الرئيسيةعريقبحث

الخطبة التنطجية

خطبة منسوبة الى أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)

☰ جدول المحتويات


الخطبة التّطنَجيَّة، خطبة منسوبة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رواها الشيعة، وهي من الخطب التي لم يذكرها السيّد الرضي ضمن كتاب نهج البلاغة وكذلك لم يذكرها ابن شهر آشوب.

تتمحور الخطبة على بيان سعة علم أمير المؤمنين  وشمول معرفته بالكائنات والحوادث التي وقعت والتي ستقع في مستقبل الأيام، كما أن الخطبة تتضمن بيان مقامات أمير المؤمنين عليه السلام وعلو قدره عند الله عز وجل وما جرى على يديه في سابق العصور من لدن آدم وقبل خلقة آدم عليه السلام.

المصادر التي نقلت الخطبة

أقدم مصدر يشير إلى حكاية المقطع الأخير من الخطبة هو كتاب "المجموع الرائق" للسيّد هبة الله الموسوي المتوفى سنة 703 ه/ 1304م.[1] وأنّ أقدم مصدر نقل الخطبة كاملة هو كتاب مشارق أنوار اليقين للحافظ العارف والعالم الشيعي رجب البرسي من رجال القرنين الثامن والتاسع الهجريين[2]؛ كما أوردها الشيخ علي اليزدي الحائري في كتابه إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب.[3]

تاريخ ومكان الخطبة

لا يوجد ما يشير إلى تحديد مكان إلقائها بالدِّقة سوى ما صرّح به البُرسي من أنّ أمير المؤمنين  خطب بها وهو ما بين الكوفة والمدينة[4].

ويرى البعض أنها تعود إلى الفترة التي تلت معركة صفين بقليل، مستظهرين ذلك من فقرة: "ولأقتلن بعمار بن ياسر وبأويس القرني ألف قتيل"[2]

ويظهر من الخطبة أنه كان يخاطب جماعة وذلك ظاهر من ضمير الخطاب المتكرر طوال الخطبة، ومن ذلك قوله عليه السلام: "ألا فابشروا، فأنتم نعم الاخوان، ألا وان لكم بعد حين طرفة تعلمون بها بعض البيان"[2]

وكما يظهر من الخطبة أن من المخاطبين جابر بن عبدالله الأنصاري وأبن صويرمة وأبنه الشهيد الإمام الحسين عليه السلام ويظهر ذلك من قوله: "يا جابر، أنتم مع الحق ومعه تكونون، وفيه تموتون، يا جابر إذا صاح الناقوس..." وقوله :"كأني بهذا (وأشار إلى الحسين عليه السلام) قد ثار نوره بين عينيه". وقوله فيها: "فقام إليه  ابن صويرمة، فقال: أنت أنت يا أمير المؤمنين"[2] وابن صويرمة هذا لم يذكره أحد من الرجاليين في عداد أصحاب أمير المؤمنين، وهو رجل مجهول الحال.

وجه التسمية

جاء ذلك لوجود مفردة "التنطج" في الخطبة تارة بنحو الإفراد وأخرى التثنية؛ وذلك قوله عليه السلام في أولها: "أنا الواقف على التطنجين".

والمفردة هذه، من الألفاظ التي لم تبيّن لنا مصادر اللّغة طريقة التلفظ بها، إلا أن نفس الخطبة قط بينت معنى الكلمة حيث قال عليه السلام: "والتطنجان، خليجان من ماء كأنهما أيسار تطنجين"؛ ونسب البُرسي إلى القدامى أنهم يفسرون كلمة التطنجين بالدنيا والآخرة.[5]

أما السيد كاظم الرشتي فقد أشار إلى وجه آخر في التسمية قائلا : إنما سُميت بذلك لاشتمال الخطبة على "الأكوار" و "الأدوار" والذين ينحصران في كرتين، وقد واصل حديثه في وصف هذين الكرتين واعتبرهما "التطنجين"، وقد شيّد السيد كاظم الرشتي الكثير من رؤاه الخاصّة على نظرية التقابل بين التطنجين، واعتبرهما ينبعان من عين واحدة ومجمعها البحر المحيط.[6] ولا يخفى أن تفسير السيد الرشتي هو من باب تفسير المعنى والمغزى لا نفس الكلمة إصطلاحاً.

محتوى الخطبة

بدء الخلقة

تشرع الخطبة بالحديث عن خلق العالم وهي تقترب كثيراً في محتواها مع الخطبة الأولى من نهج البلاغة؛ ومن ذلك قوله عليه السلام: "وخلق البحار والجبال على تلاطم تيار رفيق رئيق، فتق رتجاها فتغطمطت أمواجها"[2]

علم الإمام علي عليه السلام

وبعد الفراغ من الحديث عن خلق العالم تشرع الخطبة في الحديث عن التطنجين وتأخذ الخطبة تنحى باتجاه خاص يميزها عن غيرها. ويتمحور الطابع العام للخطبة على بيان سعة علم الإمام علي عليه السلام، وتقدّمه بالعلم والمعرفة وتبحره في معرفة حقائق الكائنات والحوادث التاريخية الماضية والمستقبلية ومن ما جاء في ذلك قوله فيها عليه السلام: "وعرفت ما كان وما يكون وما كان في الذر الأول مع من تقدم من آدم الأول، ولقد كشف لي فعرفت، وعلمني ربي فتعلمت"[2] كما أن هذه المعاني متواترة إما لفظاَ أو معنىً في الأخبار الواردة عنه وعن أهل بيته عليهم السلام.

مقامات الإمام عليه السلام

كما أن الخطبة في الجزء الأكبر منها تتكلم بلسان بيان المقامات للإمام علي عليه السلام وما كان من صنيعه وتأثيره بالعوالم السابقة إلى عالمنا هذا وآدمنا هذا، ويظهر ذلك جلي في مواضع عدة ومنها تكرار كلمة أنا ويليها شيء من مقاماته العالية، ومن ما جاء في ذلك قوله عليه السلام: "ولو كشف لكم ما كان مني في القديم الأول، وما يكون مني في الآخرة، لرأيتم عجائب مستعظمات، وأمورا مستعجبات، وصنايع وإحاطات."[2] وفي ذلك أو ما يشابهه وردت أخبار مستفيضة عنه وعن أهل بيته عليهم السلام من كونهم أول الخلق وأنهم كانوا أنواراً محيطةً بالعرش وأن الإمام علي عليه السلام وهو قسيم الجنة والنار وغيرها الكثير ما يأيد هذه المعاني ومايقرنها ويعضدها.

أخباراته بما سيحدث

وفي أخرها تبدأ بسرد وقائع من أخر الزمان ومن ذلك قوله عليه السلام: "ألا ويل لمداينكم وأمصاركم من طغاة يظهرون فيغيرون ويبدلون إذا تمالت الشدائد من دولة الخصيان، وملكة الصبيان، والنسوان، فعند ذلك ترتج الأقطار بالدعاة إلى كل باطل، هيهات هيهات"[2]

خصائص الخطبة

تمتماز الخطبة كباقي خطب أمير المؤمنين عليه السلام بالجزالة والإلقاء الرنان، كما أن الخطبة أمتازت بلحن قرآني في معانيها ومفرداتها، ويذهب البعض لتصنيفها في مسار خطبة البيان، وخطبة الافتخار، وخطبة اللؤلؤة وخطبة الأقاليم، لما هنالك من شباهة في تجسيد حقائق الأمور والإلقاء بأسلوب الصدع.

ومن الملفت لنظر القارئ في هذه الخطبة أشتمالها لمعلومات علمية لم تكن معروفة آن ذاك؛ فتارة تذكر الخطبة بما يعرف في هذه العصور بشبهة الآكل والمأكول وذلك في قوله عليه السلام: "فكم من آكل منكم لحم أخيه، وشارب برأس أبيه، وهو يشتاقه ويرتجيه."[2] وذلك أن الإنسان حين يتفسخ تذهب أجزاءه إلى الأرض فمن ثم يستفيدها النبات في غذائه ثم أن الماشية تقتات على هذه النباتات والإنسان يأكل النباتات وكذلك الماشية فمن هذا يكون الإنسان أكلاً للحم أبيه وهو لايشعر ولا يعلم، وأما قوله "شارب برأس أبيه" فذلك أن الآنية والخزف يصنع من الرمال. ومن ما تعرضت الخطبة له من الحقائق العليمة أصوات الكواكب الناتجة من الحركة وذلك في قوله عليه السلام: "ولولا اصطكاك رأس افردوس، واختلاط التطنجين، وصرير الفلك، يسمع من في السماوات والأرض رميم حميم دخولها في الماء الأسود".

ومن ما تتظمنه الخطبة في طياتها ذكر حقائق العوالم السابقة التي جاء ذكرها في الأحاديث الكثيرة عنهم عليهم السلام ومن تلك الأحاديث رواية الإمام الباقر عليه السلام "لقد خلق الله ألف ألف عالم وألف ألف آدم أنت في آخر تلك العوالم"[7] ومن ما أشارت الخطبة في تلك العوالم قوله عليه السلام: "أنا صاحب الخلق الأول قبل نوح الأول، ولو علمتم ما كان بين آدم ونوح من عجائب اصطنعتها، وأمم أهلكتها: فحق عليهم القول، فبئس ما كانوا يفعلون."[2] ويذهب بعض الباحثين أن قوله نوحٌ الأول إشارة إلى نوحٍ الذي كان في العالم الأول من هذه العوالم العديدة.

وتوجد في الخطبة إبهامات ومصطلحات غير مفهومة، ويذهب بعض المحققين أن السبب وراء هذا ماجرى على الخطبة من التصحيف نتيجة إهمالها وعدم الاكتراث بها، كما أن الخطبة تشتمل على كلمات بسببها يثير البعض الشكوك حول هذه الخطبة ومن قبيل تلك الكلمات ماجاء فيها: "أنا طيرثا، أنا جانبوثا، أنا البارحلون، أنا عليوثوثا، أنا المسترق على البحار في نواليم الزخار عند البيار."[2] ومن ذلك استعمال مفردة "عمقيوس" للدلالة على عقر جهنم؛ ويجيب البعض بأن عدم فهمنا لمقاصد هذه الكلمات لا يتعدى كوننا لا نعلم.

الخطبة في كلمات العلماء

لم تحظ الخطبة- باستثناء السيّد هبة الله الموسوي والشيخ رجب البرسي- باهتمام الباحثين والأعلام الشيعة حتى القرن الثالث عشر الهجري.

نعم، ذهب الفيض الكاشاني - في العصر الصفوي- إلى تصحيح نسبة الخطبة إلى أمير المؤمنين  .فيما نرى العلامّة المجلسي يتجاهل إدراجها في موسوعة بحار الأنوار، ولم يعلق عليها رغم وجود كتاب البرسي عنده وذلك بسبب أن كثيراً من العلماء اتهموا ناقلها أي الحافظ رجب البرسي بالغلو والارتفاع ولكن لا يعدوا هذا القول أن يكون جزافاً من القول.

ومع إطلالة القرن الثالث عشر الهجري وفي حدود سنة 1232 ه. قام السيد كاظم الرشتي بشرحها مفصلاً في كتاب مستقل سماه بشرح الخطبة التطنجية. وهذا بعض ما قاله في مقدمة شرحه:

"اعلم أن العلماء في هذه الخطبة الشريفة وأمثالها من الخطب والأحاديث تشعبوا إلى أربع شعب، فمنهم من طرحوا هذه الأخبار واسقطوها عن نظر الاعتبار وقالوا أنها أخبار أحاد لا تفيد علماً ولا عملاً. وأما القسم الثاني، فقد توقفوا في تصديقها وتكذيبها حيث رأوا شيوع هذه الأخبار وتكررّها وتواردها في كتب الفرقة المحقة وورود الأدعية الكثيرة بمضمونها والزيارات الوادرة عنهم عليه السلام وورود الأخبار الكثيرة بمعناها عن أخبار الثقات إلا أن هنالك أخباراً بظاهرها تنفي هذه المضامين وتؤيدها بعض المضامين من ظواهر القران الحكيم فختاروا التوقف والسكوت فيها لقولهم عليهم السلام "الوقوف عند الشبهات خير من الأقتحام في الهلكات.والقسم الثالث، تلقوها بالقبول وشهدوا على حقيقتها لكنهم حاولوا معرفتها بالعقول دون الاستناد لآل الرسول فجروا في بيان هذه الخطب مجرى الصوفية والملاحدة القائلين بوحدة الموجود. وأما الفرقة الرابعة تلقوا هذه الخطبة واشباهها من الأخبار بالعقول وعرفوها بنورها على مافهموا من كلمات آل الرسول."[8]

في المقابل نجد الميرزا القمّي (د1232 ه.) ينفي نسبة الخطبة إلى الإمام علي عليه [9]. وبعد قرابة قرن من الزمن اهتم الحائري اليزدي (د 1333 ه) بالخطبة وأدرج الكثير من مقاطعها ومضامينها المؤشرة إلى علامات الظهور في كتابه إلزام الناصب.[10]

وقال صاحب كتاب الأنوار الإلهية : إنّ الخطبة المذكورة لم ترد بسند معتبر، وإن اشتملت على مضامين وفقرات وردت في روايات أخرى.[11]

وقال آغا بزرك الطهراني في الذريعة: والبرسى لم يذكر خطبة الأقاليم في كتابه، وإنمّا ذكر الخطبة التطنجية التي ذكر في أواخرها الأقاليم الأربعة وابن شهر آشوب ذكر الأقاليم دون التطنجية فيحتمل اتحادهما فليرجع اليهما.[12] إلّا أنّ مضامين خطبة الأقاليم التي أشار إليها صاحب المناقب غير موجودة غالباً في الخطبة التطنجية،[13] فمن المستبعد إتحادهما.

نص الخطبة

نقلاً عن كتاب مشارق أنوار اليقين للحافظ رجب البرسي رحمه الله تعالى:

ومن خطبة له عليه السلام تسمى التطنجية، ظاهرها أنيق، وباطنها عميق، فليحذر قارئها من سوء ظنه، فإن فيها من تنزيه الخالق ما لا يطيقه أحد من الخلائق، خطبها أمير المؤمنين عليه السلام بين الكوفة والمدينة، فقال: الحمد لله الذي فتق الأجواء وخرق الهواء، وعلق الأرجاء وأضاء الضياء، وأحيى الموتى وأمات الأحياء، أحمده حمدا سطع فأرفع، وشعشع فلمع، حمدا يتصاعد في السماء إرساله، ويذهب في الجو اعتداله، خلق السماوات بلا دعائم، وأقامها بغير قوائم، وزينها بالكواكب المضيئات، وحبس في الجو سحائب مكفهرات، وخلق البحار والجبال على تلاطم تيار رفيق رئيق، فتق رتجاها فتغطمطت أمواجها، أحمده وله الحمد، وأشهد أن لا إله إلا هو، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، انتجبه من البحبوحة العليا، وأرسله في العرب، وابتعثه هاديا مهديا حلا حلا طلسميا، فأقام الدلائل، وختم الرسائل، بصر به المسلمين، وأظهر به الدين، صلى الله عليه وآله الطاهرين.

أيها الناس، أنيبوا إلى شيعتي، والتزموا بيعتي، وواظبوا على الدين بحسن اليقين، وتمسكوا بوصي نبيكم الذي به نجاتكم، وبحبه يوم الحشر منجاتكم، فأنا الأمل والمأمول، أنا الواقف على التطنجين، أنا الناظر إلى المغربين والمشرقين، رأيت رحمة الله والفردوس رأي العين، وهو في البحر السابع يجري في الفلك في زخاخيره النجوم والحبك، ورأيت الأرض ملتفة كالتفاف الثوب القصور، وهي في خزف من التطنج الأيمن مما يلي المشرق والتطنجان، خليجان من ماء كأنهما أيسار تطنجين، وما المتولي دائرتها، وما أفردوس؟ وما هم فيه إلا كالخاتم في الإصبع، ولقد رأيت الشمس عند غروبها وهي كالطاير المنصرف إلى وكره، ولولا اصطكاك رأس الفردوس، واختلاط التطنجين، وصرير الفلك، يسمع من في السماوات والأرض رميم حميم دخولها في الماء الأسود، وهي العين الحمئة.

ولقد علمت من عجائب خلق الله ما لا يعلمه إلا الله، وعرفت ما كان وما يكون وما كان في الذر الأول مع من تقدم من آدم الأول، ولقد كشف لي فعرفت، وعلمني ربي فتعلمت، ألا فعوا ولا تضجوا ولا ترتجوا فلولا خوفي عليكم أن تقولوا جن أو ارتد لأخبرتكم بما كانوا وما أنتم فيه وما تلقونه إلى يوم القيامة، علم أوعز إلي فعلمت، ولقد ستر علمه عن جميع النبيين إلا صاحب شريعتكم هذه صلوات الله عليه وآله، فعلمني علمه، وعلمته علمي. ألا وإنا نحن النذر الأولى، ونحن نذر الآخرة والأولى، ونذر كل زمان وأوان، وبنا هلك من هلك، وبنا نجى من نجى، فلا تستطيعوا ذلك فينا، فوالذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، وتفرد بالجبروت والعظمة، لقد سخرت لي الرياح والهواء والطير، وأعرضت علي الدنيا، فأعرضت عنها، أنا كأب الدنيا لوجهها فحنى، متى يلحق بي اللواحق، لقد علمت ما فوق الفردوس الأعلى، وما تحت السابعة السفلى، وما في السماوات العلى، وما بينهما وما تحت الثرى. كل ذلك علم إحاطة لا علم أخبار.

أقسم برب العرش العظيم، لو شئت أخبرتكم بآبائكم وأسلافكم أين كانوا وممن كانوا وأين هم الآن وما صاروا إليه، فكم من آكل منكم لحم أخيه، وشارب برأس أبيه، وهو يشتاقه ويرتجيه. هيهات هيهات، إذا كشف المستور، وحصل ما في الصدور، وعلم أين الضمير، وأيم الله لقد كوزتم كوزات، وكررتم كرات، وكم بين كرة وكرة من آية وآيات، ما بين مقتول وميت، فبعض في حواصل الطيور، وبعض في بطون الوحش، والناس ما بين ماض وزاج، ورايح وغاد، ولو كشف لكم ما كان مني في القديم الأول، وما يكون مني في الآخرة، لرأيتم عجائب مستعظمات، وأمورا مستعجبات، وصنايع وإحاطات.

أنا صاحب الخلق الأول قبل نوح الأول، ولو علمتم ما كان بين آدم ونوح من عجائب اصطنعتها، وأمم أهلكتها فحق عليهم القول، فبئس ما كانوا يفعلون. أنا صاحب الطوفان الأول، أنا صاحب الطوفان الثاني، أنا صاحب سيل العرم، أنا صاحب الأسرار المكنونات، أنا صاحب عاد والجنات، أنا صاحب ثمود والآيات، أنا مدمرها، أنا مزلزلها، أنا مرجعها، أنا مهلكها، أنا مدبرها، أنا بأبيها، أنا داحيها، أنا مميتها، أنا محييها، أنا الأول، أنا الآخر، أنا الظاهر، أنا الباطن، أنا مع الكور قبل الكور، أنا مع الدور قبل الدور، أنا مع القلم قبل القلم، أنا مع اللوح قبل اللوح، أنا صاحب الأزلية الأولية، أنا صاحب جابلقا وجابرسا، أنا صاحب الرفوف وبهرم، أنا مدبر العالم الأول حين لا سماؤكم هذه ولا غبراؤكم.

قال: فقام إليه ابن صويرمة فقال: أنت أنت يا أمير المؤمنين؟ فقال: أنا أنا لا إله إلا الله ربي ورب الخلائق أجمعين، له الخلق والأمر، الذي دبر الأمور بحكمته، وقامت السماوات والأرض بقدرته، كأني بضعيفكم يقول ألا تسمعون إلى ما يدعيه ابن أبي طالب في نفسه، وبالأمس تكفهر عليه عساكر أهل الشام فلا يخرج إليها؟ وباعث محمد وإبراهيم لأقتلن أهل الشام بكم قتلات وأي قتلات، وحقي وعظمتي لأقتلن أهل الشام بكم قتلات وأي قتلات، ولأقتلن أهل صفين بكل قتلة سبعين قتلة، ولأردن إلى كل مسلم حياة جديدة، ولأسلمن إليه صاحبه وقاتله، إلى أن يشفي غليل صدري منه، ولأقتلن بعمار بن ياسر وبأويس القرني ألف قتيل أولا يقال لا وكيف وأين ومتى وأنى وحتى، فكيف إذا رأيتم صاحب الشام ينشر بالمناشير، ويقطع بالمساطير، ثم لأذيقنه أليم العقاب، ألا فأبشروا، فإلي يرد أمر الخلق غدا بأمر ربي، فلا يستعظم ما قلت، فإنا أعطينا علم المنايا والبلايا، والتأويل والتنزيل، وفصل الخطاب وعلم النوازل، والوقايع والبلايا، فلا يغزب عنا شئ. كأني بهذا -وأشار إلى الحسين عليه السلام- قد ثار نوره بين عينيه، فأحضره لوقته بحين طويل يزلزلها ويخسفها، وثار معه المؤمنون في كل مكان، وأيم الله لو شئت سميتهم رجلا رجلا بأسمائهم وأسماء آبائهم فهم يتناسلون من أصلاب الرجال وأرحام النساء، إلى يوم الوقت المعلوم.

ثم قال: يا جابر، أنتم مع الحق ومعه تكونون، وفيه تموتون، يا جابر إذا صاح الناقوس، وكبس الكابوس، وتكلم الجاموس، فعند ذلك عجائب وأي عجائب، إذا أنارت النار ببصري، وظهرت الراية العثمانية بوادي سوداء، واضطربت البصرة وغلب بعضهم بعضا، وصبا كل قوم إلى قوم، وتحركت عساكر خراسان، وتبع شعيب بن صالح التميمي من بطن الطالقان، وبويع لسعيد السوسي بخوزستان، وعقدت الراية لعماليق كردان، وتغلبت العرب على بلاد الأرمن والسقلاب، وأذعن هرقل بقسطنطينة لبطارقة سينان، فتوقعوا ظهور مكلم موسى من الشجرة على الطور، فيظهر هذا ظاهر مكشوف، ومعاين موصوف، ألا وكم عجائب تركتها، ودلائل كتمتها، لا أجد لها حملة، أنا صاحب إبليس بالسجود، أنا معذبه وجنوده على الكبر والغرور بأمر الله، أنا رافع إدريس مكانا عليا، أنا منطق عيسى في المهد صبيا، أنا مدين الميادين وواضع الأرض، أنا قاسمها أخماسا، فجعلت خمسا برا، وخمسا بحرا، وخمسا جبالا، وخمسا عمارا، وخمسا خرابا. أنا خرقت القلزم من الترجيم، وخرقت العقيم من الحيم، وخرقت كلا من كل، وخرقت بعضا في بعض، أنا طيرثا، أنا جانبوثا، أنا البارحلون، أنا عليوثوثا، أنا المسترق على البحار في نواليم الزخار عند البيار، حتى يخرج لي ما أعد لي فيه من الخيل والرجل، فخذ ما أحببت، وأترك ما أردت، ثم أسلم إلى عمار بن ياسر اثني عشر ألف أدهم على أدهم، منها محب لله ولرسوله، مع كل واحد اثني عشر كتيبة، لا يعلم عددها إلا الله، ألا فأبشروا، فأنتم نعم الإخوان، ألا وإن لكم بعد حين طرفة تعلمون بها بعض البيان، وتنكشف لكم صنايع البرهان، عند طلوع بهرام وكيوان، على دقائق الاقتران، فعندما تتواتر الهزات والزلازل، وتقبل رايات من شاطئ جيحون إلى بيداء بابل. أنا مبرج الأبراج وعاقد الرياح، ومفتح الأفراج وباسط العجاج، أنا صاحب الطور، أنا ذلك النور الظاهر، أنا ذلك البرهان الباهر، وإنما كشف لموسى شقص من شقص الذر من المثقال، وكل ذلك بعلم من الله ذي الجلال.

أنا صاحب جنات الخلود، أنا مجري الأنهار أنهارا من ماء تيار، وأنهارا من لبن، وأنهارا من عسل مصفى، وأنهارا من خمر لذة للشاربين، أنا حجبت جهنم وجعلتها طبقات السعير، وسقير الجير، والأخرى عمقيوس أعددتها للظالمين، وأودعت ذلك كله وادي برهوت، وهو والفلق ورب ما خلق، يخلد فيه الجبت والطاغوت وعبيدهما، ومن كفر بذي الملك والملكوت. أنا صانع الأقاليم بأمر العليم الحكيم، أنا الكلمة التي بها تمت الأمور ودهرت الدهور، أنا جعلت الأقاليم أرباعا، والجزائر سبعا، فإقليم الجنوب معدن البركات، وإقليم الشمال معدن السطوات، وإقليم الصبا معدن الزلازل وإقليم الدبور معدن الهلكات.

ألا ويل لمداينكم وأمصاركم من طغاة يظهرون فيغيرون ويبدلون إذا تمالت الشدائد من دولة الخصيان، وملكة الصبيان، والنسوان، فعند ذلك ترتج الأقطار بالدعاة إلى كل باطل، هيهات هيهات، توقعوا حلول الفرج الأعظم، وإقباله فوجا فوجا، إذا جعل الله حصباء النجف جوهرا، وجعله تحت أقدام المؤمنين، وتبايع به للخلاف والمنافقين، ويبطل معه الياقوت الأحمر، وخالص الدر والجوهر، ألا وإن ذلك من أبين العلامات، حتى إذا انتهى ذلك صدق ضياؤه، وسطع بهاؤه، وظهر ما تريدون، وبلغتم ما تحبون، ألا وكم إلى ذلك من عجائب جمة، وأمور ملمة، يا أشباه الأعثام، وبهام الأنعام، كيف تكونون إذا دهمتكم رايات لبني كنام مع عثمان بن عنبسة من عراص الشام يريد بها أبويه، ويزوج بها أمية، هيهات أن يرى الحق أموي أو عدوي.

ثم بكى صلوات الله عليه، وقال: واها للأمم، أما شاهدت رايات بني عتبة مع بني كنام السائرين أثلاثا، المرتكبين جبلا جبلا مع خوف شديد، وبؤس عتيد، ألا وهو الوقت الذي وعدتم به، لأحملنهم على نجائب، تحفهم مراكب الأفلاك، كأني بالمنافقين يقولون نص علي على نفسه بالربانية، ألا فاشهدوا شهادة سألكم بها عند الحاجة إليها، إن عليا نور مخلوق، وعبد مرزوق، ومن قال غير هذا فعليه لعنة الله ولعنة اللاعنين. ثم نزل وهو يقول: تحصنت بذي الملك والملكوت، واعتصمت بذي العزة والجبروت، وامتنعت بذي القدرة والملكوت، من كل ما أخاف وأحذر، أيها الناس ما ذكر أحدكم هذه الكلمات عند نازلة أو شدة إلا وأزاحها الله عنه. فقال له جابر: وحدها يا أمير المؤمنين، فقال: نعم وأضيف إليها الثلاثة عشر اسما، وضمني، ثم ركب ومضى [2]

مراجع

  1. الموسوي، هبه الله، المجموع الرائق، ج 1، ص452.
  2. مشارق أنوار اليقين، ص 166 - 170.
  3. إلزام الناصب ج2، ص 199-207
  4. البرسي، مشارق أنوار اليقين، ص 166.
  5. البرسي، مشارق أنوار اليقين، ص 122، تعبير قال المفسرون.
  6. الرشتي، شرح الخطبة التطنجية، ص 8 - 9، 18.
  7. التوحيد، للصدوق، ص 277
  8. شرح الخطبة التطنجية، للسيد كاظم الرشتي.
  9. القمي، جامع الشتات، ص 786.
  10. الحائري اليزدي، إلزام الناصب، ج 2، ص 242.
  11. التبريزي، الأنوار الإلهية، ص 97.
  12. آقا بزرك، الذريعة، ج 7، ص 199، 201 - 202؛ ابن شهر آشوب، ج 2، ص 47.
  13. البرسي، مشارق أنوار اليقين، ص 122؛ باكتجي، انديشه هفت إقليم، 26- 27.

موسوعات ذات صلة :