الرئيسيةعريقبحث

الهلوكوست الفرنسي


☰ جدول المحتويات


الهولوكوست الفرنسي هي سلسلة جرائم رهيبة انتهجتها فرنسا في حق الشعب الجزائري حيث تبنت فيها وبشكل صريح الحرق والخنق بواسطة النار كوسيلة فعالة ومرهبة في إبادتها لهذا الشعب المؤيد للمقاومة ضد المستعمر الفرنسي والمساند للحركات المنتفظة والمنددة بتحرر من مخالب هذا الاستيطان المتسلط والمستبد للخيرات والحريات.

يعود المعنى الحرفي لكلمة الهولوكوست إلى (محروق) (من اليونانية ὁλόκαυστος holókaustos: حيث hólos تعني "الكل" وkaustós تعني "محروق")[1] وهي كلمة عرفها العالم إبانة الحرب العالمية الثانية حيث ارتبطت بشكل شبه رسمي بإبادات الزعيم النازي أدولف هتلر الممنهجة ضد الشعوب اليهودية سنة 1945 في ألمانيا لكن ما لم يعرفه العالم هو أن هذه السياسة البشعة قد سبق لفرنسا تطبيقها قبل محارق هتلر بحوالي قرن من الزمن حيث تفنن جنرالات فرنسا في تنفيذها في حق الشعب الجزائري الأعزل على غرار بيليسييه (Aimable Pélissierلويس أوجين كافينياك (Cavaignac)، سانت آرنو (Saint-Arnaud) وغيرهم من السفاحين الذين اعتمدوا سياسة الأرض المحروقة في سلسلة الإبادة الممنهجة بثبات في الجزائر.

البدايات

معركة نافارين البحرية (1827). رسم زيتي من طرف قارنوراي.

بعد تحطم الأسطول الجزائري في معركة نافرين واستكانة الدولة العثمانية الذي هانت قوتها عما كانت عليه سابقا لتكنى في تلك الآونة الحرجة برجل المريض باتت الفرص مواتية وهي تلوح أمام الدولة الفرنسية لتنقضي على الجزائر المزعزعة أمنيا وعسكريا من تبعات الحروب السابقة حيث كانت تلك رغبة تمنتها فرنسا منذ عهد نابليون بونابرت لتقوم باحتلال مباشر في سنة 1830 وتكون الجزائر بذلك أول مستعمرة فرنسية في العصر الحديث.[2]

مباشرة بعد ذلك التدخل التعسفي فرضت فرنسا سياستها الاستبدادية على الشعب الجزائري المستعمر حيث بدأتها بتطبق قانون الأهالي الظالم وأنهتها بحروب إبادة بشعة استمرت لأكثر من قرن من الزمن المرير وكانت تبعات الإبادة شاملة ضد كل مقاومة من شأنها عرقلة مسار وسير الاحتلال وخططه الإستراتجية في التوغل الميداني.

المقاومة

لم يكن الشعب الجزائري مستسيغا لفكرة الاحتلال ولم يرضى باغتصاب أراضيه بتلك السهولة لدى تحركت المقاومة الشعبية في مختلف بقاع الوطن في حركات ثورية مسلحة قائمة على مبدأ الجهاد في سبيل الوحدة الوطنية الرافضة جملة وتفصيلا كل مظاهر السيطرة الأجنبية الذي فرضها جيش الاحتلال لم تكن هذه المقاومة ممنهجة بنظام ثابت يمكنها من تحقيق أهداف كبيرة بل تجلت في شكل مجموعات مشتتة في أنحاء التراب الوطني تحمل كل مجموعة على رأسها قائد مهمته ضرب صفوف المستعمر وفق منهج الكر والفر الحربي وذلك يعود لقلة العدة والعتاد الذي يتفوق فيها جيش العدو.

و من أهم الحركات المقاومة التي برزت في تلك الفترة:

مقاومة الأمير عبد القادر الجزائري والتي امتدت من 1832 إلى 1847 وشملت الغرب الجزائري.

مقاومة أحمد باي من 1837 إلى 1848 وشملت منطقة قسنطينة.

مقاومة الزواوة من 1837 إلى 1845 وشملت منطقة القبائل المنخفضة.

مقاومة الخليفة أحمد بن سالم في الأغواط من 1848 إلى 1849.

ثورة محمد بن عبد الله الملقب بومعزة، من 1845 إلى 1847 بالشلف والحضنة والتيطري.

مقاومة الزعاطشة من 1848 إلى 1849 بالزعاطشة (بسكرة) والأوراس. ومن أهم قادتها بوزيان (بو عمار)

مقاومة الأغواط وتقرت من 1852 إلى 1854 تحت قيادة الشريف محمد بن عبد الله بن سليمان.

ثورة القبائل من 1851 إلى 1857 بقيادة لالة فاطمة نسومر والشريف بوبغلة الذي انطلق من منطقة العذاورة.

ثورة أولاد سيدي الشيخ من 1864 إلى 1880 بواحة البيض وجبل عمور ومنطقة التيطري، سور الغزلان والعذاورة وتيارت بقيادة سليمان بن حمزة، أحمد بن حمزة، سي لتعلي.

مقاومة الشيخ المقراني من 1871 إلى 1872 بكل من برج بوعريريج، مجانة، سطيف، تيزي وزو، ذراع الميزان، باتنة، سور الغزلان، العذاورة، الحضنة.

ثورة 1871 في جيجل والشمال القسنطيني.

مقاومة الشيخ بوعمامة 1881-1883، وشملت عين الصفراء، تيارت، سعيدة، عين صالح.

مقاومة التوارق من 1916 إلى 1919 بتاغيت، الهقار، جانت، ميزاب، ورقلة، بقيادة الشيخ أمود.

مقاومة الحليمية بجبل مستاوة سنة 1914 إلى سنة 1916 بقيادة عمر بن موسى بجبل مستاوة الاوراس.

مقاومة الفرنسيين المرتزقة -السينغال - بالاوراس وخاصة بجبل مستاوة تحت إمارة الحلايمية.

سياسة الأرض المحروقة

كرد فعل قمعي ومعاكس لانتشار هذه المقاومات قامت فرنسا بمحاولات عدة لصد هذا التمرد المنتشر في صفوف مداشر الشعب الجزائري ولم ترى حلا أفضل من إبادة هذه الشعوب المساندة لزعماء هذه الحركات التمردية والمساندة لهم بمختلف وسائل الدعم على غرار القائد بومعزة المدعو الشريف محمد بن عبد الله المحرك الفعلي لانتفاضة الغرب في جبال الونشريس وضواحيها حيث كبدت حركته المقاومة خسائر فادحة داخل جيش العدو الفرنسي الأمر الذي جعله مطلوبا هو وكل من سانده لدى تلقى الجيش الفرنسي أوامر مباشرة من الجنرال توماس روبير بيجو بتخلص من كل العقبات التي كان من بينها عقبة احتضان الشعوب لهؤلاء الزعماء والتستر عليهم وتزوييدهم بالاكل والشرب حيث بعث خمس قوافل عسكرية إلى المنطقة لتوزع عند وصولها عبر مختلف مناطق جبال الظهرة لمحاصرتها، خاصة تلك المناطق التي امتدت إليها نار المقاومة ولإنجاح خطته جند بيجو خمسة قوافل عسكرية ضخمة للقضاء على مقاومة بومعزة ونظيراتها من المقاومات، من بينها القافلة التي قادها الكولونيل “بيليسييه” المتكونة من جيش جرار قوامه 4000 جندي والتي خرجت من ثكنة ” أورليان فيل” (الشلف حاليا).

محرقة الظهرة

أو الفراشيح كما يسميها البعض وقعت هذه المجزرة في أولاد رياح بغار الفراشيح في ناحية الظهرة بين 18 و20  جوان 1845 م والذي ارتكبها الجلاد العقيد بيليسييه الذي أصبح جنرالا ثم مارشال ثم حاكما للجزائر فيما بعد خلال الستينات وخلاصتها أنه وقعت معركة كبيرة خلال شهر يناير 1845 بناحية الظهرة شاركت فيها عدة طرق صوفية، القادرية والرحمانية والدرقاوية والطيبية وعرفت عند الفرنسيين بانتفاضة الطرق الصوفية وقد شاركت معهم قبيلة أولاد رياح فغزاها بيليسيه وأحرق كل ما فيها مما استدعى فرار القبيلة وهي تحارب إلى ناحية غار الفراشيح اجتمعت به وعددها أكثر من ألف شخص رجالا ونساء وأطفالا مع حيواناتهم وكان هذا يوم 17 يونيو وتم محاصرة الغار من طرف الفرنسيين مع جميع الجهات وطلب من القبيلة الإستسلام أو الموت اختناقا بالدخان ولكن كان ردهم هو الرصاص ومضى اليوم الأول 17/18 من الشهر دون خروج أحد وأثناء الليل جلب العقيد تعزيزات الجيش وضيق الحصار على الغار وضاعف من إيقاد النار الذي جلب لها أكداس الحطب وأحاط بها الغار وراح يضاعف من عملية إشعال النار والتدخين في مداخل الغار وتواصلت العملية طول الليلة الثانية وأعطى القائد تعليمات باستمرار الخنق ومضاعفته وقبل طلوع النهار بنحو ساعة وقع انفجار مهول في قلب الغار وكان ذلك إشارة باختناق ما يزيد عن ألف شخص وكانت هذه المجزرة رهيبة للغاية هزت الجزائريين وأثارت ضجة في البرلمان الفرنسي آنذاك.

Les Grottes du Dahra

محرقة الصبيح

هي الجريمة الثانية على التوالي ضد الإنسانية الذي يرتكبها الجيش الفرنسي فبعد محرقة غار الفراشيح ببلدية نقمارية ولاية مستغانم وعلى الحدود مابين بلديتي الصبحة وعين مران وبمنطقة الدبوسة تقع المغارة التي شهدت ارتكاب المجزرة التي ذهب ضحيتها أزيد من 1500شهيد من مختلف الأعمار والأجناس من سكان المنطقة الذين أووا إلى المغارة خوفا من بطش جنود الاستعمار بقيادة السفاح سنتارنو الذي عمد إلى حرق الأهالي داخل المغارة بعد أن سد عليهم جميع المنافذ العملية تمت حسب الروايات التاريخية في سرية تامة خوفا من اكتشاف أمر الجريمة وقد منع حتى جنوده من الإطلاع على الوضع وعلى ما يجري داخل المغارة حتى لا يعلم الرأي العام العالمي بما يحدث خاصة وأن جريمة غار فراشيح بأولاد أرياح لم يكن قد مر عليها سوى بضعة أشهر ومقترفها بيليس ارتكب خطأ عندما كان جنوده يطلعون على ما يجرى مما جعل صدى المجزرة يصل إلى الرأي العام سنتارنو عمل عكس هذا تماما حيث منع الجنود من الإطلاع على الجثث المحترقة والمختنقة بالدخان.القادة فقط هم الذين كانوا يعلمون بما جرى داخل المغارة على غرار (بول روبال).

قبيلة الصبيح نزلت إلى المنطقة التي تعرف أيضا شعبة الابيار لان بطش المستعمر كان اشد من كل شيء خاصة وأنهم متهمون بمناصرة الثائر بومعزة الذي كان يتنقل من جبال الظهرة إلى جبال الونشريس عبر هذه الجهة يقال أن شعبة الابيار لها خمسة منافذ والتجأ السكان إليها عندما شعروا بالخطر قادم إليهم من خلال حملات التمشيط التي كان يقوم الجيش الفرنسي بحثا عن جيش الشريف بومعزة وكان القائد سنتارنو وجنوده يعلمون بان السكان يلجؤون إلى هذا المكان بل استدرجوهم إليه من حيث لا يشعرون وهذا خلال أيام 8و9الى غاية 12من شهر أوت 1845 حيث قرر أن يغلق عليهم جميع المنافذ إلى أن استشهدوا جميعهم هناك في مجزرة أخرى.

محرقة الأغواط

هي جريمة أخرى اشد فتكا من سابقاتها حيث استعملت فيها مواد كيماوية محرمة دوليا وكان ذلك الرابع من شهر ديسمبر من سنة 1852 بولاية الأغواط، وخلفت ورائها استشهاد ثلثي سكانها، بما يقارب 2500 شهيدا من أصل 3500 ساكن، ومن ضحاياها أطفال ورضع تم وضعهم في أكياس وحرقهم أحياءً وهم مخدرين بمادة” الكلوروفورم “الغازية السامة، وحملت هذه الجريمة التي سميت بعام “الخلية” أو “الشكاير”.

حيث قام الجنرال وجوسيف برايسي، بإنذار سكان الاغواط بتسليم المدينة قبل اللجوء إلى القوة، وهي الدعوة التي تركت بواسل وحرائر المدينة يرفضون ويقسمون ان يموتوا تحت اسوراها مهما كانت النتائج، وبالفعل إمتدت شرارة غضب المستعمر الغاشم إلى قتل جنديين من الأربعة، ثم بتاريخ 04 ديسمبر1852، تحالف الجنرال وجوسف برايسي رفقة بوسكارين ولادمير وماريموش، بعد الإعلان عن حالة إستنفار وتسخير حشود عسكرية قدرت ب 7375 عسكري، إضافة إلى فرسان حمزة عميل فرنسا وسيدي الشيخ بـ 1200 بنواحي بريان من الجنوب، قاموا بمحاصرة المدينة، لتعلن إثرها حرب الأسلحة الكيماوية ووابل الذخيرة الحية، وكذا عمليات الحرق والتنكيل والتعذيب الجماعي، التي انتهت بسقوط مدينة الاغواط، بعد إستشهاد ثلثي السكان “2500 شهيد” من أصل 3500 ساكن، وكانت حصيلة  الإبادة مرشحة للزيادة، لولا تدخل الجنرال راندو واعترافه  الإنساني بان شجاعة الاغواطيين في الدفاع عن مدينتهم تجعلنا نتوقف إلى هذا الحد، خاصة بعدما سقط في اوساط العدو الغاشم الجنرال يوسكارين و10 من كبار الضباط الفرنسيين، وبقي حوالي 400 ساكن على قيد الحياة والبقية المقدرة بحوالي ألف هجرت المدينة.

القائمون بعمليات المحارق

كانت هذه الإبادات الجماعية بداية لإبادات أخرى وكان القائمين عليها رجال خلت قلوبهم من الرحمة حيث كان جلهم يتباهى بأفعاله أمام نظرائه من الجنرالات خاصة وأن هذه السياسة الإجرامية لم تكن كذلك في نظرهم حيث تبنى توماس روبير بيجو هذه السياسات الحربية المحرمة بعد توليه الحكم في الجزائر في 29 ديسمبر 1840 إلى 29 يونيو 1847 وشجع جنرالاته على انتهاج كل السبل القمعية والعنيفة لردع المقاومات وكان من بين رجاله:

الكولونيل بيليسييه            

لم يكن بيليسييه بالنسبة له أن الأمر يبدو خطأ بل كان عبارة عن منهج حربي لابد منه حيث لم يتوانى عن تنفيذ ما طلب منه من طرف قائده بيجو الذي راسله في ذلك الخصوص قائلا له بالحرف الواحد:

“إذا انسحب هؤلاء الأوغاد إلى كهوفهم دخنوا المداخل، عاملوهم كالثعالب “.

بعد تنفيذه لجريمته البشعة بنجاح تلقى بيليسييه رسائل تهنئة تناشده المزيد من الانتصارات المماثلة حيث كان نص بعضها كما يلي:

رسالة حاكم سطيف الجنرال لويري داربوفيل (François Aimé Frédéric Loyré d'Arbouville):

” كل مسؤولياتك العسكرية التي أديتها في مغارات اولاد رياح تزيدك شرفا، وإني شخصيا لأباركها جملة وتفصيلا، ولا طالما خجلت من نفسي لأن الحظ لم يحالفني مثلك في هذه المهام”.

و كتب إليه العقيد جرمان نيكولاس براهو (Germain Nicholas Brahaut) رئيس مكتب الدراسات التاريخية بوزارة الحربية:

” ليس بإمكانك الشعور بالحسرة جراء الانتقادات التي وجهت إليك من طرف البعض من الرسميين السياسيين، إنه جزاء تضحياتك خلال سنوات…إن حرق البرابرة العرب بالنسبة إلينا لهو من الضرورة بمكان، فهم لا يستحقون منا سوى الانتقام. وإن ما صدر في حقك من انتقادات أمر غير مقبول”.

و بعد مرور اثنتي عشرة سنة على المحرقة وبالتحديد عام 1857 كتب بيليسييه رسالة تحمل بوضوح توجه هذا الرجل فيما فعله إذ لم يبدو من حروفها انه قد ندم على فعلته حيث قال باستفزاز:

“…إن جلد أحد طبولنا، هو أثمن من جلود كل هؤلاء البؤساء“.

القائد سنتارنو

قلد سنتارنو زميله بيليسييه لكنه عاكسه في السرية حيث لم يكن ينفذ جرائمه أمام الملء حفاظا على السرية التامة إلى أن كشفت اعماله البشعة في حروف رسالته السرية إلى شقيقه وهو يشرح له فعلته بتفصيل قائلا له:

“ أخي العزيز كنت أود أن أتحدث إليك بإسهاب عن خرجتي لكن الوقت لم يسعفني الحر والتعب نال مني لقد أمضيت 24ساعة فوق حصاني واسرد عليك بإيجاز ما جرى توجهت بثلاثة فيالق وقدتها بهدف مباغتة شريف بومعزة بحيث أرغمتهم ودفعت بهم على الفرار وفي نفس اليوم وخلال ذلك عاينت مغارات شعبة الابيار حيث وقفت عليها لها خمسة مخارج بحيث استقبلتنا قبيلة صبيح بطلقات نارية انتظرت خروجهم لكنهم لم يخرجوا وفي يوم 9 أوت بدأت الأعمال المحضرة حاولت أن أخرجهم لكن كان ردهم السب والشتم عند ذلك أشعلت النيران يومين كاملين 10و 11خرج واحد منهم طالبا من البقية الخروج إلا أنهم رفضوا قررت إغلاق كل المنافذ لتكون بذلك منطقة الابيار مقبرة كبيرة لهم ولأمثال هؤلاء العابثين بالأمل.”

و تعتبر هذه الرسالة الشخصية هي الوثيقة التاريخية الوحيدة الشاهدة على تلك الجريمة البشعة.

الجنرال وجوسيف برايسي

هو قائد الهجوم الكميائي على سكان الأغواط بمساندة مع بوسكارين ولادمير وماريموش، بعد الإعلان عن حالة إستنفار وتسخير حشود عسكرية قدرت ب 7375 عسكري، إضافة إلى فرسان حمزة عميل فرنسا وسيدي الشيخ بـ 1200 بنواحي بريان من الجنوب والذي استعمل فيه وسائل حربية ممنوعة دوليا بعد أن اعتبر الضحايا فئران تجارب حيث اعترف  الكيميائي الفرنسي “أوكسينال بودانوس” بتلك الجريمة في مراسلة بعث بها إلى الماريشال فيالاتيه، قائد الأركان الفرنسية وقت ذاك، وعثر على الوثيقة على مستوى إدارة الأرشيف الفرنسي الخاص بالجزائر، والذي لا تزال باريس تعارض تسليمه بالكامل إلى مستعمرتها القديمة.

وسجّل تيودور بان في كتاب “رسائل عائلية”:

“المجزرة كانت فظيعة، ونابليون الثالث افتخر بحصار الأغواط”

النتائج

كانت نتائج تلك الإبادات كارثية ولا يوجد عدد صحيح لمخلفات تلك الجرائم حيث تم عمدا تغليط المعلومات الصحيحة والحقيقية  حول مخلفات المحارق الفرنسية في الجزائر ولم تتوقف المحارق على هذه المناطق الثلاث بل كانت هناك مناطق أخرى غيبها الاستعمار عمدا في ذاكرة الإهمال والتجهيل لنقف أمام هذه الذي وصلتنا بشاعتها رغم محاولات الاستعمار مسحها هي الأخرى.

  •  محرقة الظهرة أحصى الفرنسيون 760 جثة فيما كانت الجثت المحروقة والملتصقة كليا تزيد عن 1000 جثة.
  •  محرقة الصبيح حوالي 1500شهيد.
  •  محرقة الأغواط حوالي  2500شهيدا من أصل 3500 ساكن.

الإبادة في الرأي العام              

تردد صدى هذه الجرائم عالميا ليضغط الرأي العام على وحشية فرنسا التي كافحت لتظليله وطمس الحقائق الذي كانت تظهر رغما عنها ففي رسالة لأحد الاسبان كان شاهدا على المحرقة كتب واصفا المجزرة بقوله:

“مامن ريشة يمكنها أن ترسم ذلك المنظر، في منتصف الليل وتحت ضوء القمر، ترى مجموعة من القوات الفرنسية منهمكة في إشعال نار جهنمية، وتسمع الأنين الخافت للرجال والنساء والأطفال والحيوانات، وصوت تكسر الصخور المتفحمة والمنهارة… في الصباح عندما حاولنا الوصول إلى مدخل المغارة، وجدنا جثث الثيران والحمير والاغنام ومن تحتها الرجال والنساء والأطفال …رأيت بأم عيني رجلا ميتا ركبته على الأرض، ويده تشد قرن ثور، وبجانبه امرأة تحمل طفلها بين ذراعيها، لقد اختنق هذا الرجل حينما كان يحاول إنقاذ أسرته من هيجان هذا الثور …لا شيء يمكنه وصف المنظر الرهيب للمغارة؛ كل الجثث كانت عارية وفي وضعيات تدل على المعاناة التي تعرضوا لها قبل أن يموتوا…كان الدم ينزف من أفواههم…أحصينا 760 جثة”

كما اضطر وزير الحرب، المارشال سولت Jean-de-Dieu Soult، إلى التنصل من بيليسير في البداية حيث كتب إلى Thomas Robert Bugeaud الحاكم العام للجزائر قائلا له:

Bugeaud, Thomas - 2

"ان ما حدث شيء مؤسف ومؤلم حيث ترددت الاحداث المؤسفة في كل مكان ولا يمكنني تبرير هذه الحقيقة التي يبدو لي، في الواقع، من الصعب جدا تبريرها[3]".

كما وجهت الصحف نقذا لاذعا لتلك العمليات وعلى رأسها صحيفة La Démocratie pacifique التي تبنت ردود فعل جد غاضبة عندما كتبت في احدى مقالاتها:

"لقد تم حرق النساء والاطفال كأنهم حيونات القائد هناك يعمل كرجل لا يفهم سوى الحرب الوحشية، حرب الإبادة والدمار أو الإرهاب. واليوم إنه يتقدم إلى ما وراء الوحشية ويفتخر باستعارة أكثر أساليب الحرب فعالية من جانب المتوحشين أنفسهم. نحن أيضا نشارك الوحشية. ونأمل أن تؤدي مثل هذه التجاوزات الفظيعة إلى فتح أعيننا في نهاية المطاف وتقديم قرار لفرنسا. سنرى ما إذا ستواصل فرنسا تصدير المعاناة لهذه الأرض من أفريقيا نحمل سمعت قهر الحضارة ".[4]

تعتبر هذه المحارق أكثر الحلقات دموية في ما سوف يطلق المؤرخون "المدخنة "أو Enfumades d'Algérie.و تتكون هذه التقنية من اختطاف اللاجئين أو حبسهم في كهف ثم اشعال الحرائق امام المدخل التي تستهلك الأكسجين المتاح وتعبئة تجاويف الدخان ففي باريس [5] عندما فضح ما قام به "الخنق بالدخان" كهوف الظهرة في جنوب مستغانم وناي نجل المارشال ني بسؤال في مجلس الشيوخ فأجابه بيجو، الذي اعترف بالمسؤولية، وبرر أفعالة بمقولته :

"وهل لي أن أعتبر أن احترام القواعد الإنسانية تجعل الحرب في أفريقيا من المرجح أن يستمر إلى أجل غير مسمى".

لم تتوقف فرنسا هنا بل أعادت استخدام محارقها طوال قرن من الزمن حيث يؤكد أوليفييه غرانمايسون كورت Olivier Le Cour Grandmaison على أنه تم إعادة استخدام هذه الأساليب في الاعوام اللاحقة لتلك المحارق خلال الحرب في الجزائر (1956-1962)، واجه الجيش الفرنسي مرة أخرى جماعات متمردة لجأت إلى الكهوف المحصنة من القوات الجوية والمدفعية الفرنسية. وكثيرا ما قُتل المقاتلون المتمردون في ملجأهم بصواريخ أو صواريخ أطلقتها طائرات مسلحة أو طائرات هليكوبتر، ولم يتركوا أي فرصة للعدو للاستسلام. الفرق في القرن التاسع عشر هو أن الضحايا كانوا مقاتلين حصريين، دون نساء أو أطفال أو مسنين يرافقونهم.[6]

مراجع

  1. Dawidowicz 1975, p. xxxvii
  2. جميع أراضي الجمهورية الفرنسية، بما في ذلك جميع مقاطعات والأقاليم ما وراء البحار، ولكن باستثناء إقليم Terre Adélie الفرنسي في القطب الجنوبي حيث تم تعليق السيادة منذ التوقيع على معاهدة القطب الجنوبي عام 1959.
  3. Cité par le général Victor-Bernard Derrécagaix (1833-1915) dans Le Maréchal Pélissier, duc de Malakoff (Paris, 1911) p.184. Dans les pages précédentes se trouve le rapport de Pélissier à Bugeaud
  4. La Démocratie pacifique, 22 juillet 1845. Cité par Jean-Claude Dubos, « Victor Considerant et les enfumades de Dahra” (1845), Cahiers Charles Fourier, 20, 2008,{{استشهاد ويب| مسار = http://www.charlesfourier.fr/spip.php?article742| عنوان =charlesfourier.fr| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200102220343/http://www.charlesfourier.fr/spip.php?article742 | تاريخ أرشيف = 2 يناير 2020 }}
  5. Olivier Le Cour Grandmaison, Coloniser Exterminer — Sur la guerre et l'État colonial, Fayard, 2005, pp. 138-145.
  6. Mister Kit et De Cock Jean-Pierre, Le T-6 dans la guerre d’Algérie, Éditions Atlas, 1981, p. 52


موسوعات ذات صلة :