الصخرة المشرفة هي صخرة طبيعية غير منتظمة الشكل تقع في أعلى نقطة من المسجد الأقصى في موقع قلب المسجد بالضبط، وهي صخرة طبيعية تتراوح أبعادها بين حوالي 13 و18 متراً، وارتفاعها حوالي المترين تقريباً، وقد دارت حولها القصص الخيالية غير الصحيحة بشكل كبير، فمن قائل أنها طائرة في الهواء ومن قائل أنها طارت خلف النبي عليه السلام ومن قائل أن لها ضوءاً وغير ذلك. والحقيقة أنها صخرة عادية ليس فيها أي ميزة إلا أنها كانت قبلة أنبياء بني إسرائيل قبل النبي محمد وقيل إن النبي محمد عرج من فوقها للسماء ليلة الإسراء والمعراج، وفيها مغارة صغيرة تسمى (مغارة الأرواح ) وهي تجويف طبيعي أيضاً، وليس فيه أي ميزة خارقة للعادة. وقد بني مسجد قبة الصخرة فوق الصخرة المشرفة، وهي ظاهرة للعيان إلى اليوم.
القصص الشعبية حول الصخرة
حاكت القصص الشعبية خيالات وخزعبلات كثيرة حول الصخرة المشرفة، ذكرها الكثير من العلماء، فمن هذه الخزعبلات والأكاذيب:
- كان عليها ياقوته تضيء بالليل كضوء الشمس، ولا تزل كذلك حتى خرّبها بختنصر.
- أنها من صخور الجنّة.
- تحول صخرة بيت المقدس مرجانه بيضاء.
- إليها المحضر ومنها المنشر.
- سيد الصخور صخرة بيت المقدس.
- مياه الأرض كلها تخرج من تحت الصخرةّّ
- صخرة معلّقة من كل الجهات.
- عليها موضع قدم النبي محمد.
- عليها أثر أصابع الملائكة.
- الماء الذي يخرج من أصل الصخرة.
- أنها على نهر من أنهار الجنّة.
- المياه العذبة والرياح اللواقح من تحت صخرة ببيت المقدس.
- عرش الله الأدنى، ومن تحتها بسطت الأرض.
- الصخرة وسط الدنيا، وأوسط الأرض كلها.
- عرج بالنبي منها إلى السماء، وارتفعت وراءه، وأشار لها جبريل أن أثبتي.
- لها مكانة الحجر الأسود في الكعبة.
وقد أنكر علماء المسلمين هذا التعلق بالصخرة، وبينوا أنها صخرة من صخور المسجد الأقصى، وجزء منه، وليس لها أية ميزة خاصة.
رأي الفقهاء بالصخرة
فقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية في ( مجموع الفتاوى مجلد: 27-كتاب الزيارة بتصرف ص11،12,13 ):
أما أهل العلم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان فلم يكونوا يعظّمون الصخرة، وما يذكره بعض الجهال فيها من أن هناك أثر قدم النبي ﷺ، وأثر عمامته، وغير ذلك، فكله كذب، وأكذب منه من يظن أنه موضع قدم الرب، وكذلك المكان الذي يذكر أنه مهد عيسى كذب، وإنما كان موضع معمودية النصارى، وكذا من زعم أن هناك الصراط والميزان، أو أن السور الذي يضرب بين الجنة والنار هو ذلك الحائط المبني شرقي المسجد، وكذلك تعظيم السلسلة أو موضعها ليس مشروعاً.[1]
والصخرة لم يصل عندها عمر بن الخطاب، ولا الصحابة ولا كان على عهد الخلفاء الراشدين عليها قبة، بل كانت مكشوفة في خلافة عمر، وعثمان وعلي ومعاوية ويزيد، ومروان، وبنى عليها عبد الملك بن مروان القبة وقال: إن عمر بن الخطاب لما فتح البلد
قال لكعب الأحبار: أين ترى أن أبني مصلى المسلمين؟ قال: ابنه خلف الصخرة: قال خالطتك يهودية، بل أبنيه أمامها، فإن لنا صدور المساجد.
فبنى هذا المصلى الذي تسميه العامة "المسجد الأقصى" وهو البناء الأول للجامع القبلي ولم يبقى من بناء عمر بن الخطاب رضي الله عنه شئ "أما البناء الحالي فهو البناء الأموي"، ولم يتمسّح بالصخرة، ولا قبلها ولا صلى عندها، كيف وقد ثبت عنه في الصحيح: أنه لما قبل الحجر الأسود قال:
وقد ضعّف الإمام ابن القيم كل الأحاديث الواردة في الصخرة، فقال في المنار المنيف (87-88):
وكل حديث في الصخرة فهو كذب مفترى، والقدم الذي فيها كذب موضوع مما عملته أيدي المزورين، الذين يروجون لها ليكثر سواد الزائرين، وأرفع شيء في الصخرة أنها كانت قبلة اليهود، وهي في المكان كيوم السبت في الزمان، أبدل الله بها هذه الأمة المحمدية الكعبة البيت الحرام، ولما أراد أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب أن يبني المسجد استشار الناس : هل يجعله أمام الصخرة، أو خلفها؟ فقال له كعب يا أمير المؤمنين ابنه خلف الصخرة، فقال يا ابن اليهودية، خالطتك اليهودية! بل أبنيه أمام الصخرة حتى لا يستقبلها المصلون، فبناه حيث هو اليوم).[2]
وقال عبد الله بن هشام في كتابه
ومما تدل عليه عبارة صاحب المخطوطة: أن هناك تجاوزات لبعض عامة الناس في تقديس الصخرة، وكان رفضاً واضحاً من علماء المسلمين لهذه التجاوزات، وتحذيراً للعامة منها.
ويقول الشيخ محمد ناصر الدين الألباني عن تقديس الصخرة في المسجد الأقصى
ومما يذكر في سيرة الصحابة وأئمة المسلمين أنهم إذا دخلوا المسجد الأقصى قصدوا الصلاة في المصلى الذي بناه عمر، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه
فبنى عمر المصلى الذي في القبلة، ولم يصل عمر ولا المسلمون عند الصخرة، ولا تمسحوا بها، ولا قبلوها، وقد ثبت أن عبد الله بن عمر كان إذا أتى بيت المقدس دخل إليه، وصلى فيه، ولا يقرب الصخرة ولا يأتيها، ولا يقرب شيئاً من تلك البقاع، وكذلك نقل عن غير واحد من السلف المعتبرين، كعمر بن عبد العزيز والأوزاعي وسفيان الثوري وغيرهم. فصخرة بيت المقدس باتفاق المسلمين لا يسن استلامها، ولا تقبيلها، ولا التبرك بها كما يفعله بعض الجهال، وليس لها خصوصية في الدعاء، ويجب تحذير المسلمين من هذا الفعل. ولم يثبت حديث صحيح في فضل الصخرة، وكل ما قيل فيها لا يصح سنده على رسول الله ﷺ وروى مسلم في صحيحه، عن مسلم بن يسار أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله ﷺ، " يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتون من الأحاديث بما لم تسمعوا انتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم، لا يضلونكم، ولا يفتنونكم ".
وقد برّر البعض ممن كتب في فضائل بيت المقدس التساهل في التدقيق بالأحاديث الواردة من باب أنه في فضائل الأعمال يعمل بالأحاديث الضعيفة، وقد تجاوز البعض حتى نقل المكذوب والموضوع، وأخذ من كلام القصاص مما لا ينبغي ذكره.
ويقول شهاب الدين أبو محمود المقدسي في مخطوطة (مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام) وهو يرفض التجاوز في تقديس المسجد الأقصى، والوصول به إلى ما فوق المنزلة المقبولة في عقيدة الإسلام:
ويعرف أن كعب الأحبار ووهب بن منبه أسلما بعد أن كانا يدينان باليهودية. والبعض يسرد تلك الأحاديث، ولا يشير أدنى إشارة إلى ضعفها ووهنها، بل ويروونها وكأنها من الصحاح التي لا خلاف فيها. وتنبيه الناس على أمر صخرة بيت المقدس لا يقلل من فضائل المسجد الأقصى وبيت المقدس بالبركة والفضيلة، وثبت عن رسول الله ﷺ في كتب الصحاح والسنن الكثير من الأحاديث التي نصت على ما حباه الله تعالى من الخير والبركة، وبينت الخصائص التي تميز بها المسجد الأقصى وأرضه لما لها من مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة في الشرع الإسلامي.
ذكرها بالقرأن
وقد حدث القرأن بفضائل المسجد الأقصى: ("سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير".) فبركة المسجد الأقصى ثابتة بالكتاب والسنة، ولنا غنى في الصحيح منها عن الموضوع والمكذوب. وهذا يعني أن كل ما قيل في هذه الصخرة أصله من أهل الكتاب، وليس له أصل في كتب العقيدة الإسلامية، ولا في الصحيح من حديث النبي ﷺ.
المراجع
- ابن تيمية. مجموع الفتاوى مجلد: 27-كتاب الزيارة. صفحة 11-12-13.
- ابن القيم. المنار المنيف. صفحة 87-88.
- عبد الله بن هشام. تحصيل الأنس لزائر القدس. صفحة ص64.
- ابن تيمية. اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم. صفحة ج2 ص817.