الرئيسيةعريقبحث

مسرحية سكان الكهف


مسرحية سكان الكهف

أحيا عرض مسرحية سكان الكهف مهرجان المسرح العربي في بيروت وأبحر بنا سيد الأدوار المركبة الفنان أحمد العمري بسكان الكهف مواجهاً الحقائق المؤلمة بتألق ونضج مجمعاً كل أدواته التعبيرية من تعبير الوجه إلى تفاعل الصوت مع الأحداث إلى لغة الجسد فسقى الرموز إحساس فأصبح يدغدغ أحاسيسنا ويفجر مشاعرنا وكل هذا في بوتقة من الإعجاز أروع في تجميعها المخرج العبقري خليل نصيرات فك بها رموز لعبة الصناديق المغلقة كلما فك صندوقاً حملك بغموض لمحاولة فتح الآخر وقد أنطق خشبة المسرح بعرض متكامل العناصر المتزنة في واقع ملموس من الحياة العربية مطوعاً طيات النص وخفاياه بعصا سحرية.

و مجموعة من الفنانين أريج جبور، سوزان البنوي، بلال زيتون، ثامر خوالدة، بكر الزعبي، أحمد أبوسبيتان الذين جعلوا الحضور يتفاعلون مع الشخوص وكأننا بمسرح داخل مسرح، في حضور إنساني باحثاً عن ذاته أمام الهدم الذي تجاوز المباني ليطال الذات البشرية الموجوعة في كوميديا سوداء استطاعت أن تحفز فينا التأمل فيما يدور من حولنا لتفجر الضحك من الألم في سينوغرافيا معبرة وداعمة للعمل صممها محمد أبوحلتم.

مسرحية سكان الكهف تناولت أحلام المسرح كبيت آمن وجاءت الأحداث بشكل يوضح كيف وكم تتغير الأحداث من حين إلى حين لتغير حياة البشر في ثوان ومسرحية سكان الكهف وقد تم عرضها أيضاً ضمن موسم مهرجان المسرح الصيفي على المسرح الدائري ومع أن المسرحية تناولت القدر بشكل سوداوي إلا إنها نالت إعجاب الجمهور وأبدعت المسرحية التي قادها نصيرات في إظهار حلم البسطاء في مكان آمن يأويهم وسط مدينة قاسية ظروفها مأساوية وقد أضاعت وشتتت حلم الأبرياء وكانت لهم بمثابة الصخرة التي تكسرت عليها أمالهم ليعثروا بعد ذلك على مكان عفا عليه الدَّهر وشرب عرجت فيه أمنياتهم وأحلامهم ليحاولوا أن يعوضوا ما فات منهم.

وتتشابك الخيوط بين سيد المسرح وهو الرجل العجوز المتعلق بفنه وقد أفنى حياته من أجل الفن وبعد أن غابت عنه الأضواء والذي جسد دوره الفنان أحمد العمري الذي أبدع في إظهار الوضع المأسوي وبين سيدة المسرح والتي لعبت دورها الفنانة أريج جبور وقد جسدت دور المرأة العجوز بعد أن غزا الشيب مفرقها وتقدم عمرها الفني أيضاً وهي ما زالت تحلم بالحب معبرة بقوة عن كثير من النساء المقهورات وقد مضى بهن العمر بدون أن تحققن بعضاً من آمالهن وأحلامهن الضائعة وذلك من خلال كوميديا سوداء متوجعة من ضحك القدر الباكي في الأصل وتتوالى الأحداث بروعة حين أطلق الفنان أحمد العمري مأثورته عندما ضاعت هويته قائلاً "شو بدي بالهوية، إذا فني ضاع".

وتتصاعد أحداث المسرحية في العثور على الكنز الضائع المتمثل كمأوى لكل فرد يرى فيه أحلامه وعندئذ يدخل إلى حلبة المسرح ملاكم سابق محترف والذي أدى دوره الفنان بلال زيتون ليتآلف مع من حوله ويقع في حب فتاة لا مأوى لها سوى هذا الركن المهجور والتي تلعب دورها الفنانة سوزان البنوي وتزيد حالة عدم الإحساس بالحياة ومافيها من احاسيس متمثلة في هذه العلاقة المتناقضة بين حب وحب آخر تكنه هذه الفتاة لعامل مخبز صفاته تجمع بين صفات الملاكم بأحاسيسه ورقته بالإضافة إلى صمته الذي زاده غموضاً وجعلها تتعلق به وفي تآلف واضح مع الشخوص داعبت أنامله إحاسيس رئيس فرقة الهدم ليتعاطف معهم ويؤجل هدم مآوهم الآمن وهو المسرح لبضعة أيام.

نص مسرحية سكان الكهف هو للكاتب الأميركي وليام ساويان الأرمني الأصل، الذي قاده خليل نصيرات من خلال أحداث رمزية مثيرة وكانت مليئة بالصراعات والمتناقضات وظهرت جلية في تجسيد القهر والإتهاض والفقر المدقع والتي تلاشت أمامها الأحقاد وولدت عالماً من الاتحاد والتكاتف.

وهنا أبدع نصيرات في معالجته للنص الذي جاء متكاملاً متزيناً بلفتات كوميدية خففت حدة أحداثه وكان جلياً في إظهار صورة واضحة للبشر البسطاء المدحورين وكيف طاحت فيهم يد القهر والظلم وبطش بهم الفقر والبؤس وهنا يتكاتف الجميع في إصرار وعزيمة وأمل بلا حدود مقبلين على الحياة من خلال إصرارهم على البحث عن جدران مسرح آخر يأويهم ويحتويهم ويشعرهم بالدفء والأمان وعندئذ يدغدغ مشاعرنا الفنان أحمد العمري سيد المسرح "وداعاً أيتها الرحم، وداعاً أيها الدافئ"، فتصيح المجموعة كلها وداعاً وداعاً.

وخليل نصيرات حاصل على شهادة البكالوريوس في الفنون المسرحية من جامعة اليرموك ودبلوم عال في الموسيقى وهو عضو رابطة نقابة الفنانين وشارك في مهرجانات محلية وعربية ودولية منها: مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ومهرجان المسرح الأردني "دورات" كما شارك في ندوة "الآخر" في المجلس الثقافي البريطاني العام 2009.

ومن أعماله الإخراجية المميزة: "فلنتاين"، "حديقة الموتى"، "نافذة على الداخل".

مسرحية سكان الكهف بطولة أحمد العمري، أريج جبور، سوزان البنوي، بلال زيتون، ثامر الخوالدة، بكر الزعبي، احمد أبو سبيتان. والموسيقى لنور أبو حلتم، الإضاءة لفراس المصري، هالة عودة بالمساهمة الفنية، سينوغرافيا لمحمد أبو حلتم، تصميم بوستر كامل أبو يحيى.

وصلات خارجية

مراجع ومصادر

موسوعات ذات صلة :