هيبوليتوس هي مسرحية للكاتب الإغريقي " يوربيديس " الذي يعد أحد الثلاث الكبار، كتاب التراجيديا الأغريقية " إسخيلوس ، سوفوكليس " . يتناول يوربيديس بهذه المسرحية سمات الشخصية المتطرفة بطريقة موضوعية، وإدراك كاتبها أين يكمن موضع الخطأ فيها، وأين يوجد الاختلال في التركيبة النفسية لصاحبها. خاصة أن التطرف سمة مذمومة بالحياة اليونانية والعقيدة اليونانية بوجه عام، ولكن في هذه المسرحية نجد أن التطرف مذموما حتي في السمو، لأن فضيلة الإنسان هي الاعتدال، وهي الفضيلة الممكنة بشريا بحك محدودية الإنسان و محدودية قدراته، ولأن التطرف يتطلب تكوينا مخالفا للتكوين البشري الواقعي، وقدرات لا يملك الإنسان امتلاكها، ولو كان التطرف نوعا من التعالي علي الذات أو رغبة في الاندماج مع المطلق، فهو أمر يبدو حتي الآن محالا بسبب عدم امتلاك الإنسان لقدرات تمكنه من الوصول إلي قمة أو ذروة يسعى للتربع عليها بغير أن يحور مقومات ذلك [1].[2]
هيبوليتوس | |
---|---|
(بالإغريقية: Ἱππόλυτος) | |
تصغير
| |
النوع الفني | تراجيديا |
المؤلف | يوربيديس |
أول عرض | منتصف القرن الخامس قبل الميلاد |
بلد المنشأ | اليونان |
لغة العمل | الإغريقية |
شدت الأسطورة انتباه الأدباء والفنانين علي مدي العصور المتتالية. نظم الشاعر الإغريقي يوربيديس في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد تراجيدتين الأولى بعنوان "هيبوليتوس المقنع" و الثانية "هيبوليتوس المتوج" ، كما نظم سوفوكليس تراجيديا ثالثة بعنوان فايدرا ، و لم تصل لنا سوى شذرات قليلة من المسرحية الأولى والثالثة بينما وصل النص الثاني كامل [2].
ترجمت المسرحية للغة العربية في عام 2019، وذلك عن طريق المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت.[3]
الحبكة
تدور أحداث مسرحية هيبوليتوس للكاتب المسرحي " يوربيديس " حول " هيبوليتوس " الشاب الذي يضع الولاء للربة أرتميس في مكان الصدارة من نفسه، في الوقت الذي لا يلقي فيخ بالا لتعاليم الربة أفروديت ، بل إنه يمضي في تاديه إلي حد الاستهانة بسلطانها واحتقار عبادتها وشعائرها [4].
لقد كان هيبوليتوس يعزف عن جنس النساء برمته، ويمقته بصورة غير عادية، لأنه في نظره جنس يتنافى وتقاليد العفة والعذرية التي يقدسها [5].
و كان لزاما علي الربة أفروديت أت تؤكد سلطانها ومقدرتها لهذا المغتر، فتشعل نار الرغبة والاشتهاء في قلب زوجة أبيه فايدرا، وتحس الأخيرة من فورها نحوه بعاطفة جارفة [4].
و لأن فايدرا كانت تعلم أن مثل هذه العاطفة آثمة ومحرمة، فإنها تكبت عاطفتها، وتئد مشاعرها حتي ذبل عودها، وأصيبت بالسقم، واعتراها المرض. و تعلم مربيتها العجوز -و هي سيدة لا ينقصها الدهاء- بأن سيدتها تخفي عنها سرا خطيرا، وتحاول ستر أمر جلل، فتحتال عليها حتي تتمكن من حملها علي أن تبوح لها بسرها الدفين، خاصة وأنها تعلم أن المحبين هم أضعف الناس ، و أقلهم قدرة علي كتمان أسرارهم [5].
و لأن المربية العجوز كانت تشفق علي سيدتها، مما جعلها تبذل كل ما بوسعها حتي تبلغ هيبوليتوس أمر هذه العاطفة الجارفة التي أهلكت سيدتها، عل قلبه يرق ومشاعره تلين ويشعر بالشفقة عليها، ولكن الشاب المغتر يقابل هذا التصريح من المربية بالنفور والاستنكار، ويرفض هذه العاطفة الشائنة رفضا قاطعا [4].
و حينما تعلم فايدرا برد فعله الغاضب يجن جنونها، وتشعر بالمهانة والمذلة لاحتقار عاطفتها، فتصمم علي الانتقام، وتهتدي إلي أن خير طريقة لذلك هي أن تقدم علي الانتحار، بعد أن تكتب رسالة لزوجها " ثيسيوس " والد هيبوليتوس ، حيث أنه كان غائبا عن القصر أنذاك، تخبره بها أن إبنه قد أقدم علي الاعتداء عليها فانتحرت صونا لشرفها وكرامتها [6].
و حينما يعود الزوج يفاجأ بموت زوجته الغير متوقع، ويعلم بما حدث بعد قراءة الخطاب الذي تركته زوجته الراحلة، فتثور ثائرته علي ابنه، ولا يصغي لدفاعه عن نفسه. و لا لتوسلاته، بل يستمطر عليه اللعنات، ويتهمه بأنه يتستر خلف قناع العفة ليخفي أغراضه الدنيئة [6].
و يبتهل الوالد الحزين علي فقد زوجته، إلي الإله بوسيدون رب البحر أن ينتقم من ولده العاق، حيث إن هذا الإله كان قد وعد بتلبية ثلاث أمنيات يطلبها ثيسيوس منه [5].
و يخرج الشاب التعس مغضوبا عليه من الأب، مطرودا من القصر، منفيا عن المدينة. و بينما كان يقود عربته بحذاء الشاطئ وهو يفر من المدينة كالمجنون خرج وحش مخيف ساقه الإله بوسيدون من أعماق البحر وفتك بالشاب [5].
و يفد رسول ليعلن للوالد المكلوم أن ابنه الأمير قد تعرض لحادث دام، ثم يدخل أتباع الملك وهم يحملون هيبوليتوس جسدا مسجى الحياة و الموت [6].
ثم تتجلي الربة أرتميس في صورتها الربانية للملك وابنه، وتعلن علي الملأ طهارة هيبوليتوس وبراءته مما نسب إليه في خطاب فايدرا زورا وبهتانا، وتواسي الربة الشاب التعس في مصابه وتنبهه إلي تطرفه في عبادتها، وهو تطرف أدى به إلي نكرانه سلطان الربة أفروديت و بقية الأرباب، مما أدي في النهاية إلي دماره.
و ينهار الوالد التعس حينئذ، ويطلب من ابنه الصفح، لكن الابن يجود بأنفاسه الأخيرة بين ذراعي الوالد المنهار [5][6]
مفهوم الصراع بالمسرحية
من الناحية الشكلية يمكن أن يتلخص الصراع بالمسرحية بين ربتين " أفروديت ، أرتميس " أو بمعنى آخر بين الغريزة الجنسية والعفة أو الطهارة، حيث أن هيبوليتوس يقدس أحداهم وينكر سلطة الأخرى [7].
و لكن يوربيديس جعل هناك مستويات عدة وتأويلات تحملها المسرحية من بينها، التأمل في المشاعر المتباينة داخل النفس الإنسانية وذلك بداخل هيبوليتوس نفسه فما بين العفة والزهد و الغريزة الطبيعية. و نستنتج من شخصية التي أنكبت علي طريق الصواب -من وجهة نظره- دون عقد المصالحة بين الرغبات التي تبدو متعارضه بداخله، وبدلا من اعتقاده بأن لكل رغبة منهما ضرورتها الحيوية وأهميتها في حياته، نجده ينقاد بكليته إلي أحداهما ويتمادى في تجاهل الأخرى لدرجة الازدراء، ومن هنا تنبع مأساته التي تنتهى بهلاكه [8].
و من هنا يوضح يوربيديس أن الخطأ البشري يكمن في التطرف الذي يمنع الإنسان من الفهم الصحيح لأي موقف، فيراه موقف خاطئ ولو كان هدفه الوصول إلي الأمور الخيرة الفاضلة. و منه يوضح أن الإنسان كائن مركب لا يحتوى علي عناصر ذات اتجاه واحد، وأن عظمته تكمن في سر تلك التركيبة المعقدة التي تضم مختلف الاتجاهات جنبا إلي جنب بغير تعارض حقيقي [9].
عالجت المسرحية سمات الشخصية المتطرفة بطريقة موضوعية، وأوضح الكاتب أين يكمن الخطأ والاختلال في التركيبة النفسية للشخصية. سمة التطرف تعد من السمات المنبوذة بالعقيدة اليونانية والحياة اليونانية بشكل عام، رغم تصوير هذه السمة بالمسرحية أنها حميدة لصاحبها ولكن يصل بالنهاية لمصير مأساوي وذلك لأن فضيلة الإنسان هي الاعتدال-كما يريد يوربيديس تصويرها- . و هي الفضيلة الممكنة بشريا بحكم محدودية الإنسان ومحدودية قدراته، ولأن التطرف يتطلب تكوينا مخالفا للتكوين البشري الواقعي، وقدرات لا يملك الإنسان امتلاكها، ولو كان التطرف نوعا من التعالى علي الذات أو رغبة في الاندماج مع المطلق، فهو أمر يبدو حتي الآن محالا بسبب عدم امتلاك الإنسان لقدرات تمكنه من الوصول إلي قمة أو ذروة يسعى للتربع عليها بغير أن يحوز مقومات ذلك [10].
البعد الأسطوري
تشتهر الأسطورة باسم أسطورة فايدرا التي عشقت هيبوليتوس ابن زوجها، وتمثل أسطورة فايدرا جزءا من مجموعة الأساطير التي تناقلها الإغريق عن ثسيوس أحد الملوك الأسطوريين لأثينا [2].
لم يكن هيبوليتوس مجرد شخصية أسطورية، لكنه كان موضوعا لعبادات محلية قامت في كل من أثينا و ترويزون. كانت عبادة هيبوليتوس في ترويزون قديمة وهامة يشير يوربيديس إلي هذه العبارة علي لسان الربة أرتميس أبيات " 1423-1429" [11]
تنبع المسرحية من بعد أسطوري ويعود إلي " هيبوليتى " و هي امرأة أمازونية تنتمي لطائفة من النساء تتنكر لجنسها وتتشبه بالرجال ، و مع ذلك فإن هذه الطائفة من "الأمازونيات" و هذه الطائفة تكره إيضا جنس الرجالو تمقته مقتا شديدا رغم تشبهها به. و من أجل هذا الاعتقاد اعتزلت " هيبوليتى " و رفيقاتها الرجال ، و عشن بمجتمع خاص بهن، وكرسن أنفسهن للحرب والقتال عن طريق تجاهل طبيعتهن الأنثوية، لدرجة أن كل واحدة منهن تخلصت من أحد ثدييها حتي لا يعوقها عن رمى السهام [12].
حيث بعد تولي ثيسيوس " والد هيبوليتوس " عرش أثينا حقق إنجازات لا حصر لها، إنجازات سياسية واقتصادية و عسكرية ومن بين إنجازاته العسكرية إخضاع مملكة الأمازونيات ، هذه المملكة التي تعبد الربة أرتميس " ربة العفة والصيد و العذرية " و يتجاهن عبادة الربة أفروديت ، و كانت ملكة المملكة أنذاك هي هيبوليتي، بعد غزو ثيسيوس للمملكة وجدت هيبوليتي نفسها وجها لوجه أمام ثيسيوس ، عشقته من أول نظرة وذلك بعد إلقاء الربة أفروديت بسهام الحب في قلبها نحوه عقابا لها علي تشبثها بعبادة الربة أرتميس ، تزوجا وانجبت هيبوليتي " هيبوليتوس " ثم ماتت. فأصبح ثيسيوس بلا زوجة فتذكر زوجته الأولى " أريادنى " و لكنها تزوجت من الإله ديونيسوس ، فقرر الزواج من أختها فايدرا، فهي تشبه أختها بكل شئ، احبت فايدرا ثيسيوس وانجبت له ولدان " أكاداماس، ديموفون " و رأي ثيسيوس أن ولديه من فايدرا أحق بالحكم من بعده، فقرر التخلص من ابن الأمازونية هيبوليتي، فأرسله للعيش في بلاط جده " بيتثيوس " في " ترويزن " و هكذا عاش هيبوليتوس بعيدا عن والده، وقضي حياته في عبادة الربة أرتميس و سلك مسلك والدته وتجاهل الربة أفروديت ، فغضبت منه الربة أفروديت كما غضبت من والدته وقررت الانتقام منه كما فعلت سابقا [13]
أقام هيبوليتوس في ترويزن وكرس حياته للصيد وممارة الرياضة وعبادة الربة أرتميس ، و أقام معبدا جديدا لها، هذا السلوك زاد من غضب الربة أفروديت، وقررت الانتقام. و ذلك خلال الاحتفالات بأعياد إليويس ظهر هيبوليتوس في ثياب بيضاء ناصعة، ممشوق القوام وقوى البنية وبهي الطلعة، يسير هو ومجموعة من الشباب من هواة الصيد والرياضة، هذه الاحتفالات التي ذهبت لها فايدرا أيضا وذلك بتدبير من الربة أفروديت و هناك قذفت الربة أفروديت بسهام العشق بقلب فايدرا ، و احبت فايدرا هيبوليتوس، في المقبل لم يرها هيبوليتوس و لم يرَ أي امرأة حيث أنه عازف عن النساء جميعا [14]. و بعد انتقال هيبوليتوس للعيش مع والده بأثينا اصبحت اللقاءات بينهم أكثر مما زاد من رغبة فايدرا نحوه، بهذا الوقت لم يكن ثيسيوس بأثينا بل كان مع صديقه بيريثوس برحلة.[15].
استخدم يوربيديس هذا البعد الأسطوري ليكون خلفيته ليبدأ مسرحيته، وهذا من خلال نسب هيبوليتوس بطل المسرحية ، و هو ابن هيبوليتى. و من انكار الأم لطبيعتها الأنثوية، وبسبب ذلك نشأ هيبوليتوس علي التجاهل العكس لطبيعته، وصار رجلا يمقت الجنس المخالف له وهو جنس النساء . رغم هذا لم يرد يوربيديس لاستخدام هذا النسب فقط كاسقاط لحالة البطل المأساوية، بل جعله خلل نفسي نابع من شخصيته [12].
الشخصيات[16]
الترتيب حسب الظهور بالمسرحية
- أفروديت : ربة الحب والجمال و الشهوة.
- هيبوليتوس : ابن الملك ثيسيوس من إحدى الأمازونيات و هي زوجة سابقة للملك.
- التابع: واحد من رجال هيبوليتوس .
- الجوقة: و ينقسم إلي
- المربية: مربية فايدرا العجوز ومعها منذ الصغر.
- فايدرا : زوجة الملك ثيسيوس الحالية.
- ثيسيوس : ملك أثينا و ترويزين ووالد هيبوليتوس .
- الرسول: واحد من خدم هيبوليتوس .
- أرتميس : ربة الصيد والزهد و العفة.
- شخصيات أخرى " أتباع، خدم، وصيفات " .
تحليل الشخصيات
هيبوليتوس
لقد أظهر يوربيديس جانبا أساسيا من شخصية هيبوليتوس ، و هو الجانب الذي يوضح تطرفه في التزام العفة والطهر، وهو مسلك دفعه في الواقع إلي تجاهل بقية الجوانب الأخرى التي تشكل وجوده، و منها الجانب العاطفي. و يري الكاتب أن هذا السلوك غير طبيعي. فكما أن لكل رب أو ربة ميدانه الذي ينبغي علي البشر أن يقدسوه من أجله، و يقروا بسلطانه فيه، كذلك فإن لكل جانب من جوانب الحياة البشرية ضرورته الحيوية من أجل استمرار الحياة الإنسانية [17].
هذا السلوك من جانب هيبوليتوس قد دفع به دفعا إلي المأساة، فحتي لو لم تتدخل زوجة أبيه بمثل هذه الصورة في حياته، فسيصل بطريقه أو بأخرى للهلاك. و رغم أن يوربيديس يدين مسلك هيبوليتوس و يبين اختلاله إلا أنه في الوقت نفسه يؤكد سموه و نبله كشخصية تراجيدية في أكثر من موضع، فعلى سبيل المثال أعطانا المؤلف الإحساس بالسمو في تصرف البطل حينما فوجئ باتهام هو منه برئ، فجعل دفاعه عن نفسه دون كلمه واحده من شأنها أن تدين زوجة أبيه أو تدنس شرفها رغم أتهامها له بالباطل. و بذلك اكتملت صورة هيبوليتوس التراجيدية بالمسرحية، حيث أن البطل التراجيدي يتحمل المعاناة بغير أن يتزعزع، و هو سام في سقطته كما هو سام في نواحي حياته الأخرى، كما أن خطأه لا يتناقض مع سموه، و لا ينتقص من قدره [17].
إن الغطرسة التي انساق إليها هيبوليتوس تعود إلي شعوره بالتفوق، و هو شعور تولد لديه من تمسكه بالطهارة و العفة إلي درجة الهوس، و هو هوس ديني ملك عليه لبه و منعه من رؤية الأمور بشكل سليم. لقد تنكر هيبوليتوسللعاطفة التي وجد عن طريقها في الحياة، العاطفة التي بها استطاع الإنسان تعمير الكون. إن خطيئة هيبوليتوس ليست مجرد انحراف بالغريزة عن مسارها الطبيعي ، بل هي تجاهل تام لها رغم ضرورتها في حياة البشر [18].
فايدرا
فايدرا هي امرأة تعيسة بكل المقاييس ، لأنها -من ناحية- فريسة لرغبة جامحة عارمة لا يد لها فيها ، حيث إنها مسلطة عليها من قبل الربة أفروديت ، و من ناحية أخرى كان عليها أن تقاوم عاطفتها ، حيث إنها عاطفة آثمة تجاه من هو محرم عليها حبه [19].
و لكن فايدرا تشعر بالمهانة و الإذلال حينما تتبين أن الشاب الذي تهيم به حبا متعجرف صلب ، حيث كان بوسعه ردها بلطف و يعينها علي نسيان عاطفتها و أن يقدر ضعفها الأنثوي ، لكنه تعالى عليها و ثار في وجه عاطفتها ، مما جعلها عرضة للافتضاح. إن كرامتها الأنثوية الجريحة تدفع بها رغما عنها إلي الانتقام ، و إلي تدمير خصمها ، لكن دمار هذا الخصم لم يكن له أن يتم دون أن تدمر ذاتها قبل تدميره. و من هنا جائت فكرة الانتحار كخلاص لهمومها ، و شفاء لعاطفتها المدمرة و لحبها الذي صار بلا جدوى ، و كانتقام ممن أهان أنوثتها و احتقر مشاعرها.[20].
وظف يوربيديس موتها بالمسرحية فهو تدليل علي حماقة هيبوليتوس و إن فايدرا ما هي إلا أداة بريئة ارادت الربة أفروديت أن تبرهن من خلالها علي سلطتها. أما بقاء هيبوليتوس علي قيد الحياة بعد موتها فوظفه يوربيديس لتحقيق عملية العقاي بعد سقوط هيبوليتوس في الخطأ التراجيدي و هو التطرف.
حرص يوربيديس علي أن يصور فايدرا امرأة عفيفة سامية الخلق في المقام الأول: فحينما تقع تحت تأثير الربة أفروديت و حينما تحس بالرغبة المحمومة تجاه هيبوليتوس ، تكبت من فورها تلك الرغبة لأنها آثمة و محرمة ، و لأنها بوصفها سيدة فاضلة تعتبر أن مثل هذه العاصفة نزوة و خطيئة لا يليق بها الانحدار إليها ، و لكن هذا الكبت لمشاعرها التي استبدت بها ، و سيطرت عليها ، يدفعها إلي الوقوع فريسة للعذاب و المعاناة و من ثم للمرض الجسدي. و حينما تعلم فايدرا بانكشاف سرها للشاب و رفضه لعاطفتها باحتقار ، شعرت بالغضب فنسيت تعقلها و مقاومتها للعاطفة و سعيت للانتقام [20].
غياب فايدرا من مسرح الأحداث باكرا لا يعد خطأ بل هو للتركيز علي مأساة هيبوليتوس ، ففايدرا ما هي إلا أداة لإنزال الدمار الذي قدرته الربة أفروديت علي البطل. و ما يشكل أهمية هو دمار هيبوليتوس لا دمار فايدرا ، حيث أن الأول يخضع لقانون الإثم الأرسطي في حين لا تخضع له فايدرا [21].
ثيسيوس
هناك شخصية ثالثة تقف بين الشخصيتان الرئيسيتين و هي " ثيسيوس " الوالد و الزوج ، حيث أنه فقد ابنه و زوجته في آن واحد ، فهو الذي وقع فريسة لحب زوجته فصدق خطابها المزعوم ، و جنى علي ولده التعس. أهمية هذه الشخصية نابعة من الصلة التي تجمعها بكلتا الشخصيتان -طرفي الصراع- [22].
كما أن شخصية ثيسيوس قد بنيت بمهارة رغم حضورها القليل ، كان تصرف منطقي سواء عند فجيعته لفقد زوجته ، أو عند صدمته في سلوك ولده، أو عند حسرته و ندمه بعد ما تبينت له براءة هذا الابن ، غير أن يوربيديس يريد من خلال شخصية الأي تجسيد جزءا من معاناة هيبوليتوس ، فالاتهام الظالم الذي وجهه ثيسيوس إلي ابنه ، و العقاب الذي حل بذلك الابن التعس يجعل تعاطفنا يزداد علي البطل بعد إحساسنا بالاستياء من تكبره و بالنفور من صلابه بالبداية [22].
إن قسوة الأب و تحامله علي الابن توضح الجانب الآخر من شخصية هيبوليتوس ، و هو الجانب الذي يتضح به نبله و سموه الخلقي ، الذي جعله يأبى أن يثبت براءته عن طريق تدنيس شرف زوجة أبيه. و ظهر هذا بوضوح عن طريق مسلك الأب المتدرج من إبنه [22].
المربية العجوز
أما المربية فرغم أنها شخصية ثانوية إلا أن يوربيديس جعل لها أهمية ما ، فأحاديثها تحمل قدرا من المرح و الحيوية. و هي امرأة عجوز لا ينقصها الدهاء الذي يصل بها أحيانا إلي حد المكر ، و لكنها مع ذلك أمينة علي سر سيدتها ، إذ حافظت علي كتمانه لفترة طويلة دون أن تنبس ببنت شفة. و لم تبح بسرها للشاب إلا عندما أسقط في يدها و خافت علي سيدتها من الهلاك ، فاضطرت رغما عنها لمصارحة الشاب ، رغبة منها في أن تظفر منه بما يشفي سيدتها من رغبتها المستبدة .
تعد الشخصية رغم صغر الدور لكنها ضرورية فهي شخصية وظيفية محركة للحدث من خلال ما كشفته من سر خفى لسيدتها ، كذلك تدفع الأحداث الدرامية قدما إلي الأمام ، و تساهم في بلوغها هدفها المرسوم .
الجوقة
دائما ما ترسم الجوقة لدي يوربيديس بأناشيدها الرائعة لوحة خلابة جميلة ، تصلح كخلفية للأحداث ، لكنها مع جمالها الفني تكون عادة- بعيدة عن ربط الأحداث ببعضها كما يفعل سوفوكليس . يضع يوربيديس جوقتين بالمسرحية لا واحدة ، إحداهما مصاحبة لهيبوليتوس و تتعاطف معه علي الدوام ، و الأخرى مرافقة لفايدرا و تشاركها رغباتها و تتفهم موقفها [23].
نجح يوربيديس من خلال هذا الاستخدام المزدوج في أن يكسب أحداث المسرحية صفة التضاد ، و أن يضفي في الوقت نفسه حيوية دافقة علي حالة الشخصيات النفسية. و يري بعض النقاد أن الكثير من أغاني الجوقة لدي يوربيديس كانت هروبية ، و تحمل حلم الشخصية و رغباتها الكامنة في التخلص من واقعها المأساوي و تطلعها إلي واقع آخر تخيلي و تعتقد أنه أفضل لها بطبيعة الحال [23].
الزمان
يعود زمن المسرحية إلي ما قبل التاريخ الإغريقي [24].
المكان[24]
قصر الملك ثيسيوس ، في مدينة " ترويزن.
الديكور
تظهر واجهة القصر الفخم الضخم ، في أحد جانبى المسرح تمثال للربة أفروديت ، و الجانب الآخر تمثال للربة أرتميس .
السمات الفنية بالمسرحية
تتضح في هذه المسرحية خصائص يوربيديس الفنية ، خاصة ما يتعلق منها بالمقدمة و دور الجوقة. فالمقدمة قد صيغت بمهارة علي لسان الربة أفروديت ، حيث لخص بها يوربيديس خلفية أحداث المسرحية ، و مهد للفعل الدرامي الذي سيعرض علي المشاهدين بصورة تفصيلية بعد ذلك [25].
تعد أحد سمات يوربيديس الفنية أنه يجعل البرولوج أو المقدمة تلقي علي لسان أحد شخصيات العمل سواء كانت شخصية بشرية أو إلهية. تظهر الربة أفروديت في مقدمة المسرحية و تظهر الربة أرتميس في الختام ، حيث أنهم شخصيات بالمسرحية . يستخدم يوربيديس الشخصيات الإلهية لتكون رموز للقوى الداخلية للإنسان كما أنه يجسدها في الصورة الإلهية و يجعلها شخصيات حتي يحقق للدراما الحيوية ، و من خلالها يتضح للجمهور جزء كبير من المعرفة عن خلفية الأحداث [26].
كذلك يلجأ يوربيديس بالنسبة لأحاديث الرسل و الإسهاب في الوصف ، إلي التأثير البلاغي علي السامعين ، و طريق مميزة يستخدمها ، إذ يعتقد أن التفصيل في الوصف ، و الأسهاب في السرد مع تنوعه -يمنح أحاديث الرسل جاذبية- ، و يضفي عليها حيوية تجعل المشاهد يتقبلها باهتمام ، و لا يعرض عنها ، أو، يمل من متابعتها [26].
تناولات أخرى
في فرنسا نظم فيليب كوينو (1635-1688)تراجيديا غنائية في خمسة فصول بعنوان "ثيسيوس" ، حيث وضع موسيقاها الموسيقار لوللي ، و عرضت لأول مرة عام 1675 . ثم كتب جان راسين (1639-1699) تراجيديا بعنوان "فايدرا" و عرضت لأول مرة 1677 . كما كتب في نفس العام بيقولاس برادو (1632-1698)تراجيديا بعنوان "فايدرا و هيبوليتوس" لينافس بها تراجيديا راسين . كما كتب الناقد الروائي و الكاتب المسرحي أندريه جيد (1869-1951)-الذي حصل علي جائزة نوبل في الأدب عام 1947- رواية نثرية بعنوان ثيسيوس و ظهرت عام 1946 [27].
في بريطانيا كتب إيموند سميث في عام 1706 تراجيديا بعنوان فايدرا و هيبوليتوس و هي إعداد لتراجيديافايدرا لراسين . و في عام 1733 وضع جان فيليب رامو (1683-1764) موسيقى أوبرا هيبوليت وأريسى من تأليف القديس بللبجرين. في عام 1873 وضع جول مارسينيه افتتاحية موسيقية لتراجيديافايدرا لراسين ، و في عام 1900 وضع موسيقى الخمسة أجزاء أخرى للتراجيديا[28].
في عام 1926 وضع آرثر هونيجر الموسيقى التصويرية لنص فايدرا لمؤلفها دانونزيو. في عام 1950 وضع جورج أوريك موسيقى لباليهتراجيديا تأليف جان كوكتو (1892-1963) . و في عام 1975 وضع بنيامين بريتين (1913-1976) لحنا لترجمة فايدرا لراسين التي قدمها روبرت لوويل و عرضت في عام 1976 [28].
انظر أيضاً
المصادر
- أساطير إغريقية "أساطير البشر" ،د/ عبد المعطي شعراوي ، ج1 ، ط 3 ،الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة.
- هيبوليتوس ، يوربيديس ، ترجمة: عبد المعطي شعراوي ، مراجعة: أحمد عتمان ، سلسلة " من المسرح العالمي " ، عدد 182 ، 1984تصدر عن وزارة الإعلام ، الكويت.
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، سلسلة أدبيات ، الشركة المصرية العالمية للنشر - لونجمان ، ط 1 ، 1994 ، القاهرة.
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم
- أساطير إغريقية "أساطير البشر" ،د/ عبد المعطي شعراوي ، ج1 ،ص223
- "ترجمة عربية لمسرحية «هيبوليتوس»". الشرق الأوسط. مؤرشف من الأصل في 4 أبريل 201901 أبريل 2019.
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص220
- هيبوليتوس ، يوربيديس ، ترجمة : عبد المعطي شعراوي
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص221
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص 222
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص222
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص223
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص224
- هيبوليتوس ، يوربيديس ، ترجمة : عبد المعطي شعراوي ، ص:5
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص 224
- أساطير إغريقية "أساطير البشر" ،د/ عبد المعطي شعراوي ، ج1 ،ص 204
- أساطير إغريقية "أساطير البشر" ،د/ عبد المعطي شعراوي ، ج1 ،ص 206
- أساطير إغريقية "أساطير البشر" ،د/ عبد المعطي شعراوي ، ج1 ،ص 207
- مسرحية هيبوليتوس ، يوربيديس ، ترجمة د/ عبد المعطي شعراوي ، ص:21
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص 225
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص 226
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص 227
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص 228
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص 229
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص 230
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص 232
- هيبوليتوس ، يوربيديس ، ترجمة و تقديم : د/ عبد المعطي شعراوي ، ص:21
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص231
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص232
- أساطير إغريقية "أساطير البشر" ،د/ عبد المعطي شعراوي ، ج1 ،ص224
- أساطير إغريقية "أساطير البشر" ،د/ عبد المعطي شعراوي ، ج1 ،ص225