الرئيسيةعريقبحث

حبيب الله بن قرين


☰ جدول المحتويات


حبيب الله بن قرين

حبيب الله بن قرين
معلومات شخصية
مكان الميلاد البصرة 
الحياة العملية
تعلم لدى محمد بن عبد الله العيثان 
آخر المرجعيات المحلية في الأحساءالعلامة الفقيه الشيخ حبيب بن قرين الأحسائي«1275 - 1363

اصله ونسبه

نشب الخلاف بين من كتب عن الشيخ حبيب بن قرين في حقيقة نسبه، فمنهم من ذهب إلى كونه يعود إلى قرية «القرين» الواقعة شمالي مدينة المبرز، كما هو أسمه، وعلى هذا القول يتحد مع الشيخ أحمد بن الشيخ محمد المحسني «ت 1247هـ» في النسب، وأنه يعود لنفس الشجرة والفرع المحسني فذهب إلى هذا القول صاحب كتاب " منتظم الدرين في تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين " محمد علي التاجر، وتبعه في رأيه السيد هاشم الشخص في أعلام هجر[2] .

وبين من قال إنه يعود بنسبه إلى مدينة الهفوف من عائلة «آل قرين» التي تسكن في حي الرفعة، وقد مال لهذا القول المؤرخ الحاج جواد بن حسين الرمضان[3] ، وقد وضع أصحاب الرأيين قرائن على قولهم ليس هنا محل ذكرها، إلا أن المتفق والمؤكد أن الشيخ حبيب بن قرين أحد ألمع رموز الحركة العلمية في الأحساء، وآخر المرجعيات المحلية فيها.

أما نسبه بناءً على القول الذي يرجعه إلى أسرة " المحسني " بقرية القرين هو الشيخ حبيب الله «حبيب» بن الشيخ صالح بن الشيخ علي بن الشيخ صالح بن الشيخ محمد بن الشيخ محسن بن الشيخ علي بن محمد بن أحمد الأحسائي[4] .

مولده ونشأته

ولد الشيخ حبيب بن قرين في قرية «كردلان» من نواحي البصرة في العراق حدود سنة 1275 هـ [5] ، فقضى أيامه الأولى في كنف أسرة كريمة، وتحت رعاية أبوين مؤمنين، غرسا فيه الإيمان وحب العلم، فكان والده الشيخ صالح «ت 1330» يوليه مزيد عناية وتوجيه لما توسمه في والده من ذهنية وقاده وعقلية متفتحة، وما أن شب، وقوى عوده حتى بعثه إلى المراكز العلمية الكبرى كالنجف وكربلاء ليفتح له المزيد من آفاق المعرفة من منابعها الصافية عند أساطين العلم والفقه هناك.

دراسته العلمية

كانت بداياته الشيخ حبيب بن قرين العلمية على يد والده الشيخ صالح بن الشيخ علي بن قرين في البصرة، ثم هاجر للزيادة العلمية إلى النجف وكربلاء فدرس على يد علية القوم ممن يشار إليهم بالبنان علماً ومكانة وفضلاً، وقد أجيز منهم جميعاً وهم[6] :

1 - الشيخ فتح الله، المعروف بشيخ الشريعة الأصفهاني «ت 1339هـ».

2 - الشيخ محمد بن الشيخ عبد الله آل عيثان الأحسائي «ت 1331هـ».

3 - ميرزا موسى ابن الميرزا محمد باقر الأسكوئي الحائري «ت 1363هـ».

4 - السيد ناصر بن السيد هاشم الأحسائي «ت 1358هـ».

وهؤلاء بلا شك هم أساتذته في مرحلة البحث الخارج والدروس العليا، أما من أخذ عنهم في مرحلة المقدمات أو السطوح الدنيا والعليا، فلم نستطع التوصل لأحد منهم، وهي من المراحل العلمية الغامضة في حياة الشيخ حبيب بن قرين التي لم تتطرق لها المصادر الموجودة.

مشايخه في الاجازة

إجيز الشيخ في رواية الحديث من جميع أساتذته، وله عنهم طرق تبين الشأن الرفيع الذي بلغه، وهم:

- الشيخ محمد بن الشيخ عبد الله آل عيثان «ت 1331هـ» [7] .

- الشيخ فتح الله المعروف بشيخ الشريعة بن محمد الأصفهاني «ت 1339هـ» [8] .

- السيد ناصر بن السيد هاشم السلمان «ت 1358هـ» [9] .

- الميرزا موسى بن الميرزا محمد باقر الأسكوئي الحائري «ت 1364هـ» [10] .

ملامح عن مرجعيته

من التجني والحيف الذي وقع على شخصية الشيخ حبيب بن قرين القول إن مرجعيته بدأت في الأحساء، بعد نزوحه نحوها حين وفاة أستاذه السيد ناصر السلمان «ت 1358هـ» الذي رشحه لتولي الزعامة الدينية بعده، بينما واقع الأمر أن الشيخ حبيب كان العلم والفقيه والمرجع المقلد قبل عقد من الزمن، لوفاة السيد ناصر، إلا أن مرجعيته في الأحساء لم تتضح معالمها إلا بعد هذا التاريخ.

ولتتضح الصورة بشكل جلي نقول إن الطلب من الشيخ حبيب لكتابة رسالته كمرجع تقليد تعود إلى منتصف العقد الخامس من القرن الماضي «1345هـ»، وذلك من محيطيه في منطقة البصرة وما حولها، وكان يتعذر ويتمنع بالمرض تارة وبالمشاغل تارة أخرى، ففي مقدمة الرسالة العقائدية " نعم الزاد ليوم المعاد " يقول: ".. وأسوف مرة وارجيهم أخرى ولا زال الحال هكذا مدة من السنين وذلك لتشتت البال واضطراب الأحوال لكثرة الأمراض والعوارض والشواغل الغير الاختيارية مضافاً إلى ما اقتضته طبيعة الأيام من تألبها على حرب أهل العلم فهم بين صريع وجريح بأسياف أبنائها، ولما رئيت أن الملتمس لا يقنع مني بهذه الأعذار ولا بما يراه من الشواغل والعوارض المشتتة للأفكار أملته الإجابة بالمقدور إذ لا يسقط الميسور بالمعسور لأنا أمرنا ألا نرد سائلا عن أبوابنا فنرجو امتثال أمره... " [33] .

ومما يؤكد ذلك طباعة رسالته العملية سنة «1348هـ»، هذا ناهيك عن صيته الذي سبقه، وسمعته التي أبرزته، ثم انطلقت بوادر مرجعيته في الأحساء إبان حياة أستاذه الفقيه ناصر السلمان «ت 1358هـ»، الذي مهد لهذه المرجعية عندما كان يحيل كثيراً من مقلديه في المسائل الاحتياطية إليه، مما مهد لمرجعيته وأكد الثقة به والاعتماد عليه[34] ، وأخيراً توج مكانته وموقعيته بقدومه إليها من البصرة سنة 1358هـ. في هذه الحقبة الأحسائية يمكن القول أن أهم ملامح مرجعيته فيها كما يلي:

أولاً: أتخذ الشيخ حبيب من مدينة الهفوف محلة الرفعة الشمالية مقر لمرجعيته، لما تتمتع به المنطقة من مركزية في البلاد، وحركة علمية عريقة، إضافة لكونها المحلة التي تعود إليها جذوره أسرته وتمركزها - على الرأي الذي قال إنه من عائلة القريني - حيث كان يفد عليه الناس من مختلف المناطق.

ثانياً: يعد الشيخ حبيب آخر المرجعيات المحلية المتسلسلة القوية في تاريخ الأحساء إلى اليوم إذ بعد وفاته سنة 1363هـ تفرق أهالي الأحساء بين المرجعيات المتواجدة في النجف وكربلاء وذلك لأسباب عديدة من أبرزها:

- افتقار الأحساء حينها إلى الشخصية العلمية القوية التي تجذب الناس من حولها، رغم وجود بعض المجتهدين.

- نكران الذات السمة البارزة في أعلام المنطقة، دفعهم إلى توجيه الناس إلى العراق، كما فعل السيد محمد بن السيد حسين العلي «ت 1388هـ» المعروف بـ " العالم " لعلمه وفقاهته، الذي رفض ترشيح الناس له بالمرجعية، ودفعهم لتقليد الشيخ محمد رضا آل ياسين في النجف الأشرف.

- سهولة التواصل مع المرجعيات الكبرى في العراق، عبر وكلائهم الموجودين في المنطقة أضعف من أهمية المرجعية المحلية.

- عدم ترشيح الشيخ حبيب لمن يخلفه في مسألة المرجعية، أدى إلى تشويش الرؤية لدى الناس واختلاف وجهات النظر، وعدم اتفاقهم على كلمة واحدة.

- الوضع السياسي الضاغط الذي كان يعيشه العلماء دفعهم للابتعاد عن مسألة المرجعية، بما تحمله من أعباء ومسؤولية.

- بروز مسألة الأعلمية، والانتماء للمراكز العلمية الكبرى ساهم بدرجة كبيرة في توجه الناس إلى العزوف عن المرجعيات المحلية.

إلا أنه تبقى مسألة المرجعية المحلية من بين المسائل الشائكة التي تحتاج إلى مزيد بحث واستعراض جوانب، ليس هنا محل طرحها وعرضها.

ثالثاً: إن امتداد مرجعية الشيخ حبيب بن قرين يمكن تصورها على الشكل التالي، إن مرجعيته كانت كتركة مرجعية خلفاً للسيد ناصر بن السيد هاشم السلمان «ت 1358هـ» الذي كان لمرجعيته امتداد في مدينة المبرز والعديد من القرى الأحسائية.

كما كسبت مرجعيته الكثير من أهالي الهفوف مقر مرجعيته واشد المتعلقين والمتمسكين بفكره ورأيه، خصوصاً مع خلوها من مرجعية محلية قوية بوفاة الشيخ موسى بن عبد الله آل أبي خمسين «1353هـ».

كما لا ينبغي الإغفال عن مقلديه وأتباعه في مدينة البصرة والكويت لما خلفه من أثر كبير في كلا المنطقتين حين إقامته فيها، الأمر الذي يقودنا للقول إن مرجعية الشيخ حبيب بن قرين كانت تنافس في المنطقة أكبر المرجعيات في النجف وكربلاء، لكونه واحداً منهم، ويعيش بين ظهرانيهم، يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم، ومحيط بجميع ما يطرأ على حياتهم من متغيرات على مختلف الأصعدة.

رابعاً: إن مرجعيته كانت مزامنة لمرجعية أستاذه الميرزا موسى بن محمد باقر الحائري الأسكوئي في الأحساء، ويقوي هذا القول نسخ الشيخ علي بن أحمد بن علي بن يوسف بن شبيث في شبابه وقبل أن يكف بصره كتاب " درر الأحكام " الرسالة العملية للميرزا موسى بن محمد باقر بن محمد سليم الأسكوئي الحائري. والمخطوطة تقع في «295» صفحة، وقد ختمها بقوله: " قد فرغ من تأليفها العالم المحقق والنحرير المدقق العالم الرباني ميرزا موسى بن محمد باقر بن محمد سليم الحائري الأسكوئي أيده الله تعالى بتأييده وسدده بتسديده إنه جواد كريم رؤوف رحيم في أواخر شهر ربيع الثاني سنة 1335هـ، وقد حصل الفراغ من نسخها صبيحة يوم السبت وهو التاسع عشر من شهر شوال سنة 1355هـ "[35] ، فالميرز موسى صنف رسالته قبل الشيخ حبيب بـ «13» سنة، ودخلت رسالته الأحساء على أقل التقادير قبل قدوم الشيخ حبيب إلى الأحساء سنة «1361هـ»، بـ «6» سنوات.

مما يبرز وجود تعددية مرجعية في الأحساء في عصر الشيخ حبيب، كما أنه هناك من يذهب إلى وجود مقلدين أيضاً للشيخ محمد رضا آل ياسين في الأحساء ووكيله في مدينة المبرز القاضي السيد حسين بن السيد محمد العلي «ت 1369هـ» [36] ، مع وجود كلا المرجعيتين السابقتين.

خامساً: تصدى الشيخ حبيب لعلاج مشاكل الناس الاجتماعية وتربيتهم أخلاقياً ودينياً، وقد كرس جل وقته لإنجاح هذه المهمة، فكان في كل ليلة يلقي بعد الصلاة خطبة تتضمن بعض الأحكام الفقهية، أو الكلمات التوجيهية، وفي الصباح يجلس في حسينية الجعفرية بالرفعة الشمالية لإدارة كفة القضاء[37] وحل مشاكل الناس الاجتماعية والخلافية، وما يتعلق بالوقف والأرث وما يرتبط بشؤون القضاء التي يحتاجها الناس.

سادساً: استقامت مرجعيته في الأحساء خمس سنوات بين عامي 1358هـ - 1363هـ، كان للشيخ بن قرين أثر بالغ في نفوس الناس، بما قدمه من عطاء علمي وتربوي في الوسط الاجتماعي جعل من فقد حرة كبيرة في النفوس الأحسائية.

من مؤلفاته

ترك الشيخ حبيب عدة من المؤلفات القيمة استطعنا الإطلاع على البعض منها، وخفي عنا البعض الآخر، إلا أنها تكشف عن فقيه وعالم بارز يمتلك يد طولى وتمرس واسع في الحقل العلمي والديني، نعرف من مصنفاته:

1 - حواشي متفرقة على جملة من الكتب.

2 - بعض الرسائل وأجوبة المسائل.

3 - كتاب في الرد على البهائية.

4 - منار رفع الشبهات عن اختصاص التقليد بالأحياء دون الأموات:

وتقع النسخة الخطية من المصنف في «54» صفحة، وخطت بخط واضح وجميل، في غاية الجودة، وهي ناقصة في آخرها كثيراً، ولا يعلم هل أن الشيخ لم يكملها، أم أن النسخة المتوفرة هي الناقصة [38] ، وهي عبارة عن رد ونقاش على كتاب: " إحباء الأحباء[39] في تسوية النصوص بين التقليد الأموات والأحياء "، للشيخ أحمد بن عبد الرضا بن حسين بن محمد بن عبد الله آل حرز البحراني «ت 1337هـ» [40] .

وقد كتب في أولها: " وبعد، فيقول العبد الراجي ربه في الدرين، حبيب بن قرين: إني لما نظرت إلى الرسالة المسماة بأحباء الأحباء في التسوية بين تقليد الأموات والأحياء، لجناب الشيخ الفاضل الجليل، الشيخ أحمد بن عبد الرضا. وقد أتعب نفسه فيها بجمع ما يحتمل دلالته على التسوية المذكورة، وتقريب دلالته، ورد القول بخلافها، فأحببت أن أكتب عليها تعليقة، ينقطع بها ما يتراءى من ذلك الاحتمال، وينكشف بها حقيقة الحال، وإن كنت في غاية الانحلال، وتشتت البال، وتغير الحال، مما أنا فيه من المرض ومعالجته، ومحاتاة السفر وزحمته " [41] .

وهي تنتهي عند قوله: " قال سلمه الله تعالى: «الرابع مما احتجوا به» " [42] .

وقد طبعت أخيراً بتحقيق وتعليق من الشيخ الفاضل عبد المنعم بن عبد المحسن العمران، عن طريق مؤسسة المصطفى لإحياء التراث، في دار المحجة البيضاء سنة 1424هـ / 2003م في «253» صفحة.

5 - منسك الحج:

وهي رسالة مختصرة في أعمال الحج، طبعت على الحجر سنة 1359هـ، تقع في «83» صفحة، وهي مكتوبة وبخط واضح وجميل، من القطع الصغير، وهي تتناول أهم أعمال الحج، مع بعض الأدعية المستحبة [43] .

افتتحها بقوله: " أما بعد فيقول العبد الجاني، والأسير الفاني المحتاج إلى رحمة ربه في الدارين حبيب بن قرين عامله الله بإحسانه وعفى عنه بامتنانه، قد سألني بعض أهل الفضل والشرف خاصة الأخوان، وخلاصة الخلان، ممن لا يسعني إلا النهوض بطلبه، والمبادرة إلى إجابته، أن أكتب له مختصراً في بيان أعمال الحج، حيث كان ممن أوجبه الله عليه.. "[44] .

وقد جعلها في فصلين الأول في العمرة، والثاني: في حج التمتع، وقد قسمها تقسيم ممنهج حسب أعمال الحج مع ذكر الواجبات والمستحبات كلٍ في محله.

وقد ختم الرسالة بقوله: " تم بعون الله ورقنا الله والمؤمنين التشريف ببيته الحرام، وزيارة قبر نبيه وآله الكرام عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام "[45] .

6 - دعوى وحدة الناطق " أدلة دعوى بطلانها من كتب الشيخ الأحسائي والسيد الرشتي "[46] :

تقع النسخة الخطية منه في «45» صفحة، وقد كتبت بخط جميل وواضح، إلا أنها خالية من تاريخ النسخ واسم الناسخ [47] .

وقد حققها الشيخ عبد المنعم بن عبد المحسن العمران، في «262» صفحة، مع حواشي وتعليقات، وفهارس، وطبعت عن طريق مؤسسة المصطفى لإحياء التراث سنة 1426هـ - 2005م.

7 - نعم الزاد ليوم المعاد رسالة في العقائد مختصرة:

وهي مقدمة عقائدية صنفها كمقدمة لرسالته العملية تتناول أصول الدين الخمسة «التوحيد والعدل، النبوة، والإمامة، والمعاد الجسماني»، وهي تقع في «39»، فرغ من تصنيفها في غرة شهر رمضان المبارك لسنة 1345هـ، وقد طبعت في النجف الأشرف: المطبعة العلوية سنة 1348هـ [48] .

جاء في مقدمتها: ".. وأسوف مرة وارجيهم أخرى ولا زال الحال هكذا مدة من السنين وذلك لتشتت البال واضطراب الأحوال لكثرة الأمراض والعوارض والشواغل الغير الاختيارية مضافاً إلى ما اقتضته طبيعة الأيام من تألبها على حرب أهل العلم فهم بين صريع وجريح بأسياف أبنائها، ولما رئيت أن الملتمس لا يقنع مني بهذه الأعذار ولا بما يراه من الشواغل والعوارض المشتتة للأفكار أملته الإجابة بالمقدور إذ لا يسقط الميسور بالمعسور لأنا أمرنا ألا نرد سائلا عن أبوابنا فنرجوا امتثال أمره.. " [49] .

8 - نعم الزاد ليوم المعاد «رسالة عملية»:

وهي الرسالة العملية للشيخ حبيب بن قرين، ذكرها الآغا بزرك في الذريعة فقال: " نعم الزاد ليوم المعاد " رسالة عملية لحبيب الله بن صالح الأحسائي نزيل البصرة، طبعت بالنجف، رجع إلى تقليده أهل الأحساء بعد وفاة السيد ناصر، وبعد موته رجعوا إلى تقليد الشيخ محمد رضا آل ياسين "[50] .

وتقع النسخة المطبوعة منها في «479» صفحة، وهي ناقصة الآخر، وتاريخ طباعتها يعود إلى سنة 1348هـ، وهي تبدأ بباب الطهارة وتنتهي بصلاة الجماعة [51] .

وقد ختمها بقوله: «قد تم تحريرها بخطه يوم الخامس عشر من شهر رمضان أحد شهور سنة 1346هـ، من هجرة النبي الأكرم» [52] .

آية الله المعظم الشيخ حبيب الله بن قرين الاحسائي

وفاته

وقع الخلاف في تاريخ وفاته بين معاصريه والراثين له، فقد ذهب الشيخ الطهراني صاحب الذريعة إلى أن وفاته عام 1364 هـ [53] ، ومال إليه الأديب الشاعر محمد حسين الرمضان، بينما رجح السيد الأميني سنة 1367 هـ [54] ، ولكن القول الراجح ولعله الأقرب للصحة ما ذهب إليه كلٍ من الشيخ فرج العمران والذي رثاه بقصيدة، والحاج محمد علي التاجر صاحب المنتظم إلى أن وفاته كانت في 21 من شهر محرم الحرام لعام 1363 هـ، ويمتاز هذا التاريخ عن غيره لكون كلا الرجلين كان قريب من منطقة وفاته الأحساء، هذا أولاً لذا هم قريبين من تاريخ الحدث، ولكونهم حددوا وفاته بدقة باليوم والشهر، بينما الأقوال الأخرى تحدد السنة فقط، مما يوحي بوجود شك في الموضوع ولو بنسبة ضئيلة ثانياً، وثالثاً: إن التاجر والفرج كلاهما مؤرخ لأعلام المنطقة بالخصوص، ويدون حياة العلماء - معاصريه - أول بأول مما يعطيهم ميزة عن غيره في تحري الدقة.

فكان لوفاته الصدى الواسع والكبير فأقيمت له مجالس العزاء في الأحساء والقطيف والبحرين والكويت والعراق، وعم الحزن والأسى في النفوس، فتسابق الشعراء على رثائه، والتعبير عن عميق الأسى لفقده، فقد رحل عن الأحساء وهو لم يقم فيها سوى فترة وجيزة بين أوائل سنة 1361هـ إلى محرم عام 1363هـ، الحقبة التي لا تروي عطش الصادي، ولا تشفي غليل الإنسان النهم، لذا شكل فقده صدمة قوية، وذكريات عميقة يتناقلها الآباء لأبنائهم جيلاً بعد جيل.

الحركة الفقهية والعلمية في عصره

جاء الشيخ حبيب بن قرين على خلفية " عصر تصعيد الاجتهاد والنشاط الفقهي " والممتد بين عامي «1180 - 1260هـ»، والذي كان على يد المحقق الوحيد البهبهاني «1118 - 1205هـ» [26] ، والذي كان لوقفته القوية ضد المنهج الأخباري وشيخه الشيخ يوسف البحراني صاحب " الحدائق الناضرة " صدى واسع في سحب البساط من أيديهم في كربلاء، وجذب معظم تلاميذه إليه، وقلب الموازين لصالح الأصوليين، ومنهجهم الفقهي والأصولي، وقد تميزت هذه الحقبة والتي كان له أثر بالغ على طبيعة التفكير العلمي والمنهج التحليلي لدى الحقبة التي تلت هذه الفترة، [27] :

1 - تعيد النشاط الفقهي، ومكافحة الرجعية الجمود، وإعادة العقل إلى ساحة الإستدلال.

2 - ظهور ابتكارات أصولية على يد الوحيد البهبهاني، سار على ضوئها تلامذته في كتبهم الأصولية والفقهية كـ " رياض المسائل " للسيد علي الطباطبائي، و" قوانين الأصول " للميرزا القمي، و" المستند " لأحمد النراقي.

3 - تم في هذا الدور القضاء على الأخبارية وأفكارها وتقلص نشاطها، ولم يبق منها إلا النزر اليسير.

4 - تأليف موسوعات فقهية كبيرة كـ " معتمد الشيعة في أحكام الشريعة " للشيخ مهدي النراقي، و" مستند الشيعة في أحكام الشريعة " للشيخ أحمد النراقي، و" جواهر الكلام " للشيخ محمد حسن النجفي.

5 - تأليف موسوعات في علم الأصول قام بها جملة من فطاحل العلماء كالميرزا القمي صاحب " قوانين الأصول "، والشيخ محمد تقي الأصفهاني صاحب " الحاشية على المعالم "،، والسيد إبراهيم القزويني صاحب " الضوابط "، وغيرهم.

ومما لا شك فيه أن الشيخ حبيب بن قرين كغيره من الأعلام إبان إقامته في النجف وكربلاء كان ممن يستقي من نفس المشرب وتأثر بالمدرسة التي قعد قواعدها الوحيد البهبهاني عبر أساتذته، ممن عاصروا تلك الحقبة، ومن عاشوا الحركة العلمية التي خلفها الوحيد من بعده، فكان لنهجه الأثر والطابع الأصولي الواضح تجلت في مناقشته وتحليله الفقهي للمسائل الفقهية التي يتناولها في بحوثه الفقهية، بل نجده قد أقحمه نفسه في المعركة التي ضد الأخبارية، خصوصاً وأن أصداء ما قام به الوحيد ومعركته الحامية معهم لا زالت حاضرة في الأذهان، ناهيك أن الأخبارية كفكر لم يتم القضاء عليه، وإن تقلص من انتشارها والتأثر بها، ولكن بقيت الأخبارية كفكر ومنهج مستمر ربما حتى في كربلاء نفسها التي عاش فيها الشيخ الوحيد، من علامات التأثير بالمقاومة للخط الأخباري في كربلاء، فقد صنف كتاب في الرد عليهم في مسألة جواز تقليد الأموات وهي " منار رفع الشبهات عن اختصاص التقليد بالأحياء دون الأموات " وهي مسألة تعد من المسائل الهامة للمنهج الأخباري، وقد رد فيها على كتاب للشيخ أحمد بن عبد الرضا آل حرز «ت 1337هـ» بعنوان " إحباء الأحباء[28] في تسوية النصوص بين التقليد الأموات والأحياء ".

وهذا لا يعني أنه لم يتأثر بالرموز الأصولية والفقهية الكبيرة ممن عاشوا في فترة قريبة من عصره من قائمة الأعلام الأفذاذ، والذي يأتي على رأسهم الشيخ مرتضى الأنصاري المعروف بـ " الشيخ الأعظم " «1214 - 1281هـ» والذي كان حياً إلى حقبة قريبة من هجرة الشيخ العيثان إلى النجف الأشرف 1282هـ، فإنه وإن لم يحضر درسه، لم يكن بعيداً عن تلامذته، ومعالم فكره الذي يعد قفزه في المدرسة النجفية في نهجيّها الفقهي والأصولي عبر كتابية الشهيرين " فرائد الأصول " و" المكاسب "، وقد تتلمذ عليه قربة «350» مجتهداً عالماً[29] ، كما أنه عاصر مجموعة من الأعلام الأفذاذ الذي لا يمكن أيقض الطرف عن تأثيرهم وفي مقدمتهم:

الميرزا حسن الشيرازي «1230 - 1312هـ» والذي يعد أشهر تلامذة الشيخ الأنصاري، والميرزا أبو القاسم النوري الطهراني «1236 - 1292هـ» رجل العلم والفضيلة، والقلم والبيان، والشيخ الميرزا حبيب الله الرشتي «1234 - 1312هـ» أحد الأكابر من تلاميذ شيخنا الأنصاري، والشيخ محمد حسن الأشتياني «1248 - 1320هـ»، والشيخ محمد رضا الهمداني «1250 - 1322هـ» من أجلة الفقهاء الورعين، ومن الأصوليين المحققين، ومن مشاهير فقهائنا العظام، والشيخ محمد كاظم الخراساني الشهير بـ " المحقق الخراساني " «1255 - 1329هـ» صاحب كتاب " كفاية الأصول " والذي كان عليه إلى فترة قريبة مدار البحث الأصولي في الخارج، والذي يقول عنه الشيخ السبحاني: " له إبداعات وابتكارات جديدة جعلته صاحب منهج متكامل في الأصول، وصاحب مدرسة خاصة به "[30] ، والسيد محمد كاظم اليزدي «1247 - 1337هـ» صاحب كتاب " العروة الوثقى " أحد الفقهاء الكبار في القرن الرابع عشر، والمرجع الديني الأعلى بعد رحيل شيخنا المحقق الخراساني.

في الجانب الآخر نجده عاصر، وربما زامل عدد من كبار الفقهاء المؤثرين في عصره، في طليعتهم العلامة الميرزا محمد حسين النائيني «1274 - 1355هـ» وهو أحد أقطاب العلم في النجف الأشرف، وحامل راية الاجتهاد بعد رحيل أستاذه المحقق الخراساني، وهو يعد من أساتذة الأصول المؤثرين لمن جاء بعده، وقد تخرج على يديه جمع غفير حملوا افكاره وصاروا مراجع للعلم والفكر بعده منهم المرجع الديني الكبير السيد أبو القاسم الخوئي [31] ، كما عاصر الشيخ ضياء الدين العراقي النجفي، وهو من أكابر تلاميذ الشيخ الخراساني، وقد عرف بالتحقيق والتدقيق، ومن أساتذة النجف الكبار، وقد تخرج على يديه عدد من الأعلام منهم المرجع الديني الكبير السيد محسن الحكيم «1306 - 1390هـ»، والسيد المحقق حسن البجنوردي «1316 - 1396هـ» إضافة إلى الأصولي البارع والفقيه المدقق الشيخ محمد حسين الإصفهاني «1296 - 1361هـ»، والمرجع الديني أبو الحسن الإصفهاني «1284 - 1365هـ» [32] .

وإن كنا لا نستبعد أن الشيخ حبيب بن قرين قد تتلمذ على العديد منهم، ولكن المصادر لم تخدمنا في ذلك، حيث أنه يعيش في محيط نجفي مفعم بالحيوية لا يمكن أن يكون في معزل عنه، ولكن الشيء الذي نقطع به، بل ونجزم أن الشيخ بن قرين قد تاثر كثيراً بهذه الأجواء، وتشبع بفكرها، فكان لها أحسن الأثر في طريقة بحثه وتحليله الفقهي والأصولي.

وقد تجل هذا التأثير في المنهج الكتابي للشيخ حبيب بن قرين حيث يميل نحو التدقيق والتمحيص، والمناقشة العقلية والمنهج الفكري الذي يفحم الخصم بما لا يدع له مجال للنقاش والدفاع، فإذا أمسك بعبارة يعمل على مناقشتها من جميع جوانبها المختلفة العلمية والعقلية، ومن أبرز مصاديق هذا المنهج نجده في كتاب " منار رفع الشبهات " الذي ناقش فيها الشيخ أحمد بن عبد الرضا آل حرز.

الخصائص الفقهية للشيخ

لم يقع بين أيدينا كتاب استدلالي مستقل للشيخ بن قرين، نستطيع من خلاله تقصي كل أبعاد شخصيته الفقهية، وإنما مناقشة فقهية قصيرة وصفها بـ " التعليقة "[55] بما تحمله هذه الكلمة من إيجاز، ورسالة عملية أعطتنا نظرة عميقة وثاقبة في غزارة فكر هذا الطود الكبير، والعلم البارز، فما يكتبه العالم يشكل مرآة لشخصيته، وطبيعة تفكيره، وسعة اطلاعه، من هنا سنحاول أن نبين بعض الجوانب المهمة للشيخ حبيب بن قرين لتكون لبنة أولى لخصائص هذا العلم الفقهية:

أولاً: مراعاة أدب النقد والاختلاف:

دأب العلماء والفقهاء منذ العصور السالفة على مناقشة الآراء والنقض والإبرام مع من يختلف معهم في الرأي، لما في ذلك من كشف الحقائق، والبحث عن الصواب، بما يحمله مثل هذا النشاط من دقة، وقوة ملاحظة، ورياضة للذهن وتمرين على مناقشة العلماء وأقوالهم، وهذا أمر لا خلاف فيه.

ولكن قد يتباين العلماء في لغة النقد، والتعامل مع الرأي المخالف، ومراعاة أدب الاختلاف، وأصول النقد بين الرقة الشدة، بين الأدب والفظاظة، وهنا الغلظة وإن كانت مستساغة بين العلماء التي لا تتعدى إلى سوء الأدب، إلا أنه يبقى جانب اللطف والتورع أمر محبذ ومطلوب بين العلماء لتشييد لغة حوار سليمة، وخلق القدوة الحسنة في المجتمع.

والشيخ حبيب بن قرين في اعتراضه على الشيخ " بن حرز " تسنم هامة الأخلاق والأدب في الحوار ومناقشة الآخر، وقد تجلى في التالي:

- دقة اختيار العنوان:

فالشيخ بن قرين في معارضته للشيخ أحمد بن عبد الرضا آل حرز البحراني، لم يختر عنواناً جارحاً أو صريحاً في النقد وإنما سماه " منار رفع الشبهات عن اختصاص التقليد بالأحياء دون الأموات "، فهم لم يستخدم مثل كلمة " نقض "، " إبطال "، " الرد " التي عادة ما يستخدمها العلماء في مثل هذه الأمور إضافة إلى كلمات أخرى مثل " مدعي " " يقول " التي هي زيادة في النكاية بالطرف الآخر، بالرغم من أن الصراع بين المدرسة الأصولية التي ينتمي إليها الشيخ " بن قرين "، والمدرسة الإخبارية التي ينتمي إليها الشيخ " بن حرز" متجذر الخلاف بينهم منذ القدم وقد سالت فيها دماء، وصنفت عشرات الكتب.

من جانب آخر يصف رسالته بقوله " فأحببت أن أكتب عليها تعليقة، ينقطع بها ما يتراءى من ذلك الاحتمال، وينكشف بها حقيقة الحال "[56] .

- احترام الطرف الآخر:

وإن وقع خلاف بين العلماء في المسائل العلمية فإنه ينبغي أن يراعى الأدب والاحترام وإعطاء الآخرين مكانتهم العلمية، فالشيخ أحمد بن عبد الرضا يعد من كبار الفقهاء في البحرين، ومن أشهر القضاة فيها، وقد تتلمذ على يديه عشرات الطلبة، لهذا لا ينبغي أن يبخس حقه، وقد راعى الشيخ حبيب هذا المقام للشيخ، وأولاه الاحترام والتبجيل فقال في مقدمة رسالته منار العارفين: " إني لما نظرت إلى الرسالة المسماة بحباء الأحباء في التسوية بين تقليد الأموات والأحياء، لجناب الشيخ الفاضل الجليل، الشيخ أحمد بن عبد الرضا ".

وإذا أراد أن يورد نصوص الشيخ أحمد بن عبد الرضا من كتابه " أحباء الأحباء في التسوية بين تقليد الأموات والأحياء " قبل الرد عليها، دائماً يفتتحها بقوله: " قال وفقه الله للسداد "[57] ، أو " قال سلمه الله تعالى "[58] ، وهي كلمات تعكس النفسية المسالمة للشيخ حبيب، والأدب الراقي الذي يتمتع به في أسلوب الحوار والنقد، إضافة إلى حفظ المقامات العلمية، التي لا ينقص الاختلاف في الرأي، ووجهات النظر من مكانها شيء.

- مناقشة الرأي الآخر بلغة علمية:

فقد استخدم في طيات الكتاب العبارات الرقيقة والمؤدبة التي تسير وفق النهج العلمي في الخلاف، التي تجعل محور نقدها المقول، وليس القائل. ومنها ما استدل به الشيخ أحمد بن عبد الرضا في كتابه بقوله «فطفق يقيد إطلاق الأمر بالرجوع إلى الفقيه، تارة بالتبادر إلى الحي، وأخرى بما يدعيه من إجماعه» [59] ، وذلك في مقبولة عمر بن حنظلة المشهورة بحملها على الإطلاق في الرجوع إلى الحي والميت، فقال في رده عليه: " فبالله عليك أيها الملتفت لما أقول المنصف، هل تجد من نفسك صدق قوله : «ينظران من كان منكم»، أو قوله : «روى حديثنا» فما بعده، أو قوله : «فليرضوا به حكماً، فإني جعلته عليكم حاكماً» على الحي والميت عرفاً.

أو تساوي صدقه عليهما حتى يتحقق الإطلاق، الذي هو تبادر كل من الفردين، حتى ينكر دعوى الاختصاص.. "[60] .

فهو يميل وهو منهج عام تلاحظه في مسلك الشيخ حبيب بن قرين الفقهي والاستدلالي إلى المناقشة العقلية وتفتيت المسائل المناقشة وتحليلها، بما يقنع العقل العلمي لدى كل إنسان، وأن نقضه هو نابع من الإدراك العلمي للمسائل الخالي من الانحياز والتعنت الممقوت علمياً، عاملاً بالقاعدة العلمية: " نحن أصحاب الدليل حيثما مال نميل ".

كما نلحظ أنه لا يميل إلى التعقيد وطنطنة العبارات في مناقشاته فهو يميل في نقاشه العلمي إلى اللغة السهلة التي تتناسب مع اللغة العلمية ولكن دون تعقيد، إلا إذا ولج في مسألة تشكل عمق التخصص العلمي فإنه يغير لغته بحسب المسألة وغزارتها.

ثانياً: فهم روح النص:

يختلف الفقهاء في فهم النص، وفي معرفة المراد منه، فليس كل الروايات على نسق وسياق واحد، ولا لبيان غرض معين دائماً، وإنما يعتمد كل نص على حسب المورد الذي جاء فيه والجانب الذي يتحدث عنه، ومن هنا يأتي دور الفقيه في إرجاع كل نص إلى البعد المختص به، وهنا يأتي دور العالم الحاذق الذي يستطيع أن يفهم النص ويتوغل في روحه ويتعامل معه ككائن حي يتحرك ويتنقل من موضع إلى موضع ويتكيف مع لغة المعصوم ويفهم إيماءاته.

والشيخ حبيب بكونه فقيه ويرى فيه نفسه المكنة والقدرة على خوض غمار الروايات، وملم بظلالها لا يقبل الفهم البسيط للروايات، والمنحى الواحد الذي يتعامل به البعض، لهذا في سياق مناقشته للشيخ الحرز في فهمه للنصوص، وطريقته في التعامل معها أراد أن يكشف عن هذه الحقيقة، وأن دور الفقيه أوسع من معرفة الحلال والحرام من الروايات، بل يتعداه إلى التوغل في أعماقها فيقول وهو يفتح باب فهم الروايات على مصراعيه: " أقول: لا ريب في أن علم الفقيه بحسب العادة لا ينحصر في معرفة الحلال والحرام، ولا في كيفية الاستنباط، بل منه ما يرجع إلى إثبات الصانع، ومنه إلى توحيده وعدله.

ومنه ما يرجع إلى إثبات نبوة النبي ، وخلافة الأوصياء.

ومنه إلى فضائلهم، ومنه ما يرجع إلى ضروريات الدين.

ومنه إلى المواعظ، ومنه إلى الأدعية، والأذكار والزيارات.

ومنه إلى نقل الأخبار الواردة عنهم .

ومنه إلى الوظائف المندوبة، إلى غير ذلك مما يطول بيانه.

وهذه منها ما يصح فيه التقليد، ومنها ما لا يصح فيه، وما يصح فيه منه ما لا يحتاج إلى التقليد فيه؛ لكون ثبوته مسلم بين الإمامية، ومنه ما ليس هو كذلك، ولكن وصل إلى البعض من ثقة عن ثقة، حتى انتهى إلى أهل العصمة ولا معارض له.

وحصول هذا كثير لكثير ممن عاصر الأئمة أو قارب عصرهم، ولو تعددت الوسائط، ومنه ما يرجع إلى رد الشبهة وتزييف الباطل، ومنه ما يرجع إلى كيفية العبادة - مما هو مسلم - سواء كانت الأجزاء والشرائط مسلمة، أو محتاجة إلى التقليد، والعوام - وهم غير أهل العلم - فقراء وضعفاء بالنسبة إلى جميع هذه المذكورات إلا ما شذ وندر منها.

والعلماء متكلفون بالعوام من جميع هذه الجهات، فأولهم الرواة المشافهون لأهل العصمة، وبعدهم من بعدهم من بعدهم إلى زمان أهل الكتب الأربعة، ثم منه إلى زماننا هذا، ثم منه إلى يوم انقطاع التكليف، ولولا أهل العلم لم يعرف غيرهم شيئاً مما ذكرنا، إلا من أخذ من المعصومين صلى الله عليهم بلا واسطة "[61] .

فالفقيه من وجهة نظر الشيخ القريني هو الواسطة بين الناس وفهم روايات أهل بيت العصمة ، لكونهم يمتلكون الإحاطة بروح النص وغزارة حديثهم، وهو من مختصات العالم الحصيف، والعلامة الفارقة بين العالم الحقيقي وغيره، على اعتبار أن الروايات ليست على نسق واحد ولا غرض معين، وإنما ناظرة إلى الظرف الذي قيلت فيه والغرض الذي أنشأت من أجله، وهذا أمر لا يدركه إلا الفقيه الذي عرك الروايات وفهم مغازيها.

ثالثاً: إدراك مقاصد الشريعة:

عنيت الشريعة بما يتوافق وخير الإنسان ومصلحته، وما يتناسب مع فهمه ووعيه للروايات والنصوص الدينية، فمقتضى الشريعة ومقاصدها من مساعيها التعامل مع مدارك الإنسان بقدره وبما يميل إليه عقله ووعيه العلمي الخالي من العواطف والأهواء النفسية، ونقض الشواذ والبعيد عن الواقع والمصلحة العامة للبشرية.

وفي هذا البعد العلمي والفقهي كان الشيخ حبيب ممن يرون إن للشريعة مقاصدها تجري مجرى مدركات الإنسان الواعي للدين، وفهم النصوص ينبغي أن يكون على هذا الوفق أو ما خرج بالدليل والنص، لا العمل بالشواذ من الأقوال أو النادر منها الذي هو خلاف المتبادر من النصوص، وقد تمسك الشيخ حبيب في معرض نقاشه مع الشيخ أحمد بن عبد الرضا آل حرز في قوله بجواز تقليد الأموات ابتداءً مستدلاً بعدة آيات منها آية: " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "[62] .

بقوله بأن فهم الآية ينبغي أن يكون هكذا: " فإن لم تخص بما هي ظاهرة فيه بحسب سوقها، وهم علماء اليهود بالنسبة إلى معرفة النبي .

وكما عن أهل التفسير الذي من الواضح عدم كفاية غير العلم فيه، أو بما تعددت الأخبار فيه عن أهل الذكر، وهو أن المراد من أهل الذكر هم لا غير، الذين لا يدخل العمل بقولهم تحت التقليد المتنازع فيه.

بل لو قلنا أن المراد من أهل الذكر مطلق العلماء فلا دلالة فيها إلا على قبول قول المسئولين - وهم الأحياء - بقرينة السؤال، إذ الميت لا يسأل من دون تعرض إلى القبول وعدمه بعد الموت، على تقدير أن يكون المسئول عنه من العمليات التي لا يحتاج العمل بها إلى العلم.

على أنه يمكن أن يقال بتنزيل الآية على الغالب والمتعارف من حصول العلم بالسؤال، فلا يدل على جواز العمل بعد الموت تقليداً للميت.

وفرض موت المسئول بعد الجواب بلا فصل، وحينئذٍ فلو لم يقبل منه بعد الموت لزم لغوية السؤال. مدفوع بأن ذلك جار على الغالب والمتعارف وتحقق لغوية السؤال نادراً لا ينافي الأمر به "[63] .

رابعاً: إرجاع الفروع إلى أصولها:

من المهم عند الدخول في أي حلبة فقهية أو علمية تحديد لب المسألة وموقع الخلاف فيها، وإرجاع المسائل على أصولها ليتسنى مناقشتها بعلمية وموضوعية أكثر، وإلا طاش النقاش وغاص في غير بحره، والشيخ حبيب لا يميل إلى مثل هذا النقاش العقيم الذي يبحث عن الشاردة فيجري خلفها، وإنما تجده يميل إلى الضغط في العبارة والتوجه مباشرة إلى المسألة والولوج فيها والذي من أهم بنوده أن نرجع كل مسألة إلى أصلها.

ولعل مسألة الإجماع من القضايا التي تعددت الخلافات فيها والمشارب وفق المدارس الفقهية المتعددة، إضافة إلى الفهم الخاص من النصوص والروايات التي وردت في الإجماع.

لهذا عندما أراد الشيخ حبيب أن يناقشها على من عدها من أدلة الجواز لتقليد الميت ابتداء، بين أقسام الإجماع ثم وضح المعنى المراد منها وأنه خلاف مما فهمه الطرف الآخر، فقال:

" أقول: الإجماع الدخولي: هو اجتماع جماعة على مسألة من المسائل الفقهية بحيث يعلم أن الإمام في جملتهم قطعاً.

والإجماع الحدسي: هو اجتماع جماعة كذلك بحيث يعلم أن ما أجمعوا عليه مستند إلى الإمام مأخوذ منه؛ لعدم تأتي الاتفاق.

والمذكور من التابعين المقتدين الذين لا يقولون إلا عن قول مقتداهم، ولا يصدرون إلا عن رأيه، مع علمهم بأن الأخذ من غيره، والاستقلال بأنف

الراوون عنه

يروي عنه عدد من علماء عصره المعروف منهم:

- الشيخ كاظم بن الشيخ علي الصحاف «ت 1397 هـ» [11] .

- الميرزا محسن بن الشيخ سلطان الفضلي «ت 1409هـ» وله منه إجازتان، الأولى حررها في 6 شوال 1345هـ[12] ، والثانية في 19 شعبان 1355هـ [13] .

طرقه في الاجازة

الطريق الأول: عن شيخ الشريعة الأصفهاني، عن السيد مهدي الحلي القزويني، عن عمه الجليل الزاهر السيد باقر القزويني، عن خاله العلامة بحر العلوم سيد مهدي الطباطبائي، عن الوحيد البهبهاني، عن والده «السيد محمد أكمل» [14] ، عن مشائخه الأجلاء: العلامة المجلسي صاحب البحار، والعلامة الشرواني، والعلامة جمال الدين الخوانساري، والفقيه النبيه الشيخ جعفر القاضي جميعاً عن المحدث الفقيه المولى محمد تقي المجلسي، عن الشيخ بهاء الدين العاملي، عن والده الفقيه حسين بن عبد الصمد العاملي، عن الشهيد الثاني المذكورة في إجازته المشهورة [15] ، إلا أن أعلى طرقه عن الشيخ علي بن عبد العلي الميسي، عن الشيخ شمس الدين محمد بن داوود الشهير بالمؤذن، عن الشيخ ضياء الدين علي بن الشهيد الأول محمد مكي، عن أبيه، عن فخر المحققين محمد بن الشيخ العلامة الحسن بن مطهر الحلي، عن أبيه، عن شيخه الإمام المحقق جعفر بن سعيد الحلي، عن السيد السعيد شمس الدين فخار بن معد الموسوي، عن الشيخ شاذان بن جبرائيل القمي، عن الشيخ العماد محمد بن أبي القاسم الطبري، عن الشيخ الجليل أبي علي بن الشيخ الطوسي، عن أبيه،...، عن المفيد،.....، عن أبن قولويه، عن الكليني[16] .

وعن شيخ الشريعة، عن الشيخ محمد حسين الكاظمي، عن جماعة منهم: الشيخ مرتضى الأنصاري، عن المولى أحمد النراقي، عن مشائخه الأجلاء وهم: والده المولى مهدي النراقي، والعلامة الطباطبائي بحر العلوم، والعلامة الحائري صاحب الرياض، والفقيه كاشف الغطاء، والفقيه الميرزا محمد مهدي الشهرستاني جميعاً، عن الوحيد المجدد البهبهاني[17] .

وعنه ـ شيخ الشريعة ـ عن الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، عن شيخيه العلمين كاشف الغطاء، وصاحب مفتاح الكرامة، عن الوحيد المجدد[18] .

وعن شيخ الشريعة، عن الشيخ جواد بن الشيخ تقي البياتي الحلواني، عن صاحب مفتاح الكرامة، عن الوحيد[19] .

عن نفس شيخ الشريعة، عن السيد محمد باقر الخوانساري الأصفهاني صاحب «روضات الجنات»، عن العلامة الجيلاني الحاج السيد محمد باقر صاحب «مطالع النور»، عن كاشف الغطاء، عن الوحيد[20] .

الطريق الثاني: عن الشيخ محمد بن عبد الله آل عيثان «1331هـ» بما يرويه عن مشايخه في الإجازة وهم:

عن السيد مهدي القزويني، عن خالة السيد محمد باقر القزويني، عن الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي.

وله عن الشيخ العيثان: عن السيد مهدي الحلي القزويني، عن عمه الجليل الزاهر السيد باقر القزويني، عن خاله العلامة بحر العلوم سيد مهدي الطباطبائي، عن الوحيد البهبهاني، عن والده «السيد محمد أكمل»، مشائخه الأجلاء: العلامة المجلسي صاحب البحار، والعلامة الشرواني، والعلامة جمال الدين الخوانساري، والفقيه النبيه الشيخ جعفر القاضي جميعاً، عن المحدث الفقيه المولى محمد تقي المجلسي، عن الشيخ بهاء الدين العاملي، عن والده الفقيه حسين بن عبد الصمد العاملي، عن الشهيد الثاني المذكورة في إجازته المشهورة.

وعن الشيخ محمد بن عبد الله العيثان عن الميرزا محمد باقر الأسكوئي الحائري، عن الميرزا شفيع التبريزي، وعن الميرزا حسن الشهير بكوهر، كلاهما عن السيد كاظم الرشتي، عن الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي، بطرق الشيخ الأحسائي الكثيرة والمذكورة في إجازاته الكثيرة الكرباسي، والشيخ محمد مهدي الجواهري، والسيد كاظم الرشتي وغيرهم كثير.

الطريق الثالث: السيد ناصر بن السيد هاشم السلمان الذي يروي عن السيد محمد كاظم اليزدي صاحب «العروة الوثقى»، وعن الشيخ فتح الله المعروف بشيخ الشريعة بن محمد الإصفهاني «ت 1339هـ»، الشيخ آقا ضياء الدين العراقي «1278 - 1361»، وعن السيد أبو تراب بن السيد أبو القاسم الخوانساري النجفي «ت 1346هـ» [21] . وعن الشيخ مهدي المازندراني، وعن بعض علماء البحرين[22] .

أما الميرزا موسى بن الميرزا محمد باقر الأسكوئي الحائري «ت 1364هـ» [23] ، فهو يعود إلى نفس طريق الشيخ محمد بن عبد الله العيثان، لكونه مجاز منه بالرواية.

علمه وفضله

حاز الشيخ القريني مكانة مرموقة في المحافل العلمية، والأوساط الدينية، فقد تبوأ الموقعية التي لا يدركها إلا الأفذاذ من الأعلام، ممن يستطيعون وزن الرجال، ومعرفة مقامهم، والشيخ بن قرين كان أكثر الناس تبجيلاً له وتعظيماً هم العلماء والفقهاء، لما عرفوه في سماته العلمية من سعة باع، وطول نفس، ومن هذه المكانة انطلقت كلماتهم:

ينقل الخطيب الشيخ جعفر الهلالي عن والده الشيخ عبد الحميد: أن الإمام الراحل الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء زار «البصرة» ـ حين كان فيها المترجم له ـ، ونزل دار أحد علمائها وهو العلامة الشيخ عبد المهدي المظفر «ت 1363هـ»، فزاره الشيخ حبيب، وعند خروجهم من الدار قدمه كاشف الغطاء فأبى الشيخ بن قرين أن يتقدم على كاشف الغطاء، فقال له الشيخ كاشف الغطاء: تقدم يا شيخ، فلو قدموا حظهم قدموك [24].

فهذه القصة أن دلت على شيء فهي المكانة العلمية التي رآها الشيخ كاشف الغطاء في الشيخ القرين بلغت درجة أن يحوز على إعجابه ويقدمه على نفسه.

وقال فيه الحاج محمد علي التاجر: "العالم العامل، الفقيه الفاضل، الورع الصالح الكامل، الأديب، الشيخ حبيب...، رأيته فتوسمت فيه علماً من الأعلام، وركناً من أركان الإسلام، وسيماء الفضل والصلاح والتقى والورع والزهد والعبادة بادية على محيَّاه البهي بأجلى المظاهر.. " [25].

موسوعات ذات صلة :