الحضارة هي نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي، وإنما تتألف الحضارة من عناصر أربعة: الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون؛ وهي تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق، لأنه إذا ما أمِنَ الإنسان من الخوف، تحررت في نفسه دوافع التطلع وعوامل الإبداع والإنشاء، وبعدئذ لا تنفك الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضي في طريقه إلى فهم الحياة وازدهارها . الفن والعلم هما عنصران متكاملان يقودان أي حضارة .
أصل التسمية
الهند "أصل الكلمة" من "هندو" وهو ما أطلقه الفرس نسبة لنهر الهندوستان وأخذها اليونانيون وكانوا يعتقدون بأنها "الهند".
عناصر الحضارة الهندية
طرق العيش والظروف الطبيعية
الظروف الطبيعية : تبلغ مساحة الهند القديمة قرابة 3 مليون كيلو متر مربع، التضاريس : تنقسم الهند لمناطق عدة و جغرافيا منوعه فهي تحمل علي ارضها الجبال كالهمالايا، و انهار كنهر الجانج المقدس و كذلك نهر الدكن و كذلك بحر العرب من الغرب، و من الشرق خليج البنغال ، و الصين من الشمال، و اطلالة واسعة علي المحيط الهندي من الجنوب ، تطلق علي الهند في الوقت الحالي " شبه القارة الهندية " هذا المسمي يعود للمساحة الشاسعة لهذه الدولة علي خريطة القارة الآسيوية التي تعد أكبر قارات العالم من حيث المساحة .
كان لهذا الموقع تأثيره علي تضاريس و مناخ البلاد فتأتي الرياح الباردة من الشمال من جبال الهمالايا ، و تدفء شمس الجنوب البلاد، إلي جانب السهول الخصبة بالبنغال، هذه السهول كانت حقول غنيه بالمنتجات الكثيفه، التي لم يسمح مناخ الجنوب بزراعتها نتيجه للجفاف هناك، كذلك هناك غابات تحوي بداخلها حيوانات مفترسه كالأسود" حيوان مقدس " و الثعابين و الذئاب .
هذا من الناحية الجغرافية أم علي المستوي المعيشي فنتيجة لهذه الظروف البيئية تقسمت الهند و تنوعت بها سبل الحياة و المعيشة فهناك العديد من المهام لديهم الزراعة و كذلك الصناعة و التجارة ، لنتحدث عن الزراعة، نمت الزراعة بالشمال أكثر من الجنوب نتيجه للظروف البيئية المذكورة مسبقا، في العهد الفيدي لم يكن معروف لديهم الأرز و استعاضوا عنه بالشعير و كانت الحقول تقسم حسب مالكيها، فحسب المعتقدات القديمة لا يجوز بيع الأرض لأجنبي أو غريب فهي ملك لأصحابها تتوارثها الأجيال في العائلات، كذلك من العار أن يعمل شخص في أخر شخص أخر لهذا كان لابد من امتلاك الأراضي . أما عن حياتهم فلم يكون الفلاحون من أصحاب الملايين أو من الملوك مثلا و إيضا لم يكونوا متسوليين أو معدمين فكانوا بحال وسط . هذا في الزراعة التي انتشر في الحقول .
أما عن الصناعة التي انتشرت بالمدن فيعد العمل بها من النقائص لأنه يتقاضي أجر علي ما يفعل و لا يملكه، شهدت الصناعة ازدهار واضح و ملحوظ فبرع الهنود في العديد و العديد من الصناعات و منها " الأخشاب و العاج ، صناعات المعادن و الذهب و الفضة و الزجاج و الصباغة و الطهاة و الصيادين و صناعة الجلود و الحرير و المتجات القطنية و الثياب بمختلف انواعها و التوابل و العطور بأنواعها، فكما جاء في وصف الرحالة " برتييه" الذي جاب الهند بالقرن 17 يقول ان الهند تطن بأصوات الصناعة طنينا .
ونتيجة لهذه التعددية بالعمل ظهرت النقابات حسب كل مجال، وهذا يدل على التطور الوظيفي والوعي بالحقوق الممتهنين، مما يعكس تمدين هذا الشعب، كذلك لم تكن هذه النقابات لحل النزاعات المهنية فحسب وإنما كل نقابة كانت مجتمع في ذاتها، يتضافر أفراده، حتى في حل المشكلات الزوجية.
أما عن التجارة ونبدأها بتحديد الأسعار لم يكن السوق يخضع لسياسةسياسة العرض والطلب وإنما يتم تحديد وتسعير المنتجات من قبل القصر المكلكي وهناك فرد منوط بهذا العمل ويسمى "المثمن" وهو يضع الأسعار ويكون حلقة الوصل بين الصناع والتجار.
ازدهرت التجارةالتجارة بالتباعية خاصة التجارة الخارجية وهذا مع تطور سبل المواصلات واستخدام العربة ذات العجلات، ففي 860 كان هناك سفن تتحرك من الهند لشبه الجزيرة ومصر وتحمل معها منتجات الهند كالعطور والاقمشة والتوابل والمجوهرات، كذلك كانت تجارتهم متينه بدول الشرق الأدنى كالعراق وحضارة بابل وكذلك الفرس والدليل على ذلك العثور على أختام وهدايا هندية باللغة الهندية في قبور الفرس وغيرهم، إلى جانب المزخرفات، مما يدعم العلاقات الفنية والتجارية.
كذلك هناك ملامح دينية مشتركة من خلال طقس "عصير السوما " و الذي يتوافق مع طقس "عصير الهوما " كذلك فهو يجمل نفس الاسم لان في اللغة الفارسية حرف ال"س " ينطق " ه " و هذا هو الحال مع كلمة " الهند " فالفرس من اطلقوا عليها هذا لكنها كانت " السند " .
هذه القوافل كانت تدفع الضرائب و كذلك كانت تتعرض للهجمات و السرقة لهذا كان السفر بحرا أرقي و آمن .
كذلك كانوا يستخدموا ما يعرف ألان بالشيكات و هو صك مكتوب به المبلغ المدفوع و الباقي، و كانت أغلب العهود شفهيه فلدي الهنود لا يمكن برم اتفاق و العودة به .
الوضع الاقتصادي
بدأ النظام الأقتصادي عن طريق المقايضة فبدأت بالسلع و بعدها أستخدموا الماشية كعملة متداولة و هذا لرخص ثمنها خاصة انها لا تـأكل و هناك وفره في الثروة الحيوانية ، حتي ان الأبقار كانت تستخدم كمهر لشراء الزوجة ، مع التطور ظهرت العملات المعدنية خاصة أنه كما ذكرنا سابقا تميزوا في التعدين و صناعةالمعادن ، و كما هو مذكور في العديد من المراجع أن في عصر " أكبر و جهان كير" كانت العملة الهندية هي الأرقي بين اقرانها من العملات الخاصة للبلاد الأخرى .
تطورت الزراعة و تنوعت نتيجة لظروف الطبيعة الهندية ظهرت لديهم صناعة القطن و توريده للمجتمعات المحيطة، كذلك كانوا أول من نقب عن الذهب .
رفض الهنود الربا بكل أشكاله حتي أن تم السلف للمال فالربا من الخطايا التي تحرمها الأديان لديهم باختلافها .
كما كان هناك اهتمام بالقمار كنوع من التربح و كان مدروس فهو يقام بالقصر الملكي و كان للقصر و الخزانة الملكية جزء ربحي مما ينتج من هذه اللعبة .
العلاقات الاجتماعية بين فئات المجتمع
تروي أسطورةالخلق أن الخالق الأكبر لحظة تكوين الرجل نفذت منه كل المواد في صياغته و لم يتبقَ شئ لصياغه المرأء لهذا استعان بالفضلات و القصاصات لهذا فالمجتمع الهندي ينظر للرجل علي أنه الاسمي و الأفضل، مما كان له تأثير كبير علي كل مظاهر الحياة ، لهذا كان مجتمع أبوي من الدرجة الأولي، فالرجل هو مالك كل شئ و سيد كل شئ فهو يملك أسرته و أولاده و زوجته بالمعني الحرفي للكلمه فيحق له بيعهم .
كما جاء علي لسان أحد المؤرخون أن الهنود هم أكثر شعوب الأرض تهذيبا، فالأخلاق لديهم من أهم السمات التي يتميزون بها و من أساسيات هذه الأخلاق هو احترام براهما و تقديس البقر و تأتي بعدها أهمية النسل و أنه من الأخلاق و يعد مهمة يحملها كل فرد علي كتفه لزيادة البشرية، فكما جاء في تشريع "مانو" فالنسل وحده يعمل الرجل " ، فالزواج أجباري لدي الهنود و أن سب الصبي دون زواج يعد هذا خطأ فادح و كذلك حال الفتاة و يعتبر عارا علي الأهل، لهذا مثلت العقيدة البوذية شرخا كبيرا في أسس العقيدة الهندية القديمة حيث أن البوذية دعت للرهبنة، حيث أن الأعزب لدي الهنود هو من الطريد من الطبقات .
و من قواعد الزواج أنه لا يخضع للحب فهي عملية حيوية لازمة و هي في ذاتها عبادة و لا يتطلب الحب و إنما الرفق بالزوجة من قبل الزوج و كذلك الطاعة الواجبة من الزوجة لزوجها . حيث يبدأ الأب بالبحث علي زوجة لولده الذي يمكن إلا يتعدي عمره الخامسة عشر عام و بعد تأمين الزوجة تبقي في بيت أهلها حتي مرحلة النضج الكامل و بعدها تنتقل للعيش مع الأسرة الجديدة و تصبح هذه عائلتها و يمكن ان تنفصل بشكل كامل عن اسرتها الأصلية، كل هذا لحماية الأبناء من خطر علاقات قبل الزواج لأن هذا خطيئة كبيرة يمكن ان تؤدي بدمار المجتمع ككل .
و إيضا من قواعد الزواج أنه لابد أن يتزوج من داخل طبقته لكن يمكن أن يتزوج من خارج العائلة، و كما جاء في التشريعات القديمة أن زوجة واحدة كافية و لكن هذا لا ينفي التعددية بالزوجات، فالزواج هو حماية أبوية للزوجه و راحه للزوج، و كما هو معروف أن الزوج تقوم بالتضحية بنفسها مع زوجها فتحرق معه حتي تصير رمادا و تدفن معه في النهاية و هذا يسمي بالسوتي " و هي تعني الزوجة المخلصة لزوجها " .
هذه الطقس السوتي لم يكن في الهند القديمة حيث أن الفيدا الشريعة الأولي كانت تحترم المرأة و تكن لها مكانة عظيمة فكانت تحي من بعد زوجها حياة كريمة بها رفاهية و حرية حتي أنها كانت تشارك في المناظرات الفلسفية و من اشهرهن " جانتي " فهذه الأرمله تفرغت بعد وفاه زوجها للفلسفة و التعبد، علي عكس ما جاء بعد ذلك فأنحطط مكانة المرأة لتصل لكونها مجرد ظلا للرجل حتي أنه لا يجب لها ان تجيد القرأة و من تفعل تكون من المحظيات أو الدافيداس " العاهرات " . تدهور وضع المراه حتي انها في البوذيه لا يجوز لها التعبد مثلهم و الرهبنة و انها شيطان يوسوس للعابد و يتضح هذا في خطاب اناندا أحد العباد و بوذا نفسه .
لكن أيضا في مسؤله تعدد الزوجات يقال في التشريعات أن زوجة واحدة كافية و ذلك حتي لا يقلب شرور العالم نتيجة لغضب الزوجة ، ففي التشريعات الجديدة بالمقارنة بالفيدا بنظر للمرأة انها ظل و لكن يحترم فأن جاز للرجل الزواج لا يجوز له ضرب الزوجة حتي في اسوء اسوء الظروف حتي و لو بزهره، و لا بد من احترام المرأة في الطرقات و افساح المجال لها و غض البصر عنها حتي انه يمكن لها السير عارية و لا أحد يتعرض لها، و في الموائد لابد من اطعام النساء قبل الضيوف انفسهم .
كذلك لا يمكن رفع الكلفة بين الرجل و المرأة. لابد للمراه أن تتزين و تكون في أبهي مظهرها لزوجها حيث أنه يعتقد أنها حينما تكون جميله سيكون بيتها جميلا مما يعود بالسعادة علي الأسرة و كذلك الزوج لذاته و لزوجته، لهذا كانوا يرتدوا أفضل الأثواب و أفضل الحلي، فالزوجة ترتدي كل حلتها، ففي الهند يعتقد أن الزوجة عاريه ما أن ارتدت حليها كاملا .
تعد النظافة من أهم عناصر الأخلاق فهي بمنزله بعد العبادة مباشره فلا يجوز للهندي أن يرتدي ملابسه مرتين دون غسيل، كذلك لابد أن يستحم كل يوم و يتطهر لبيقي متطهرا دائما، كذلك لابد له من غسيل يديه و رجليه و غرغره فمه عقب الطعام، فلا يمكن أن يظل دون نظافه .
في العام اتسم الهنود بصفات حميده ما بين الكرم و الشجاعة و كذلك هم حساسون وخياليون و يحبون التأمل كثيرا و لا يهون الأداره، و هذا ينبع من فكرة زوال الحياة فهم لا يهتمون للأمور الدنيويه كثيرا و يفضلون جياه العبادة لهذا تفوقوا في الفلسفة و الديانات فالإله كان يشغلهم كثيرا هذا المحرك للكون العليم بكل شي لهذا حتي الشخصيات الحكيم كانت بمنزله الإله و إيضا الأجداد كانوا يقدسون أجدادهم لدرجه العبادة فالأسرة هي أصل كل شئ، لهذا لا يضعوا حدا للنسل، فالحياه لابد أن تستمر، لهذا حرموا الإجهاض و يعتبر جريمه توازي في فداحتها قتل براهمي . فالروح لا يمكن منعها من الحياة .
أنظمة الحكم السائدة
مر علي الهند العديد من محاولات الغزو و الاحتلال، حيث أنها أرض مليئة بالخيرات و أهلها لا يهون الأدارة لهذا انتقل ما بين الغزو الأري، اليوناني، الهون، العرب و المسلمين، أكبر، الأتراك . " هذا الرصد للهند القديمة بعيدا عن التغول البريطاني في العصر الحديث بعد الثورة الصناعية " .
رغم هذا كانت لهم حضاره مستقلة لها لحظات ضعف و اضمحلال مما يسنح لهذه القوي بالتفوق، فكان للهنود اختام و وضح هذا " في استعراض العلاقات التجارية بينها و بين البلادان الأخري أعلاه " اتسمت بالمدنية و القدرة علي مجاراه الجميع و أرضائهم فمن امتلاك الفلاحين أراضيهم " هو له بعد ديني لكن له مردود علي هيكلة الدولة " و كذلك التنسيق بين الصناع و التجار و مجاراه القصر لكل هذا و أدارته و إيضا صالات القمار لزياده خزانه القصر . رغم هذا لم يصل الهنود للديمقراطيه التي شهدتها بلاد الأغريق و هذا يعود لسبب واضح و هو أن مقاليد الحكم كلها في يد رجل واحد و هو الملك فمثلا رغم الرخاء الشديد الذي شهدت بلاد الهند بأطرافها في عهد أكبر إلا أنها تعرضت للمجاعة القاحطه التي أودت بأرواح العديدن لأن لم يكن من بعده م يجيد أداره هذه القارة الشاسعه كما فعل هو، فالحكم الديكتاتوري و عزف الهنود بطبعهم عن الحكم خلق أزمه كبيرة .
لا يمكن الحديث عن نظم الحكم دون إدراك الغزاة فبدأ الأمر بالآريين حيث قسموا البلاد لكبر حجمها لدويلات و كان يحكمها ما يعرف بال" أجا" أي رئيس و كانت المجالس كبار أفراد العائلات . تبع ذلك ما يعرف بعصور البطولات أو عصر البطولة " حيث جاء علي البلاد الكشاتريه " و هم المقاتلون حيث أن من الخطيئة أن يموت الواحد منهم علي فراشه أو في مكان غير ساحة الحرب، في وقت الكشاتريه لم يكن للبراهمة " الكهنة " الكلمة العليا أو مكانة كبيرة، ولكن ما إن استقرت البلاد حتي أعاد البراهمة مكانتهم مرة أخرى وهذا لقيامهم بالطقوس خاصة الطقو الزراعية لتفادي الكوارث الطبيعية، حيث أصبح البراهمة هم الوسطاء بين الناس وآلهتهم، وكذلك كانت لهم المهمة الأولى في تعليم النشأ وبهذا رسخوا في عقولهم أهمية وقيمة البراهمة. استغل البراهمة هذا المكانة والأهمية في المجتمع لهذا بالغوا في أجورهم حتي أنهم في أوقات عدة رفضوا تأدية الطقوس اللازمة حتي يحصلون على أجورهم كاملة.
يأتي بعد البراهمة في الهرم الطبقي طبقة التجار " الفيزيا" قبل بوذا لم يكن لهم مكانة ويأتي بعدهم الصناع وهم في الأغلب من السكان الأصلييون وأخيرا في قاع الهرم يأتي المنبوذين " الباربا" وهم في الأغلب أسري الحرب والعبيد ومن استحق العقاب والمغضوبين عليهم.
وحينما اشتد الهنود وصار لهم ملوكهم الأقوياء وكانوا يحملون اسم "تامبل " يبعثون بالجنود لفتح مجالات للتجارة وبالفعل توسعت رقعة البلاد وبالتبعية بعثوا التجار، هؤلاء كان لهم بالغ التأثير فبعثوا لكهنتهم ليأتون واستقروا في هذه الأرض الجديدة التي تعرف اليوم بجنوب شرق آسيا " إندونيسيا، كمبوديا، ملايو وغيرها .. وبهذا استقرت دياناتهم وحياتهم بل عمل السكان الأصليون لهذا البلاد في الصناعات الهندية دون تطويريها وكذلك استحضروا جميع فنونهم وشعرهم وسبلهم في القتال. ووصل التجار للطبقات الحاكمة وتزوجوا منهم ليصنعوا في النهاية نسيجاً موحداً، على سبيل توضيح التأثير " إن اسم إندونيسيا يعني حرفيا جزر الهند ".
أتى بعد ذلك الفتح الأسلامي أو الغزو الإسلامي، رغم براعة المسلمين في إدارة البلاد وتسيرها بشكل مميز أفاد البلاد على الصعيد الاقتصادي والسياسي والجغرافي إيضا لكنه ضربهم في مقتل " في الدين والفنون " فالدين لدي الهنود أهم من أي شيء آخر فهو ما تقوم عليه الحياة والدين يترجم بالفلسفة " التعددية " وكذلك بالفنون بمختلفها، و كانت الفنون بالنسبة للمسلمين مخلة على المستوى الأخلاقي لأنها معتدة على حركة الجسد، وكذلك منافي للعقيدة لأنه طقوس لآلهه، فالهنود كانوا ينظرون للفنون أنها تعبر عن بهجة الحياة لا لشيء شهواني في ذاتها.
هذا الاختلاف خلق فجوة بين الهنود وفنونهم.
الأديان:
لا يمكن ذكر الهند دون ذكر الأديان التي تحملها هذه الأرض وفي نفوس أبنائها فالدين هو أصل كل شيء لهذا تفكروا كثيرا ليصلوا لماهية الإله وتعددت الأديان والفلسفات، قدّس الهنود كل شيء تقريبا فمن الفيدا وحياة التحرر العادية وصولا للبراهمية والتقديس والحدود وترسيخ الإله في العقول والهي الروحاني وفكرة تناسخ الأرواح وأن روح الإنسان طوافة في الملكوت لا تهدأ ولا تستكين وأن الروح تسير علي درب واحد فلو كانت طيبة تبقى طيبة في حيواتها القادمة والعكس، حتى ظهرت الجانتية وهي ديانة تنفي فكرة الإله وتدعم الماديات وترسخها هذه الديانة الهدامة ذات الأفكار الإلحادية ترى أن الكون موجود منذ الأزل ولا يجب تقديم قرابين أو ما إلى ذلك ولكنها ديانة لم يفضلها الهنود كثيرا لاهتمامهم بالروحانيات والشعور أن هناك إله ملجئ للجميع في النهاية نسير اليه، حتى البوذية لم تستمر في بقاع الهند أكثر من 100 عام وتطرقت لأنحاء شرق آسيا وهذا لأنها فلسفة أكثر منها ديانة، فبوذا يقول لا تعبدونا وإنما اعبدوا الآلهة، رغم هذا قدّس الهنود بوذا، كذلك فإن بوذا دعا للرهبنة وهذا منافي للعقيدة الهندية. لأن فكرة الوسيط هامة لديهم لأنهم يرون أن الله حمّل شخصاً بعينه رسالته ليجوب بها الأرض ويطلع الجميع عليها للهداية.
فكرة التطهير من أهم الأفكار الراسخة لدى الهنود وهناك طقوس للاتحاق بالبراهمة أو التكفير عن الذنب وهو الهيام على الوجه لمعرفة ماهية الخالق الأعظم ودورنا بالحياة وبعدها يتوجه العابد لنهر النانج المقدس ويغتسل به ويتطهر من كل خطاياه السابقة ليولد من جديد.
الإنجازات العلمية والثقافية والعمرانية
الفن والشعر والمسرح والرقص.
نشأت المسرح والرقص الهندي.
ارتبطت النشأة مثل كل شيء بالهند، ارتبطت بالعقيدة فبرهما الاله الأكبر هو أول من أخرج عملا مسرحيا ونقل خبرته كلها للحكيم "بهارتا موني" وهو مثل أرسطو باليونان، تعرف هذه الأسرار باسم "بهاراتا ناتيا ساسترا" أي قوانين بهاراتا في الرقص والدراما.
تروي إحدى الأساطير أن الإله براهما كان يشاهد عملا مسرحيا وشعر بنقصان ما فأمر الملائكة بتطوير فن الرقص ومن يومها والرقص ملاصق للدراما ولا ينفصلان حتى في اللغة السنسكراتية الخاصة بفن الدراما لا نجد في الشرح ما يفصل بينهم فالرقص جزء من الدراما والدراما جزء من الرقص.
كما ذكرنا أصله الإلهي لهذا ارتبطت كل الحركات الراقصة مستمدة من حركات الآلهة فكما يري التراث الهندي أن الرقص مثل كل الفنون له أصول إلهية أنشأه براهما ثم شارك فيه من بعده اللهه البراهمين كل بطريقته وبشخصيته ولأن الهنود مهتمون بفكرة الوسيط بين الإله والبشر فكانوا يفضلون تجسيده لهذا كان لكل إله وشخصية وصفاتها وملابسها ومكياجها وحركات المودرا الخاصة بها، فالمسرح الهندي قائم على ما يعرف باسم "فيبهاناس" وهي تعني المفاهيم المحددة والمفهومة تماما، فكل ما يقدم علس المسرح هو معروف وفهموم مسبقا ومخزن بالوعي الجمعي للهنود جميعا، فالإيماءات رغم كثرتها لكنها مفهومة المعنى ومعبرة عن الشخصية فمن شعر الرأس حتى أخمص القدم وما يحمله من دلالات ذات معاني مفهومة.
اتسم المسرح الهندي بتنظيم ملحوظ حيث يبدأ بقرع الطبول وبعدها ترفع الستار فتاتان وتكونان فائقات الجمال، ثم تبدأ الموسيقى بعد ذلك والرقص إيضا، ولا يسمح بقرع الطبول وقت الرقص ولا العكس.
الموسيقي بالنسبة للهنود هي تمرين تأملي ذهني يقوم به الجميع، فمثلا استخدام الطبول غرضه ارتضاء الآلهة، فالرقص والغناء يمثلان أقصر الطرق لإرضاء الآلهة.
اهتموا بالمعمار الهندسي وكان له تأثير بالغ على المسرح فبراهما خالق المسرح ويعرف أيضا أنه المهندس الأعظم لهذا نجد المسرح لديهم، مكان له قداسة، حيث غير مسموح لأي شخص أن يأسس وينشأ مسرحا، لا بد أن يحمل صفات بعينها لأن أي خطأ ولو صغير في حسابات هيكلة هذا المكان الجليل يمكن أن تؤدي لغضب الآلهة، كذلك لا يحتمل نفقته إلا الملوك والشخصيات من الطبقة العليا.
المكان المسرحي هام وكذلك مساحته مدروسة فالمسرح قائم على الاستماع للممثلين والأداء وأصواتهم، لهذا لم يكن المسرح ذو مساحات كبيرة، تنقسم الأماكن به ما بين مكان الجمهور وساحة التمثيل المنقسمة لطبقات للجوقة والأداء الراقص والرواي، الذي كان له دور هام ومعبر عن الدين فهناك دائما عليم بالأمور وهو الرواي ولا يمثل جزء من الحقيقة المقدمة.
هناك أيضا جانب هام لابد للهنود أن يراعوه وهو أن كل شخص مخول بوظيفة معينة لابد أن يحمل صفات الشخص، فمثلا المؤلف لابد أن يحمل من صفات براهما خالق الكون لأنه يخلق شخصيات جديدة، كذلك الفتيات الراقصات لابد أن يحملنا صفات "سفاتي" إله الرقص وكذلك أن يتقن التعامل مع الالات ويتقن الغناء مثلها.
هذا بالنسبة للشكل المسرحي أما عن المضمون والناحية الأدبية، اهتم الهنود بالشعر والصور البلاغية بشكل كبير حيث أن الشعر هو لغة الآلهة و ابد أن يكون في أبهى الصور، لهذا أغفلوا الاهتمام بوحدة الزمان والمكان وحتى الحدث وأولي الأهتمام للصور البلاغية والتكوينات اللغوية للشعر لهذا صعب ترجمة هذه الأشعار، كما حدث مع المخطوطات القديمة التي ترجمت للإنجليزية مما أفقدها جمالها.
تعد المهاباهاراتا والرامايانا هم أصل الأدب السنسكريتي الهندي وكما ذكر العديد من المؤرخين أنها أول وأكبر عمل أدبي عالم وكذلك تفوق في عدد أبياتها وصورها الشعرية الملحمتان الشهيرتان "الألياذة والأوديسة" الخاصة بالإغريق.
وكانت هاتان الملحمتان داعما اساسيا للمجتمع الهندي فلم يقتصر الأمر على التسلية فحسب وإنما كانت تمثل مثال لتعلم الفضيلة والأخلاق والإخلاص للزوجة كما فعلت الاله شيفا، كذلك تعد مرجع للاسم فتيمنا بالالهه يتم تسمية الأبناء على أسمائهم، وفي اعتقادهم هذا يجعل الصبي أو الفتاة يحملن الصفات والأخلاق الحميدة التي تحملها الالهه وكذلك تضمن له الحماية والرعاية والطمأنينة أكثر من غيره.
إلى جانب هذا، تعد الملحمتين مرجعا تاريخيا حيث أن الرمايانا تعد تاريخ لسيادة الجنس الأري على الأراضي الهندية، والقردة تمثل غزو القوقازين القادمين من شمال بلاد الهند.
والمهاباهراتا تعد تجسيد للأحداث والمؤامرات التي جرت في أقدم الاسر الحاكمة والتي كانت تعبد الكواكب.
حتى اليوم يمارس الجنوب فن الكاثاكالي مستخدما هذه الملحمتان كمرجع له، وكذلك في الشمال يقدم "رام ليلا" وهي احتفالات سنوية تقدم تعتمد في موضوعاتها على الرامايانا.
الحضارة الهندية كانت حضارة منتجة، كالبوتقة في ذاتها، استثمرت ما لديها ولازالت متأثرة به حتى اليوم.
المصادر
- قصة الحضارة " الهند و جيرانها " ، وول وايرل ديورانت ، الجزء الثالث من المجلد الأول ، ترجمة : د/ زكي نجيب محمود ، تونس ، بيرت .
- المسرح في الشرق ، دراسة في الرقص و المسرح في آسيا ، تأليف : فوبيون باورز ، ترجمة : أحمد رضا محمد رضا ، مراجعة : محمود خليل النحاس ، دار الكاتب العربي للطباعة و النسر ، القاهرة ،
- الفلسفة في الهند ، مع مقدمات عن الفلسفة الشرقية و الفلسفة بالصين ، الدكتور : علي زيعور ، مؤسسة عز الدين للطباعة و النشر ، ط 1 ، بيروت ، 1993 .
- الرامايانا " ملحمة الإله راما " ، ترجمة : دار المعارف الهندية ، مراجعة و تقديم : محمد سعيد الطريحي ، دار نينوي للطباعة و النشر ، دمشق ، سوريا ، 2007 .