الرئيسيةعريقبحث

نبوءة ذاتية التحقق


☰ جدول المحتويات


النبوءة ذاتية التحقق هي التوقع الذي يجعل من نفسه صحيحًا بشكلٍ مباشرة أو غير مباشر، وبنفس شروط التوقع أو النبوة ذاتها، بسبب ردود الفعل الإيجابية بين الاعتقاد والسلوك. على الرغم من وجود الأمثلة على مثل هذه النبوءات في الأدب خصوصًا بما يعود إلى اليونان القديمة والهند القديمة، إلا أن عالم الاجتماع روبرت ك. ميرتون الذي يرجع إليه الفضل في صياغة تعبير "نبوءة ذاتية التحقق" وإضفاء الطابع الرسمي على هيكلها وعواقبها. في مقالته في عام 1948 بعنوان "النبوة الذاتية"، عرّفها ميرتون كالتالي:

«إن النبوءة ذاتية التحقق هي أولًا تعريف خاطئ للوضع الذي يستحضر سلوكًا جديدًا يجعل من المفهوم الزائف الأصلي حقيقة. هذه الصلاحية الخادعة للنبوة التي تحقق ذاتها لها سياقٌ خاطئ. سيوثّق حامل النبوءة المسار الفعلي للأحداث كدليل على أنه كان على حق منذ البداية.[1]»

وبعبارةٍ أخرى، فإن النبوءة الإيجابية أو السلبية أو الاعتقاد القوي أو الوهم قد تؤثر بشكلٍ كبير على الناس حتى تحقق ردود أفعالهم النبوءة التي كانت في يوم من الأيام كاذبة.

النبوءة التي تحقق ذاتها هي محفّزات في أثر التأكيد السلوكي حيث يُسبب السلوك الذي تأثر بالتوقعات في تحقيقها. وهي مكملة للنبوة التي تهزم نفسها.[2]

تاريخ المفهوم

ينبثق مفهوم ميرتون عن النبوءة الذاتية التحقق المستقاة من نظرية توماس، التي تنص على أنه "إذا عرّف الرجال المواقف على أنها حقيقية، فهي حقيقية في عواقبها". وفقًا لتوماس، فإن الناس لا يستجيبون فقط للحالات التي يعيشون فيها، ولكنهم غالبًا ما يستجيبون في المقام الأول إلى الطريقة التي يدركون بها المواقف والمعنى الذي يعينونه لمفاهيمهم.[3] لذلك، يُحدد سلوكهم جزئياً من خلال فهمهم والمعنى الذي يعنونه للحالات التي يعيشون فيها، بدلاً من الحالات نفسها. بمجرد أن يقنع الناس أنفسهم بأن أي موقف له معنى محدد بالفعل، بغض النظر عما إذا كان كذلك، فسوف يتخذون بالنتيجة لذلك إجراءات حقيقية للغاية.[4]

طوَّر ميرتون هذا المفهوم وطبّقه على الظواهر الاجتماعية الأخيرة. في كتابه "النظرية الاجتماعية والبنية الاجتماعية"، يُعطي ميرتون مثالًا عن أحد البنوك التي يحدث بها خطأٌ ما فيبدأ العملاء بالقدوم وسحب أموالهم بالتدريج وخصوصًا بعد انتشار شائعة إفلاس البنك. سحب العملاء كل أموالهم بسبب تلك الإشاعة مما أدى فعلًا إلى إفلاسه. يختتم ميرتون هذا المثال بالتحليل التالي:

«يخبرنا المثال أن التعاريف العامة للوضع (النبوءات أو التوقعات) تصبح جزءًا لا يتجزأ من الحالة مما يؤثّرعلى التطورات اللاحقة. يعد هذا غريبٌ على الشؤون الإنسانية. لم يُوجد هذا الشيئ في عالم الطبيعة التي لم تمسها يد الإنسان. الخلاصة من المثال أن النبوءة بإفلاس البنك بعد حدوث ذلك الخطأ قد حققت نفسها.[5]»

استنتج ميرتون أن الطريقة الوحيدة لكسر دورة النبوءة الذاتية التحقق هي إعادة تحديد المعايير التي تستند إليها فرضيات النبوءة.

في نماذج التوقعات الاقتصادية للتضخم، فإن توقعات الناس للتضخم المستقبلي تقودهم إلى الإنفاق أكثر خلال اليوم ومطالبتهم بنسب اسمية أعلى وأهم للمدخرات حيث أنهم يتوقعون أن الأسعار سوف ترتفع. يؤدي هذا الطلب وزيادة الإنفاق في الوقت الحاضر إلى خلق ضغط تضخمي ويمكن أن يسبب التضخم حتى لو كانت توقعات التضخم في المستقبل غير موجودة. لعبت نظرية التوقعات للتضخم دوراً كبيراً في إجراءات بول فولكر خلال فترة توليه منصب الرئيس الفيدرالي الاحتياطي في مكافحة "الركود التضخمي" في عام 1970.[6]

تطبيقات

تكثر الأمثلة في دراسات نظرية التنافر المعرفي ونظرية الإدراك الذاتي أن الناس غالبا ما يغيرون مواقفهم لتتوافق مع ما يصرّحون به علنًا.[7]

طُبق هذا المفهوم في الولايات المتحدة الأمريكية على نطاقٍ واسع وبإستمرار في مجال إصلاح التعليم العام. قال ثيودور براميلد: "في أبسط العبارات، يقدر ويعزز التعليم كل العادات الشخصية والثقافية التي تُعتبر مقبولة ومهيمنة". وقد أختُبرت بشكل متكرر الآثار والمواقف الخاصة بالمعلمين ومعتقداتهم وقيمهم التي تؤثر على توقعاتهم.[8]

ظاهرة "حتمية الحرب" هي نبوءة تحقق ذاتها وقد تلقت الكثير من الدراسة.[9]

توجد هناك أدلة كثيرة من "تأثيرات التوقع بين الأشخاص" حيث يمكن للتوقعات الخاصة للأشخاص أن تتوقع نتائج العالم من حولهم. كما أن الآليات التي يحدث بها هذا الشيء هي مفهومة بشكلٍ جيد: فهي ببساطة أن توقعاتنا الخاصة تغير سلوكنا بطرق قد لا نلاحظها.[10][11]

هناك بعض الأمثلة المحددة المرتبطة بتأثيرات التوقع بين الأشخاص ونوقشت في علم النفس، نذكر منها:

  • تأثير "كليفر هانز"
  • تأثير المراقب-المتوقع
  • تأثير هاوثورن
  • تأثير الدواء الوهمي
  • تأثير بايجماليون
  • تهديد النمطية
  • الصورة النمطية

هذا النوع المحدد من النبوءة الذاتية التحقق شائعٌ جدًا ويتخذ أشكالًا متعددة. على سبيل المثال، قد يؤدي توقع تصرّف حزب سياسي بطريقة معينة على أساس العرق والدين والجنس في نهاية المطاف إلى تقليده للصورة النمطية للأحزاب الأخرى.

الأدب والإعلام والفنون

في الأدب، غالبا ما تُستخدم النبوءات ذاتية التحقق كأداةٍ في النص. استُخدمت هذه النبوءة في العديد من القصص لكنها اكتسبت الكثير من الشعبية مؤخرًا في مجال الخيال العلمي. عادةً ما تُستخدم بشكل مثير للسخرية مع الأحداث المصورة الناتجة عن تصرفات شخص يحاول منع النبوة. كما تستخدم في بعض الأحيان كفاصل كوميدي.[12]

الكلاسيكية

تستخدم العديد من الأساطير والحكايات الخيالية هذا العنصر كعنصر أساسي في الروايات المصممة لتوضيح مصير غير جيد. مثلًا، يتنبأ الطفل سواء كان حديث الولادة أم لم يُخلق بعد في القصة أن يسبب شيءًا لا يريده أولئك الذين في السلطة.[13]

اليونانية

المثال الأكثر شهرة من الأساطير اليونانية هو أوديب الذي حُذّر والده من أنه سيُقتل على يد طفله. تخلى لايوس عن ابنه المولود أوديب ليموت، لكن أوديب وجد وتربى في أحد المنازل بعد أن عُثر عليه مرميًا وحيدًا. حُذّر أوديب عندما أصبح شابًا عن طريق أحد العرّافين من أنه سيقتل والده ويتزوج من أمه، غادر أوديبوس المنزل تبعًا لاعتقاده أن والديه الحاضنين كانا والديه الحقيقيين وسافر إلى اليونان ووصل في نهاية المطاف إلى المدينة حيث يعيش والديه البيولوجيين. تعارك أوديبوس هناك مع شخصٍ غريب ليتبين في النهاية أنه والده بعد أن قتله وتزوج أرملته التي تبين فيما بعد أنها أمّه الحقيقية.[14]

ليس بالضرورة أن يتجنب الناس نبوءة من أجل أن تكون النبوءة محققة لذاتها. على سبيل المثال، عندما تنبأ بأن زيوس سيطيح بأبيه كرونوس ويحتل عرشه كملكًا للآلهة، فقد شن حربًا ضده في محاولة مباشرة لتحقيق هذه النبوءة. هذا يجعل النبوءة تحقق نفسها لأنها كانت هي التي أعطت زيوس الإلهام للقيام بذلك في المقام الأول.

الرومانية

إن قصة رومولوس وريموس مثال آخر. وفقا للأسطورة، أطاح رجل أخاه الملك ثم أمر بإغراق أبنائه رومولوس وريموس خوفاً من أن يقتلوه في يوم من الأيام كما فعل مع أخيه. وُضع الأولاد في سلة وألقوا بهم في نهر التيبر. وجدت إحدى الذئاب الأطفال الرضع وربّتهم. في وقتٍ لاحق، وجد الراعي التوائم وأطلق عليهم اسمي رومولوس وريموس. عرف الأخوين في وقتٍ لاحق هويتهم الحقيقية وقصة قتل عمهم لأبيهم فقتلوه بعد أن عرفوا مكانه وبذلك كانت النبوءة قد تحققت.

العربية

إن النبوءة التي تحقق ذاتها هي حلم يحقق نفسه. تستخدم العديد من الحكايات في ألف ليلة وليلة والمعروفة أيضًا باسم "الليالي العربية" هذه الأداة لتعطي بعض التلميحات عن أحداث القصة. ومن الأمثلة البارزة على ذلك "الرجل المدمر الذي أصبح غنيًا مرةً أخرى من خلال الحلم" حيث يُقال فيه للرجل بمغادرة مدينته الأم بغداد والسفر إلى القاهرة، حيث سيكتشف مكان وجود بعض الكنوز الخفية.[15]

يسافر الرجل إلى هناك ويفشل في إيجاد المكان بعد فقدانه الثقة في النبوءة، وينتهي به المطاف في السجن حيث يقول حلمه لضابط الشرطة. يسخر الضابط من فكرة الحلم ويخبر بطل الرواية أنه هو نفسه كان يحلم بمنزل مع فناء ونافورة في بغداد حيث دفن الكنز تحت النافورة. يُدرك الرجل أن المكان في الحلم هو منزله ثم يذهب بعد إطلاق سراحه إلى البيت ويحفر من أجل البحث عن الكنز. بعبارةٍ أخرى، لم ينبئ الحلم بالمستقبل فحسب، بل كان الحلم هو السبب في أن تنبؤاته قد أصبحت حقيقة. ظهر هذا النوع في وقتٍ لاحق في الفولكلور الإنجليزي.

الهندوسية

تظهر النبوءات الذاتية التحقق في الأدب الكلاسيكي السنسكريتي. في قصة كريشنا في الملحمة الهندية ماهابهاراتا، يظهر حاكم مملكة ماثورا خائفا من نبوءة توقعت موته على يد نجل أخته ديفاكي. ألقى الحاكم به في السجن وخطط على قتل كل الأولاد التي ستنجبهم أخته. ولدت أخت الحاكم ولدًا بعد قتل أول ستة أطفال لها واسمته كريشنا وهرّبته بعيدًا عن أيدي أخيها الحاكم الذي سيقتله فورًا. وبعد سنوات، عاد من أجل قتل الحاكم والانتقام منه، فبذلك قُتل الحاكم على يد الشخص الذي كان يحاول قتله من أجل أن لا تتحقق النبوءة.

مقالات ذات صلة

مراجع

  1. Merton, Robert K. (1948), "The Self Fulfilling Prophecy", Antioch Review, 8, صفحة 195, doi:10.2307/4609267, ISSN 0003-5769, JSTOR 4609267
  2. Darley, John M.; Gross, Paget H. (2000), "A Hypothesis-Confirming Bias in Labelling Effects", in Stangor, Charles (المحرر), Stereotypes and prejudice: essential readings, Psychology Press, صفحة 212,  , OCLC 42823720
  3. Thomas, W. I. (1928). The Child in America: Behavior Problems and Programs. New York: Alfred A. Knopf. صفحة 572.
  4. "How Money Supply and Demand Determine Nominal Interest Rates". ThoughtCo. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 201915 أكتوبر 2017.
  5. Merton, Robert K (1968). Social Theory and Social Structure. نيويورك: Free Press. صفحة 477.  . OCLC 253949.
  6. Popper, Karl (1976). Unended Quest: An Intellectual Autobiography. LaSalle, Illinois: Open Court.  . OCLC 2927208.
  7. Carrasco-Villanueva, M. A., El Efecto “Pricebo”: Cómo los precios pueden influenciar la percepción sobre la calidad del cannabis y sus implicaciones en las políticas de precios", Pensamiento Crítico, vol. 22, n. 2, pp 175-210 نسخة محفوظة 12 يونيو 2018 على موقع واي باك مشين.
  8. Brameld, T. (1972). "Education as self-fulfilling prophecy". Phi Beta Kappa. 54 (1): 8–11, 58–61 [p. 9]. Quoted by Wilkins (1976), p. 176.
  9. Allport, G. (1950). "The role of expectancy". In Cantrill, H. (المحرر). The Tensions That Cause Wars. Urbana: University of Illinois. صفحات 43–78.
  10. Rosenthal, Robert (2003). "Covert communication in laboratories, classrooms, and the truly real world" ( كتاب إلكتروني PDF ). Current Directions in Psychological Science. Blackwell. 12 (5): 151–154. doi:10.1111/1467-8721.t01-1-01250. مؤرشف من الأصل ( كتاب إلكتروني PDF ) في 16 يونيو 201604 مايو 2014.
  11. Rosenthal, Robert; Jacobson, Lenore (2003). Pygmalion in the Classroom. Crown House.  .
  12. Gladwell, Malcolm (2008). "1 – The Matthew Effect". استثنائيون. Little, Brown and Company. صفحات 20–25.  . ضع ملخصا.
  13. Helsen, WF; Starkes, JL; Van Winckel, J (2000-11-01). "Effect of a change in selection year on success in male soccer players". American Journal of Human Biology. 12 (6): 729–735. doi:10.1002/1520-6300(200011/12)12:6<729::AID-AJHB2>3.0.CO;2-7. PMID 11534065.
  14. Carlson, N. R. (19992000). Personality. Psychology: the science of behaviour (Canandian ed., p. 492). Scarborough, Ont.: Allyn and Bacon Canada.
  15. Ulrich Marzolph, Richard van Leeuwen, Hassan Wassouf (2004). The Arabian Nights Encyclopedia. ABC-CLIO. صفحة 109.  .

موسوعات ذات صلة :