و 1878 م، إلا أنه لم تسيطر أي قوة خارجية على موطن الطوارق قبل الاستعمار الفرنسي، ولم يواجه الفرنسيون حينما سعوا أول مرة لتوسيع امبراطوريتهم الاستعمارية مملكة طارقية متحدة تمتد من أزواد إلى جنوب غرب ليبيا، غير أن قبائل الطوارق منفردة أظهرت قدرات تنظيم ومهارات عسكرية فائقة في إلحاق الهزيمة بالحملات العسكرية الفرنسية التي غزت أراضيهم خلال القرن التاسع عشر، وبالرغم من أن الفرنسيين احتلوا مدينة الجزائر عام 1830 م، وأعلنوا شمال الجزائر جزءا لا يتجزأ من فرنسا 1848 م، فإنهم لم يتمكنوا قبل 1902 م من إلحاق هزيمة عسكرية مهمة بقبائل الطوارق، ولم يتمكن الفرنسيون حتى العشرينات من القرن الماضي من السيطرة الكاملة على المناطق الصحراوية [1]، وقد كتب كاتب فرنسي معاصر لفترة المواجهات بين الطوارق والاستعمار الفرنسي في أوائل القرن العشرين، يقول : أن فرنسا تتساءل ماذا يريد هذا الشعب ؟ الذي يحاربها في كل مكان .[2]
مقاومة الطوارق للاستعمار الفرنسي
تاريخ الطوارق | |
---|---|
هذه المقالة جزء من سلسلة | |
ما قبل التاريخ | |
التاريخ الإسلامي | |
(الفرع الثاني لدولة المرابطين) 580 - 633 هـ / 1184 - 1235 م | |
التاريخ الحديث | |
| |
موسوعة الطوارق |
في الجزائر
قاوم الطوارق الاستعمار الفرنسي بقيادة الشيخ آمود أغ المختار في الصحراء الجزائرية منذ دخوله إياها [3]، وكان أول احتكاك للطوارق مع الاستعمار الفرنسي سنة 1881 م بجملة من معارك أهمها معركة بـ "بئر الغرامة" التي قتل فيها الكوماندان الفرنسي " فلاترس " [4]، وقد أثر مقتله على نفوس القادة الفرنسيين الذين لم يعودوا للمنطقة إلا سنة 1889 م.[4]، وقد نشبت بعد ذلك معارك بين الطوارق والاستعمار الفرنسي، من أهمها: معركة إليزي سنة 1904، و معركة جانت سنة 1909 م.[4] وبعد احتلال الفرنسيين لتمنراست سنة 1911، جرت معارك أخرى بين الاستعمار الفرنسي والطوارق، منها: معركة إيسين سنة 1913 [3]، و معارك أخرى في عين صالح وتمنراست وعين إيمجن سنة 1916، واستمرت مقاومة الطوارق في الصحراء الجزائرية إلى غاية 1923 [5]، وأمام الزحف الـمتواصل للجيش الفرنسي الـمدجج بالأسلحة الحديثة، والإمدادات الكبيرة أجبر المجاهدون الطوارق بقيادة الشيخ آمود أغ المختار على مغادرة الـمنطقة إلى منطقة فزان بليبيا في 1923، ليستقروا بها إلى جانب المجاهدين الليبيين، إلى أن توفي قائد المقاومة الطارقية الشيخ آمود أغ المختار سنة 1928.[5]
في أزواد
قاوم الطوارق الاستعمار الفرنسي في أزواد، ففي معركة تيكابراتير في 28 من رجب عام 1893 م ضد أوب الضابط الفرنسي حيث تمكن الطوارق من القضاء على كتيبته المسلحة تسليحا جيدا عصريا بالسيوف والرماح.[6] كما تمكن قائد قوات تين جَريجيف محمد أغ أواب في تين بيلا صبيحة السبت 15 من يناير فاتح 1894 م من إلحاق الهزيمة بكوماندا جوفر، ولم يستطع كوماندا جوفر التحرك حتى أسند ظهره إلى بعض الخونة من الطوارق، مثل: سيدي زي، وهو الذي فتح الطريق أمام كوماندا جوفر في معركته مع طوارق إمضْريرِتِن على مشارف ياكوتي آخر ذلك الشهر.[6] بعد ذلك كانت تضحية تين جريجيرف في معركة إين أوَرْوَر في 23 من مارس 1894 م، وبعد استيلاء كوماندا جوفر على مقاطعة قوندام لم يمارس أسلوب الحكمة بل فعل جيشه من سوق المواشي وحرق المكاتب العلمية ما لا يعد و لا يحصى. والعنف لا يوقف همم الأحرار فكان أمام الاحتلال الفرنسي للشعب الطارقي عقبات كثيرة من معارك خلال عشر سنوات، ومن أمهات هذه المعارك بعد معركة إين أوَرْوَر: معركتا كيوي و أجر بين المستعمر و كل الحرمة، ومعركة تاتهاست، ومعركة مزقرمة، ومعركة أغ إينَمارا وغيرها.[6] ودامت المعارك الطاحنة ضد الاستعمار بقيادة فيهرون أغ الأنصار إلى معركة أزَرْبوك عام 1903 م حيث تغلبت فرنسا بأسلحتها الأوتوماتيكية الجديدة على الطوارق بسيوفهم ورماحهم وذلك بمساندة الخونة من زعماء الإقليم، ولكن مقاومة الطوارق لم تهدأ ولم تنم وكبدهم فيهرون أغ الأنصار خسائر من هنا وهناك إلى أن توفي عام 1916 م، ونهج ألا أغ البشير منهجه في مقاومة الاستعمار وآخرون غيره.[6]
في النيجر
قاد محمد أغ كاوصن مقاومة الطوارق للاستعمار الفرنسي في النيجر، فبدأ بمراسلة مختلف زعماء الطوارق في آيير وخاصة سلطان " أقدز " و " تاقامه " عن طريق مراسلات سرية منتظمة [7]، فقام تاقامه بالاتصال مع عدد من زعماء قبائل الطوارق طالبا مساعدتهم في المعركة المرتقبة التي يستعد المجاهدون الطوارق لخوضها ضد الاستعمار الفرنسي، فلبت قبائل: إيكزكزن، إفدين، كل أغاروس، كل فروان، نداء تاقامه على الفور، كما ردت قبائل : المشكرة، تكريكريت، والليمدن في منطقة طاوة بالموافقة على نداء سلطان أقدز [8]، وفي سرية تامة انطلقت كتائب المجاهدين الطوارق التي يقودها محمد أغ كاوصن باتجاه أقدز في أواخر فصل الخريف من عام 1916 م [9]، وقد تمكن المجاهدون الطوارق من تحرير مدينة أقدز، ولم يبق إلا مركز محاصر تخندق الفرنسيون داخله حيث تموينهم، وسلاحهم، وذخائرهم [10]، وقد علم المجاهدون الطوارق بقدوم قوة فرنسية تحمي قافلة الملح القادمة من بلما، فخصص كاوصن قسما من جماعته لحصار المركز، وانسحب بمن معه لملاقاة القافلة، ونصب لها كمينا في منطقة " تين تبوراق " يوم 27 ديسمبر 1916 م [10] , وقد استطاع المجاهدون الطوارق تحقيق نصر ساحق ضد القوة الفرنسية في حصار معركة تين تبوراق .[11] وهكذا سيطر المجاهدون الطوارق على أقدز في ظل انشغال قوات المستعمر الفرنسي الأخرى، سواء التي في المناطق الأخرى في النيجر أو التي في أزواد، أو التي في الجزائر.[12] توحدت جهود فرنسا وبريطانيا، وعملاء المنطقة لمحاربة المجاهدين الطوارق، بعد الانتصارات التي حققوها في اقدز [13]، وقد اندلعت معارك ضارية بين القوات الأوروبية، وقوات المجاهدين الطوارق وكانت الغلبة للقوات التي ملكها الأوروبيون [14]، وكان استشهاد قائد المقاومة الطارقية محمد أغ كاوصن في ليبيا على يد أحمد العياط الخائن العميل لإيطاليا في 5 يناير 1919 م.[14][15]
في بوركينافاسو
قاد العالم الطارقي محمد أحمد أغ الجنيت ثورة للطوارق في بوركينافاسو ضد الاستعمار الفرنسي في عام 1916 م [2]، وكانت بالتنسيق مع ثورة فيهرون أغ الأنصار في أزواد.[16]
في ليبيا
لعب أخنوخن زعيم آزجر وشيخ قبيلة إمنغساتن في القرن التاسع عشر، دورا رئيسا في صد الغزوات الفرنسية التي كانت تستهدف التوغل في الصحراء الكبرى والسيطرة على تجارة القوافل.[17]
دعم الطوارق للثورة الجزائرية
دعم الطوارق في صحراء الشمال ثوار الجزائر بالبعائر والأصواف ومشتقات الألبان برغم محن الجفاف التي توالت على هذه الصحراء بسبب كارثة التفجير النووي الفرنسي بالذات. كما لم يبخل أهل صحراء آضاغ، في ما يسمى تاليا بدولة مالي، بالأبقار وكذلك فعل أهل آير أو ما يعرف اليوم بالنيجر. فعلوا ذلك وعيا عميقا بمصير المنطقة المشترك، وببلية الاستعمار المشتركة. فكيف كوفئ هؤلاء من قبل السلطات الجزائرية بعد الاستقلال؟.[18] كان أول ما فعله أول رئيس لهذه الدولة عام 1963 م هو القيام بتسليم زعماء هذه القبائل المناضلة ضد فرنسا الاستعمارية في منطقة تينبكتو إلى رئيس مالي موديبو كيتا الذي حكم عليهم بالإعدام دون محاكمة. وكان بإمكان هذا الحكم الجائر أن يوضع موضع التنفيذ لولا تدخل جمال عبد الناصر آنذاك.[19] ولم يكتف أول رئيس للدولة الجديدة بهذا العمل اللا أخلافي، ولكننا نجده بعد سنوات طويلة يبرر هذا الموقف (بل وموقفه من قضايا الطوارق عموما) بالقول في مقابلة تلفزيونية أنه فعل ذلك لأنهم عنصريون (دون أن يسوق بالطبع دليلا واحدا على هذه التهمة الشنيعة)!.[19] أما التآمر على هوية الطوارق، وعمل كل ما من شأنه قطع لسان هذه الأقلية التي استجارت بأقسى صحراء في الدنيا في سبيل حريتها فحسب، فهو مسلك توارثه السادة الذين تتابعوا على حكم هذه البلاد حتى صار تقليدا.[19] وأما بوتفليقة الذي يقبع في كرسي حكم هذه البلاد اليوم فقد فعل كل ما بوسعه في سبيل إجهاض ثورات هذه الأمة في كل من مالي والنيجر، برغم أن الطوارق في ما يعرف اليوم بشمال مالي هم من آوى هذا الرجل إبان حرب التحرير إلى حد لقب فيه باسم "المالي" الذي يجري على لسان كل من عرفه قديما. والواقع أنهم لم يأووه من خوف ولم يطعموه من جوع فحسب، ولكنهم نصبوه مندوبا للثوار مسؤولا عن التبرعات في كل المنطقة.[20]
مراجع
- التينبكتي:الطوارق عائدون لنثور، ص 42، ص 43، منشورات منظمة تاماينوت.
- علي الأنصاري: الطوارق 2 الساحل المخيف، ص 30.
- Musee virtuel
- دار الثقافة مفدي زكرياء - تصفح: نسخة محفوظة 11 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.
- سيدي عيسى - تصفح: نسخة محفوظة 05 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.
- مقاومة الطوارق للمستعمر الفرنسي - كلمة المؤرخ الأزوادي الشيخ أبو بكر أغ ايدول - تصفح: نسخة محفوظة 15 ديسمبر 2015 على موقع واي باك مشين.
- الثورة السنوسية، ص 68.
- الثورة السنوسية، ص 70.
- جهاد الليبيين ضد فرنسا، ص 159.
- جهاد الليبيين ضد فرنسا، ص 160.
- الثورة السنوسية، ص 85.
- الثورة السنوسية، ص 91.
- جهاد الليبيين ضد فرنسا، ص 165.
- جهاد الليبيين ضد فرنسا، ص ( 165 إلى 180 ).
- جهاد الليبيين ضد فرنسا، ص 176.
- علي الأنصاري: الطوارق 2 الساحل المخيف، ص 29.
- إبراهيم الكوني: رواية التبر، ص 119، حاشية الصفحة، دار التنوير للطباعة والنشر، تاسيلي للنشر والإعلام.
- إبراهيم الكوني: عدوس السرى، جـ 1، ص 80، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، لبنان - بيروت.
- إبراهيم الكوني: عدوس السرى، جـ 1، ص 81.
- إبراهيم الكوني: عدوس السرى، جـ 1، ص 82.