تظافرت عدة عوامل ساعدت على نجاح الأعمال العسكرية البحرية التي قام بها القواسم ضد سفن شركة الهند الشرقية البريطانية في الخليج وتمثلت تلك العوامل في اضطراب الأوضاع في الامبرطورية الفارسية من ناحية وعدم رغبة رئاسة الشركة البريطانية في مومباي في استنزاف قواها في نشاطات تتصل باستتباب الأمن في الخليج من ناحية ثانية وترتب على ذلك استفحال قوة القواسم بنشاط كبير في الهجوم على كثير من السفن التجارية البريطانية.
الحملة البريطانية على القواسم | |||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|
معلومات عامة | |||||||
| |||||||
المتحاربون | |||||||
الدولة القاسمية | الإمبراطورية البريطانية
مدعوم من: | ||||||
القادة | |||||||
سلطان بن صقر القاسمي سعود بن عبد العزيز بن محمد آل سعود | بريطانيا سعيد بن سلطان | ||||||
القوة | |||||||
600 قوة برية 30 سفينة بحرية |
1,000 100 المجموع 1,100 | ||||||
الخسائر | |||||||
عدد قليل تقريباً 43 شخص | 100 سفينة | ||||||
ملاحظات | |||||||
الإحصائيات تقريبية[a] |
أعمال عسكرية بحرية
تسجل الوثائق البريطانية عددا من الأعمال العسكرية التي قام بها القواسم ضد سفن الشركة البريطانية ففي 18 مايو عام 1798م هاجم القواسم سفينة بريطانية تسمى فايبر (Viper) كانت ترسو في ميناء بو شهر ثم هاجموا سفينة أخرى تسمى باسين سنو (Basein Snow) كانت قادمة من مومباي في طريقها إلى البصرة بالقرب من ساحل الرمس القريب من مدينة راس الخيمة معقل القواسم بيد أن رئاسة الشركة في مومباي كانت تفضل التزام السلام دائما في علاقاتها مع عرب الخليج حتى أنها كانت تصدر أوامرها وتعليماتها للبحارة البريطانين بعدم البدء بإطلاق النيران عليهم ولكن مع تزايد الهجمات على سفن الشركة تبنت الرئاسة في مومباي سياسة جديدة للعمل على تأمين التجارة البريطانية ومن ثم كانت الحملة البريطانية الأولى على القواسم في عام 1805 م.
في بداية هذا العام تمكن القواسم من الاستيلاء على السفينتين البريطانيتين شانون (Shannon) و تريمر ( Trimmer) التابعتين للمقم البريطاني في البصرة مانستي (Manesty) وأعيد تسليح السفينتين وضمهما إلى اسطول القواسم وبعد فترة وجيزة تمكن القواسم أيضا من الهجوم على طراد الشركة البريطانية مورنينجتون (Mornington) الذي كان يجوب مياه الخليج لتامين التجارة ضد الفرنسين، إلا أن بحارة الطراد البريطاني أطلقوا النار على القواسم الذين لاذوا بالفرار.
في أبريل عام 1805 م هاجم القواسم سفينة الشركة البريطانية كوين ( Queen) بالقرب من مسقط لكن السفينة تمكنت من التصدي للهجوم.
التحالف مع مسقط
بتكرار هجوم القواسم على سفن الشركة البريطانية، اقترح حاكم مومباي دنكان (Duncan) على الوكيل البريطاني في مسقط الكابتن سيتون (Seton) تقديم المساعدة الحربية إلى حكومة مسقط في حربها ضد القواسم خاصة بعد تمكن القواسم من الاستيلاء على ميناء بندر عباس في أعقاب اغتيال حاكم مسقط سلطان بن أحمد في عام 1804م مما أدى بالتالي إلى سيطرتهم على جانبي مدخل الخلیج العربي، الذي اعتبرته الشركة البريطانية تهديدا للملاحة في المنطقة، وقام البريطانيون بالتالي بالتنسيق مع حاكم مسقط الجديد بدر بن سيف الذي أبدى موافقته على منح البريطانيين ميناء بندر عباس أو جزء منه تقديرا لمساعدتهم.
بناء على هذه الموافقة صدرت الأوامر إلى الكابيتن سيتون الوكيل البريطاني في مسقط في 3 مارس عام 1805م بمساندة حكومة مسقط في القضاء على القواسم.
أوامر مقيدة
لكن تلك الأوامر قيدت كابتن سيتون بعدة قيود فكان عليه ان يكف عن نشاطه إذا تدخل حلفاء القواسم من الدولة السعودية، وأن يحاول الوصول إلى السلام عن طريق المفاوضات، وأن يتفادى أية مشاكل أو صعوبات مع الحكومتين الفارسية والعمانية، كذلك كان عليه أن يعمل بالتنسيق مع مانستي المقيم البريطاني في البصرة والمستر بروس (Bruce) المقيم البريطاني في بو شهر
بدء الحملة الأولى
تحركت القوات البحرية العمانية يساندها الاسطول البحري البريطاني في 15 يونيو عام 1805م في اتجاه ميناء بندر عباس لاستعادته من قبضة القواسم وحلفائهم من بني معين سكان جزيرة هرمز وتم لهم ذلك بعد قتال استمر يوما واحدا وفي 3 يوليو عام 1805م تلقت القوات المتحالفة معلومات تفيد أن القواسم بداوا يحركون اسطولا بحريا مكونا من ثلاثين سفينة صغيرة من جزيرة قشم.
في الحال ابحرت القوات البحرية العمانية يساندها طراد من الشركة البريطانية مورنينجتون (Mornington) وأحكموا الحصار على أسطول القواسم الذي كان بالقرب من سواحل جزيرة قشم رغم محاولات القواسم لفك ذلك الحصار البريطاني العماني عن الجزيرة.
الهدنة
أرسل القواسم إلى سيد بدر بن سيف يعرضون عليها إبرام هدنة، ورحب بدر بن سيف بهذا العرض لرغبته الشديدة في عودته إلى مسقط التي كانت تشهد اضطرابات داخلية، واتفق الطرفان على إبرام هدنة بينهما لمدة سبعين يوماً وأن يعيد القواسم السفينة تريمر (Trimmer): التابعة للشركة البريطانية خلال خمسة وعشرين يوماً.
اتفاق
وقع الطرفان على اتفاقيتهما في 6 فبراير عام 1805 م وتنص بنودها كما ذكر أتشيسون (Aitchison) على إقامة سلام بين الشركة البريطانية وسلطان بن صقر القاسمي زعيم القواسم وأتباعه. احترام كلا الطرفين لعَلم وممتلكات وتوابع الطرف الآخر، على أن يدفع القواسم غرامة مالية كبيرة إذا ما خرقوا الاتفاق.
كذلك نصت الاتفاقية على أن يتغاضى الكابتن سيتون عن المطالبة بحمولة السفينتين تريمر وشانون وان يقدم القواسم المساعدة والحماية للسفن البريطانية التي تجنح إلى شواطئهم ويقوموا بتزويدها بالوقود والماء.
أخيراً وبعد أن تم التصديق على الاتفاقية واقرارها يُسمح للقواسم بزيارة الموانى البريطانية من سورات حتى البنغال وقد وقع الاتفاقية عن البريطانيين الكابتن سيتون الوكيل البريطاني في مسقط وعن القواسم عبد الله بن كروش ثم اعتمدها سلطان بن صقر القاسمي زعيم القواسم ثم الحاكم العام البريطاني في الهند في 29 إبريل 1806م.
- نصوص اتفاقية السلام (قلنامة) نصت على مايلي:
قلنامة أو توقيع اتفاقية معاهدة بين الشيخ عبد الله بن كروش نيابة عن الشيخ سلطان بن صقر بن راشد القاسمي والكابتن ديفيد ستون نيابة عن شركة الهند الشرقية في بندرعباس في 6 فبراير 1806م:
- مادة (1) أن يعم السلام بين شركة الهند الشرقية البريطانية الموقرة وسلطان بن صقر القاسمي وجميع توابعه ورعاياه على سواحل شبه جزيرة العرب وفارس وأن يحترمون علم شركة الهند الشرقية وممتلكاتها أينما وكيفما يكونون وبالمثل يكون ذلك من شركة الهند الشرقية نحو القواسم.
- مادة (2) إذا خالف القواسم حكم المادة المذكورة آنفًا فإنه تحق عليهم غرامة مقدارها 30,000 دولار وبهذا الشرط فإن الكابتن ديفيد ستون يوافق ان يستلم من الأمير سلطان بن صقر السفينة تريمر الراسية الآن في مسقط وأن يتنازل عن المطالب بحمولة مدافع هذه السفينة وكذلك عن حمولة شانون.
- مادة (3) إذا وجدت ممتلكات بريطانية في أسطول الصيد فيجب أن ترد.
- مادة (4) أي سفينة بريطانية ترسو على شواطئ القواسم للتزود بالطعام والماء أو تضطر إلى اللجوء للشاطئ بسبب حالة الجو أو أي سبب آخر يجب أن يساعدها القواسم ويؤمنوا لها الحماية، وأن يحافظوا على ممتلكاتها وأن يسمحوا لها بالرسو أو الرحيل حسبما يراه أصحابها مناسبا بدون مقابل أو شرط.
- مادة (5) إذا أجبر الأمير سعود القواسم على الخروج عن اتفاقية السلام هذه، فيجب عليهم وفي جميع الحالات إرسال إنذار قبل ثلاثة أشهر.
- مادة (6) حين تتم المصادقة على هذه المعاهدة فيمكن للقواسم ان يترددوا على الموانئ البريطانية من سورات إلى البنغال كما كان الحال سابقا.
|
|
وقد صدق عليها الشيخ سلطان بن صقر كما صدق عليها حاكم الهند في 29 أبريل 1806م.
تجدد النزاع بين القواسم وعمان
في أعقاب اغتيال حاكم مسقط السيد بدر بن سيف في عام 1806م وتولي السيد سعيد بن سلطان مقاليد الحكم في عمان، تجدد النزاع بصورة خطيرة بين القواسم والعمانيين خاصة بعد ازدياد قوة القواسم الذين قويت شوكتهم البحرية، كما شعر السيد سعيد بن سلطان بخطورة حلفائهم من السعوديين على اليابسة، مما شكل تهديداً خطيراً لتجارة عمان.
سارع القواسم بزعامة سلطان بن صقر إلى التحرك لاستعادة خورفكان التي كان قد استولى عليها حاكم مسقط سعيد بن سلطان من قبل. بعد قتال عنيف انسحب حاكم مسقط من خورفكان وتتبعه القواسم حتى اقتربوا من مدينة صحار العمانية. أما السعوديون فقد تمكن قائد قواتهم مطلق بن محمد المطيري من الاستيلاء على المدن العمانية نزوىبهلا ومطرح مما يعني تهديداً خطيراً لمعقل سعيد بن سلطان في مدينة مسقط.
موقف شركة الهند الشرقية من النزاع
في خضم هذا الصراع الدائر بين حاكم مسقط من جهة والقواسم وحلفائهم من السعوديين من جهة أخرى كان موقف شركة الهند الشرقية البريطانية في بادئ الأمر يتسم بالحياد التام مما دفع بسعيد بن سلطان إلى عقد اتفاقية سلام مع القواسم وحلفائهم من السعوديين في نهاية عام 1808م. وتعكس شروط الاتفاقية خضوع السيد سعيد بن سلطان للقواسم وحلفائهم، ولم يكن سعيد بن سلطان عازما على استمرار هذا الخضوع بل كان يسعى دائما إلى الاستقلال التام، وحتى يبلغ هذا الهدف رأى أنه في حاجة إلى مساعدة خارجية من إحدى الدولتين المتنافستين على السيطرة على الخلیج العربیی في ذلك الوقت وهما بريطانيا وفرنسا وأبدت له حكومة شركة الهند الشرقية البريطانية في مومباي رغبتها في الوقوف إلى جانبه، خاصة أن الشركة البريطانية كانت تعد العدة للقيام بحملة ثانية على القواسم الذينة تعاظمت قوتهم بشكل كان يهدد طريق التجارة البريطانية في الخليج والمحيط الهندي ورأى سعيد بن سلطان أن اشتراكه في هذه الحملة سوف يؤدى إلى توثيق عرى الصداقة بينه وبين البريطانيين وأنة بإمكانه الاستعانة بهم في تحقيق بعض تطلعاته التي كانت تهدف إلى استعادة الموانيء والجزر التي استولى عليها القواسم منه، كما أنه من المحتمل الاستفادة من كسب تأييدهم له ضد مناوئية أو ضد الحركات الانفصالية التي كانت تقوم في ممتلكاته في عمان من وقت إلى آخر.