الرئيسيةعريقبحث

الجدل حول العرق المصري القديم


أثيرت مسألة عرق المصريين القدماء تاريخيًا كنتيجةٍ للمفاهيم العنصرية المبكرة في القرنين الثامن والتاسع عشر، وارتبطت بنماذج من التسلسل الهرمي العنصري المعتمدة في المقام الأول على علم قياس الجماجم والقياسات البشرية وعلم الوراثة البشري. وُجدت مجموعة متنوعة من الآراء المتداولة حول العرق (التصنيف البشري) للمصريين ومصدر ثقافتهم.[1] جادل بعض العلماء أن حضارة مصر القديمة قد تأثرت باللغات الآسيوية الأفريقية في شمال إفريقيا أو الشرق الأوسط، بينما أشار آخرون إلى التأثيرات القادمة من مختلف المجموعات مثل النوبيين أو سكان أوروبا. استمر بعض الكُتّاب مؤخرًا في تحدي وجهة النظر السائدة، بينما ركز البعض على التشكيك في عرق أفراد بارزين محددين، مثل: الملك المتمثل بأبو الهول، والفرعون توت عنخ آمون من الأسرة المصرية الثامنة عشر، وكليوباترا من البطالمة.

يرفض العلماء فكرة أن مصر كانت تابعة لحضارة العرق الأبيض أو الأسود. ويؤكدون أنه رغم التنوع الظاهري للمصريين القدماء والحاليين، فإن تطبيق المفاهيم الحديثة للعرق الأبيض أو الأسود على مصر القديمة هو مفارقة تاريخية.[2][3][4] بالإضافة إلى ذلك، يرفض العلماء فكرة بأن مصر القديمة كانت متجانسة عنصريًا؛ بل على العكس من ذلك فقد تباينت ألوان البشرة بين شعوب مصر السفلى وصعيد مصر ومملكة كوش، الذين وصلوا إلى مواقع السلطة في مصر القديمة خلال العصور المختلفة.

وصفت دراسة نُشرت في عام 2017 عملية استخراج وتحليل (دي إن أي) ل 151 من الأفراد المصريين القدماء المحنطين، الذين انتُشلَ رفاتهم من أبو صير الملق في محافظة بني سويف في مصر الوسطى.[5] كانت الدراسة قادرةً على قياس دنا المتقدرة لـ 90 فردًا، وقد أظهرت أن «المصريين القدماء يتقاسمون مع أهل الشرق الأدنى القديم خصوصا في العصر البرونزي والحجري الحديث أكثر من المصريين الحاليين، الذين أخذوا مؤخرًا مزيجًا إضافيًا من جنوب الصحراء الكبرى». استُخرجت معلومات الجينوم بشكل ناجح فقط من ثلاثة من هؤلاء الأفراد. ومن بين هؤلاء الثلاثة، عُيّن الهابلوغروب (الصبغي Y) لشخصين منهم، الأولى تابعة للشرق الأوسط، والثانية شائعة في منطقة شمال إفريقيا. وُجدَ أيضًا في بنيتهم الجينية عنصر قادم من جنوب صحراء إفريقيا تراوحت نسبته ما بين 6% و15%. ومع ذلك، حذّر مؤلفو هذه الدراسة من أن المومياوات قد لا تمثل كل الشعب المصري، وذلك بسبب أن جميع المومياوات المُختبرة أُخِذت من نفس الموقع، وتاريخها يعود إلى الفترة ما بين أواخر المملكة المصرية الحديثة إلى مصر (مقاطعة رومانية)، مع عدم وجود عينات لأي مومياء من عهد المملكة المصرية القديمة والوسطى.[6]

التاريخ

كانت أولى الأمثلة على الخلاف حول عرق المصريين القدماء من صنع الأوروبيين والأمريكيين في أوائل القرن التاسع عشر. ومن النماذج المبكرة على هذه المحاولات، مقال نُشر في مجلة نيو إنغلاند في أكتوبر من عام 1833، عارض فيه المؤلفون الادعاء القائل إن «هيرودوت أعطاهم السلطة لكونهم زنوج». وأشاروا إلى لوحات المصريين القديمة كدليل: «قد يكون لُوحظ أن بشرة الرجال كانت حمراء بشكل دائم، وبشرة النساء كانت صفراء؛ لكن لا يمكن القول إن أيًا منهما لديه أي شيء في ملامحه على الإطلاق يشبه الأصل الزنجي».[7]

كتب قسطنطين فرانسوا فولني في القرن الثامن عشر: «الأقباط هم التمثيل الحقيقي للمصريين القدماء «بسبب» بشرتهم ذات اللون اليرقاني الأصفر، والتي ليست يونانية ولا نيجيرية ولا عربية، شكل وجوههم الممتلئة والعيون المنتفخة، وشفاههم الثخينة... المصريون القدماء كانوا زنوجًا حقيقيين من نفس النوع مثل كل الأفارقة الأصليين».[8][9]

صرَّح جان فرانسوا شامبليون بعد بضع سنواتٍ فقط في عام 1839، في عمله مصر القديمة بأن المصريين والنوبيين مُثلوا بالطريقة ذاتها في اللوحات والنقوش، مُقترحًا: «في أقباط مصر، لا نجد أيًا من السمات المميزة للسكان المصريين القدماء، فالأقباط هم نتيجة التهجين مع جميع الدول التي سيطرت على مصر سابقًا بنجاح، ومن الخطأ البحث عن السمات الرئيسية للعرق القديم ضمن الأقباط». وأيضًا في عام 1839، طُعن في ادعاءات شامبليون وفولني من قبل جاك جوزيف شامبليون - فيجياك، الذي ألقى باللوم على القدماء كونهم السبب في نشر انطباع خاطئ عن أصل المصريين، قائلًا إن «الرأي القائل بأن السكان القدامى في مصر منتمين إلى العرق الأفريقي الزنجي، هو خطأ مقبول منذ فترة طويلة باعتباره الحقيقة... وإن استنتاج فولني فيما يتعلق بالأصل الزنجي للحضارة المصرية القديمة هو غير مقبول».[10]

اشتد الجدل حول عرق المصريين القدماء خلال حركة الإبطالية في الولايات المتحدة خلال القرن التاسع عشر، إذ أكدت الحجج المتعلقة بتبريرات العبودية على الدونية التاريخية والعقلية والجسدية للسود. فعلى سبيل المثال، اعترض جون كامبل في عام 1851، مباشرةً على ادعاءات شامبليون وآخرين فيما يتعلق بالأدلة حول العرق الأسود لمصر، مؤكدًا: «هناك صعوبة كبيرة، وفي رأيي مشكلة لا يمكن التغلب عليها، وهي أن المدافعين عن أصل الحضارة الزنجية في مصر لا يحاولون معرفة، كيف ضاعت هذه الحضارة.... وكيف تقدمت مصر، ولماذا، لأنها كانت قوقازية».[11]

أصبحت النقاشات المتعلقة بعرق المصريين مرتبطة بشكل أوضح بالنقاش الدائر حول العبودية في الولايات المتحدة مع تصاعد الحرب الأهلية فيها. بدأ يوشيا سي. نوت مع جورج غليدين في عام 1854 إثبات أن: «القوقاز أو البيض، والعرق الزنجي كانوا مختلفين للغاية في التاريخ البعيد، وأن المصريين كانوا قوقازيين». وصل الطبيب وأستاذ علم التشريح صامويل جورج مورتون، إلى نتيجة وهي: «رغم أن عدد الزنوج كان كبيرًا في مصر، إلا أن وضعهم الاجتماعي في العصور القديمة كان هو نفسه [الآن في الولايات المتحدة]، وهو موقع الخدم والعبيد». تحدث فلندرز بيتري في أوائل القرن العشرين وهو أستاذ في علم المصريات بجامعة لندن، بدوره عن الملكة أحمس-نفرتاري، التي كانت «السلف الإلهي للأسرة المصرية الثامنة عشرة». وقد وصفها جسديًا بأنها «امتلكت أنفًا معقوفًا، طويلًا ورفيعًا، وكانت تعاني من بروز الفك».[12]

لم تكن مصر حضارة شعبية بوجود جميع الأميركيين من أصل أفريقي في ذلك الوقت، لأنهم غالبًا ما ربطوا مصر بالعبودية. وفي أواخر الستينيات، ربط مارتن لوثر كينغ وغيره من قادة الحقوق المدنية نضال اليهود المُستعبَدين في مصر بكفاح الأمريكيين ذو الأصول الأفريقية.

موقف الأبحاث الحديثة

واجهت فرضية العرق الأسود خلافاتٍ «عميقةٍ» من قبل العلماء في «ندوة اليونسكو حول رؤية مصر القديمة وفك رموز نصوصها» في القاهرة عام 1974. واستنتج معظم المشاركين أن السكان المصريين القدماء كانوا من السكان الأصليين في وادي النيل، وهم نتاج الشعوب من شمال وجنوب الصحراء الذين كانوا مختلفين بألوانهم. سُجّلت الحجج لجميع الأطراف في منشور اليونسكو «تاريخ أفريقيا العام»، ضمن الفصل «أصل المصريين» الذي كتبه أنتا ديوب.

رفض معظم علماء الأنثروبولوجيا منذ النصف الثاني من القرن العشرين، أن يكون لفكرة العرق أي صلاحية في دراسة البيولوجيا البشرية. وكتب ستيوارت تايسون سميث في موسوعة أكسفورد لمصر القديمة في عام 2001، «أي توصيف لعرق المصريين القدماء يعتمد على التعاريف الثقافية الحديثة، وليس على الدراسات العلمية. وبالتالي، فمن المعقول وفقًا للمعايير الأمريكية الحديثة، وصف المصريين بأنهم (سود)، مع الاعتراف بالدليل العلمي للتنوع البدني للأفارقة».[13]

المراجع

  1. Edith Sanders: The Hamitic hypothesis: its origin and functions in time perspective, The Journal of African History, Vol. 10, No. 4 (1969), pp. 521–532
  2. Lefkowitz, Mary R; Rogers, Guy Maclean (1996). Black Athena Revisited. صفحة 162.  . مؤرشف من الأصل في 21 فبراير 202028 مايو 2016.
  3. Bard, Kathryn A; Shubert, Steven Blake (1999). Encyclopedia of the Archaeology of Ancient Egypt. صفحة 329.  . مؤرشف من الأصل في 21 فبراير 202028 مايو 2016.
  4. Stephen Howe (1999). Afrocentrism: Mythical Pasts and Imagined Homes. صفحة 19.  . مؤرشف من الأصل في 21 فبراير 202028 مايو 2016.
  5. "Google Maps". Google Maps. مؤرشف من الأصل في 21 فبراير 2020.
  6. Schuenemann, Verena; Peltzer, Alexander; Welte, Beatrix (30 May 2017). "Ancient Egyptian mummy genomes suggest an increase of Sub-Saharan African ancestry in post-Roman periods". Nature Communications. 8: 15694. Bibcode:2017NatCo...815694S. doi:10.1038/ncomms15694. PMC . PMID 28556824.
  7. "Original Papers: Ancient Egyptians". The New-England Magazine. 0005 (4): 273–280. October 1833. مؤرشف من الأصل في 21 فبراير 2020.
  8. Chasseboeuf 1787، صفحة 74–77.
  9. Chasseboeuf 1862، صفحة 131.
  10. Milton & Bandia 2009، صفحة 215.
  11. Campbell 1851، صفحة 10–12.
  12. Petrie 1939، صفحة 105, 155.
  13. UNESCO, Symposium on the Peopling of Ancient Egypt and the Deciphering of the Meroitic Script; Proceedings, (Paris: 1978), pp. 3–134

موسوعات ذات صلة :