الرئيسيةعريقبحث

التباعد الكبير


☰ جدول المحتويات


تقديرات ماديسون للناتج المحلي الإجمالي للفردعند تعادل القوة الشرائية عام 1990 مقدرًا بالدولار لمجموعة مختارة من البلدان الأوروبية والآسيوية خلال الفترة الممتدة من عام 1500 حتى عام 1950،[1] وتُظهر النمو الهائل الذي تمتعت بعض البلدان الأوروبية بدءًا من مستهل القرن التاسع عشر.
شهد إنتاج وتأليف الكتب في أوروبا ارتفاعًا خلال الفترة ما بين عام 500 وعام 1800 بمعامل 100,000, ولا سيما بعد ثورة الطباعة عام 1450.[2]

التباعد الكبير (Great Divergence)‏، وهو مصطلح أشاعه المؤرخ كينيث بوميرانز في كتابه لعام 2000 الذي يحمل نفس الاسم، ويعرف هذا المصطلح أيضًا بالمعجزة الأوروبية، وهو مصطلح وضعه المؤرخ إريك جونز عام 1981،[3] ويشير ذلك المصطلح إلى العملية التي تمكن من خلالها العالم الغربي، وهي أوروبا الغربية وبعض أجزاء العالم الجديد التي أصبحت شعوب أوروبا الغربية القوة السكانية المهيمنة فيها، من التغلب على قيود نمو ما قبل الحداثة ليظهر خلال القرن التاسع عشر مُشكلًا أقوى حضارة عالمية وأكثرها ثراءً، ومتفوقًا على حضارات سلطنة مغول الهند، وإمبراطورية تشينغ الصينية، والعالم الإسلامي، ومملكة جوسون الكورية، وشوغونية توكوغاوا اليابانية.

وضع العلماء مجموعة متنوعة من النظريات لتفسير سبب حدوث هذا التباعد الكبير، بما يتضمن الأسباب الجغرافية، والثقافية، والمؤسسية، والاستعمارية، والأسباب المتعلقة بوفرة الموارد، ومحض الصدفة ليس إلّا.[4] يوجد خلاف على وصف هذا التباعد «بالكبير»؛ لأن النقطة التي بدأ عندها هذا التباعد بشكل واضح ترجع إلى عصور القرن السادس عشر أو حتى الخامس عشر، مع الثورة التجارية وبدايات مذهب الإتجارية والرأسمالية خلال عصر النهضة وعصر الاستكشاف، ونهضة الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية، والعولمة الأولية، والثورة العلمية، وعصر التنوير.[5][6][7][8] ولكن حدثت أكبر قفزة في هذا التباعد خلال القرن التاسع عشر مع الثورة الصناعية والثورة التكنولوجية. ويوجد مدرسة بين العلماء، لهذه الأسباب، تعرف باسم «مدرسة كاليفورنيا»، والتي ينتمي إليها بوميرانز، وتصف هذه المدرسة تلك التغيرات التي حدثت خلال القرن التاسع عشر فقط بفترة التباعد الكبير.[9][10][11][12]

حدث التقدم التكنولوجي بدرجة أكبر في الغرب عنه في الشرق، بمجالات السكك الحديدية، والسفن البخارية، والتعدين، والزراعة، وذلك خلال فترة التباعد الكبير. وأدت التكنولوجيا إلى زيادة في التحول الصناعي والتعقيد الاقتصادي بمجالات الزراعة، والتجارة، والوقود، والموارد، ما زاد في التباعد بين الغرب والشرق. أعطى استخدام أوروبا الغربية للفحم في توليد الطاقة بدلًا من الأخشاب، خلال منتصف القرن التاسع عشر، انطلاقةً كبرى في الإنتاج الحديث للطاقة. ووصل هذا التباعد الكبير إلى قمته في القرن العشرين قبل قيام الحرب العالمية الأولى واستمر حتى أوائل سبعينيات ذلك القرن؛ ولاحقًا، بعد مرور عقدين من التقلبات الغامضة، استُبدل هذا التباعد بحالة من التقارب الكبير في أواخر ثمانينيات القرن العشرين بسبب بلوغ أغلبية دول العالم الثالث معدلات نمو أعلى بشكل ملحوظ من أغلب دول العالم الأول.[13]

الاصطلاح والتعريف

وُضع مصطلح «التباعد الكبير» بواسطة صامويل هنتنغتون[14] في عام 1996 واستخدمه كينيث بوميرانز في كتابه التباعد الكبير: الصين، وأوروبا، وصناعة الاقتصاد العالمي الحديث لعام 2000. نوقشت الظاهرة نفسها بواسطة إريك جونز، الذي نشر كتابه عام 1981 بعنوان المعجزة الأوروبية: البيئات، والاقتصاد، والسياسة الطبيعية في تاريخ أوروبا وآسيا ليعمم المصطلح البديل «المعجزة الأوروبية». وعامةً، يشير كلا المصطلحان إلى التحول في الاقتصاد الاجتماعي الذي تقدمت به الدول الأوروبية عن الدول الأخرى خلال العصر الحديث.[14]

يوجد خلاف بين العلماء على زمن هذا التباعد الكبير. يعود تاريخ هذه الفترة، وفقًا للتأريخ المعتاد، إلى بدايات القرن السادس عشر، أو حتى القرن الخامس عشر، مع اختلاف العلماء حول بداية النمو الكبير لأوروبا منذ هذا التاريخ. يرى بوميرانز وآخرون من مدرسة كاليفورنيا أن الفترة التي حدث فيها التباعد بمعدله الأسرع كانت خلال القرن التاسع عشر. ورأى العلماء أن آسيا قبل هذه الفترة كانت أكثر ثراءً وتقدمًا عن أوروبا الغربية، خاصةً في دلتا نهر يانغتسي في الصين، والهند، وفي مصر أيضًا، وذلك استنادًا على دلائل من بيانات التغذية والعجز المزمن في التجارة الأوروبية.  ولكن يرى علماء آخرون أن تاريخ هذه التغيرات الملحوظة في الاقتصاد الأوروبي يعود إلى القرن السابع عشر، بالرغم من تأييدهم لرأي وجود تكافؤ في الدخل بين أكثر المناطق ازدهارًا من الصين، والهند، ومصر، وأوروبا في أواخر القرن الثامن عشر. يرى آخرون أن العوامل الثقافية وراء هذا التباعد يمكن أن تعود إلى فترات ومؤسسات أقدم من ذلك مثل عصر النهضة والاختبارات الإمبراطورية الصينية.[15][12][11][16][17][18][19]

الظروف في الدول المتقدمة قبل التباعد الكبير

كانت اقتصاديات ما قبل الحداثة مقيدةً بظروف حدت بشكل كبير من النمو الاقتصادي، وذلك بخلاف الاقتصاد الصناعي الحديث. وعلى الرغم أن بعض المناطق المتقدمة في أوراسيا حققت مستوى معيشة مرتفع في القرن الثامن عشر، حد النقص في الأراضي، وتدهور التربة، وإزالة الغابات، ونقص موارد الطاقة التي يمكن الاعتماد عليها، وبعض المعوقات البيئية الأخرى من النمو في الناتج القومي للفرد. بينت المعدلات السريعة للانخفاض في رأس المال إنفاق جزء كبير من مدخرات اقتصاديات ما قبل الحداثة على استبدال رأس المال المستنزف، ما يعيق تراكم رأس المال. وكانت المكاسب الناتجة عن الوقود، والأراضي، والطعام، والموارد الأخرى ضروريةً لاستمرار النمو وتراكم رأس المال، وهو ما أدى إلى  نشأة السياسة الاستعمارية. تغلبت الثورة الصناعية على هذه القيود، إذ إنها سمحت بالنمو السريع والمستدام في الناتج القومي للفرد لأول مرة في تاريخ البشرية.[20][21][22]

الصين

تمتعت الصين بتعداد سكاني يفوق أوروبا خلال الحقبة العامة. وكانت الصين متحدة سياسيًا لفترات طويلة خلال هذه الحقبة بخلاف أوروبا.

تمتعت الإمبراطورية الصينية، خلال سلالة سونغ الحاكمة بين عامي 960 و1279،  بثورة في الزراعة، ونقل المياه، والمالية، والتحضر، والعلوم والتكنولوجيا، وهو ما جعل الاقتصاد الصيني أكثر تقدمًا من أي اقتصاد آخر في العالم منذ عام 1100 تقريبًا. أدى اتقان زراعة الأرز الرطب إلى حالة من الانفتاح في الجزء الجنوبي الصيني غير المتطور حتى يومنا هذا،  بينما دُمرت الصين الشمالية بسبب حروب جين سونغ والغزو المغولي، والفيضانات والأوبئة. ونتج عن هذا تحول جذري في المركز السكاني والصناعي الذي انتقل من موطن الحضارة الصينية حول النهر الأصفر إلى جنوب الصين،  وانعكس هذا الوضع جزئيًا فقط بعد إعادة تعمير شمال الصين منذ القرن الخامس عشر. صارت الصين خلف إيطاليا في ترتيب مستوى المعيشة، عام 1300، على الرغم من احتمالية تساوي أغنى مناطقها مع أغنى المناطق الأوروبية حتى بدايات القرن الثامن عشر.[23][24][25][26]

كانت الضرائب منخفضة، وحدث نمو في الاقتصاد الصيني والسكان بشكل ملحوظ في أواخر العصر الإمبراطوري بين عامي 1368 و1911، والذي ضم سلالة مينغ الحاكمة وسلالة تشينغ الحاكمة، على الرغم من عدم وجود زيادات كبيرة في الإنتاجية. ازداد الطلب بشكل كبير على البضائع الصينية مثل الحرير، والشاي، والسيراميك في أوروبا، ما أدى إلى تدفق الفضة، وزيادة المخزون النقدي وتسهيل النمو في الأسواق التنافسية والمستقرة. وارتفعت مستويات الكثافة السكانية في الصين عنها في أوروبا بنهاية القرن الثامن عشر. تميزت الصين باحتوائها على مدن كبرى أكثر من أوروبا المعاصرة، ولكن مع مدن صغرى أقل. يرى الرأي التقليدي أن التباعد الكبير بين الصين وأوروبا بدأ منذ عام 1750، أي قبل الثورة الصناعية. ولكن تُقدِّر المعرفة التصحيحية أن التباعد الكبير لم يبدأ قبل القرن التاسع عشر، أي أنه بدأ خلال الثورة الصناعية.[27][28][29]

الآثار الاقتصادية

يمكن لوسائل الزراعة والإنتاج في العالم القديم أن تناسب بعض أنماط الحياة المعينة فقط. غير التحول الصناعي من الاقتصاد الأوروبي بشكل كبير وسمح بتحقيق مستويات عالية في الثروة والإنتاجية أكثر مما حققته دول العالم القديم المتقدمة. حافظت الاختلافات في طرق استخدام التكنولوجيا الغربية على التقدم الغربي وسرعت من التباعد الكبير، بالرغم من انتشار هذه التكنولوجيا في الشرق بعد ذلك.[30]

مقالات ذات صلة

مراجع

  1. Maddison 2007، صفحة 382، Table A.7.
  2. Eltjo, Buringh; van Zanden, Jan Luiten (2009). "Charting the "Rise of the West": Manuscripts and Printed Books in Europe, A Long-Term Perspective from the Sixth through Eighteenth Centuries". The Journal of Economic History. 69 (2): 409–445, 416–417, tables 1 & 2. doi:10.1017/S0022050709000837.
  3. Jones 2003.
  4. Allen, Robert C. (2011). Global Economic History: A Very Short Introduction. Oxford University Press Canada.  . Why has the world become increasingly unequal? Both 'fundamentals' like geography, institutions, or culture and 'accidents of history' played a role.
  5. pseudoerasmus (2014-06-12). "The Little Divergence". pseudoerasmus. مؤرشف من الأصل في 01 سبتمبر 201919 أغسطس 2017.
  6. "Business History, the Great Divergence and the Great Convergence". HBS Working Knowledge (باللغة الإنجليزية). 2017-08-01. مؤرشف من الأصل في 01 سبتمبر 201919 أغسطس 2017.
  7. Vries, Peer. "Escaping Poverty". مؤرشف من الأصل في 16 فبراير 2020.
  8. Bassino, Jean-Pascal; Broadberry, Stephen; Fukao, Kyoji; Gupta, Bishnupriya; Takashima, Masanori (2018-12-01). "Japan and the great divergence, 730–1874" ( كتاب إلكتروني PDF ). Explorations in Economic History (باللغة الإنجليزية). 72: 1–22. doi:10.1016/j.eeh.2018.11.005. hdl:10086/29758. ISSN 0014-4983. مؤرشف من الأصل ( كتاب إلكتروني PDF ) في 01 سبتمبر 2019.
  9. Goldstone, Jack A. (2015-04-26). "The Great and Little Divergence: Where Lies the True Onset of Modern Economic Growth?". Rochester, NY. SSRN .
  10. Bairoch 1995، صفحات 101–108.
  11. Hobson 2004، صفحة 77.
  12. Pomeranz 2000، صفحات 36, 219–225.
  13. Korotayev, Andrey; Zinkina, Julia; Goldstone, Jack (June 2015). "Phases of global demographic transition correlate with phases of the Great Divergence and Great Convergence". Technological Forecasting and Social Change. 95: 163–169. doi:10.1016/j.techfore.2015.01.017. مؤرشف من الأصل في 16 فبراير 2020.
  14. Frank 2001.
  15. Maddison 2001، صفحات 51–52.
  16. Parthasarathi 2011، صفحات 38–45.
  17. روبرت س. ألين, Tommy Bengtsson, Martin Dribe (2005), Living Standards in the Past: New Perspectives on Well-Being in Asia and Europe, page 173, دار نشر جامعة أكسفورد - تصفح: نسخة محفوظة 16 فبراير 2020 على موقع واي باك مشين.
  18. Chris Jochnick, Fraser A. Preston (2006), Sovereign Debt at the Crossroads: Challenges and Proposals for Resolving the Third World Debt Crisis, pages 86–87, دار نشر جامعة أكسفورد - تصفح: نسخة محفوظة 16 فبراير 2020 على موقع واي باك مشين.
  19. Allen 2009، صفحة 548.
  20. Pomeranz 2000، صفحة 241.
  21. Pomeranz 2000، صفحة 187.
  22. Pomeranz 2000، صفحة 219.
  23. Elvin 1973، صفحات 7, 113–199.
  24. Elvin 1973، صفحات 204–205.
  25. Broadberry, Stephen N.; Guan, Hanhui; Li, David D. (2017-04-01). "China, Europe and the Great Divergence: A Study in Historical National Accounting, 980–1850". SSRN .
  26. "China has been poorer than Europe longer than the party thinks". The Economist. 2017-06-15. مؤرشف من الأصل في 21 فبراير 201822 يونيو 2017.
  27. Myers & Wang 2002، صفحة 569.
  28. Myers & Wang 2002، صفحات 587, 590.
  29. Myers & Wang 2002، صفحة 579.
  30. Clark & Feenstra 2003.

موسوعات ذات صلة :