الرئيسيةعريقبحث

منهج الرسل في الدعوة إلى الله

منهج الرسل في الدعوة الي الله

☰ جدول المحتويات


لما كانت الرسالة الدعوية ذا أهمية بالغة جعل الله تبارك وتعالى لكل نبي رسالة وجعل منهجية لتبليغ الرسالة على اكمل وجه وذلك لإقامة الحجة على المكلفين .

الغاية من مبعث الرسل

لما كانت العبادات توقيفية على ما شرعه الله بعث الله الرسل عليهم الصلاة والسلام تبين للناس كيف يعبدون ربهم وتبين للناس عقوبة من لم يعبد الله أو عبده وعبد معه غيره لأن العبادة لا تصلح إلا إذا كانت خالصة لوجه الله من الشرك ومتابعة لسنة رسول الله على ما جاء عليه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مرابطة لما جاء به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لما كان الأمر كذلك بعث الله الرسل يدعون الناس إلى عبادة الله ويبينون لهم كيف يعبدون الله على الطريقة الصحيحة والمنهج السليم ويحذرونهم من الشرك بالله (و ما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا آله إلا أنا فاعبدون ) [1] الله سبحانه وتعالى بعث الرسل لهذا الغرض وهذا من رحمته سبحانه وتعالى وعنايته بخلقه حين أنزل آدم إلى الأرض قال : ( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أَعْمَى ).[2]

حال الناس قبل مبعث نوح

كان الناس على عقيدة التوحيد من عهد آدم عليه السلام وعلى دين أبيهم آدم إلى أن جاء قوم نوح بعد عشرة قرون كانوا يعبدون الله على التوحيد وعلى دين أبيهم آدم كما ذكر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال رضي الله عنه قال كان بين آدم ونوح عشرة قرون[3] كلهم على التوحيد .

حال الناس بعد مبعث نوح

لما وقع الشرك في قوم نوح بسبب الغلو في الصالحين أرسل الله إليهم نبيه نوحا عليه الصلاة والسلام يدعوهم للرجوع إلى عبادة الله وحده لا شريك له وترك عبادة الأصنام ثم تتابعت الرسل من بعد نوح إلى نبينا محمد قال تعالى (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده) فنوح هو أول رسول إلى الأرض بعد ما حصل الشرك يدعوهم إلى التوحيد وينهاهم عن الشرك وكان هدي الرسل عليهم الصلاة والسلام ومنهجهم في الدعوة كما ذكره الله في القرآن فهذا نوح عليه السلام لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله عز وجل قال تعالى : ) بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا( إلى أخر السورة... لكنه لم يجدي فيهم هذه الدعوة المباركة التي فيها كل الاستعطاف واللين والموعظة والتذكير لم يجدي فيهم لأن الكفر والعياذ بالله والشرك قد تغلغل فيهم في النهاية قالوا لا تذرن ألهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوثا ويعوق ونسرى وقد أضلوا كثيرا مع أن نوحاً عليه السلام تلطف بهم وذكرهم ووعظهم وداوم على دعوتهم ليلاً ونهاراً وسراً وجهارا فلم يترك مجالاً من مجالات الدعوة إلا وقد طرقه عليه الصلاة والسلام هذا منهج الدعوة في نوح عليه الصلاة والسلام أول الرسل من بعده هود أرسله الله إلى عاد ) وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قومي اعبدوا الله ما لكم من آله غيره أفلا تتقون ( إلى أن قال ) ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين ذكرهم بأن الله جل وعلا جعلهم خلفاء من بعد قوم نوح وزادهم في الخلق بسطا وأمرهم أن يذكروا آلاء الله لعلهم يفلحون ( يذكر نعم الله عليهم لكن لم يجدي فيهم هذا المنهج العظيم الذي دعاهم به نبيهم هود عليه الصلاة والسلام ثم صالح عليه السلام كيف دعا قومه ) وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قومي اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد أبائنا ( هذه مقابلتهم لدعوة نبي الله صالح عليه السلام مع أنه تلطف بهم ورق لهم في الخطاب ووعظهم وذكرهم ولكن قابلوا ذلك بالجحود والنكران فكانت عاقبتهم الهلاك ولوط عليه السلام بعثه الله إلى قومه لما تظاهروا بالجريمة النكراء التي لم يرتكبها أحد من العالمين وهي اللوطية ذكرهم بالله خوفهم بالله وبين لهم أن هذه الجريمة جريمة شنيعة تنفر منها الطباع ولم يرتكبها أحد من العالمين غيرهم ومع هذا أصروا وقالوا ) لئن لم تنتهي يا لوط لتكونن من المخرجين ( في الآية الأخرى ) أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ( هذا عيبهم أنهم يتطهرون عن الفاحشة ولا يقعون في هذه الفاحشة اعتبروا هذا عيباً وشعيب عليه السلام بعثه الله إلى مدين وكانوا مع الشرك بالله يظلمون الناس في أموالهم يبخسون المكاييل والموازين ويقطعون الطرق ويسلبون الناس أموالهم ذكرهم بالله عز وجل ) وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قومي اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ويا قومي أوفوا الكيل والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشيائهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين ( إلى أنهم تمردوا عليه ) أتنهانا أن نعبد ما يعبد أبائنا أو أن نفعل بأموالنا ما نشاء( يعني نهاهم عن الشرك ونهاهم عن نقص المكاييل والموازين أما الشرك فقالوا ) نعبد ما يعبد أبائنا ( هذه مقابلتهم لحجج الله وأما المكاييل والموازين أئن كنا لأموالنا نتصرف فيها كيف نشاء لا نتقيد بأوامر الحلال والحرام نحن أحرار في أموالنا كما يقول بعض العلمانيين اليوم والمغرورين فماذا كانت عاقبتهم وهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام أبو الأنبياء : )إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ( . هكذا يخاطبهم بهذا الخطاب العظيم الملامس للقلوب ولكن قلوبهم لا يصل إليها نور هدّدوه بالإحراق فأنجاه الله من النار وجعل العاقبة له جعل العاقبة له ولمن اتبعه وهاجر من أرضهم إلى أرض مباركة إلى أرض الشام وأرض الحجاز وأمره ببناء البيت العتيق الله جل وعلا منّ عليه بنعم عظيمة لما صبر وتحمل في سبيل الله ما تحمل إن الله عوضه في الدنيا والآخرة ونتيجة لصدقه في الدعوة واتخذه خليلاَ وهذا موسى عليه السلام وهارون لما أمرهم الله جل وعلا بأن يذهب إلى فرعون ذهب إلى فرعون )اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى(. والله أمره هو وهارون فقال لهما )فقولا له قولاَ ليناَ( مع جبروته وكفره وادعائه الربوبية قال الله لهما )فقولا له قولاَ ليناَ لعله يتذكر أو يخشى( لعله يتذكر أو يخشى فدلّ على أن الدعوة يكون فيها أسلوب يرغّب المدعو ويجذبه إلى القبول إذا كان فيه بقية من حياة فتقام عليه الحجة وهذه دعوة إبراهيم لأبيه )وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لأبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا( أنظر قال يا أبت يا أبت يا أبت كل خطاب يبدؤه يا أبتي من باب الاستعطاف له ويبين له أنه مشفق عليه وأنه عنده علم من الله عز وجل يريد أن يهديه به إلى سعادته ولكنه لم يقبل .

الغاية من النظر في سير الأنبياء و الرسل

فالغاية التي من اجلها نتدارس السير تعلما لمنهج الدعوة منهج الرسل في دعوتهم لأممهم حتى نقتدي بهم لأنا مكلفون بالدعوة إلى الله عز وجل فنحن نقرأ سيرة الرّسل في القرآن وأخبارهم لأجل أن نقتدي بهم.

بعد مبعث النبي محمد

فهذا محمد لما بعثه الله إلى العالمين الجن والإنس إلى العرب والعجم بعثه بشيراَ ونذيراَ وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاَ منيراً قابله المشركون أسوء مقابلة وهم أقرباؤه وبنو عمومته وأهل بلده أول من قابله من هؤلاء قابلوه بالعنف والقسوة إلا من رحمة الله ولكنه صبر وانتظر قال الله تعالى لنبيه  :)ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ( أدع إلى سبيل ربك قل هذه سبيلي أدعو إلى الله إلى سبيل الله .

سمات الداعية إلى الله

وهذا يعطي الداعية أن يخلص الدعوة لله أن لا يكون قصده من الدعوة الرفعة على الناس أو الرياء والسمعة أو الطمع الدنيوي أو الظهور إنما يقصد بذلك وجه الله عز وجل أدعو إلى الله ادع إلى سبيل ربك هذا من أولويات صفات الداعية أن يخلص النية لله عز وجل في دعوته إلى سبيل ربك بالحكمة أول شيء بالحكمة والحكمة وضع الشيء في موضعه بأن يخاطب كلاً بحسبه بالخطاب المقبول الذي يتألفه به ويستميله به إلى الحق وإن كان مخطأ ومجرماَ ولكن تكون دعوته بالحكمة لأنه ربما يكون جاهلاَ بالأمر فإذا بُيّن له الحق قبله فهذا لا يحتاج إلى أكثر من أنه يُبيّن له الحق ولكن يبين بأسلوب مناسب لا بأسلوب منفر فإنه إذا كانت الدعوة بأسلوب منفر فإنها لا تجدي شيئاَ بل إنها ربما ينعكس الأمر فيها فتحصل ردة الفعل من المدعو لكن يكون بالحكمة وهي وضع الشيء في موضعه يخاطب العالم بما يليق به يخاطب السلطان بما يليق به يخاطب العامّي بما يليق به وهكذا يخاطب الأغنياء بما يليق بهم بخطاب يستميل بهم قلوبهم ويستجلبهم إلى الحق لا بأسلوب منفر وسمعتم ما قال الله لنبييه موسى وهارون لما أرسلهما إلى فرعون قال :فقولا له قولاَ ليناَ لعله يتذكر أو يخشى النبي لما أرسل معاذاً إلى اليمن داعياَ وقاضياَ ومعلماً قال له إنك تأت قوماَ من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعو إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله الشّاهد من قوله إنك تأتي قوماَ من أهل الكتاب أهل علم يحتاجون إلى استعداد لمخاطبتهم ليست مخاطبة العالم كمخاطبة العامي وهذه هي الحكمة أن الداعية يتوخى الأسلوب المناسب مع كل بحسبه فلا يخاطب العالم بخطاب العامي ولا يخاطب العامي بخطاب العالم ولا يخاطب أفراد الناس بما يخاطب به الملوك ولا يخاطب الملوك بما يخاطب به أفراد الناس وإنما يستعمل الحكمة في خطابه مع الناس وكذلك من الحكمة العلم كما في الآية الأخرى الحكمة يراد بها العلم والفقه أيضاَ كما في قوله تعالى: )قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة( والبصير هي العلم فيكون معنى الحكمة العلم ومعناه الرفق أيضاًَ ووضع الأشياء في مواضعها والموعظة الحسنة لأن بعض المدعوين قد لا يستجيب في أول الأمر يصير عنده تكاسل بعد ما يبين له الحق لا يرده لكن يتكاسل عن امتثاله يحتاج إلى موعظة بأن يُخوّف من الله عز وجل عن التكاسل والتباطؤ في قبول الحق والتزام الحق لأن لا تأخذه العقوبة لأنه علم وعرف فلا يليق به أن يتكاسل في قبول الحق أو يتأخر فيحتاج إلى موعظة إلى تذكير المرتبة الثالثة قد يكون عنده تمرد وجدال بعض الناس لو تبين له الحق واتضح الحق يكون عنده ردة فعل يكون عنده جدال وعنده شبهات فهذا يجادل بالتي هي أحسن تُنقض شبهاته بالتي هي أحسن لا بالعنف وإنما يُبيّن أنه مخطي وأن هذه الشبهات ليست صحيحة وتبين بالعلم والمعرفة الحقيقية حتى يعرف أنه قد أخطأ وأنه ليس معه حجة ربما يقبل الحق :) جادلهم بالتي هي أحسن( الجدال إذا احتاجت الدعوة إلى جدال بين الداعية والمدعو فتقكون بالتي هي أحسن ما يكون في عنف ولا يبكون فيها قسوة وإنما يكون بيان للحق ورد للباطل وكشف للشبهات التي يدلي بها وجادلهم بالتي هي أحسن هذه بعض صفات الداعية ومنهج الدعوة مذكورة في هذه الآية العظيمة ) ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن( وفي الآية الأخرى أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول هذه سبيلي أي طريقتي أدعو إلى الله لا يريد بدعوته رياء ولا سمعةً ولا ترفّعاً ولا طمعاً دنيوياً وإنما هي دعوة خالصة إلى الله على بصيرة يعني على علم فيُشترط في الداعية أن يكون على علم لا يدعو وهو على جهل لأن الجاهل ربما يحُرّم حلالاً أو يُحلّ حراماً أو يقول على الله بغير علم فيكون نكشة على الدعوة وعلى أهلها أو يعرض عليه شبهات وأسئلة فلا يستطيع الجواب عنها إذا لم يكن عالماً لا يستطيع أن يرد على شبهات المغالطين فينتصرون عليه فيصير في هذا نقص على الدعوة الذي يريد أن يدعو إلى الله يستعد بالعلم قبل كل شيء حتى يستطيع مواجهة ما يعترضه من المدعوين ولا سيما الشبهات التي يتعلق بها كثير من الذين عندهم انحراف عن العقيدة كذلك من منهج الدعوة الصبر لا يعجل الإنسان إذا لم تحصل له استجابة فإنه لا يستعجل بل يصبر وينتظر من الله الفرج وأنها إذا لم تنفع مع هؤلاء تنفع مع آخرين وإذا لم تنفع في هذا البلد تنفع في بلد آخر والنبي كما تعلمون كان يعرض نفسه على القبائل في موسم الحج مع ما يتعرض له من الأذى ومن الرد القبيح كان يعرض نفسه على القبائل في موسم الحج ويدعوهم إلى الله ويبلّغهم القرآن وذهب إلى الطائف يدعوهم إلى الله ولكنهم ردوه ولم ييأس عليه الصلاة والسلام وفي مرة أصابه من قومه أذىً شديد تضايق عليه الصلاة والسلام مما أصابه منهم فجاءه ملك الجبال يستأذنه في أن يطبق عليهم الأخشبين الجبلين المحيطين بمكة فقال صلى الله عليه وسلم لا بل أستأني بهم لعل الله أن يُخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً مع صبره وتحمله وانتظاره في النهاية أشد أعدائه الذين عادوه صاروا هم أقرب الناس إليه بعد ما أسلموا وأقرب المناصرين له من أهل مكة وغيرهم وصاروا قادة في الفتوح نتيجة الصبر فصبر حتى إن الحق أخذ مجراه واستبانت دعوته الله عليه وسلم وتوالت انتصاراته فعند ذلك عرف خصومه أنه نبي الله وأنه لا مجال لاعتراضه فآمنوا بالله وصاروا من خواص أصحاب الرسول وقاموا بالجهاد معه وقاموا بالجهاد من بعده كما هو معروف وهذا نتيجة الصبر في الدعوة ونتيجة الرفق ونتيجة الأسلوب الطيب والمنطق الصواب فالداعية لا ييأس مهما واجهه منها ولهذا قال الله له:) واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحرزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يلفظون ( أمره بالصبر وهكذا الدعاة يجب عليهم الصبر والانتظار وأن لا ييأسوا بل كلما اشتد الأمر فهو أقرب إلى الانفراج واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً والله جل وعلا جعل العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء مهمتهم في الدرجة الأولى الدعوة إلى الله عز وجل .

مهمة العلماء

فلتكن مهمة العلماء الدعوة إلى الله عز وجل كما هي مهمة الأنبياء يعني بالدرجة الأولى تكون مهمتهم الدعوة إلى الله في بلادهم ومع إخوانهم ومع كل من يصلون إليه ينشرون الخير وينشرون الدين بين الناس لا سيما في بلادهم وفي أقاربهم وأنذر عشيرتك الأقربين ) ولولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون( فأنتم في هذه الجامعة المباركة تتلقون العلم العلم الصافي من كتاب الله ومن سنة رسول الله وترجعون إن شاء الله إلى بلادكم بالسلامة فكونوا دعاة خير وحملة هداية للناس أجمعين ولأهل بلادكم خاصة هذا سبيل المؤمنين ولهذا الله جل وعلا قال لرسوله : ) هذه سبيل أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ( فكل أتباع الرسول يدعون إلى الله على بصيرة يعني على علم فإذا تحملتم العلم فإنكم تبلغونه للناس تنشرونه في الناس ) وإذا أخذ الله ميثاق الذين أتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا أولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم ( فعلينا واجب عظيم كل من أعطاه الله شيئاً من العلم فإن العلم أمانة والله يقول:)إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها( فهو أمانة تبلغونه لإخوانكم ولا تحتفظون به في ذاكرتكم ومذكراتكم بل إنكم تبلغونه والعلم يزكو وينمو ويزيد كلما أُنفق منه وكلما نشر فإنه يزيد ويُبارك فيه ويتناقص وتذهب بركته إذا خزن ولم ينشر ولم يبلغ ينشر على الناس بالدعوة بالتعليم بالتأليف بالكتابة بكل وسيلة وسائل الإعلام التي تنشر المقالات والأصوات والخطب والمواعظ والدروس هذه وسيلة عظيمة يسّرها الله استغلوها في الدعوة إلى الله كان الصدر لهذه لأمة القرون المفضلة كلهم أو أغلبهم يدعون إلى الله يدعون إلى الله بالتعليم يدعون إلى الله بالدعوة يدعون إلى الله بالخطابة بالقضاء بكل وسيلة القرون المفضلة أغلبهم أو كلهم دعاة إلى الله لكن بعد القرون المفضلة اشتد الظلام وتلاطمت الشبهات والمذاهب والفرق بعد القرون المفضلة ظهرت الفرق وظهرت الاختلافات وظهرت المقالات السيئة فقيّض الله لها من العلماء والدعاة إلى الله من قاموا في وجهها وردوها في نحور أصحابها خذوا مثلاً الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية كان في عصره الأمر متلاطم من كل جهة من الصوفية ومن علماء الكلام ومن القبورية ومن الفرق الضالة كالشيعة والخوارج والمعتزلة والمعطّلة فقام رحمه الله في وجوه هذه الطوائف ونازلها وبيّن بطلان ما عندها من الشبهات ونصره الله وانتشر علمه ولا يزال علمه يتجدد والناس يستفيدون منه ويستنيرون به لو أنه سكت وخزن العلم في صدره ما حصلت هذه الآثار الطيبة وأقرب مثال أيضاً الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ظهر في بلاد نجد وهي قد أخذت قسطها من ما حصل في العالم الإسلامي من الخمول ومن الشبهات والشّركيات ومن أمور عظام كدرت وجه الدعوة ووجه الإسلام فقام رحمه الله على نور من ربه وعلى بصيرة وعلى علم قام ودعا إلى الله عز وجل وصدع بالحق ونصره الله عز وجل فأثمرت دعوته هذه الدولة المباركة وهذه الدعوة العظيمة في هذه البلاد وفي خارج هذه البلاد وهو شخص واحد لكن أعانه الله عز وجل وسدده لما صدق مع الله عز وجل ولما استعد بالعلم واستعد بالصبر والثبات نصره الله عز وجل وهو شخص واحد وأثمرت دعوته هذه الثمرات فليست العبرة بكثرة الدعاة ولكنّ العبرة بالداعية الحق الذي يتمثل بالعلم والعمل والصبر والاحتساب وانتظار الفرج فالعبرة بالنوعية لا بالكم وإن كنا نقول كثرة الدعاة تدل على خير إن شاء الله ولكن ما هو لازم أنه تكثر الدعاة بل إذا دعى الواحد من المسلمين من العلماء دعا بصدق وباحتساب وبصبر جعل الله لدعوته الخير الكثير فما بالك إذا كثر الدعاة وكثر الخير هذا زيادة خير .

مقالات ذات صلة

موسوعات ذات صلة :

المراجع