ميشال بك دوم (ماردين، 1905-1971)، رَجُل سياسي سوري لَعِبَ دوراً أساسياً في تأسيس منطقة الجزيرة السورية عموماً، (bec de canard) ومدينة القامشلي تحديداً، في زمن الانتداب الفرنسي.[1]
هو أول رئيس لبلدية القامشلي. (1931-1946)[2][3][4][5]
حائز على نيشان الإستحقاق السوري وعلى وسام الصليب الحربي الفرنسي وعلى وسام إستحقاق الشرف الفرنسي برتبة شفالير.
السيرة الذاتية
وُلِدَ ميشال دوم في ماردين عام 1905. هو من الطائفة الأرمنية الكاتوليكية، والده يوسف دوم ووالدته مجيدة شمّاس.
تزوج عام 1938 في بيروت (لبنان) من مارغريت طوراني، وله أربع بنات: فيفيان، منى، ناديا، كلود، وأحفادٌ بين لبنان وفرنسا.
أثناء المذابح الأرمنية[6] عام 1915 قُتِل والده وأخواته فهُجّرَ مع والدته وأخته نازلية وأخيه لويس إلى دير الزور حيث كان مقر عام الفرنسيين.
بعد مذابج 1915، ومع انتهاء الحرب العالمية عام 1918، عاد ميشال دوم مع عائلته إلى ماردين وإلى مدرسته عند الآباء الدومينيكان.
إنتهت الحرب العالمية إذاً وخسر العثمانيون الحرب فتركوا سوريا والبلاد العربية ودخلت فرنسا إلى سوريا منتدبةً. إنطلق الفرنسيون من دير الزور باتجاه الجزيرة عام [7]1932، وهي صحراء قاحلة[8] فيها بعض البدو والقبائل الأخرى[9] وراحت تؤسس المدن واحدة تلو الاخرى[10][1]، ابتداءً من الحسكة وتل احمدي ثم رأس العين وعامودا[11] والدرباسية ثم القامشلي والمالكية وقبور البيض وعين ديوار، الخ.[12][13]
كان الشاب ميشال دوم، ذو الثمانية عشر ربيعاً، موجوداً بكل هذه الحملات كموظف مدني مُتَرجِم[1] يتنقل على الحصان أسوةً بالجيش الفرنسي، وقد أتى إلى القامشلي من دير الزور مع فرقة الخيالة الفرنسية، وذلك في أوّل رحلة استكشافية لبناء المدن عام 1923.[14]
كان ميشال دوم يجيد عدة لغات منها الفرنسية والعربية والتركية والسريانية والكردية وهي جميعها من اللغات المتداولة في تلك المنطقة، ممّا سهل عليه الانفعال والتعامل مع الجميع.[15]
في 15 آب 1926، كانت أول زيارة لميشال دوم إلى القامشلي مع صديقه الكابتن تيريه (Capitaine Pierre Terrier)[16][17] وكان عمره 21 سنة. في ذلك الوقت كان عدد سكان القامشلي 60 شخصاً (مع بعض القبائل من البدو والأكراد[10][18])، ومعظمهم من الذين هربوا من مذابح 1915.[15] وفي 7 ايلول 1926 قررت فرنسا بناء القامشلي واعتمادها كمدينة لانطلاق حملات تحرير مناطق الجوار وكمركز للتعامل مع تركيا.[3][10]
وقد رافق ميشال دوم الجنود الفرنسيين في جميع حملاتهم ومُنِح وسام الصليب الحربي الفرنسي (Croix de guerre).
ثم عين ميشال دوم عضوا في لجنة ترسيم الحدود الفاصلة بين سوريا وتركيا[19]. وكانت لجنة الحدود بين تركيا وسورية مؤلفة من:[1][20]
عن الطرف السوري : الرئيس الجنيرال اينس، الكابتين لوي، الكمندان بونو، الكولونيل بوانه وفيرماير، الكابتن ادم، نسيب الايوبي، ميشال دوم.
وعن الطرف التركي : المير الاي جمال بك، الكومندان أيوب بك، لطفي بك، اليورباشي رستم.
تشكلت اللجنة بحسب موافقة جمعيّة الأُمم بجنيف. فاجتمعت في نصيبين وباشرت بأعمالها متخذة الطريق الروماني القديم كحدٍّ (جسر الرومان وما زالت اثآره موجودة إلى اليوم)، مع إكماله من نصيبين حتى جزيرة ابن عمر بخط مستقيم، على أن تبقى نصيبين وجزيرة بن عمر للاتراك.[10]
فكانت النتيجة أن ربح الجانب السوري في مفاوضاته الماراتونية مئة قرية حدودية تم ضمها إلى أراضي الجزيرة العليا، (محافظة الحسكة) ابتداءً من رأس العين وحتى منقار البطة عين ديوار. وهكذا، ففي 4 حزيران 1930، تم ضم منطقة منقار البطة إلى الجزيرة العليا.[20]
وفي عام 1934 تشكلت محافظة الجزيرة العليا ومركزها الحسكة، وعُيّنَ نسيب الايوبي محافظاً (كان قبلها قائماً مقام في انطاكية).
عام 1933 تمّ تعيين ميشال دوم مجدّداً في لجنة ترسيم الحدود بين سوريا والعراق. وكانت لجنة الحدود مؤلفة من:[20]
عن الطرف السوري : رئاسة الكومندان بونو، مسيو كريله، الكابتن سيكان، نسيب الايوبي، ميشال دوم.
وعن الجانب العراقي : رئاسة الكولونيل ايزلاند السويسري، الكولونيل ماكنزي، الكابيتن علاء الدين، مستر ادموندز، شرف نجيب.
وأثناء تخطيط الحدود بين العراق وسوريا قدم الكولونيل شارل ديغول إلى القامشلي (ولم يكن يومها بعد جنرالاً) وحضر إلى بيت ميشال دوم. وكان قد حُفِر على الإشارات الحجرية التي تمّ نشرها على طول الحدود كلمة "دوم"[20]، ولا يزال بعضها موجوداً حتى اليوم.
في عام 1931 تم تعيين المواطن الشرف الأول ميشال بك دوم من قبل سوريا وفرنسا برئاسة بلدية القامشلي[15][21]. ومع صديقه مسيو تيريه والمهندس الفرنسي الجنسية واليوناني الأصل مسيو كرلمبو، انطلقوا في التخطيط[22] وأقاموا خرائط الهندسة المُدُنية (Urbanisme) لمدينة القامشلي انطلاقاً من مربعاتٍ عمرانية (Maillage) وطُرقاتٍ تقاطعية.
في ذلك العهد تمّ زرع أشجار الكينا والصفصاف في كل شوارع المدينة ولا يزال بعضها موجوداً في شارع البلدية وشارع الحمام، وحول نهر الجقجق.
وتم أيضاً في عهد ميشال دوم بناء أسواق التجارة (قيصرية)، كقيصرية سوق اللحمة وقيصرية فرنسا، وإشادة الأبنية الحديثة كالبرق والهاتف، وكان قد أصبح آنذاك عدد سكان القامشلي 25000 الف نسمة (1934).[23][24]
يذكر هنا أن بيت ميشال دوم كان من البيوت الاولى التي أُشيدت في مدينة القامشلي، وهو ما زال قائماً حتى اليوم في حيّ الوسطى (تقاطع شارع ربيعة مع شارع الجزيرة)، وقد شَهِد هذا المنزل على استضافة كبار الشخصيات السياسية الوافدة إلى القامشلي، ومنهم على سبيل الذكر فؤاد شهاب ورياض الصلح.
وفي ذلك العهد أُشيدت أيضاً كنيسة العذراء للسريان الأرثوذكس وتم بناء القصر البلدي.[12]
وكان ميشال بك دوم يُوزّع في نهاية كل موسم أكياس الحنطة والطحين على الفقراء والمحتاجين.
قُلّدَ ميشال بك دوم وسام الاستحقاق السوري، لأنه كان رجلاً وطنياً بامتياز وقد خدم سوريا خدمات جليلة كتوسيع الحدود ضمن المفاوضات الماراتونية خاصة من جهة الشمال. وكذلك قلّدت فرنسا ميشال بك دوم عام 1932 وسام إستحقاق الشرف الفرنسي برتبة شفالير (Chevalier de l'Ordre national de la Légion d'honneur).
وقد بقي ميشال بك دوم في رئاسة بلدية القامشلي حتى العام 1946 (وبقي المنصب بعده شاغراً لفترة من الزمن).
توفي ميشال بك دوم في بيروت (لبنان) في 22 ديسمبر عام 1971.
صُوَر من الأرشيف
مراجع
- محمد جمال باروت (٢٠١٨). التكوّن التاريخي الحديث للجزيرة السورية: أسئلة وإشكاليات التحوّل من البدونة إلى العمران النظري. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات, ١١٩٨ ص.
- جوردي غورغاس (٢٠١٣). الحركة الكردية التركية في المنفى. بيروت: دار الفارابي, ٤٢٨ ص.
- Gorgas, Jordi Tejel (2009-11-27). "Les territoires de marge de la Syrie mandataire : le mouvement autonomiste de la Haute Jazîra, paradoxes et ambiguïtés d'une intégration « nationale » inachevée (1936-1939)". Revue des mondes musulmans et de la Méditerranée (باللغة الفرنسية) (126). مؤرشف من الأصل في 28 نوفمبر 2019.
- Jordi Tegel (2008). Syria's Kurds: History, Politics and Society (باللغة الإنجليزية). Routledge.
- David Romano; Mehmet Gurses (2014). Conflict, Democratization and the Kurds in the Middle East: Turkey, Iran, Irak and Syria (باللغة الإنجليزية). .Springer, 322p.
- إسحاق أرملة. القصارى في نكبات النصارى.
- Tachjian Vahé, La France en Cilicie et en Haute-Mésopotamie. Aux confins de la Turquie, de la Syrie et de l’Irak (1919-1933), Paris, éditions Karthala, 2004, 465 p. Publications de l'Université de Provence. 2006. مؤرشف من الأصل في 14 ديسمبر 2019.
- نيافة المطران جورج صليبا. برية نصيبين.
- Velud, Christian (1993). "La politique mandataire française à l'égard des tribus et des zones de steppe en Syrie : l'exemple de la Djézireh". Riccardo Bocco et al. (éds), Steppes d'Arabie. Etats, pasteurs, agriculteurs et commerçants : le devenir des zones sèches. Graduate Institute Publications, Genève. مؤرشف من الأصل في 14 ديسمبر 2019.
- Christian Velud (1986). L'émergence et l'organisation sociales des petites villes de Jézireh, en Syrie, sous le mandat français (باللغة الفرنسية). Urbama, N° 16-17.
- عثمان, فارس (2015-08-05). "انتفاضة عامودا Toşa Amûdê 1937". مدارات كرد,www.medaratkurd.com. مؤرشف من الأصل في 13 أغسطس 201822 مايو 2019.
- "القامشلي ايام زمان..والمواطن الشرف رقم واحد ميشيل بيك دوم..ج ٢..بقلم سمير شمعون...المانيا - نسور السريان". www.nesrosuryoyo.com. مؤرشف من الأصل في 14 ديسمبر 201907 مايو 2019.
- روهم سمير (2016-11-06). "قامشلي ايام زمان … ميشيل بيك دوم…الجزء 3… بقلم سمير شمعون ". مجلة الســــريـان, www.syriac-union.com. مؤرشف من الأصل في 14 ديسمبر 201922 مايو 2019.
- FONDS CHEAM, ANONYME, « La vérité sur les événements de la Djézireh », n° 212.078, pp. 10-11.
- Archives dominicaines du Saulchoir, Haute Djézireh, Dossier 45, Vol. II « Déclaration de Michel Dôme, Président de la Municipalité de Qamishli, à S.E. Monsieur le Comte de Martel, Haut Commissaire » du 23 juillet 1937.
- "أنيس مديواية، القامشلي 1925 – 1958 نسخة محفوظة 06 يناير 2018 على موقع واي باك مشين". 2018: 226. مؤرشف من الأصل في 27 أبريل 2020.
- Gorgas, Jordi Tejel (2007-01-01). "The Terrier Plan and the emergence of a Kurdish policy under the French Mandate in Syria, 1926-1936". International Journal of Kurdish Studies (باللغة الإنجليزية). مؤرشف من الأصل في 14 ديسمبر 201923 مايو 2019.
- "مهند الكاطع: القامشلي 1928". التاريخ السوري المعاصر. 2018-11-15. مؤرشف من الأصل في 14 ديسمبر 201922 مايو 2019.
- David Mizrahi (2003). Genèse de l'Etat mandataire. Service des Renseignements et bandes armées en Syrie et au Liban dans les années 1920 (باللغة الفرنسية). Paris: Publications de la Sorbonne.
- CADN (Centre des Archives Diplomatiques de Nantes), Fonds Beyrouth (FB), Cabinet Politique (CP) 1055. Le Haut Commissaire de la République Française (Beyrouth) au Ministre des Affaires Etrangères (Paris), le 29 septembre 1927.
- Jordi Tegel Gorgas (2009). Repenser les nationalismes "minoritaires" : le nationalisme kurde en Irak et en Syrie durant le période des Mandats, entre tradition et modernité. A Contrario, 151-173.
- "القامشلي عروس الشمال السورية - الجزيرة أرض الحضارات - مدن الجزيرة". www.qamishly.com. مؤرشف من الأصل في 2 أبريل 201822 مايو 2019.
- "وجوه سريانية: ميشيل بيك دوم الجزء الاول - Gazire.com". www.gazire.com. مؤرشف من الأصل في 10 مايو 201910 مايو 2019.
- "بداية نشوءالقامشلي ...الجزء (٢)والمواطن الشرف رقم واحد ميشيل بيك دوم - Gazire.com". www.gazire.com. مؤرشف من الأصل في 20 يوليو 201822 مايو 2019.