دموزي، عُرف لاحقًا بالاسم البديل تمّوز، هو إله قديم مرتبط بالرعاة في بلاد ما بين النهرين. كان القرين الأول للإلهة إنانا (التي عُرفت لاحقًا باسم عشتار). سُمّيت شقيقة دموزي في الأساطير السومرية باسم غشتينانا، وهي إلهة الزراعة والخصوبة وتفسير الأحلام. أُدرج دموزي في قائمة ملوك سومر بصفته ملكًا لمدينة باد تيبيرا في الفترة التي سبقت الطوفان، بالإضافة إلى كونه أحد الملوك الأوائل لمدينة الوركاء. ذكرت القصيدة السومرية إنانا تفضّل المزارع حدوث منافسة بين دموزي والفلاح إنكيمدو بهدف الفوز بيد إنانا للزواج. ذكرت قصّة نزول إنانا إلى العالم السفلي فشل دموزي في الحداد على وفاة إنانا، لكنّ إنانا سمحت لشياطين غالا بسحبه إلى العالم السفلي بدلًا منها بعد عودتها من العالم السفلي. تندم إنانا على قرارها هذا وتصدر أمرًا بقضاء دموزي لنصف العام في العالم السفلي والنصف الآخر برفقتها، بينما تصدر قرارًا آخر بإبقاء شقيقته غشتينانا في العالم السفلي بدلًا منه؛ وبالتالي تستمر دورة الفصول.
يشير الملك جلجامش إلى تمّوز في القسم السادس من ملحمة جلجامش باعتباره أحد عشّاق عشتار السابقين، والذي تحوّل إلى طائر شقراقية مكسور الجناح. ارتبط دموزي بالخصوبة والنباتات، واعتُقد بأنّ الصيف الحار والجاف في بلاد ما بين النهرين هو السبب الذي أودى بحياته مبكّرًا. يشارك الناس في جميع أنحاء بلاد ما بين النهرين في طقوس عامة للحداد عليه خلال أحد أشهر منتصف الصيف الذي يحمل اسمه (شهر تمّوز). اعتقد العلماء في أواخر القرن العشرين أن الملوك قد تمكّنوا من إثبات شرعيتهم في احتفالات أكيتو السومرية من خلال تولّي دور دموزي والمشاركة في العلاقات الجنسية الطقوسية مع كاهنة إنانا العليا، باعتباره جزءًا من احتفالات الزواج المقدّسة. يرفض العلماء في يومنا هذا هذه الفكرة، ويعتبرونها تفسيرًا خاطئًا للنصوص الأدبية السومرية. انتشرت عقيدة دموزي لاحقًا في بلاد الشام واليونان، إذ أصبح يُعرف بالاسم السامي الغربي «أدونيس».
استمرت عقيدة عشتار وتمّوز بالازدهار حتّى القرن الحادي عشر الميلادي، وتمكّنت من الحفاظ على مكانتها في أجزاء من بلاد ما بين النهرين حتّى أواخر القرن الثامن عشر. ذُكر اسم تمّوز في سفر حزقيال، وأُشير إليه في مقاطع أخرى من الكتاب العبري. اعتُبر تمّوز خير مثال على إله الموت والبعث النموذجي في دراسات العقائد الدينية خلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين؛ دُحض هذا الافتراض الأكاديمي بعد اكتشاف النص السومري الكامل أصل إنانا في منتصف القرن العشرين، إذ تبيّن أن القصة تنتهي بوفاة دموزي بدلًا من بعثه. عُثر على معلومات تخصّ إنقاذ دموزي من العالم السفلي وصعوده إلى الجنّة لاحقًا في نص عودة دموزي، الذي تُرجم في عام 1963. رفض العلماء المعاصرون وجود نموذج أصلي لـ «إله الموت والبعث» رفضًا قاطعًا.
عبادته
يصف العالمان المختصّان بعلم الآشوريات جيريمي بلاك وأنتوني جرين نشأة عقيدة دموزي على أنّها «معقّدة ومحيّرة». اعتُبر دموزي خامس الملوك الذين حكموا مدينة باد تيبيرا في الفترة التي سبقت حدوث الطوفان، وذلك وفقًا لقائمة ملوك سومر. أُدرج دموزي في القائمة أيضًا بصفته أحد الملوك الأوائل لمدينة الوركاء؛ حيث قيل إنّه ينحدر من قرية قريبة تُسمّى كوارا، وإنه قرين الإلهة إنانا. اعتُقد أن دموزي سيباد («دموزي الراعي») كان مزوّد حليب؛ إذ كان الحليب سلعةً نادرةً وموسميةً في سومر القديمة، وذلك بسبب عدم القدرة على تخزينه بسهولة دون أن يفسد.[1]
اعتُبر دموزي إلهًا زراعيًا مرتبطًا بنمو النباتات إلى جانب كونه إلهًا للرعاة. ربطت شعوب الشرق الأدنى القديمة دموزي بفصل الربيع، أي عندما تكون الأرض خصبةً ووفيرةً؛ لكنّهم اعتقدوا أنه قد «مات» خلال أشهر الصيف، أي عندما تكون الأرض جافّة وقاحلة. يعلن الناس في جميع أنحاء سومر الحداد على وفاة دموزي، وذلك خلال شهره (تمّوز) الذي يقع في منتصف فصل الصيف؛ يبدو وكأن هذا الجانب أساسي في عقيدتهم. كان شهر دموزي (تمّوز) الشهر السادس من العام بالنسبة لسكّان مدينة لجش. انتقل الاعتقاد بأهمية هذا الشهر والعطلة المرتبطة به من السومريين إلى البابليين وبعض الشعوب السامية الشرقية الأخرى لاحقًا، إذ كُتب اسم الشهر في هذه اللغات تمّوز. تربط الطقوس المرتبطة بمعبد إيكور في مدينة نفر دموزي بإله الأفاعي إيستّاران؛ إذ يُوصف في هذه الطقوس على أنّه ميّت.[2][2]
رُبط ما بين دموزي والإله آما-أوشومغال-آنا، الذي كان إلهًا محلّيًا معبودًا في مدينة لجش. يُوصف آما-أوشومغال-آنا بأنّه محارب بطولي في بعض النصوص. رُبط دموزي بنخيل التمر وثماره، كما هو الحال مع آما-أوشومغال-آنا. اتّسم هذا الجانب من عقيدة دموزي بطبيعته المرحة، إذ لم يكن له أيّ صلة بالقصص الأكثر سوداويةً كالتي تتضمّن وفاته. يمثّل نخيل التمر بالنسبة لشعوب بلاد ما بين النهرين الاستقرار، لأنّه كان أحد المحاصيل القليلة التي يُمكن حصادها طيلة العام؛ حتّى خلال موسم الجفاف. يُشار إلى دموزي باسم «دامو» في بعض القصائد السومرية، التي تعني «ابني».[3][4] عادةً ما يُستخدم هذه الاسم ليكون تجسيدًا لقوّته التي ترفع النسغ في الأشجار والنباتات. يُعتبر اسم دامو الاسم الأكثر ارتباطًا بعودة دموزي في الخريف بعد انتهاء فصل الجفاف. أكّد هذا الجانب من عقيدته على الخوف والإرهاق اللذين يصيبان المجتمع بعد نجاته من الصيف المدمّر.[5]
لم يمتلك دموزي أي سلطات بعيدًا عن نطاق مسؤولياته الواضحة. لم يتبقَّ سوى قلّة قليلة من الصلوات الموجّهة له، إذ تطلب معظمها تزويد الناس بالمزيد من الحليب والحبوب والماشية وما إلى ذلك. هناك استثناء وحيد لهذه القاعدة، ألا وهو نقش آشوري واحد؛ يطلب فيه رجل ما من تمّوز أن يأخذ معه شبحًا مزعجًا يطارده عندما ينحدر إلى العالم السفلي. ارتبطت عقيدة تمّوز بالنساء بشكل خاص، فهنّ اللواتي كنّ مسؤولات عن الحداد على وفاته. تضمّنت عادات اليونان القديمة المُثبتة بالأدلة عادةً زراعة حدائق مصغّرة بنباتات سريعة النمو مثل الخس والشمر، إذ توضع هذه النباتات لاحقًا تحت أشعة الشمس الحارقة لتنبت قبل أن تُذبلها الحرارة؛ ارتبطت هذه العادة بمهرجان أدونيا، الذي يُقام تكريمًا لأدونيس (النسخة اليونانية من تمّوز). جادل بعض العلماء بأنّ هذه العادة هي استمرار لممارسة شرقية سابقًا، مستندين في ذلك إلى بعض الإشارات الموجودة في الكتاب العبري. تعدّ النساء اللواتي يعلنّ الحداد على تمّوز كعكات لقرينته عشتار، أو ملكة الجنّة. تُخبز هذه الكعكات بالرماد، إذ عُثر على بعض قوالب الكعكات الطينية في مملكة ماري في سوريا؛ تشير هذه الأدلّة إلى أن هذه القوالب كانت على شكل نساء عاريات في الكثير من الأحيان.[6][7]
يرى العالم صامويل نواه كرايمر أنّه لربما كان ملوك الوركاء قد أثبتوا شرعيتهم في نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد عن طريق تولّي دور دموزي، باعتباره جزءًا من احتفالات «الزواج المقدّس». استمرّت هذه الطقوس طيلة ليلة واحدة في اليوم العاشر من أكيتو (أي عيد رأس السنة السومرية)، الذي يُحتفل به سنويًا في الاعتدال الربيعي. اعتُقد أن الملوك كانوا يشاركون في علاقات جنسية طقوسية مع كاهنة إنانا خلال هذه الطقوس، وذلك لاعتقادهم بأنّها تولّت دور الإلهة إنانا. اعتبر العلماء المعلومات المتوافرة حول طقوس الزواج المقدّس على أنّها حقيقة ثابتة إلى حدّ ما في أواخر القرن العشرين، إلا أن العديد من العلماء رفضوا فكرة وجود طقوس جنسية فعلية في أوائل الألفينيات؛ معتقدين أن «الزواج المقدّس» اتّحاد رمزي بدلًا من اعتباره اتّحادًا جسديًا.[8]
رموزه
رُمز إلى تموز بالنخلة وفي قمتها نجمة ثمانية أو تاج النخلة (سعفها) أما كوكبه فهو الجوزاء وتابعه الحيواني هو الثور البري وهو امو شومكال أنا - Ama ushumgal anna - أي رب الحياة والنمو في النخلة.[9]
مأساة تموز
يعتبر موت وقيامة الإله تموز (دموزي) أحد الطقوس التراجيدية المهمة في حضارة بلاد الرافدين بقصته الأسطورية، فهو الخزين التراجيدي الحزين في روح إنسان بلاد الرافدين، ولحجم الاضطهاد والعذاب الذي تعرض له الإله تموز وعلاقة حبيبته الآلهة (عينانا) أو (عشتار) ودورها الملتبس بهذا الموت المأساوي أدى إلى أن تمتلئ المثيولوجيا والآداب السومرية والبابلية بمناحات واساطير وملاحم وطقوس تعزية خاصة بمآسي آلهة الخصب الأنثوية الشهيرة هذه وغيابها عن الحياة بعد أن إختارت الانتقال للعالم السفلي، ومن ثم قيامتها من جديد، وتعتبر اسطورة مأساة تموز حتى الان من أرقى وأغنى ما كتب في مثيولوجيا شعوب بلاد الرافدين.[10]
المراجع
- Jacobsen 2008، صفحة 84.
- Black & Green 1992، صفحة 73.
- Black & Green 1992، صفحات 57, 73.
- Jacobsen 2008، صفحات 73, 89.
- Jacobsen 2008، صفحة 89.
- Cyrino 2010، صفحة 97.
- Detienne 1977.
- Pryke 2017، صفحة 128.
- هل تعلم أن تموز أو دموزي هو من آلهة العراق القديم؟ - تصفح: نسخة محفوظة 24 مايو 2012 على موقع واي باك مشين.
- عذابات ( تموز ) - تصفح: نسخة محفوظة 05 يناير 2017 على موقع واي باك مشين.