يشير مصطلح مخنث (ثنائي الجنس) في التقاليد اليهودية إلى شخص يمتلك الخصائص الجنسية لكل من الذكور والإناث. يناقش الأدب العبري -بسبب الطبيعة الغامضة لجنس الفرد- النوع الاجتماعي (الجندر) للفرد والعواقب القانونية التي تنتج استنادًا إلى التصنيفات المحتملة للنوع الاجتماعي. يلعب النوع الاجتماعي دورًا رئيسيًا في الالتزامات القانونية في اليهودية التقليدية الملتزمة.[1]
الأساس البيولوجي
تتحدد الخواص الفيزيولوجية للجنين خلال عملية محددة أثناء تطور المضغة إلى جنين. يمكن القول إن الجنين يكون دون أعضاء تناسلية ذكرية أو أنثوية في وقت معين. وكنتيجة لإفراز الهرمونات في جزء واحد من الجنين والتعرف عليها في الجزء الآخر، يطوّر الجنين إما أعضاء تناسلية ذكرية، أو أعضاء تناسلية أنثوية. تحدث هذه العملية تقريبًا بعد شهر ونصف من الحمل بشكل منفصل تمامًا عن الجنس الجيني. يُحدد الجنس الجيني فقط من خلال وجود أو غياب الصبغي واي Y (وجوده = ذكر، غيابه = أنثى).
يمكن أن يحدث اختلاط (على الرغم من ندرة حدوثه)، نظرًا إلى أن هذين العاملين (إفراز الهرمونات والوجود الجيني للصبغي واي) يجتمعان لتحديد الجنس. قد تحدث هذه الحالة بعدد من الطرق المختلفة. إحدى الاحتمالات هي أن الذكر جينيًا لا ينتج التستوستيرون (أو بدلًا عن ذلك ينتج التستوستيرون ولكن لا يستشعره). ونتيجة لعدم استشعار الجنين للتستوستيرون، فإنه يتفاعل من خلال تكوين أعضاء تناسلية أنثوية، بالإضافة إلى الأعضاء التناسلية الذكرية الموجودة أصلًا. يمكن أن يحصل ذلك بطريقة أخرى، وهي أن يُنتج التستوستيرون، الذي يُنتج عادة من الخصيتين، في منطقة أخرى من الجسم، وبالتالي تتعرف الأنثى جينيًا عليه، وتولّد أعضاء تناسلية ذكرية إلى جانب الأعضاء التناسلية الأنثوية الموجودة أصلًا.
ومن المهم مرة أخرى الإشارة إلى أن وجود هذه الفئة ليس بسبب الشك في الجنس الوراثي للفرد، وإنما أيضًا بسبب الغموض حول الأعضاء التناسلية الجسدية.[2]
الفرق بينه وبين التُمتُم
يُشار بالمخنث في اليهودية -كما هو موضح أعلاه- إلى الشخص الذي يُبدي في الظاهر امتلاكه لكل من الأعضاء التناسلية الذكرية والأنثوية. وتوجد فئة منفصلة تدعى تُمتُم (بمعنى مخفي)، ويشرح ميمونيدس أن التُمتُم هو الفرد «الذي لا يمكن تمييز أعضاء تناسلية ذكرية ولا أنثوية عنده». وبهذا يكون التُمتُم هو العكس للمخنث، إذ يمتلك المخنث الأعضاء التناسلية الذكرية والأنثوية معًا، بينما لا يمكن رؤية أعضاء التُمتُم بوضوح. والأهم من ذلك هو أن التقاليد اليهودية لا تنظر للتُمتُم بنفس الطريقة التي تنظر بها للمخنث. في حين يُعترف بأن هوية المخنث غامضة، يُعلن عن امتلاك التُمتُم جنسًا محددًا، ولكنه ببساطة مخفي من الخارج. مع ذلك، واصلت السلطات القانونية في اليهودية مناقشة حالة التُمتُم بصورة أكثر من مناقشتها لحالة المخنث.[3][4]
المراجع الأولى في الأدب اليهودي
بالرغم من عدم ذكرها بشكل واضح في الكتاب المقدس العبري نفسه، فإن فكرة المخنث طُرحت في تكوين راباه، وهو تفسير يهودي للكتاب المقدس كُتب في وقت ما بين 300 و500 للميلاد. يؤكد المفسر أن الله خلق آدم كمخنث في قصة الخلق. وتابع ليقول إنه عندما خُلقت حواء لاحقًا من ضلعه، فصل الله بين الجنسين، وحدد آدم كذكر وحواء كأنثى. أصبح هذا التفسير -على الرغم من أن هناك اختلاف مع هذا النهج لتكوين راباه من قبل بعض المفسرين- نظرية معروفة ومحترمة ضمن تفسير الكتاب المقدس اليهودي. وكان المفسر المتعلم بشكل كبير راشي من الأمثلة البارزة كشخصية تبنت هذا النهج.[5][6]
الخطاب التلمودي والتصنيف النظري
كان الميشنا أول موضع جرى التوسع فيه عن طبيعة المخنث بشكل صريح، حيث يُنشئ مناقشة حول تصنيف الفرد كذكر أو أنثى. يناقش التلمود ذلك في المقام الأول بمكانين، هما نص بيكوريم، ونص يفاموت. يشير رأي في نص بيكوريم إلى أن المخنث يملك مقومات الذكر، ومقومات الإناث، ومقومات لكليهما، ومقومات لا لأي منهما. يصرّ الرأي الآخر على أن المخنث يتبع لجنسه الخاص، وهو فئة بحد ذاتها. يُجري يفاموت تحليلًا أطول بكثير، إذ يأخذ بعين الاعتبار مجموعة متنوعة من النُهج المختلفة في ضوء الآراء الموجودة في بيكوريم. تحدد الشخصيات التلمودية في هذه المناقشات أربع فئات نظرية يمكن أن يندرج المخنث تحتها:[7][8][9][10]
- جنس الفرد غير معروف، فقد يكونوا ذكورًا أو إناثًا، لكن هويتهم الحقيقية تظل موضع شك.
- ينتمون لجنسهم الخاص، وهي فئة منفصلة تمامًا عن جنس الذكور والإناث.
- يجمعون كلًا من الذكر والأنثى، أي أنهم موجودون كشخص من كلا الجنسين في وقت واحد.
- يُعتبرون ذكورًا لامتلاكهم الخصائص الجنسية للذكور، وبالتالي ينتمون لجنس الذكور.
هناك التزامات قانونية محددة في القانون اليهودي تختلف بين النساء والرجال، وبالتالي يعتبر النوع الاجتماعي جانبًا بالغ الأهمية لهوية الفرد.
التصنيف القانوني
تصنف أقلية من قضاة القانون اليهودي «بوزك» الأفرادَ المخنثين بشكل كامل كذكور عند تحديد النوع الاجتماعي القانوني للأفراد المخنثين. وبالتالي، سيكون الأفراد المخنثون ملزمين بالقانون بنفس الطريقة التي يلتزم بها الرجال. ومع ذلك، لا يحدد أغلب المفسرين التلموديين وقضاة القانون اليهود نوعًا اجتماعيًا ثابت للأفراد المخنثين، ويتركونهم بدلًا عن ذلك في حالة من الهوية المشكوك بها.[11]
يمكن أن يُصنف المخنث بشكل مختلف وفي حالات مختلفة بسبب هويته غير المؤكدة، فأحيانًا يُصنف ذكرًا، وأحيانًا أنثى، وأحيانا ذكرًا وأنثى بنفس الوقت، وأحيانًا ليس أي منهما. تجبر التداعيات القانونية لموقف كهذا الفردَ على الالتزام بالقانون اليهودي باعتباره ذكرًا وأنثى معًا.[12]
يجب أن يلتزم المخنث في الحالات التي يختلف فيها القانون بين الرجال والنساء بالخيار الأكثر صرامة. يجب على المخنثين، على سبيل المثال، الحفاظ على الالتزام بالشريعة الدنيوية ميتزفوت (الوصايا) الإيجابية محددة الأجل التي يجب على الرجال الالتزام بها، والتي تُعفى النساء من الالتزام بها.
يوافق على هذا المبدأ أولئك الذين يصنفون المخنث على أنه ذكر وأنثى معًا، على الرغم من اختلاف الممارسة في بعض الحالات. والفرق بين تصنيف الفرد المخنث على أنه ذكر فقط أو هوية مشكوك فيها سيظهر أيضًا في الحالة التي يتطلب فيها أداء إحدى الوصايا مباركة متزامنة. وإن الفرد المخنث لن يتلو المباركة، وفقًا لأولئك الذين يؤكدون أن جنس المخنث غامض. وذلك لأن الرجال وحدهم من يتلون هذه المباركة، وإذا لم يكن القارئ رجلًا، فإنه سيتلو المباركة دون جدوى. يمكن أن يتلو الأفراد من المخنثين المباركة كما يفعل أي ذكر آخر، وفقًا للآراء التي تؤكد أن هؤلاء الأفراد ذكور بالكامل.
جراحة إعادة تعيين النوع الاجتماعي
هناك جدال معاصر بين قضاة الهالاتشا المتجددين (القانون اليهودي) المحيطين بالإجراءات المناسبة للشخص الذي يُظهر كل الخصائص الجنسية. كتب الحاخام مويش ستيرنبك (1926 –) أن الشخص الذي يمتلك أعضاء تناسلية غامضة يجب أن يخضع دائمًا لعملية جراحية ليصبح ذكرًا. الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة هو إذا امتلك الفرد أعضاء تناسلية أنثوية واضحة مع بنى خارجية إضافية.
يؤكد الحاخام إليعازر فالدنبرغ (1915-2006)، مؤلف كتاب تزيتز إليعازر، أن النوع الاجتماعي يعتمد بشكل عام على التشريح الخارجي فحسب. وبالتالي، حتى لو امتلك الفرد صفات مميزة داخلية أو تشكلًا صبغيًا لجنس ما، فإن جنسه يتبع تشريحه الخارجي. وفي حالة المخنث الحقيقي، أي عندما يمتلك الفرد الأعضاء التناسلية لكلا الجنسين، الذكور والإناث، يجب أن يصبح الشخص ذكرًا.
ولأن الرجال ملزمون بأداء الوصايا أكثر من النساء، فإن تحول المخنث لذكر يسمح له بأداء ميتزفوت أكثر مما يمكن أن يؤديه فيما لو كان أنثى، وفقًا للحاخام فالدنبرغ. يسمح الحاخام فالدنبرغ -على عكس الحاخام مويش ستيرنبك- بأن يخضع الفرد المخنث، الذي يمكن أن يكون أنثى بحق بعد الجراحة (التي تحددها الفحوصات الطبية/الاختبارات الجينية)، للجراحة ليصبح أنثى من الخارج.[13]
المراجع
- Talmud, Tractate Kiddushin 33b.
- Fink, Dr. Andrew. "Tumtum and Androgynous". مؤرشف من الأصل في 23 أبريل 2019.
- Maimonides, Mishneh Torah, Hilchot Ishut 2:1.
- Talmud, Tractate Bechorot 42b.
- Rashi, Genesis 1:27, s.v. "זכר ונקבה ברא אותם".
- Genesis Rabbah 8:1.
- Mishna, Tractate Bikkurim 4:1-5.
- Talmud, Tractate Yevamot 82a-84a.
- Mishna, Tractate Bikkurim 4:1.
- Mishna, Tractate Bikkurim 4:5.
- Encyclopedia Talmudit, Volume 2, s.v. "אנדרוגינוס".
- Maimonides, Mishneh Torah, Hilchot Avodat Kochavim, 12:4.
- Cohen, Dr. Alfred (1999). "Tumtum and Androgynous". Journal of Halacha and Contemporary Society. مؤرشف من الأصل في 31 مايو 2019.