الرئيسيةعريقبحث

محاكم التفتيش الإسبانية

سلطة قضائية في اسبانيا

☰ جدول المحتويات


محكمة تابعة للديوان المقدس لمحاكم التفتيش في إسبانيا ((بالإسبانية: Tribunal del Santo Oficio de la Inquisición)‏)، واشتهرت بإسم محاكم التفتيش الإسبانية (Inquisición española). أسسها الملوك الكاثوليك فرناندو الثاني وإيزابيلا الأولى في 1478 بموافقة البابا سيكستوس الرابع. ومهمتها الحفاظ على العقيدة الكاثوليكية في الممالك الإسبانية ولتحل محل محاكم تفتيش القروسطية، التي كانت تحت السيطرة البابوية. أضحت المحاكم الإسبانية أكثر موضوعية من باقي الأشكال المختلفة لمحاكم التفتيش المسيحية وهي الرومانية والبرتغالية. وهي مؤسسة لم يسبق لها مثيل في المؤسسات المماثلة في أوروبا في القرن الثالث عشر (انظر مادة محاكم التفتيش). ويستخدم تعريف "محاكم التفتيش الاسبانية" على نطاق واسع في إسبانيا وجميع المستعمرات والأقاليم الاسبانية: ومنها جزر الكناري وهولندا الإسبانية ومملكة نابولي وجميع مستعمرات اسبانيا في أمريكا الشمالية والوسطى وأمريكا الجنوبية.

محكمة تابعة للديوان المقدس لمحاكم التفتيش في إسبانيا
Seal for the Tribunal in Spain
النوع
التأسيس 1 نوفمبر 1478
تاريخ الالغاء 15 يوليو 1834
النوع محكمة بانتخاب الملكية الاسبانية، لدعم العقيدة الدينية في المملكة
الأعضاء تتكون من كبير المفتشين، الذي يرأس المجلس الأعلى لمحاكم التفتيش العامة، وستة أعضاء. وينضوي تحتها مايصل إلى 21 محكمة في الامبراطورية.
نظام انتخابي يعين التاج كبير المفتشين والأعضاء.
مكان الإجتماع
الإمبراطورية الإسبانية

انظر أيضا:
محاكم تفتيش القروسطية
محاكم التفتيش البرتغالية
محاكم التفتيش المكسيكية
محاكم التفتيش الرومانية

أما الهدف من تلك المحاكم فهو في المقام الأول ضمان العقيدة من أولئك الذين تحولوا من اليهودية والإسلام. وقد كثف تنظيم إيمان للمتنصرين حديثا بعد المراسيم الملكية الصادرة في عام 1492 و1502 طالبة من اليهود والمسلمين إما تحويل دينهم أو ترك أسبانيا[1]. واستمرت محاكم التفتيش حتى تم الغائها نهائيا سنة 1834 في عهد إيزابيلا الثانية، بعد أن تراجع نفوذها في القرن السابق.

كثيرًا ما تعتبر محاكم التفتيش الإسبانية في الأدب والتاريخ الشعبي كمثال على القمع والتعصب الكاثوليكي. على الرغم من ذلك؛ يميل المؤرخين المعاصرين للتشكيك في نظرية العنف المبالغ فيه بشأن محاكم التفتيش الإسبانية. على سبيل المثال يؤكد المؤرخ هنري كامن أن "أسطورة" جنون التعذيب التي قامت بها محاكم التفتيش التعذيب هي إلى حد كبير من اختراع الكتّاب البروتستانت في القرن التاسع عشر كحملة أجندة لتشويه سمعة البابوية.[2] كما توضح كارين آرمسترونغ أنه قد تمت المبالغة في نقل فعالياتها، [3] وعلى الرغم من أنه حتى سنة 1834 فقد وجهت محاكم التفتيش التهم إلى حوالي 150,000 شخص الا أنّ حالات الإعدام لم تتجاوز 3,000 حالة منذ تأسس محاكم التفتيش الإسبانية حتى إلغاؤها.[4]

محاكم تفتيش سابقة

أُنشئت محاكم التفتيش من خلال مرسوم باباوي أصدره البابا لوسيوس الثالث في نهاية القرن الثاني عشر حول إلغاء البدع الخبيثة المنتشرة واختص لمكافحة بدعة الكاثار في جنوب فرنسا. حتى أضحت هناك هيئات قضائية كثيرة لمحاكم التفتيش البابوية في عدة ممالك أوروبية في العصور الوسطى. ففي مملكة أرغون انشئت هيئة قضائية لمحاكم التفتيش البابوية حسب قانون العزل (باللاتينية: Excommunicamus) للبابا غريغوري التاسع سنة 1232 خلال فترة هرطقة الكاثار. حيث كان خايمي الأول ملك أراغون يشاور المحامي الكنسي ومستشاره ريمون بنيافورت في المسائل القانونية المتعلقة بممارسات محاكم التفتيش في نطاق الملك، بالرغم من أنه لم يكن مفتشا. "..الشعور العميق للمحامي بالعدل والإنصاف، بجانب استحقاق الدومينيكان لمعنى الرحمة، سمح له بتجنب التجاوزات التي عثر عليها في أماكن أخرى في سنوات تكوين محاكم التفتيش من الولوج في البدع[5]." ومع الوقت ضعفت تلك الأهمية، حتى كادت أن تنسى بحلول منتصف القرن الخامس عشر وإن كان القانون لايزال موجودا.

أما في مملكة قشتالة فلم يكن هناك وجود لهيئات قضائية لمحاكم التفتيش البابوية. وإن اتهم بعض أعضاء الأسقفية بمراقبة المؤمنين ومعاقبة المخالفين. أما الطبقة الكاثوليكية الحاكمة فقد كانت لا تعير اهتماما كبيرا حول البدع في القرون الوسطى. ودرجت العادة بالسماح للمسلمين واليهود بممارسة شعائرهم وأعرافهم في أمورهم الداخلية. ولكن مع ذلك فإنه بموجب القوانين فقد اعتبروا أنهم أقل درجة من الكاثوليك ويخضعون للتمييز في المعاملة.

ويمكن اعتبار أن محاكم التفتيش الإسبانية (Inquisición Española) هو رد على طبيعة تعدد الأديان في المجتمع الإسباني بعد إسترداد شبه الجزيرة الإيبيرية من المسلمين المورسكيين. فبعد أن فتح المسلمون الأندلس أضحت مناطق كبرى في جزيرة أيبيريا تحت حكم المسلمين حتى سنة 1250 حيث قلصت إلى إمارة غرناطة التي سقطت سنة 1492. ومع ذلك فإن حروب الإسترداد لم تؤدي إلى طرد جميع المسلمين واليهود من أسبانيا، لأنهم لاقوا نوعا من التسامح من قبل النخبة المسيحية الحاكمة. وقد تركز اليهود في المدن الكبيرة خصوصا إشبيلية وبلد الوليد وبرشلونة بأحياء خاصة بهم ولكن في السنوات التالية ومع تزايد القهر والطرد وتعذيب المسلمين بدأ اليهود يتعرضون لنفس المعاملة.

أهدافها

كانت محاكم التفتيش في إسبانيا منذ القرن الثاني عشر موجهة ضد الكاثاريون الذين حوكموا كهراطقة. وفي 1477 أقنع رئيس الرهبنة الدومنيكي الملكة إيزابيلا بأن بعض اليهود الذين تحولوا إلى المسيحية لا يزال يمارس اليهودية سراً فقامت بتشكيل محاكم خاصة للنظر في مصداقية هذا الإدعاء. كما شملت هذه المحاكمات المسلمين المتنصرين الذين اجبروا على اعتناق المسيحية عام 1502. وبحلول سنة 1571 أصبح 82% من المحاكمين من الموريسكيين.[6]

تطبيقها

كانت المحاكم غالباً ما تستعمل التعذيب في انتزاع الاعترافات وخاصة في القرن الثاني عشر وأثناء محاكم اليهود السفرديين. كما كان المحاكمون غالباً ما يعتمدون على شهادة جيران المتهمين في التحقيق من التهم المنسوبة إليهم. وقام البابا في البداية بنشر إعلان ذكر فيه عدم شرعية هذه المحاكم غير أن ضغط ونفوذ ملوك إسبانيا أدى إلى إلغاء هذه الدعوة وإعطاء السلطات كافة الصلاحيات الدينية في هذه المحاكم.[7]

غير أن الموريسكيين لم يتعرضوا لمثل هذه المعاملات وغالباً ما استخدم الكرادلة في حملات تبشير إلى المناطق التي انتشر فيها هؤلاء.[8] وعند فشل هذه الحملات عمدت السلطات إلى ترحيلهم بشكل قسري إلى المغرب حيث حرم عليهم اصطحاب مجوهراتهم وأموالهم التي تركت للإسبان الذين استوطنوا بيوتهم لاحقاً، وتم هذا سنة 1609 عندما رحل مئات الآلاف من المسلمين "المتنصرين".[9][10]

كانت محاكم التفتيش وسيلة ملوك أسبانيا الصليبيين لتطهير أسبانيا من المسلمين. وذلك برغم المعاهدة الموقعة منهم عندما سقطت غرناطة –آخر قلاع المسلمين في إسبانيا- سنة (898 هـ \ 1492م). حيث نصت المعاهدة بين أبي عبد الله الصغير والملوك الكاثوليك وضمنها البابا وأقسم عليها: "تأمين الصغير والكبير في النفس والأهل والمال إبقاء الناس في أماكنهم ودورهم ورباعهم وإقامة شريعتهم على ما كانت ولا يحكم على أحد منهم إلا بشريعتهم وأن تبقى المساجد كما كانت والأوقاف كما كذلك وألا يدخل نصراني دار المسلم ولا يغصبوا أحدا....و ألا يؤخذ أحد بذنب غيره وألا يُكره من أسلم على الرجوع للنصارى ودينهم ولا ينظر نصراني على دور المسلمين ولا يدخل مسجدا من مساجدهم ويسير في بلاد النصارى آمنا في نفسه وماله... ولا يمنع مؤذن ولا مصلي ولا صائم ولا غيره في أمور دينه".[11] تم نقض المعاهدة كلياً. وتم حظر اللغة العربية. وثم تم إجبار المسلمين على التنصُّر. إلا أن العديد من هذا الاعتناق الديني كان بالاسم فقط: إذ كان المسلمون يمارسون الطقوس الدينية المسيحية، إلا أنهم استمروا في تطبيق الدين الإسلامي سراً. وكانت هناك محظورات كثيرة منها: حظر الختان، وحظر الوقوف تجاه القبلة، وحظر ارتداء الملابس العربية. وإذا وجدوا رجلا لابساً للزينة يوم العيد عرفوا أنه مسلم فيصدر في حقه الإعدام. وكذلك لو وجدوا في بيته مصحفا، أو امتنع عن الطعام في رمضان، أو امتنع عن شرب الخمر وأكل الخنزير. وكانوا يكشفون عورة من يشكون أنه مسلم، فإذا وجدوه مختونًا أو كان أحد عائلته كذلك فليعلم أنه الموت ونهايته هو وأسرته. وتعتبر المحكمة الكاثوليكية والرأي العام أن تصرفات مثل تناول "الكوسكس"، واستخدام الحناء عادات غير مسيحية.[12]

وكان الإمبراطور شارل الخامس حينما أصدر قراره بتنصير المسلمين، وعد بتحقيق المساواة بينهم وبين المسيحيين في الحقوق والواجبات، ولكن هذه المساواة لم تتحقق قط، وشعر هؤلاء أنهم ما زالوا موضع الريب والاضطهاد، ففرضت عليم ضرائب كثيرة لا يخضع لها المسيحيون، وكانت وطأة الحياة تثقل عليهم شيءًا فشيئًا، حتى أصبحوا أشبه بالرقيق والعبيد، ولما شعرت السلطات بميل الموريسكيين إلى الهجرة، صدر قرار في سنة (948 هـ=1514م)، يحرم عليهم تغيير مساكنهم، كما حرم عليهم النزوح إلى بلنسية التي كانت دائمًا طريقهم المفضل إلى الهجرة. وأصدر الملك شارل كانت قراراً أن كل شخص يطمح لشغل وضيفة في أسبانيا عليه إثبات عدم وجود أي عضو يهودي أو مسلم في عائلنه منذ أربعة أجيال على الأقل.


ولكن حتى هذا الحل لم ينجح كليا في حل المشكلة الإسلامية في إسبانيا فكان اللجوء إلى الطرد الجماعي في القرن السابع عشر، أما الخسائر التي ستترتب عن الطرد فتم تعويضها بشكل كبير بالأرباح الناتجة عن مصادرة أملاك المورسكيين. حيث أصدر الملك فيليب الثالث قراراً بطرد مئات الآلاف من الموريكسيين بعد أن اقتنع بفشل محاكم التفتيش في إجبار المسلمين على ترك دينهم، على أن يبقى الأطفال الذين كانت أعمارهم بين العاشرة أو أقل في إسبانيا ليقوم الرهبان أو أي أشخاص آخرين موثوق بهم بتعليمهم مع إبقائهم عبيداً بغير زواج. فما بين عامي 1609-1614 تم طرد ما لا يقل عن 500 ألف شخص إلى البلدان الإسلامية المجاورة كالمغرب وتونس والجزائر بل وبعض البلدان المسيحية الأخرى، بعد نهب ومصادرة ثرواتهم وأملاكهم.

وقد أدى هذا النفي لإدخال إسبانيا في أحلك فترة في تاريخها، حيث أن الكثير من الأراضي الخصبة أصبحت أراضي موات، واندثرت أكثر الحرف ازدهاراً (كالبناء وتنظيم السقاية والنقل). لم يبق من الموريكسيين بعد الطرد إلا القليل مختفين بدينهم. آخر ذكر لهم في السجلات كان تقريرا رُفع إلى الملك سنة 1769 يتضمن شكوكا حول أشخاص متهمين بالإسلام سرّا. ولعل من المفيد أن نذكر أن رجلاً أسبانيًا يدعى "بدية" توجه إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج سنة (1222هـ=1807م) أي بعد 329 سنة من قيام محاكم التحقيق. وانتهت محاكم التفتيش رسمياً في 15 حزيران 1834. رغم بقاء العديد من يؤيدها إلى يومنا الحالي، حتى أنه تقرر في نهاية عام 1960 وجوب إضافة اسم "جوان دو ريبيرا" (مخطط عملية الطرد والإبادة وخطف الأطفال) إلى قائمة القديسيين.


طرق التعذيب

التعذيب من سمات محاكم التفتيش الإسبانية

مورست في هذه المحاكم معظم أنواع التعذيب المعروفة في العصور الوسطى، وأزهقت آلاف الأرواح تحت وطأة التعذيب. ومن أنواع التعذيب: إملاء البطن بالماء حتى الاختناق، وسحق العظام بآلات ضاغطة، وربط يدى المتهم وراء ظهره، وربطه بحبل حول راحتيه وبطنه ورفعه وخفضه معلقا سواء بمفرده أو مع أثقال تربط به، والأسياخ المحمية على النار، وتمزيق الأرجل، وفسخ الفك.

احصائيات

تمت محاكمة ما لا يقل عن 150,000 حالة طوال فترة محاكم التفتيش منذ القرن الثاني عشر. وبلغت عدد حالات الإعدام الموثقة ما قبل 1530 حوالي 2,000 حالة[13] وحوالي 1,000 ما بين 1530-1630 و250 ما بعد 1630 حتى إلغاؤها عام 1834.[4]

انظر أيضاً

مصادر

  1. Hans-Jürgen Prien (21 November 2012). Christianity in Latin America: Revised and Expanded Edition. BRILL. صفحة 11.  . مؤرشف من الأصل في 9 نوفمبر 2017.
  2. Henry Kamen: The Spanish Inquisition: A Historical Revision. 1999
  3. النزعات الأصولية في اليهودية والمسيحية والإسلام، كارين آرمسترونغ، ترجمة محمد الجورا، دار الكلمة، طبعة أولى، دمشق 2005، ص.92
  4. W. Monter, Frontiers of Heresy: The Spanish Inquisition from the Basque Lands to Sicily, Cambridge 2003, p. 53.
  5. Smith, Damian J., Crusade, Heresy and Inquisition in the Lands of the Crown of Aragon, Brill, 2010 نسخة محفوظة 27 فبراير 2017 على موقع واي باك مشين.
  6. Kamen, op. cit. p. 217.
  7. ISABEL "LA CATÓLICA", aceros-de-hispania.com نسخة محفوظة 09 أبريل 2016 على موقع واي باك مشين.
  8. Kamen, Spanish Inquisition p. 225.
  9. H.C. Lea: The Moriscos of Spain; op cit; p. 308.
  10. H.C. Lea: The Moriscos of Spain; op cit; p. 345.
  11. كتاب معارك العرب في الأندلس، بطرس البستاني. دخل في 4 يونيو 2018. نسخة محفوظة 15 فبراير 2020 على موقع واي باك مشين.
  12. تاريخ بلد الأندلس في العصر الإسلامي، محمد بشير العامري، دخل في 4 يونيو 2018. نسخة محفوظة 15 فبراير 2020 على موقع واي باك مشين.
  13. H. Kamen, Inkwizycja Hiszpańska, Warszawa 2005, p. 62; and H. Rawlings, The Spanish Inquisition, Blackwell Publishing 2004, p. 15.

موسوعات ذات صلة :