يهودا (بالعبرية: יהודה) هو الاسم العبري التاريخي للمنطقة الجبلية في جنوب فلسطين، وهو الاسم المذكور في الكتاب المقدس والاسم الشائع لتلك المنطقة في العصر الروماني وفي العصر الحديث. يعود الاسم في أصله إلى يهوذا الابن الرابع للنبي يعقوب (إسرائيل) الذي كون أبناؤه سبط يهوذا وهو أحد أسباط بني إسرائيل الإثني عشر، ولاحقًا حكموا مملكة يهوذا التي استمرت بداية من عام 934 حتى 586 ق. م.[1] بحسب ما ذُكر في الموسوعة اليهودية (1906). عُرفت تلك المنطقة بأسماء عديدة على مر العصور المختلفة، إذ كانت تُعرف بيهود في فترة الغزو البابلي، وبيهود مديناتأ في العصر الهلنستي، وبيهودا الحشمونية في العصر الهلنستي، وبيهودا الرومانية في العصر الروماني.
عقب انتهاء ثورة بار كوخبا في عام 135 ق. م. تغير اسم المنطقة واتحدت مع سوريا الرومانية لتصبح جزءًا من مقاطعة سوريا فلسطين الرومانية بأمر من الإمبراطور الروماني المنتصر هادريان. وفي خلال الفترة 1948-1967 شملت منطقة الضفة الغربية الأردنية جزءًا كبيرًا من يهودا (أي الضفة الغربية التابعة للمملكة الأردنية).[2][3] وفي القرن العشرين أعادت الحكومة الإسرائيلية إحياء مصطلح يهودا للإشارة إلى المنطقة الجغرافية التابعة للتقسيم الإداري «يهودا والسامرة»، وهو بدوره المصطلح الرسمي المُستخدم في إسرائيل للإشارة إلى منطقة الضفة الغربية.[4]
الجغرافيا
تتميز يهودا بكونها منطقة جبلية جزء منها عبارة عن أراضٍ صحراوية. تتفاوت ارتفاعات المنطقة بدرجة كبيرة، إذ تصل أعلى نقطة بها إلى ارتفاع 1,020 م (3,346 قدم) فوق سطح البحر جنوبًا عند هار حفرون (جبل الخليل) الذي يبعد 30 كم (19 ميل) جنوب غرب القدس، بينما تقع أدنى نقطة بها شرقًا على ارتفاع 400 م (1,312 قدم) تحت سطح البحر.[5] وكذلك يتفاوت معدل هطول الأمطار بها، إذ يتراوح معدل الأمطار السنوية بين 400-500 مم (16-20 بوصة) في التلال الغربية، بينما قد تصل الأمطار إلى 600 مم (24 بوصة) في المنطقة المحيطة بالقدس الغربية (مركز يهودا)، بينما تنحسر الأمطار إلى 400 مم في القدس الشرقية، وتنخفض بالتدريج حتى تصل إلى 100 مم (3.9 بوصة)[6] في المنطقة الشرقية بسبب ظاهرة صحراء الظل المطري، إذ تحتوي المنطقة الشرقية على صحراء يهودا. وبالتبعية يتفاوت المناخ من مناخ متوسطي في الجزء الغربي إلى مناخ صحراوي في الجزء الشرقي تتوسطهما منطقة تتميز بمناخ شبه قاحل. وتحتوي يهودا على عدة مراكز حضرية كبرى مثل القدس، وبيت لحم، وجوش عتصيون، وأريحا، وحفرون (الخليل).[7]
تنقسم يهودا جغرافيًا إلى عدة مناطق: تلال الخليل، وسرج القدس، وتلال بيت، وصحراء القدس الشرقية التي تنحدر أراضيها تدريجيًا حتى تصل إلى البحر الميت. تتميز تلك التلال بطياتها المحدبة. وفي العصور القديمة كانت تنمو عليها الغابات، وبحسب الكتاب المقدس كانت تلك الأراضي تستخدم في الزراعة ورعي الغنم.[8] ولا يزال الرعاة يعتنون بالمواشي حتى الآن، وبحلول موسم صيف يسوقونها إلى قمم التلال المتدرجة عن طريق المصاطب الزراعية الحجرية التي يتجاوز عمرها قرونًا.[9] وقد أدت ثورة اليهود على الرومان إلى خراب مساحات شاسعة من ريف يهودا.
يقع جبل هازور على الحدود الجغرافية التي تفصل بين السامرة شمالًا ويهودا جنوبًا.[10]
التاريخ
العصر الحديدي
تحيط الشكوك بتاريخ يهودا المبكر، إذ تقول الرواية الإنجيلية إن مملكة يهوذا والمملكة الشمالية تخلفان مملكة إسرائيل الموحدة، ولكن المؤرخين المعاصرين يؤكدون على أن تاريخ مملكة إسرائيل غير دقيق.[11][12][13][14] وعلى أي حال فقد استولت الإمبراطورية الآشورية على المملكة الشمالية عام 720 ق. م. ومنذ ذلك الحين ظلت مملكة يهودا مستقلة اسميًا لكنها كانت تدفع الضرائب للآشوريين بداية من عام 715 وحتى انتهاء القرن السابع ق. م.، ثم استعادت يهودا سيادتها نظرًا إلى اضمحلال الإمبراطورية الآشوية بداية من عام 640 ق. م. وفي عام 609 خصعت المملكة إلى الحكم الإمبراطوري من جديد؛ إذ كانت تدفع الضرائب للدولة المصرية حتى عام 601، ثم إلى الإمبراطورية البابلية الحديثة حتى عام 586 عندما نجحت بابل في احتلالها بالكامل.
العصر الفارسي والهلنستي
انهزمت الإمبراطورية البابلية أمام بلاد فارس بقيادة كورش الكبير عام 539 ق.م.[15] ظلت يهودا تحت الحكم الفارسي إلى أن نجح الإسكندر الأكبر في غزوها عام 332 لتصبح تحت حكم الإمبراطوية السلوقية الهلنستية إلى أن اندلعت ثورة يهوذا المكابي التي مهدت الطريق أمام السلالة الحشمونية الحاكمة التي حكمت البلاد لمدة تتجاوز القرن.[16]
الغزو الروماني
وقعت يهودا تحت حكم الرومان في القرن الأول قبل الميلاد. في البداية كانت يهودا مملكة مستقلة تدفع الضرائب للرومان، ثم أصبحت ولاية تابعة لهم. تدخلت الدولة الرومانية في شؤون يهودا بعد وفاة الملكة ألكساندرا سالومة ونشوب الحرب الأهلية التي دارت بين ولديها هركينوس الثاني وأرسطوبولس الثاني. تحالفت الدولة الرومانية مع المكابيين، وفي نهاية الحرب الميثراداتية الثالثة كلفت الدولة الرومانية القنصل الروماني بومبيوس ماغنوس (بومبيوس الكبير) بتوطيد الحكم الروماني في يهودا وفرض الحصار على أورشليم في عام 63. ثم نصّب بومبيوس هركينوس ملكًا ولكن الحكم السياسي انتقل إلى الأسرة الهيرودية التي حكمت البلاد عن طريق تعيين حكام تابعين للدولة الرومانية. وفي عام 6 ق. م. خضعت يهودا للحكم الروماني المباشر وأصبحت جزءًا من ولاية يهودا الرومانية، ورغم هذا احتفظ سكان الأقاليم اليهود ببعض الاستقلالية وكان لهم الحق في الحكم على المعتدين بقوانينهم الخاصة بما يتضمن حكم الإعدام حتى عام 28 بعد الميلاد. وانقسمت ولاية يهودا بدورها في أواخر العصر الهلنستي وبدايات العصر الروماني إلى خمسة مراكز إدارية: أورشليم، وجدارا، وأماثوس، وأريحا، وصفورية؛[17] وفي العصر الروماني المتأخر انقسمت إلى أحد عشر حيًا إداريًا: أورشليم، وجفنا، وعقربا، وتمنا، واللد، وأماوس، وبيلا، وإدوميا، وعين جدي، وهيروديون.[18] وفي نهاية المطاف انتفض السكان اليهود وثاروا ضد الحكم الروماني في عام 66، ولكن تلك الثورة لم تنجح. وفي عام 70 حوصرت مدينة أورشليم وقُتل معظم سكانها أو اتخذهم الرومان عبيدًا.[19]
ثورة بار كوخبا
بعد انقضاء 70 عامًا على الأحداث السابقة ثار اليهود من جديد على الرومان بقيادة شمعون بار كوخبا، وبعدها نجح اليهود في تأسيس مملكة إسرائيل التي استمرت لمدة ثلاث سنوات قبل أن يغزوها الرومان من جديد رغم تكبدهم خسائر فادحة من حيث عدد الجنود والنفقات.
بعد هزيمة بار كوخبا (في عام 132 - 135 بعد الميلاد) عقد الإمبراطور هادريان العزم على محو الهوية الإسرائيلية اليهودية من الوجود، وأطلق على يهودا اسم سوريا فلسطين (إذ كان يُشار إليها قبل ذلك الوقت بولاية يهودا من قبل الرومان).[20] وفي ذات الوقت عدل اسم أورشليم إلى إيليا كابيتولينا. قتل الرومان عددًا كبيرًا من اليهود واتخذوا منهم عبيدًا. ومنذ ذلك الحين هاجر عدد من اليهود إلى مناطق متفرقة في العالم، ولكن لم يتخلَّ اليهود عن أرضهم بالكامل. وفي خلال تلك الفترة شكل اليهود أقلية ذات شأن عظيم في يهودا.[21]
العصر البيزنطي
أعاد البيزنطيون رسم حدود منطقة فلسطين، وأعادوا تقسيم الولايات الرومانية المتعددة (سوريا فلسطين، والسامرة، والجليل، وبيرية) إلى ثلاث أبرشيات رئيسية، واستعان البيزنطيون بالأسماء المذكورة في كتابات المؤرخ هيرودوتس في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد: فلسطين الأولى، والثانية، والثالثة، وجزء من الأبرشية المشرقية. تحتوي الأبرشية الأولى على يهودا والسامرة وباراليا وبيرية، وكان حاكمها يسكن في قيسارية ماريتيما. بينما تشمل الأبرشية الثانية منطقة الجليل ووادي يزرعيل ومناطق أخرى شرق الجليل والجزء الغربي من حلف الديكابولس القديم، واستوطن حاكمها مدينة بيسان. وشملت الأبرشية الثالثة صحراء النقب وجنوب الأردن (التي كانت جزءًا من الجزيرة العربية في السابق) ومعظم سيناء، وكان حاكمها يمكث في البتراء عادةً.[22][23] طبقًا للمؤرخ بين-ساسون فقد أمر الإمبراطور ديوكلتيانوس (284-305) بإعادة تقسيم فلسطين،[24] ولكن بعض الفقهاء يرون أن إعادة التقسيم تمت لاحقًا في عام 390.
خط زمني
- القرن الحادي عشر ق. م. - 930 ق. م.: يهودا تحت حكم مملكة إسرائيل.
- من 930 إلى 586 ق. م.: مملكة يهودا.
- من 586 إلى 539 ق. م.: العصر البابلي.
- من 586 إلى 332 ق. م.: العصر الفارسي.
- من 332 إلى 305 ق. م.: حكم الإمبراطوية المقدونية تحت حكم الإسكندر الأكبر.
- من 305 إلى 198 ق. م.: حكم البطالمة.
- من 198 إلى 141 ق. م.: حكم الدولة السلوقية.
- من 141 إلى 37 ق. م.: تأسيس الدولة الحشمونية في إسرائيل.
- 63 ق. م.: احتلال بومبيوس للقدس.
- من 37 ق. م. إلى 132 م.: الأسرة الهيرودية التابعة للرومان
- 25 م.: أمر هيرود الأكبر ببناء قيسارية ماريتيما.
- 6 م.: اكتتاب كيرينيوس.
- 26م.: تعيين بيلاطس البنطي حاكمًا على ولاية يهودا في الفترة الزمنية التي صُلب فيها يسوع.
- من 66 إلى 73 م.: الحرب الرومانية اليهودية بما يتضمن حصار أورشليم في عام 70.
- من 115 إلى 117: حرب كيتوس.
- من 132إلى 135: ثورة بار كوخبا.
- 135 م.: تغيير اسم يهودا إلى سوريا فلسطين بأمر من الإمبراطور هادريان استنادًا على تسمية المؤرخ هيرودوتس.
مراجع
- "Judah, Kingdom of". Jewish Encyclopedia. مؤرشف من الأصل في 21 أكتوبر 201910 أبريل 2014.
- Mark A. Tessler (1994). A History of the Israeli-Palestinian Conflict. Indiana University Press. صفحة 401. . مؤرشف من الأصل في 11 أكتوبر 2017.
- Bronner, Ethan (2008-12-04). "Israeli Troops Evict Settlers in the West Bank". The New York Times. مؤرشف من الأصل في 21 أكتوبر 201920 سبتمبر 2018.
- Neil Caplan (19 September 2011). The Israel-Palestine Conflict: Contested Histories. John Wiley & Sons. صفحة 8. . مؤرشف من الأصل في 19 مارس 2017.
- Studies in Palestinian Geography, Prof. S.J. Riggs, Auburn Theological Seminary, 1894, JSTOR The Biblical World - تصفح: نسخة محفوظة 22 أكتوبر 2019 على موقع واي باك مشين.
- "A few of the careful, however, having obtained private records of their own, either by remembering the names or by getting them in some other way from the registers, pride themselves on preserving the memory of their noble extraction. Among these are those already mentioned, called Desposyni, on account of their connection with the family of the Saviour. Coming from Nazara and Cochaba, villages of Judea, into other parts of the world, they drew the aforesaid genealogy from memory and from the book of daily records as faithfully as possible." (يوسابيوس القيصري, Church History, Book I, Chapter VII,§ 14) نسخة محفوظة 9 مايو 2019 على موقع واي باك مشين.
- "A/RES/181(II) of 29 November 1947". Unispal.un.org. مؤرشف من الأصل في 8 سبتمبر 201920 سبتمبر 2018.
- "Mandate for Palestine – Report of the Mandatory to the LoN (31 December 1937)". Unispal.un.org. مؤرشف من الأصل في 11 أكتوبر 201720 سبتمبر 2018.
- "This Side of the River Jordan; On Language," Philologos, September 22, 2010, Forward. نسخة محفوظة 18 أكتوبر 2011 على موقع واي باك مشين.
- "Judaea". Britannica. مؤرشف من الأصل في 2 مايو 201531 ديسمبر 2012.
- Kuhrt, Amiele (1995). The Ancient Near East. Routledge. صفحة 438. . مؤرشف من في 17 ديسمبر 2019.
- Finkelstein, Israel, and Silberman, Neil Asher, The Bible Unearthed : Archaeology's New Vision of Ancient Israel and the Origin of Its Sacred Texts, Simon & Schuster, 2002. (ردمك )
- "The Bible and Interpretation – David, King of Judah (Not Israel)". Bibleinterp.com. 2014-07-13. مؤرشف من الأصل في 10 مايو 201920 سبتمبر 2018.
- Thompson, Thomas L., 1999, The Bible in History: How Writers Create a Past, Jonathan Cape, London, (ردمك ) p. 207
- "The Persians". Jewish Virtual Library. مؤرشف من الأصل في 2 ديسمبر 201609 يونيو 2009.
- "The Hasmonean Dynasty". Jewish Virtual Library. مؤرشف من الأصل في 14 ديسمبر 201609 يونيو 2009.
- يوسيفوس فلافيوس, Antiquities Book 14, chapter 5, verse 4
- Schürer, E. (1891). Geschichte des jüdischen Volkes im Zeitalter Jesu Christi [A History of the Jewish People in the Time of Jesus Christ] (باللغة الإنجليزية). 1. تُرجم بواسطة Miss Taylor. New York: Charles Scribner's Sons. صفحة 157. مؤرشف من الأصل في 11 ديسمبر 2019. Cf. Flavius Josephus, The Wars of the Jews 3:51.
- "Roman Rule". Jewish Virtual Library. مؤرشف من الأصل في 6 ديسمبر 201609 يونيو 2009.
- "The Name "Palestine". Jewish Virtual Library. مؤرشف من الأصل في 3 ديسمبر 201616 أغسطس 2010.
- "Shimon Bar-Kokhba". Jewish Virtual Library. مؤرشف من الأصل في 28 نوفمبر 201609 يونيو 2009.
- Shahin (2005), p. 8
- "Roman Arabia". Encyclopædia Britannica. مؤرشف من الأصل في 11 أكتوبر 200711 أغسطس 2007.
- H.H. Ben-Sasson, A History of the Jewish People, Harvard University Press, 1976, (ردمك ), p. 351