ابتكر الأمازيغ خط التيفيناغ وهو من أقدم الأبجديات التي عرفتها الإنسانية، التي يرجع وجودها إلى ثلاثة آلاف سنة قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام تقريباً كما تشهد على ذلك الكتابات والنقوش التي تمثل الصحراء وأفريقيا الشمالية [1]. وقد نجح المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في معايرته. وهو الخط الذي تبناه النظام التعليمي في المغرب لتلقين الأمازيغية. تجدر الإشارة إلى أن كتابة التيفيناغ بقيت مستعملة بدون انقطاع من طرف الطوارق في حين كتب الأمازيغ بكتابات أجنبية غير أمازيغية بعد خضوعهم للأجانب وتأثرهم بهم.
التيفيناغ أبجدية قديمة كانت تستخدم في شمال إفريقيا بين الأمازيغ والطوارق، يختلف دارِسوا أصول الكتابات في أصلها، فيعتبر البعض أنها أصيلة بمعنى أن مُوجِدوها لم يعتمدوا على كتابة سابقة لإنتاجها، بينما يرى آخرون أنها ترجع إلى الفينيقية للاعتقاد السائد بكون الفينيقية أم الكتابات التي انتشرت من بعدهم في العالم.
إتجاه كتابة التيفيناغ متنوع، والكتابة من اليمين إلى اليسار منتشرة، ولكن النقوش الليبية الأقدم تستخدم اتجاه غير اعتيادي هو من الأسفل إلى الأعلى، والنسخة الحديثة التي قدمت بها "الأكاديمية البربرية" في ستينات القرن الماضي، تكتب من اليسار إلى اليمين، وتستخدم الحركات، وتم تعديلها لتناسب الصوتيات المستخدمة بين سكان الأمازيغ في الشمال وقد تم إتخاذ شكل معدّل من هذه النسخة لأغراض التدريس في المغرب.
تيفيناغ المُسند الحِمْيَري
يقدم تيفيناغ على أنه خط مغربي في حين أنه فرع عن خط المسند الحميري.
خط عربي مخالف للخط الحالي
- قال الجوهري: والعرب تسمِّي خَطَّنا هذا جَزْماً. قال ابن سيده: والجَزْمُ هذا الخطُّ المؤَلَّف من حروف المعجم؛ وقال أَبو حاتم: سُمِّيَ جَزْماً لأنه جُزِمَ عن المُسْنَدِ، وهو خَطُّ حِمْيَر في أَيام مُلْكهم، أي قُطِعَ.[1]
- قال الخليل: حروف المعْجَم مخفّف، هي الحروف المقطَّعة، لأنّها أعجمية، وكتابٌ مُعَجَّم، وتعجيمه: تنقيطه كي تستبين عُجْمَتُه ويَتضِحَ.
- فقال ابن فارس: وأظنُّ أن الخليل أراد بالأعجمية أنّها ما دامت مقطَّعةً غير مؤلّفة تأليفَ الكلامِ المفهومِ، فهي أعجميَّة؛ لأنَّها لا تدلُّ على شيء. فإن كان هذا أراد فله وجه، وإلاّ فما أدري أيَّ شيء أَرَادَ بالأعجميَّة.[2] وسميت أعجمية لأنها تطورت عن الخط الآرامي
قال ابن منظور: والمُسْنَدُ خط لحِمْيَر مخالف لخطنا هذا، كانوا يكتبونه أَيام ملكهم فيما بينهم، قال أَبو حاتم: هو في أَيديهم إِلى اليوم باليمن، وفي حديث عبد الملك: أَن حَجَراً وُجد عليه كتاب بالمسند؛ قال: هي كتابة قديمة، وقيل: هو خط حمير[3]
من كتاب l'Arabie du Sud لكريستيان روبن
قال ابن دريد: وهذا الخطّ الذي يُكتب به اليوم يُسمَّى المُعْجَم والمعجَّم والجَزْم. والمُسْنَد: خَطّ حِمْيَرَ في أيام مُلكهم، وهو في أيديهم إلى اليوم باليمن.[4]
أي أن الحِمْيَريين استخدموا المسند على الأقل إلى الثلاثة قرون الأولى بعد الهجرة.
وقالَ في أماليه: اخبرني السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن أبي الكلبي عن عوانة قالَ: أول من كتب بخطنا هذا، وهو الجزم، مرامر بن مرة وأسلم بن جدرة الطائيان، ثم علموه أهل الانبار، فتعلمه بشر بن عبد الملك أخو أكيدر بن عبد الملك الكندي صاحب دومة الجندل، وخرج إلى مكة فتزوج الصهباء بنت حرب بن امية اخت أبي سفيان، فعلَّم جماعة من أهل مكة، فلذلك كثر من يكتب بمكة من قريش، فقال رجل من أهل دومة الجندل من كندة يمن على قريش بذلك:[5]
لا تجحدوا نعماء بشر عـلـيكـمـو
فقد كان ميمون النـقـيبة ازهـرا
اتاكم بخط الجزم حتى حفظـتـمـو
من المال ما قد كان شتى مبعـثـرا
واتقنتمو ما كان بالمال مـهـمـلا
وطامنتمو ما كان منـه مـنـفـرا
فأجـريتـم الاقـلام عـودا وبـدأة
وضاهيتمو كتاب كسرى وقيصـرا
واغنيتمو عن مسند الحـي حـمـير
وما زبرت في الصحف اقيال حِمْيرا
وكانت قريش تستخدم خط المسند قبل بشر بن عبد الملك الذي لقنهم خطاً لا عهد لهم به، وهو خط رسمي عند الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية آنذاك، الخط الآرامي.
المصاحف العثمانية بخط الجزم
اجتمع رأي الصحابة على مرسوم المصاحف العثمانية وكانوا اثنا عشر ألفا، وقد أجمع أئمة المسلمين على اِتباعهم، فتلقى المسلمون ما كتبه الصحابة بالتسليم والقبول، فكتبوا بالجزم ولم يلتفتوا إلى المسند.
في الإسلام تطور خط الجزم إلى الخط الكوفي نسبة إلى الكوفة المدينة التي أنشئت في زمن خلافة عمر بن الخطاب.
قال الضباع: ”لما ظهرت أمة الإسلام بمكة كان الذين يكتبون العربية فيها من المسلمين أربعة عشر شخصا وأكثرهم من الصحابة وهم: علي بن أبي طالب - عمر بن الخطاب - طلحة بن عبيد الله - عثمان بن عفان - أبان بن سعيد بن خالد بن حذيفة بن عتبة - يزيد بن أبي سفيان - حاطب بن عمرو بن عبد شمس - العلاء بن الحضرمي - أبو سلمة بن عبد الأشهل - عبد الله بن سعد بن أبي السرح - حويطب بن عبد العزى - أبو سفيان بن حرب - معاوية بن أبي سفيان - جهيم بن الصلت بن مخرمة.
لما تمت الهجرة إلى المدينة المنورة ووقعت غزوة بدر أسر الأنصار سبعين قرشياً فجعلوا على كل أسير فداء من المال وعلى كل من عجز عن الافتداء بالمال أن يعلم الكتابة لعشرة من صبيان المدينة ولم يكن الكتابة بها قبلئذ: فبذلك كثرت فيها الكتابة وصارت تنتشر في كل ناحية فتَحها الإسلام في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته صار أمراء الإسلام يأخذون في نشر الكتابة حتى انتشرت انتشاراً عاماً وتقدمت تقدماً تاماً. خصوصاً بعد أن وضع العلماء لها من القواعد والموازين ما كان سبباً قوياً لوصولها إلى ما وصلت إليه الآن من جمال الخط وكمال الوضع وحسن التركيب وكان الفضل في ذلك منسوباً لعلماء الكوفة لأنهم أول من أدخل في الكتابة التحسين حتى أنها سميت الكتابة الكوفية نسبة إليهم. وكانت تسمى قبل ذلك بالجزم لكونها جزمت ((أخذت)) من المسند الحِمْيَري. ثم لعلماء البصرة وكانوا يكتبون بأقلام مختلفة على أشكال متنوعة ولكنها لم تكن من الإجادة على ما يرام حتى نبغ ابن مقلة وزير المقتدر بالله أحد خلفاء الدولة العباسية فهو من حوّل بمهارته الكتابة من صورتها الكوفية إلى صورتها الحالية، وحذا حذوه في ذلك أبو الحسين علي بن هلال البغدادي المعروف بابن البواب، وتبعهما كثير من العلماء على هذا التحوير والتحسين حتى وصلت الكتابة العربية إلى ما هي عليه الآن من جمال الرونق وحسن الموضع “[6]
ما هو أصل الخط تيفيناغ؟
إن معاينة سلسة خط تيفناغ وخط المسند تجعل المرء يدرك التشابه الكبير بين الخطين، بل إن الحروف نفسها.
ورغم ذلك فقد اختلف الباحثون حول الأصل الذي تفرعت عنه كتابة تيفيناغ
فهناك من اعتبره مجهول المصدر
وهناك من جعله اكتشاف محلي
وهناك من جعلها فرع عن الكتابة الفينيقية
وهناك من جعلها فرع عن اليونانية
…[7]
وأنا أتصفح كتاب ابن النديم الفهرست، استوقفتني صورة الخط الحبشي الذي وجدته كثير الشبه بخط تيفناغ، الأمر الذي دفعني إلى البحث عن تاريخ الخط الحبشي فلم أجده سوى فرعا عن الخط المسند الجنوبي فاستغربت الأمر كثيرا، فكيف للحركة الأمازيغية أن تتبنى خط تيفناغ دون أن تتنبه إلى هذا الشبه الكبير بين المسند وفروعه وبين تيفناغ بنوعيه الليبي والطوارقي؟
ثم ما لبثت أن اكتشفت أن قد أشار إلى هذه المسألة بعض الباحثين ومن بينهم منظر الحركة الأمازيغية محمد شفيق منذ ما يقرب من 20 سنة خلت :
يقول منظر الحركة الأمازيغية محمد شفيق ‘ …. تسمى هذه الحروف تيفيناغ، ولقد أوّلت هذه التسمية تأويلات مختلفة، أسرعها إلى الذهن هو أن الكلمة مشتقة من ‘فينيق، فينيقيا’ وما إلى ذلك. قد يطابق ذلك أصل هذه التسمية، ولكن المحقق هو أن الكتابة الأمازيغية غير منقولة عنها، بل رجح الاعتقاد بأنها والفينيقية تنتميان إلى نماذج جد قديمة لها علاقة بالحروف التي اكتشفت في جنوبي الجزيرة العربية ‘.[8]
والخط الحبشي تولد عن المسند، وقيل سمي بالمسند لاشتماله على علامات تفصل الكلمات بعضها ببعض[9]،
هذا وقدم ابن النديم على أن النقط استخدمت كفواصل بين الكلمات في خط الحبشة، لكنها في خط ثمود -خط عربي قديم- رمزت إلى حرف العين نقطة ونقطتين وثلاث نقط وأربع نقط حسب الاكتشاف الأثري وفي بعضها رمز إلى حرف العين عند ثمود بدائرة صغيرة كما في الخط السبئي
وفي خط تيفناغ النقط كما يظهر في الصورة ثلاثا، والنقط في الخط الثمودي حرف وفي الخط الحبشي استخدم النقط الثلاثي فواصل، لأن الخط الموصوف في كتاب ابن النديم الفهرست وقد نسبه إلى الحبشة أي إثيوبيا، كانت الفاصلة ثلاث نقط: “وأما الحبشة، فلهم قلم حروفه متصلة كحروف الحميري يبتدئ من الشمال إلى اليمين، يفرقون بين كل اسم منها بثلاث نقط ينقطونها كالمثلث بين حروف الاسمين وهذا مثال الحروف وكتبتها من خزانة المأمون، غير الخط. “
هل الطوارق أمازيغ أم من شعوب إفريقيا جنوب الصحراء؟
ويقول محمد شفيق أيضا:“ بين حروف « تيفيناغ »، القديمة منها والتواركَية، وبين حروف الحميريين، شبه ملحوظ في الاشكال، لكنها لا تتقابل في تأدية الأصوات، إلا في حالتين اثنتين بتجاوز في التدقيق (مراسلة شخصية بيني وبين الباحث الفرنسي» كريستيان روبان، Christian Robin» ، محرر الفصل الخاص بحضارة جنوبيٌ الجزيرة قبل الإسلام في .(«l’Arabie du Sud» ولعل طريق البحث في هذا الموضوع سيختصر في العقود الاولى من القرن المقبل، أو قبلها بقليل، لأن وسائل المقارنة الانثروبولوجية بين الشعوب أصبحت جد دقيقة بفضل الاكتشافات الاخيرة التي حققها العالمان « جان دوصي، Jean» Dausset و »جان بيرنار، Jean Bernard» المتخصصان في فحص الكريٌات الحمراء على مستوى أشكال سطوحها. ولقد تمكن هذان العالمان من اقتفاء آثار شعوب هاجرت مواطنها الاصلية منذ خمسة عشر ألف سنة“[10]
العلم صار من الدقة أكثر مما نشده محمد شفيق فيه، فقد أثبتت الدراسات الجينية[11] أن 62 في المائة من طوارق النيجر لا يختلفون في جيناتهم عن باقي سكان النيجر و 9 في المائة فقط منهم يحملون الجين المغربيE-M81 أو E1b1b1b
هذه المعطيات توحي بشيء مختلف تماما عما هو سائد من أن الطوارق شعب أمازيغي منعزل حافظ على ثقافة أمازيغية وخط أمازيغي، بل الظاهر هو أن هذا الشعب أصلا من شعوب جنوب الصحراء لكنه أكثرها انفتاحا على الشعوب الأخرى، والتاريخ يخبرنا أن الطوارق هم أنفسهم المرابطين الملثمين وهم جيش العلويين البخاري (التوارڭة)، فمتى كان هؤلاء منعزلين؟
وأثبت هذا العلم أيضا أن الجد الجامع لأصحاب البصمة الوراثية المغربية عاش ل 5600 سنة فقط[11]، فالشعب الذي تكون من هذه السلالة هو شعب حديث، احتاج لما فيه الكفاية من الوقت لتكثر وتنتشر قبائله، عكس ما يشيع بأن الأمازيغ عاشوا في شمال إفريقيا لعشرات الآلاف من السنين.
المراجِع
لسان العرب لابن منظور ص 857
مقاييس اللغة ابن فارس الصفحة : 480
لسان العرب لابن منظور ص 2765
جمهرة اللغة لابن دريد ص 241
تعليق من أمالي ابن دريد ابن دريد الصفحة : 38
سمير الطالبين في رسم وضبط الكتاب المبين . علي محمد الضباع ص 4
http://www.mondeberbere.com/langue/t...gh_origine.htm
ثلاثون قرنا من تاريخ الأمازيغ محمد شفيق ص 65
سمير الطالبين في رسم وضبط الكتاب المبين. علي محمد الضباع ص 4
تاريخ الأمازيغيين محمد شفيق ص 21
http://www.familytreedna.com/pdf/hape3b.pdf
Phylogeographic Analysis of Haplogroup E3b (E-M215) Y Chromosomes Reveals Multiple Migratory Events Within and Out Of Africa
تيفيناغ المسند الحميري POWERED BY BLOG.COM
http://mossnad.blog.com/
مراجع
- ملخص عن تاريخ الصحراء للحجي آمي