ولدت منظمة ثورة مصر في 1984، ودشنت وجودها بعملية الهجوم على زيفي كيدار أحد أعضاء الموساد عند خروجه من بيته في المعادي (يونيو 1984). وقد أصيب كيدار بجرح في يده نتيجة لطلق ناري ونقل إلى مستشفى السلام بالمعادي. وأعقب ذلك ثلاثة عمليات بواقع عملية كل عام حتى تاريخ القبض علي المنظمة في سبتمبر 1987، ليكون كل عمرها أربعة أعوام.
أسس المنظمة محمود نور الدين، (ضابط مخابرات مصري كان يعمل بالسفارة المصرية بلندن وله علاقات متعددة ومتشابكة مع بعض رجال الحكومة كالدكتور مصطفى الفقي، إضافة إلى علاقاته مع رجال الفترة الناصرية التي انتمى إليها بأفكاره) مع أخوه أحمد عصام وخالد جمال عبد الناصر وثلاثة أعضاء آخرين من القوات المسلحة ونظمي شاهين الذي كان صديقا لأحمد عصام وعمل بعد انضمامه للتنظيم كسائق لمحمود نور الدين، وقام نظمي بتجنيد كلا من حمادة شرف (طالب) وسامى فيشة (كهربائي). وكما قال نورالدين في تحقيقات النيابة: "اختمرت في ذهني فكرة مقاومة الضغوط الصهيونية التي شعرت أنها واقعة على القيادة السياسية في مصر وتمارسها أمريكا وإسرائيل خاصة في مجال التطبيع، فأسست منظمة ثورة مصر من بعض ضباط القوات المسلحة المصرية وبعض المدنيين".
إذن أخذت المنظمة، التي رفضت كامب ديفيد، على عاتقها مكافحة الوجود الصهيوني على أرض مصر بالسلاح مع إصدار بيانات لإعلان مسؤليتها عن كل عملية قامت بها، مع الأخذ في الاعتبار وجود جزء من مصر كان لا زال واقعا تحت الاحتلال أثناء قيام المنظمة بعملياتها، وهو طابا.
وكانت العملية الثانية موجهة ضد مسئول الأمن بالسفارة الإسرائيلية، وقد تمت بعد مراقبة أماكن تواجد البعثة الإسرائيلية بالمعادي. وعلى أثر المراقبة تحدد الهدف. وفي 20 أغسطس 1985 قام أربعة من التنظيم، هم محمود نور الدين ونظمي شاهين وحمادة شرف وسامى عبد الفتاح بإطلاق النار على ألبرت أتراكشى (37 سنة) وزوجته وسكرتيرته الشخصية، والحادث كان بالقرب من بيت السفير الإسرائيلي. وصدر بيان المنظمة ليعلن عن اغتيال أتراكشى وإرساله إلى الجحيم.
أما العملية الثالثة فكانت في شهر مارس 1986 وعرفت بعملية معرض القاهرة الدولي، وجاءت على خلفية مشاركة إسرائيل في سوق القاهرة الدولي بأرض المعارض بمدينة نصر. وقد خرجت المظاهرات ترفض وتحتج على مشاركة إسرائيل، وهتف الطلبة في المظاهرات "ثورة مصر طريق النصر"، وذلك بعد أن حفرت المنظمة لنفسها مكانا في قلوب المصريين. فجاء الرد الفورى باغتيال "إيلى تايلور" مديرة الجناح الإسرائيلى بسوق القاهرة الدولي.
أما العملية الرابعة والأخيرة، فقد وجهت إلى الوجود الأمريكى وارتبطت بعدد من الأحداث، منها ما قاله نور الدين "إلغاء ريجان زيارة مبارك للولايات المتحدة الأمريكية، ورفض الحكومة الأمريكية زيادة المساعدات أو جدولة الديون أو تخفيض الفوائد، علاوة على الضغوط الأمريكية المستمرة للخضوع للمطالب الإسرائيلية المجحفة. أما أقوى دافع لنا للقيام بهذه العملية ضد رجال ريجان في مصر وأعضاء المخابرات المركزية الأمريكية هو ما شعر به كل المصريين، وباعتراف الرئيس مبارك شخصيا، من ذل ومهانة وإذلال لكرامتنا وكرامة المصريين حين صعدت الطائرات الأمريكية الحربية واختطفت الطائرة المصرية المدنية وأجبرتها على الهبوط وقامت بتفتيش جميع ركابها ولم يحرك أحد ساكنا على المستوى الرسمي في القيادة السياسية، ولذلك قررنا في ثورة مصر أن نقوم بعمل عسكري ضد الأمريكيين لمحو العار الذي لطخونا به.
أما السبب الرئيسى لخطف الطيارة المصرية، فقد كان هو القبض على أبو العباس الفلسطيني ومعه أربعة من المتهمين بخطف السفينة أكيلي لاورو الإيطالية الذين قاموا بخطف السفينة من أجل المساومة على الإفراج عن 50 فلسطينيا بالسجون الإسرائيلية. حيث وصلت السفينة إلى بور سعيد، وهناك سلم المختطفون أنفسهم وطلبوا نقلهم إلى تونس، فتم نقلهم في طائرة ركاب مصرية تابعة لمصر للطيران، وأثناء توجهها إلى أثينا بعد أن رفضت تونس استقبالها بناءً على محادثة تليفونية من ريجان إلى الرئيس التونسي وقتئذ بورقيبة، أجبرتها الطائرات الحربية الأمريكية على الهبوط في إحدى قواعد حلف الاطلنطي، لكن وصول قوات إيطالية منع القوات الخاصة الأمريكية من القبض على أبو العباس والمختطفين الأربعة. حيث قامت بتهريب أبوالعباس، بينما مثل المختطفون الأربعة أمام المحكمة الإيطالية.
نظمي شاهين
يتحدث نظمى شاهين أحد أفراد التنظيم والمتهم السادس وفقا لقرارالاتهام عن تنظيم ثورة مصر قائلا: في 67 كان عندي 12 سنة. كنت في الاتحاد الاشتراكي وكان عندي وظيفة أثناء الحرب أنا وزملائي اللي من سني، إننا ننادي على الناس يطفوا النور أثناء الغارات، وكنا بندهن النوافذ والسيارات بلون أزرق عشان الضوء ما يبانش للطيران المعادي، وكنا بناخد فرق إنقاذ مع التدريب على كيفية إطفاء الحرائق وبناخد فرق كاراتيه، وكنا بندور على مكاتب منظمة فتح عشان نتطوع فيها.
في 1973 طلعت في الفوج التاني للاتحاد الاشتراكي للجبهة في القنطرة شرق، وكان عندى 17 سنة. وهناك استشهد أحد اصدقائي من عابدين اسمه أحمد الجنايني. وكنت من الناس اللى اختاروهم عشان نوصله لأهله لإنى من عابدين وأعرف والد الشهيد. وكان وقتها الناس بتستقبل الشهدا بفرحة وتباهي، وينادوا أهالي الشهدا بأبو الشهيد وأم الشهيد أو أبو البطل. وبعدها رجعت لعابدين لحد ما اتجندت في 1975.
أنا اتربيت في الأجواء دي. يمكن عشان كده أنا مش بفهم يعني إيه تطبيع. أنا ليا أخ مصاب في 1967، وليا ابن خال استشهد في 1967، وصديق استشهد في 1973، لذلك أنا مش ممكن أنسى عدائي لإسرائيل أو ممكن في أي يوم من الأيام اعتبر الصهاينة أصدقاء. ومش أنا بس، أي عمل بتقوم بيه إسرائيل في الأرض المحتلة أو في أي حتة بيفجر جوه المصريين الغضب والرفض وبيوضح مدى كراهية الشعب المصري لإسرائيل ورفضه للتطبيع. وممكن نسمع تعليقات المصريين على القهاوي وفي المواصلات على العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة. الموضوع ده مش مرتبط بزمن. حتى الأجيال اللي ما عاشتش الحرب عندها نفس رد الفعل، وده بيأكد إن التطبيع ده خاص بالنظام ومثقفيه فقط ومش بالشعب.
والموضوع في الحقيقة كمان مش خاص بفلسطين بس، لا دى قضيتنا إحنا كمان. وأي قراءة بسيطة للتاريخ هانلاقي إن كل انتصاراتنا اللي أنجزناها على مر التاريخ عشان حماية مصر كانت على أرض سوريا وفلسطين. دي البوابة بتاعتنا، وعشان ننتصر لازم ننتصر من نفس المنطقة دي، فلسطين هي بوابة الأمان لمصر.
فيه كمان تسميات طلعوها بعد المبادرة: مش عارف يعنى إيه طابا المصرية وطابا الإسرائيلية؟ أرض إيه اللى رجعتلنا بالسلام وما فيش جيش هناك؟ كل يوم فيه مصريين بينضربوا على الحدود وماحدش بيتحرك ولا يتكلم. هو ده التطبيع؟ طيب بعد 31 سنة من المعاهدة إحنا عملنا إيه غير التنازل ورا التنازل والانكماش والعدو بيتوسع؟ إحنا أيام الحرب كنا عايشين أحسن من دلوقتي. على الأقل ما كانش فيه الأزمة الاقتصادية الطاحنة دي. السادات خدعنا وقاللنا إن كل طفل هايروح المدرسة وف إيده زجاجة لبن وساندوتش جبنة رومي وبسطرمة وتفاحة أمريكاني. الشعب سقف للازدهار اللي هايحصل وما سقفش للصهاينة. الشعب استقبل كارتر والسادات بالورود فعلا، بس على أمل إن المصري هايتولد إنسان وهايعيش كويس، لكن مافيش 3 سنين وبان بعد الرحلة دى إن كل حاجة غليت وتم منع دبح اللحوم إلا يومين في الأسبوع والحياة بقت صعبة!
في 1978 خلصت تجنيدي واشتغلت في شركة ألمانية، وبعدين في مصنع 54 الحربي على مكنة خراطة. وبعد مبادرة كامب ديفيد مشيت من البلد رحت الأردن وبعدين العراق وبعدين استقريت تماما في تركيا. وكان من أسباب سفري رفضي للمبادرة والظروف الاقتصادية السيئة، لأن الاتحاد الاشتراكي تحول إلى مكاتب للحزب الوطنى، ومابقاش فيه أي متنفس أو مناقشات من اللي كانت بتدور في الاتحاد الاشتراكي، وجت في عابدين مجموعة غريبة علينا سموا نفسهم حزب وطني، وتحولت بعض الوجوه القديمة في الاتحاد الاشتراكي بعابدين إلى الحزب الوطني.
فضلت في تركيا حتى 1984، ثم عدت إلى مصر لأن كان لي صديق قديم اسمه أحمد عصام، كنا زملاء في القوات المسلحة واشتغلنا سوا في شركة بفاف الألمانية للملابس الجاهزة، بعتلي إنه عايزني ضروري لأن فيه باسبور إنجليزي عايزني أجددهوله. قولتله ابعته، وفعلا جددت له الباسبور، وده كان باسبور أخوه محمود نور الدين، وبعدين بدأ يلح علي أنزل لمصر ضرورى، وفعلا رجعت وقابلته وقاللي إننا لازم نعيش في البلد دي ونشتغل هنا، وقاللي إن أخوه محمود ساب لندن وقرر يعيش في مصر ويفتح مجلة وطلب مني اشتغل سواق لمحمود، أنا وافقت واستلمت العربية.
في شهر 12 سنة 1984 فاتحنى محمود في موضوع تنظيم ثورة مصر، وقاللي أنا كنت عامل التنظيم كله عسكري، عايز عن طريقك تشوفلي ناس وطنيين، مش مهم الحالة الاجتماعية، المهم يكونوا مجمعين على كراهية الصهاينة، بالفعل جندت حمادة شرف وسامي عبد الفتاح الشهير بسامى فيشة وأسامة خليل وإسماعيل الجيزاوي، وطبعا وأنا بجندهم مش بقول أي شئ عن التنظيم. اللي نور بيقولهولي بقولهلهم، وبعدين كنت باعرفهم على نور، واللى يقولي أيوه ده كويس فاتح ده أو سيبلي ده أنا أفاتحه. واتكون التنظيم، إلا أنه صفصف في النهاية على أربعة: محمود نور وحمادة وسامي وأنا وأحمد عصام قائد المجموعة بدل محمود لو محمود مش هاينزل العملية. طبعا أنا رحبت بالانضمام للتنظيم وكنت سعيد جدا. حسيت إنى لقيت نفسى، وبدأت أذاكر وأكمل تعليم لحد ما خدت الثانوية العامة، بس ساعتها كنت في السجن سنة 1995.
وكان من شروط الانضمام للتنظيم إن ما حدش يكون له أي ملف في أمن الدولة أو في أي جهة، ويستحسن أنه يكون ماعندوش بطاقة من الأصل لأن ده تنظيم سري وعملياته موجهة ضد أفراد موساد وضباط مخابرات إسرائيلية. إحنا بنبقى مكلفين بالاشتباك مع حد مسلح مش أعزل، حد جامد وقوي هاتضربه بالنار هايضربك بالنار. عشان كده محتاج أشخاص مالهمش ملفات.
عند كل عملية كنا بنقعد مع محمود الله يرحمه ننظم نفسنا في تشكيلات مراقبة لأماكن تواجد الصهاينة في المعادي. هم ماكانش عندهم أي شك في إن ممكن أي حد يعمل عملية ضدهم لأنهم طول عمرهم متعجرفين. لحد ما حددنا الهدف، وبعدين رحنا على بيت محمود وقعد يكتب بيان لإعلان المسئولية عن العملية إللي هاننفذها بكرة، وبعدها نوزع البيان على الإذاعات. وبالفعل تاني يوم رحنا نفذنا العملية، وكانت الأولى بالنسبة لي، وكان محمود على مقعد القيادة وأنا جنبه، وورا محمود حمادة شرف وسامي عبد الفتاح. وطلعنا على المعادي بعربية كنت شاريها ببطاقة مزورة، وكانت أسلحتنا بنادق آلية، وكان سلاحي أنا عوزي إسرائيلى الصنع. ربنا وفقنا في اليوم وده وقتلنا "ألبرت إتراكشي". ودي كانت العملية التانية للتنظيم، العملية الأولى اشترك فيها محمود وعصام ومحيي الدين عدلي وأحمد على، وأسفرت عن إصابة "زيفى كيدار" ومحمود نور الدين.
التغطية الإعلامية من جرايد المعارضة بعد كل عملية كانت مش أد كده. كانوا بيستقبلوا العمليات ببلادة وكانوا شايفين إن فيه عناصر مأجورة من دول تانية هي اللي بتقوم بالعمليات دى. لكن ده اتغير خالص بعد القبض علينا.
بعد كده جهزنا للعملية الثالثة في مارس 1986 في معرض القاهرة للكتاب. والفرق الزمني بين كل عملية والثانية كان سنة، لأننا كنا بنعمل مراقبات دقيقة وتدريب على ضرب النار، وكنا بعد كل عملية بنقعد في البيت شهرين ما ننزلش خالص، بعدها نستأنف التدريبات والتحريات للعملية اللي بعدها.
بالنسبة لعملية المعرض، الطلبة لما عرفوا بمشاركة إسرائيل عملوا مظاهرات وحرقوا العلم الإسرائيي والأمريكي وهتفوا ثورة مصر طريق النصر واتقبض على ناس كتير منهم، والحكومة بقت في حرج، فقررنا نختار هدف وكانت "إيلي تايلور"، ودي كانت مديرة الجناح الإسرائيلي. وشاركت في العملية دي مع محمود وأحمد عصام وجمال عبد الحفيظ ومحيي عدلي، ودي كانت عملية صعبة لأننا كنا خايفين نصيب أي مصري، عشان كدة سمينا العملية دي بالمغامرة المحسوبة. وكان رد الفعل على العملية إن فيه ناس زغردت وهي خارجة من المعرض بعد ما شافونا بنهاجم الصهاينة. التغطية الإعلامية بعد العملية دى كانت قوية وقالوا إن التنظيم ده قوي ودقيق ومصري وعامل حساباته كويس.
في أواخر 1986 وأوائل 1987 تم خطف الطائرة المصرية من قبل أمريكا، ففكرنا في رد فعل قوي يقول لأمريكا اتعاملي مع الحكومة كيفما تشائين، لكن مع الشعب الأمر مختلف تماما. وبدأنا نرصد الأمريكان، وتعبنا معاهم كتير لأنهم كانوا بيغيروا الكود بتاعهم (نمر السيارات الدبلوماسية). وبدأ الأمريكان يعلنوا في الإذاعات إنهم هايدوا مكافأة نص مليون دولار لأي حد يبلغ عن فرد من تنظيم ثورة مصر. وبدأت العملية تبقى صعبة علينا، ده غير إن الجماعات الإسلامية بدأت تقوم بعمليات مسلحة ضد المصريين وضربوا مكرم محمد أحمد، وكان اللي ضربوه جماعة التوقف والتبين اللي سمتهم الحكومة "تنظيم الناجون من النار". وبقى فيه ناس بتتهمنا بضربه. فكلفني محمود إنى أبعت بوكيه ورد للأستاذ مكرم ومعاه البيانات بتاعت تنظيم ثورة مصر اللي بتقول إن التنظيم ده مالوش دعوة بأي مصري وممنوع نخدش خدش لأي مصري، وإن عمليات تنظيم ثورة مصر موجهة ضد الصهيونية العالمية وليس ضد أي شخص آخر، ونشر مكرم الكلام ده في المصور.
وبدأنا نعد لعملية الأمريكان اللي أرهقتنا وتعبتنا. اخترنا مكان العملية في جاردن سيتي من طريق الكورنيش. لكن كان فيه موضوع ماكناش نعرفه، وهو إن مدير التنظيم أحمد عصام وشقيق محمود بلغ السفارة الأمريكية عن التنظيم وقالهم على مكان العملية. لكن هو في اليوم ده افتعل معايا خناقة وقال إنه مش نازل العملية دي. وكانت الخطة إن الأمريكان هايهاجمونا ويصفوا أفراد التنظيم وياخدوا صيت إنهم أقوى مخابرات في العالم قدرت تصفي تنظيم ثورة مصر. لكن يوم العملية الصبح أجلنا العملية يومين وعصام ما عرفش. وخرجنا بعدها بيومين أنا ومحمود وحمادة وسامي ومحيي عدلي وجمال عبد الحفيظ، لكن اللي هاينفذ أنا وحمادة. واللي حصل إننا اتأخرنا 5 دقائق عن ميعادنا، فقلنا نلحق عربية الأمريكان وهي نازلة من المعادي عند كوبري مصر القديمة. والمكان ده اتمرنا فيه كذا مرة وما جاش عصام معانا فيه ولا مرة. ونزلت تحت الكوبري أنا وحمادة شرف واشتبكنا مع عربية الأمريكان، واتصاب حمادة في العملية دي بطلقة في كتفه وحدثت إصابات طفيفة للأمريكان.. لولا إصابة حمادة ورغبتي في إنقاذه كان ممكن أقتلهم بسهولة، لكن أنا كان همي أنقل زميلي للعربية.
بعد العملية دي محمود عمل ورقة أو بيان اسمه المصالحة، وخاصة بعد ما بعتنا بوكيه الورد لمكرم محمد أحمد، وظهر من كده إننا مش إرهابيين وإن إحنا عندنا قضية وممكن نعمل حوار. بناءً عليه محمود قال نظمي هايقود مجموعة وعصام يقود مجموعة تانية وأنا وخالد نطلع من تحت الأرض ونشتغل سياسة. والمجموعة السرية دي مش هاتشتغل إلا إذا لزم الأمر لأن وقتها كان لسه فيه تحكيم حول طابا والمفاوض الإسرائيلي كان شايف نفسه حول طاولة المفاوضات وبيقول لأ ناخد الفندق ده ولأ مش عارف نسيب إيه، وعشان كدة كنا شايفين إن دورنا مهم كورقة ضغط في يد الحكومة المصرية. لكن الحكومة في حيثيات الحكم أنكرت ده وقالت إننا بوظنا العلاقات وعرضناها للخطر.
وفي الحقيقة إحنا أصلا ما كانش عندنا موقف ضد النظام الحاكم، لأننا كنا شايفيين إن النظام محرج من موضوع التطبيع، بس مش عارف يعمل إيه، عشان كده كنا شايفيين الحل إننا نوجه سلاحنا ضد الصهاينة والأمريكان الموجودين على أرضنا. لكن ده مش معناه برده إني مع النظام الحاكم. أنا رفضت بعد تحويل مكاتب الاتحاد الاشتراكي إني انضم إلى الحزب الوطني. ويمكن عشان كده ماكانش فيه جناح سياسي للتنظيم، وحتى محمود الله يرحمه كان من ضمن كلامه في التحقيقات إنه لما رجع لمصر مالقاش أي منفذ يعبر منه عن أفكاره الناصرية والحكومة وافقت على الحزب الناصري في 1992 وإحنا في السجن. وماكناش نعرف أي حد من الناصريين الموجدين دلوقتي، باستثناء الله يرحمه فريد عبد الكريم وكان محمود قابله في إنجلترا. لكن الناس دي شالت على أعناقها موضوع بلورة الفكر الناصري وتوصيله للشعب العربي بالكامل، وده عمل كبير أداه ناس زي الاستاذ حمدين صباحي. عشان كده أنا مش شايف أي ضرورة إن أي حد يقول إنه كان الجناح السياسي لمنظمة ثورة مصر، لأن هما قاموا بدور مهم في خلق وإحياء وترسيخ الفكر الناصري، وأنا أحييهم على ده.
وبالنسبة للحزب الناصري أذكر وأنا في السجن مريت بضائقة، وكنت مسجون انفرادي فبعت والدتى للحزب الناصرى عشان تقابل ضياء الدين داوود، وكان رده عليها: "ياريت ماتجيش هنا تاني عشان أمن الدولة منبه عليه".
وعن أحمد عصام الذي قام بالإبلاغ عن المنظمة للسفارة الأمريكية، عصام بدأ حياته وطني تماما وأنا عملت معاه عملية المعرض ودي عملية أنا باعتز بيها جدا. كنا واقفين أنا وهو على الأرض وفي إيدنا مدافع، والعملية كان فيها توفيق كبير. لكن هو اتجوز كبير ورزق بتوأم بنتين، وكان عنده غل شخصي تجاه أخوه، وهو اعترف لي إنه بلغ الأمريكان قبل مايتقبض علينا، وكان مزعله أوي إنه بلغ عني لإننا أصحاب من زمان، وهو يعلم مدى وطنيتي، وكان سبب إبلاغه خلافه مع خالد عبد الناصر ومحمود على بعض الأموال، وبسبب هذا البلاغ قضينا في سجن طرة 15 سنة، 4 سنين في سجن ملحق طرة و6 سنين في ليمان طرة و5 سنين في مزرعة طرة، بينما محمود الذي حكم عليه بالمؤبد 25 عاما توفي داخل السجن في 15 سبتمبر 1998، وإحنا خرجنا في 2002.
وقت التحقيقات كان فيه كلام عن تشديد العقوبة، واتقال إننا هناخد إعدام. أنا ما كانش فارق معايا، لأني في كل عملية كنت بابقى عامل حسابي إني استشهد فيها، وما فيش حد فينا إتعرض للتعذيب أثناء التحقيق لأننا اعترفنا، وده شرف لينا، إحنا قمنا بعمل وطني. لكن في المحكمة المفروض إن زكي بدر، وكان وزير الداخلية وقتها، كان هاييجي كشاهد نفي، وكان قبل القبض علينا أعلن إن مش ممكن القبض على تنظيم ثورة مصر قبل 7 أو 8 سنين، وكان فيه اتفاق بين الحكومة وعصام ومجموعته (جمال عبد الحفيظ وأحمد علي، ودول انضموا لعصام في خلافه مع محمود واتسجنوا معاه في سجن تاني بعيد عننا) إنهم يقولوا كلام ضد محمود يطلعنا مفككين وشوية مرتزقة، وده كلام كان هايريح زكي بدر في الشهادة.
أنا فضحت الاتفاق اللي كانت عاملاه المجموعة دى مع الحكومة، فاتعرضت بعدها للتعذيب الشديد في سجن الملحق بطرة، ولأن في النهاية الحكومة كانت عايزة تظهرنا للرأى العام كمجموعة مرتزقة ذات أخلاق سيئة بنتعاطى مخدرات، مش زي ما جرائد المعارضة كانت بتقول علينا أبطال وطنيين، وإن مش بس عصام هو اللي خاين لا ده كلهم كده.
عصمت سيف الدولة كان محامي عننا، وهو طالب في المرافعة بتعويض نص مليون جنيه عن التعذيب اللي اتعذبته، وكان المحامي الأساسي عني أنا ومحمود الله يرحمه أحمد نبيل الهلالي. أما عصمت سيف الدولة ومعظم المحامين كان دفاعهم كله عن خالد عبد الناصر. وطبعا خالد أخد براءة على الرغم إنه كان معانا في التنظيم. هو في الأول هرب برة مصر إلى لندن ثم يوغوسلافيا، وقام أحمد الخواجة نقيب المحامين الأسبق بالسفر إليه لهندسة العلاقة بينه وبين الحكومة، وضمن له حكم البراءة، وبناءً عليه حضر إلى القاهرة وبقي يقف معانا في القفص، وأنكر كل صلته بالتنظيم، والوحيد اللي مارضيش يعترف عليه هو محمود، لأنه افتكر إن وجود خالد خارج السجن هايخليه يبذل محاولات للإفراج أو لتخفيف الحكم عننا، بالإضافة إن محمود كان فاكره هاياخد باله من بناته. لكن طبعا مافيش أي حاجة من دي حصلت، وكل الكتب اللي طلعت عن تنظيم ثورة مصر كان همها الأول والأخير تبرئة ابن الزعيم مع إسباغ الوطنية عليه لعلاقته بالتنظيم. يعنى من الآخر كانت بتقول إنه وطني وعضو في التنظيم لكن برىء، مش عارف إزاي؟ ودى من الحاجات اللي حسستني بمرارة شديدة، لكن ده قدرنا إحنا أبناء الشعب: نشيل السلاح وندافع عن كرامة الوطن، بينما يجني الرؤساء وأبناؤهم الغنائم.
بعد مرور الـ15 سنة داخل السجن وخروجي، كان عندي ندم شديد جدا إني قتلت هذا العدد القليل جدا من الصهاينة. ولو يرجع الزمن تاني كنت أتمنى إني أنفذ عمليات أكتر، وكنت أتمنى إن عدد القتلى يكون أكتر من كده، خاصة إن الحكم علينا كان جائر. فأمام قتل اثنان من المخابرات الإسرائيلية أخدنا أحكام مشددة، بينما هما بيقتلوا ويدبحوا كل يوم الفلسطينيين وما حدش بيكلمهم أو بيحاسبهم، ده غير إن إفراج النظام المصري عن جاسوسهم عزام عزام، اللي قابلوه في إسرائيل على أنه أسطورة، عمّق جوايا الإحساس بالمرارة. أنا مش عارف في الحقيقة ليه أبطالنا بنموتهم ونحتقرهم؟ وليه الناس اللي بيتقبض عليها تخابر لإسرائيل بيفرج عنها، أو على الأقل بيتعاملوا أحسن مننا جوه السجن؟