مقدمة
إن الجمال الذي ترصده أعيننا وآلاتنا من حولنا ابتداء من المجرات والكواكب ووصولا إلى أشكال الأزهار وألوانها لشيء يرغم العقل على أن يعتقد بأنه لا صدفة في هذا الكون. ومما قد يدعم ذلك أن للرياضيات رابطا عميقا وغامضا مع الطبيعة بل وقد يمكننا أن نقول إن الطبيعة تتحدث الرياضيات. كيف ذلك؟ هذا ما سنحاول ايضاحه بطريقة مبسطة في هذا المقال.
متتالية فيبوناتشي في الطبيعة
من إحدى غرائب عالمنا أن جميع أصناف الازهار التي نعرفها تكون ذات عدد محدد من البتلات مثل 3، 5، 8، 13 ،21 ... الخ. قد تبدو هذه الأرقام عشوائية إلا ان كلها ينتمي إلى متتالية رياضية تدعى متتالية فيبوناتشي، وهي سلسلة أرقام طورت من طرف عالم رياضيات ايطالي يسمى فيبوناتشي منذ القرن الثالث عشر، تبدأ بالرقمين 1، 1 ومن هنا يمكن أن نجد جميع الحدود المتبقية بجمع الحدين السابقين، أو بطريقة أبسط:
الحد الأول = 1
الحد الثاني = 1
الحد الثالث = الحد الثاني + الحد الأول أي 1+1 = 2
الحد الرابع = الحد الثالث + الحد الثاني أي 2+1 = 3
الحد الخامس = الحد الرابع + الحد الثالث أي 3+2 = 5
الحد السادس = الحد الخامس + الحد الرابع أي 5+ 3 = 8
الحد السابع = الحد السادس + الحد الخامس أي 8 + 5 = 13
... إلخ
تبدو العملية سهلة واعتباطية إلا أن هذه الأرقام سحرت العديد من العلماء إذ أعطت تلميحات للعديد والعديد من الأشياء ذلك أنها تظهر بصفة متكررة في الطبيعة. كما سبق وذُكِر أن أرقام فيبوناتشي تظهر في عدد البتلات وخصوصا في زهرة الأقحوان إلا أن هذه البداية فقط، فعلى سبيل المثال لو نظرنا إلى أسفل مخروط صنوبر فغالبا أننا سنلاحظ أشكالا حلزونية ولو قمنا بإحصائها في اتجاه فحتما سنجد رقما من أرقام فيبوناتشي ولو قمنا بعدها في الاتجاه الاخر سنجد أيضا رقم فيبوناتشي قريبا من الأول.نفس الشيء ينطبق على البذور الموجودة أعلى زهرة عباد الشمس، مجموعتان من الأشكال الحلزونية وإن أحصيت هذه الأشكال في كل اتجاه ستجد رقما من أرقام فيبوناتشي.
ومع وجود بعض النظريات التي تفسر العلاقة بين المتتالية الرياضية لفيبوناتشي والنبات كالتي تذكر أن النبات يستعمل هذا التوزيع لمكوناته من أجل الحفاظ على حياته كالتقاط أكبر نسبة من الضوء أو التقليل من عملية النتح في حالات قلة الرطوبة، إلا أن العديد من الأسئلة المحيرة تبقى بدون إجابة، هل النبات يتقن الرياضيات؟ ومن الذي علمه؟ ولا يمكن إلا أن نستخلص بأنه لا صدفة في هذا.
النسبة الذهبية في الطبيعة
النسبة الذهبية أو الرقم الذهبي وهي نسبة رياضية اكتشفها اليوناني اقليدس بطريقة رياضية، هندسية وبسيطة قبل أن يظهر تجليها الواسع في الطبيعة وقبل ظهور متتالية فيبوناتشي والتي ساهمت في تقريب النسبة الذهبية إلى عدة أرقام بعد الفاصلة ذلك أنه بقسمة كل عدد من أعداد فيبوناتشي على العدد الذي قبله فإننا سنقترب أكثر من هذه النسبة السحرية والمقدسة، كما أن هذا يزيد متتالية فيبوناتشي غرابة وجمالا. وقد أثار هذا العدد الذهبي المقدر ب 1.61803398875 اهتمام كل من الفنانين والنحاتين والرسامين والمهندسين والموسيقيين لما يضيفه من جمال على أعمالهم كما أثار اهتمام علماء البيولوجيا والتشريح لما يعطيه من تلميحات حول تركيبات بيولوجية شتى.
واحدة من تجليات الرقم الذهبي في الطبيعة كان ليوناردو دافينشي السباق إليها إذ وجد أن المسافة بين سرة الإنسان وأخمص قدميه مضروبة في النسبة الذهبية 1.618 تعطي الطول الاجمالي المضبوط أي ان:
طول الانسان = المسافة بين سرته وأسفل قدميه × النسبة الذهبية.
ومن التجليات العجيبة أيضا أن:
طول الإصبع = المسافة بين نهاية الإصبع والمفصل القريب اليها × النسبة الذهبية. طول الشفاه مساوٍ بالتقريب لطول قاعدة الأنف مضروبا في النسبة الذهبية وكلما كانت هذه القيمة مضبوطة كلما زاد جمال الوجه. وقد استعمل العديد من الفنانين هذه القاعدة الجمالية في أعمالهم مثلما استعملها دافينشي في لوحته الشهيرة الموناليزا.
الحلقة الذهبية
هي حلقة حلزونية يمكن رسمها من خلال مستطيل يرسم استعانة بالرقم الذهبي إذ نأخذ عرضا ونستنتج انطلاقا منه الطول بضرب هذا العرض في النسبة الذهبية ثم نرسم مستطيلات داخلية بنفس الطريقة ونربط بين رؤوس الأوتار. هذه الحلقة تظهر في عدة مواضع من الطبيعة كأذن الإنسان، بيض الدجاج، بعض الأصداف وقواقع الحلزونات، الكثير الكثير من أصناف النباتات وكذلك شكل الأعاصير والزوابع بل وتظهر حتى في شكل المجرات.
النموذج الرياضي لميوري
النموذج الرياضي ل ميوري عبارة عن جملة معادلات رياضية جد معقدة ومن الصعب فهمها إلا أنها تفيد في تفسير بعض من الظواهر البيولوجية كتوزع الرقط السوداء على جلد الفهود والخطوط السوداء على جلد الحمار الوحشي والتي لا يمكن القول بأنها عبثية بل تتحدد في جينات الكائن أثناء نشأته ونموه وفقا لنموذج ميوري. كما أنها تلاحظ على مستوى الأوعية الدموية إذ يحدد هذا القانون أقل سمك للوعاء الدموي بحيث يكون كافٍ لأداء وظيفته، وعلى الأنظمة التنفسية للكائنات الحيوانية وكذا الحشرات.
خاتمة
إن العلاقة الغامضة التي تربط الانسان والعالم حوله بالرياضيات قد تريد أن تمرر رسالة للعقل مفادها أن كل شيء مخلوق بقدر وميزان خاص به ولا سبيل للحظ أو العشوائية في ذلك، كما تدفع للتساؤل من أوجد هذه القوانين وفرضها على الكون؟ قال الله عز وجل في القرآن الكريم: {والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون}(سورة الحجر آية 19)، وقوله كذلك: {إنا كل شيء خلقناه بقدر}(سورة القمر آية 49).
مقالات ذات صلة
المصادر
كتاب Mathematics in Nature: Modeling Patterns in the Natural World ل JOHN A. ADAM
كتاب Les taches du léopard Pour la Science ل Murray, J.D صفحة 198.
رابط كتاب الرياضيات في الطبيعة ل جون أدم على جي ستور
http://www.linternaute.com/science/magazine/dossier/maths-nature/6.shtml
https://pixabay.com/fr/pinecones-c%C3%B4ne-de-pin-nature-3026691/
https://fr.wikipedia.org/wiki/Spirale_d%27or
[http://www.crm.umontreal.ca/math2000-1/pub/leopard.html مقال باللغة الفرنسية عن الرياضيات في الطبيعة ونموذج ميوري من طرف الباحث والفيزيائي Stéphane Durand