هو المعتقد الديني المسيحي الرافض لمجمع أفسس المعقود سنة 431 م. يعرف داعمو كيرلس الأول النسطورية بأنها العقيدة القائلة بأن يسوع المسيح مكون من جوهرين يعبر عنهما بالطبيعتين وهما: جوهر إلهي وهو الكلمة، وجوهر إنساني أو بشري وهو يسوع، فبحسب النسطورية لا يوجد اتحاد بين الطبيعتين البشرية والإلهية في شخص يسوع المسيح، بل هناك مجرد صلة بين إنسان والألوهة، وبالتالي لا يجوز إطلاق اسم والدة الإله على مريم العذراء بحسب النسطورية، لم تلد إلها بل إنساناً فقط حلت عليه كلمة الله أثناء العماد وفارقته عند الصليب، فيكون هذا المذهب بذلك مخالفاً للمسيحية التقليدية القائلة بوجود أقنوم الكلمة المتجسد الواحد ذو الطبيعتين الإلهية والبشرية [1]
سميت هذه العقيدة باسم نسطور بطريرك القسطنطينية الذي فضل استعمال عبارة كريستوطوقس (والدة المسيح) بدلا عن الثيوطوقس (والدة الله) في وصف مريم العذراء. نشبت على أثره خلاف عقائدي بينه وبين كيرلس بطريرك الإسكندرية أدى في نهاية الأمر إلى حرمانه ومنع تعاليم مدرسة الرها المقربة منه. غير أن نسطور نفى في كتابه بازار هيراقليدس الذي كتبه في منفاه بمصر أن يكون قد دعا إلى فصل الطبيعتين. كما يرى معظم لاهوتيي القرن العشرين أن نسطور نفسه لم يكن نسطوريا بحسب التعريف التقليدي لها.[2]
أدى إغلاق مدرسة الرها إلى نزوح معلميها وطلابها الذين تعاطفوا مع نسطور إلى مدرسة نصيبين الواقعة ضمن الإمبراطورية الساسانية وأحد معاقل كنيسة المشرق الرئيسية. وكنتيجة لتأثيرهم لم تعترف كنيسة المشرق بمجمع افسس ما أدى إلى وصفها بالنسطورية. يتفق اللاهوتيون أن وصف كنيسة المشرق بالنسطورية غير دقيق من الناحيتين العقائدية والتاريخية.[3] كما نعت أتباع مجمع خلقيدونية الذي حاول حل الخلاف النسطوري ب"النساطرة" من قبل الأرثوذكس المشارقة وخاصة في الفترة التي سبقت وصول جستينيان الأول لسدة الحكم على الإمبراطورية البيزنطية.[4]
أدى دعم كنيسة المشرق لنسطور ورفضها لمجمع افسس في سينودس بيث لافط سنة 484 إلى وصفها ب"الكنيسة النسطورية"، حيث يعتبر نسطور أحد قديسيها كما سمي أحد أنافورات كنيسة المشرق باسمه. كما تباين رأي أتباع الكنيسة بين من دافع عن نسطور كونه مدافعا عن "العقيدة الأرثوذكسية" وبين من رأى أنه ليس من آباء كنيسة المشرق وبالتالي فإن أفكاره، بغض النظر عن كونها هرطقة أو لا، ليست بذات أهمية بالنسبة لهذه الكنيسة.
وقد أدت هذه المعتقدات لدى النسطوريين إلى نبذهم ومعاداتهم من قبل متبعي كيرلس الأول الإسكندري، ولذلك فإنهم حرموا من مجمع افسوس ومجمع خلقيدونه في سنتي 431م و 451م، وبالرغم من معاداتهم ونبذهم استمر نسطوريوس في نشر معتقداته التي لاقت قبول واسع في موطنه انطاكية حتى انتشرت إلى الشرق في بلاد فارس وبلاد مابين النهرين وامتد التأثير ليشمل الجزيرة العربية ويمتد الخلاف بينهم وبين أتباع كيرلس الأول أيضاً، ليشمل الطقوس الدينية فقد أولى النسطوريون العبادة والطقوس الدينية أهمية كبيرة وقد تطورت طقوسهم الدينية منذ السنوات الأولى من انفصالهم عن الكنيسة الأم، حيث يلتقون للصلاة في الصباح الباكر وفي المساء.[5]
وقد تحاشى النسطوريون الفيليوك في عقيدتهم واعتبروا فكرة انبثاق الروح القدس من الآب الابن غير صحيحة، وبالرغم من تقديسهم للسيدة مريم العذراء والصليب إلا انهم لا يتفقون على تسمية السيدة العذراء بوالدة الإله ويمتنعون عن إقامة الصليب في كنائسهم.[5]
ونظراً للصعاب التي لاقتهم في نشر وممارسة دينها في موطنها في الشام فقد اضطروا للهجرة لبلاد فارس والتي كانت في ذلك الوقت في صراع بين الإمبراطورية البيزنطية، وهكذا اصبحت بلاد فارس ملجأهم، حيث استفادوا من لجوئهم فأقاموا عدد من الكنائس واستطاعوا ان يحملوا البعض من عرب الحيرة على اعتناق ديانتهم، فأثار نجاحهم النسبي في اثارة المخاوف لدى الفرس، فقد شعروا بأنهم لايجب ان يسمحوا لهذه الحركة الدينية بأن تنتشر بين اتباعهم. وفي عهد سابور الثاني تعرضت النسطورية للإضطهاد سنة 379م، حيث اتضطرت للهجرة مرة أخرى إلى شبة الجزير ة العربية عن طريق الخليج العربي فاستقروا في البداية في عمان ومن قبم بدأوا بالانتشار حول الأحساء على السواحل الشرقية لشبه الجزيرة. ولم يتعرض أحد من سكان الجزيرة العربية على هجرتهم ومع مرور الوقت اعتنق عدد قليل من سكان المنطقة. وكان الساحل الشرقي للجزيرة العربية ملجأ ممتاز لهم لعدم وجود حركة مناوئة لهم. وقد ازدهرت النسطورية في شرق الجزيرة العربية، واستطاعت الوصول عبر الطرق التجارية التقليدية بإتجاه الشمال الغربي حتى المدينة، دون أن يكون لها تأثير يذكر.[5]
المراجع
- الموسوعة العربية المسيحية - تصفح: نسخة محفوظة 24 مايو 2017 على موقع واي باك مشين.
- The Blackwell Companion to the Theologians, Ian S. Markham نسخة محفوظة 14 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين.
- The Church of the East: A Concise History, Baum, Wilhelm, pp. 30-31
- Justinian and the Making of the Syrian Orthodox Church, Menze, Volker L., p. 3
- التميمي، عبد المالك خلف، التبشير في منطقة الخليج العربي دراسة في التاريخ الإجتماعي والسياسي، ص16، 1982م،