الرئيسيةعريقبحث

تكرار تاريخي


☰ جدول المحتويات


يقول مارك توين «التاريخ قد لا يعيد نفسه ولكنه يتشابه كثيراً».[1]

التكرار التاريخي (Historic recurrence)‏ أو التاريخ يكرر نفسه هي عبارة عن تكرار الأحداث المتشابهة في التاريخ. طُبق مفهوم التكرار التاريخي بطرق شتى على التاريخ الإجمالي للعالم (قيام وسقوط الإمبراطوريات مثلًا)، وعلى النماذج التكرارية في تاريخ كيان سياسي ما، وعلى أي حدثين محددين يحملان تشابهًا بارزًا. افتراضيًا، وبحده الأقصى، يعتنق مفهوم التكرار التاريخي عقيدة العَود الأبدي، التي كُتب عنها بصيغ مختلفة منذ القدم ووصفها في القرن التاسع عشر كل من هاينرش هاينه وفريدريك نتيشه.[2]

لكن، بينما يُشار إلى المفهوم غالبًا بعبارة «التاريخ يعيد نفسه»، لا يمكن اعتبار ذلك صحيحًا تمامًا في دورات دون مدة الدورة كونية. لا يشتمل هذا التفسير للتكرار على ماورائيات، على نقيض تفسير نيتشه ربما. تقع التكرارات نتيجة ظروف يمكن التحقق منها وسلاسل سببية. أحد الأمثلة على الآلية هي ظاهرة الاكتشاف المتعدد المستقل (الاختراع المتزامن) في العلم والتكنولوجيا، التي صوّرها روبيرت كيه ميرتون وهارييت زوكرمان الموجودة في كل مكان.

يتقفى جي دبليو ترومف، في كتابه فكرة التكرار التاريخي في الفكر الغربي، أثر أنماط الفكر والسلوك السياسيين المتكررة تاريخيًا في الغرب منذ التاريخ القديم. إذا كان التاريخ يحمل لنا دروسًا، فهي موجودة بامتياز في أنماط متكررة كهذه.[2]

يمكن أن تُحدث التكرارات التاريخية من نوع «التشابه البارز» شعورًا بالـ «التقاء» أو الـ «رَجع الصدى» أو وهم سبق الرؤيا.

مؤلفون

قبل طرح نظرية التكرار التاريخي على يد بوليبيوس، مؤرخ يوناني من العصر الهلنستي (ولد نحو عام 200 – توفي نحو عام 118 ق.م)، كان المفكرون الغربيون القدماء الذين شغلوا فكرهم بالتكرار مهتمين بصورة كبيرة بالتكرار الكوني بدلًا عن التاريخي (إنظر «العود الأبدي»). من بين الفلاسفة والمؤرخين الغربيين الذين ناقشوا مفاهيم التكرار التاريخي المتعددة كان بولينيوس، والمؤرخ والخطيب اليوناني ديونيسوس الهاليكارناسوسي (ولد نحو عام 60 وتوفي نحو عام 7 ق.م)، ولوقا الإنجيلي، ونيكولو ماكيافيلي (ولد عام 1469 – توفي عام 1527)، وجيامباتيستا فيكو (ولد عام 1668 وتوفي عام 1744)، وأرنولد توينبي (ولد عام 1889 وتوفي عام 1975).[3]

هناك مفهوم شرقي يحمل قرابة لمفاهيم التكرار التاريخي الغربية وهو مفهوم وصاية السماء الصيني، الذي بحسبه يفقد الحاكم غير العادل دعم السماء له ويبيد.[4]

يصف جي دبليو ترومف نماذج فكرية متعددة من التكرار التاريخي، من بينها نماذج فكرية تعرض أنماطًا من الظواهر التاريخية واسعة النطاق على أوجه مختلفة: «دورية»؛ أو «متقلبة»؛ أو «متَبادلة»؛ أو «معاد إصدارها»؛ أو «مُجددة». يشير أيضًا إلى «النظرة المنبثقة من إيمان بوحدة الطبيعة البشرية (تشديد ترومف)، وتحمل هذه النظرة ذلك الإيمان لأن الطبيعة البشرية لا تتغير، ويمكن لذات الصنف من الأحداث أن يتكرر في أي زمن». كتب أيضًا «تتضمن الحالات الأصغر من تكرار التفكير، عزل أي حدثين محددين يحملان تشابهًا بارزًا للغاية (تشديد ترومف)، والانشغال بالتوازي (تشديد ترومف)، الذي يحمل تشابهات، عامة ومحددة، بين مجموعات منفصلة من الظواهر التاريخية».[5][6]

دروس

يُشير جي دبليو ترومف إلى أن معظم المفاهيم الغربية عن التكرار التاريخي تدل ضمنًا على أن «الماضي يعلمنا دروسًا من أجل الأفعال المستقبلية» - ويعني ذلك «أن نفس النوع من الأحداث التي حدثت سابقًا ستتكرر...» طرح بوسيدونيوس سابقًا واحدًا من هذه البحوث المتكررة (وهو موسوعيّ يوناني يعود أصله إلى أفاميا، سوريا بين عامي 135 – 51 ق.م تقريبًا)، إذ جادل في أن تهتك الفضائل الرومانية القديمة كان عقب محو التحدي القرطاجي لسلطة روما في عالم المتوسط. اختار توينبي بحث ازدهار الحضارات أو سقوطها بناءً على استجاباتها للتحديات الإنسانية والبيئية التي تواجهها، بعد ألفي عام من طرحه. وبينما كان ديونيسوس الهاليكارناسوسي (ولد نحو عام 60 وتوفي بعد عام 7 ق.م)، يمتدح روما على حساب أسلافها -آشور، وميديون، وبلاد فارس، ومقدونيا القديمة- توقع تدهور روما في نهاية المطاف. بالتالي، أشار ضمنيًا إلى فكرة التدهور المتكرر لإمبراطوريات العالم – وهي فكرة طورها لاحقًا المؤرخ اليوناني ديودور الصقلي (القرن الأول ق.م) وبومبيوس تروغوس، مؤرخ يوناني من القرن الأول ق.م يعود أصله إلى قبيلة سلتية في غاليا ناربونيسيس.[7][8][9][10]

بحلول نهاية القرن الخامس، استطاع زوسيموس (يدعى أيضًا «زوسيموس المؤرخ»؛ الذي ذاع صيته بين تسعينات القرن الخامس والعقد الأول من القرن السادس: وهو مؤرخ بيزنطي عاش في القسطنطينية) رؤية الكتابة على السور الروماني، وأكد أن الإمبراطوريات كانت تسقط نتيجة الفُرقة الداخلية. أعطى أمثلة من تاريخي اليونان ومقدونيا. في حالة كل من الإمبراطوريتين، نجم النمو عن الاتحاد ضد عدو خارجي؛ روما نفسها، ردًا على تهديد هانيبال الموجه إلى كاناي، رفعت مكانتها كقوة عظمى في محض خمسة عقود. مع هيمنة روما على العالم، استُبدل بالأرستقراطية نظامًا ملكيًا، والذي تدهور بدوره إلى استبداد؛ بعد أوغسطس قيصر، استُبدل الحكام الجيدين بطغاة. أصبحت الإمبراطورية الرومانية، بشقيها الشرقي والغربي، ساحة نزال بين الأطراف المتنافسة على القوة، بينما اكتسبت القوى الخارجية أفضلية. رأى زوسيموس في تدهور روما أن التاريخ يكرر نفسه بحركاته العامة.[11]

طور القدماء استعارة راسخة لتطور الكيان السياسي: رسموا مقارنة بين دورة حياة إنسان منفرد، والتطورات التي خضع لها على يد جهاز سياسي. طرح هذه الاستعارة، بإصدارات متعددة، كلًا من شيشرون (ولد عام 106 – توفي عام 43 ق.م)، وسينيكا (ولد عام 1 ق.م تقريبًا وتوفي عام 65 م)، فلوروس (ولد نحو عام 74م وتوفي نحو عام 130م)، وأميانوس مارسيليانوس (ولد بين عامي 325 و330م – وتوفي بعد العام 391م). تكررت هذه الاستعارة الحية اجتماعيًا بعد قرون في أعمال إيميل دوركايم (ولد عام 1858 – توفي عام 1917) وهربرت سبنسر (ولد عام 1820 – توفي عام 1903).[12]

وصف نيكولو ماكيافيلي، موشكًا على تحليل تقلبات سياسات فيورنتينا وإيطاليا بين عامي 1434 و1494، التذبذبات المتكررة بين «نظام» و «فوضى» داخل الدول:

«عندما وصلت الدول إلى أعلى درجات كمالها، سرعان ما بدأت بالانهيار. بنفس الطريقة، بعد أن قلصتها الفوضى وغرقت في حالتها المتناهية من الانحطاط، عاجزةً عن الانحدار أدنى من ذلك، تصعد مجددًا من رحم الحاجة، وهكذا، تنحدر تدريجيًا من الخير إلى الشر وترتقي من الشر إلى الخير.»

مقالات ذات صلة

ملاحظات

  1. مارك توين, The Jumping Frog: In English, Then in French, and Then Clawed Back into a Civilized Language Once More by Patient, Unremunerated Toil, illustrated by F. Strothman, New York and London, Harper & Brothers, Publishers, 1903, p. 64. نسخة محفوظة 18 ديسمبر 2011 على موقع واي باك مشين.
  2. G.W. Trompf, The Idea of Historical Recurrence in Western Thought, passim.
  3. G.W. Trompf, The Idea of Historical Recurrence in Western Thought, pp. 6-15.
  4. Elizabeth Perry, Challenging the Mandate of Heaven: Social Protest and State Power in China, Sharpe, 2002, (ردمك ), passim.
  5. G.W. Trompf, The Idea of Historical Recurrence in Western Thought, pp. 2-3 and passim.
  6. G.W. Trompf, The Idea of Historical Recurrence in Western Thought, p. 3 and passim.
  7. G.W. Trompf, The Idea of Historical Recurrence in Western Thought, p. 3.
  8. G.W. Trompf, The Idea of Historical Recurrence in Western Thought, p. 185.
  9. أرنولد توينبي, دراسة للتاريخ, 12 volumes, دار نشر جامعة أكسفورد, 1934–61, passim.
  10. G.W. Trompf, The Idea of Historical Recurrence in Western Thought, pp. 186–87.
  11. G.W. Trompf, The Idea of Historical Recurrence in Western Thought, pp. 187–88.
  12. G.W. Trompf, The Idea of Historical Recurrence in Western Thought, pp. 188–92.


موسوعات ذات صلة :