سباق الفضاء: هو سباق بدأ أساسًا بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية كجزء من الحرب الباردة، محوره التسابق على أخذ أكبر مساحة من الفضاء عن طريق الأقمار الصناعية ومركبات الفضاء المأهولة وغير المأهولة، كان الأمر إظهارا للقدرة والتقنية لكلتا الدولتين في مجال غزو الفضاء.
بدأ هذا السباق عندما أطلق الاتحاد السوفييتي أول قمر اصطناعي في العالم وهو سبوتنك-1 في 4 أكتوبر 1957م، ثم أكد الاتحاد السوفييتي سبقه عندما أطلق قمره الاصطناعي الثاني سبوتنك-2 في 3 نوفمبر 1957م.
سباق غزو الفضاء كانت منافسة لاستكشاف الفضاء بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي الذي دام تقريباً من عام 1957 إلى 1975. تضمنت جهود استكشاف الفضاء الخارجي بإطلاق الأقمار الصناعية، إرسال البشر إلى الفضاء، وهبوط الإنسان على سطح القمر.
أساس بداية سباق غزو الفضاء كان في التقنية المبكرة للصواريخ والتوترات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية. بدأَ السباق فعلياً بعد إطلاق أول قمر صناعي من قبل الاتحاد السوفيتي في عام 1957 الذي أدى إلى نشأة سباق التسلح العسكري بين الدولتين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة. أصبح غزو الفضاء جزءا هاماً من التنافس الأيديولوجي والتقني والثقافي أثناء الحرب الباردة. لذا أصبحت تكنولوجيا الفضاء مهمة جداً في هذا النزاع بسبب تطبيقاتها العسكرية المحتملة.
بداية التأثيرات العسكرية
أثارت الصواريخ اهتمام العلماء والهواة لقرون عديدة حيث استعملها الصينيون كأسلحة في القرن الحادي عشر لكنها كانت صواريخ بسيطة غير دقيقة في التوجيه، واستخدمت على متن السفن وقواعد أرضية حتى القرن التاسع عشر، في عام 1880م وضع العالم الروسي قسطنطين تسيولكوفسكي (1857-1935) نظرياته حول الصواريخ التي قد تصل إلى الفضاء من حيث المراحل التعددية للصاروخ واستخدام الوقود السائل. قام تسيولكوفسكي بتأَسيس أساسيات علم الصواريخ منها ' معادلة الصاروخ ' التي تقرر سرعة الصاروخ (ما زالت هذه المعادلة تستخدم حتى يومنا هذا في تصميم الصواريخ الحديثة). وكتب تسيولكوفسكي الوصف النظري الأول عن الأقمار الصناعية، على أية حال، ليس حتى في عام 1926 عمل الأمريكي روبرت غودارد على تصميم أول صاروخ يستعمل الوقود السائل.
المساهمات الألمانية
في منتصف العشرينات بدأ علماء ألمان بتجريب صواريخ بالوقود السائل التي كانت قادرة على وصول إلى ارتفاعات ومسافات عالية نسبياً، كان ويرنر فون براون عالم صواريخ ألماني طموح انضم إلى جهود تطوير صواريخ لألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية، استعار فون براون الكثير من بحث روبرت غودارد الأصلي وقام بالدراسة والعمل على تطوير صواريخ غودارد.
في عام 1942م أطلق الألمان صاروخ A-4 حيث اعتبر هذا الصاروخ أول جسم يصل إلى الفضاء، في عام 1943 بدأت ألمانيا بإنتاج صواريخ V-2 بعيدة المدى (300 كيلومتر) وتحمل رأس حربي وزنه 1000 كيلوغرام. سببت هذه الصواريخ أضراراً وخسائر هائلة في الأرواح خلال حرب العالمية الثانية. في معسكرات الاعتقال مات الكثير من عمال المعتقلين الذين عملوا على صناعة هذه الصواريخ، وكان عدد الموتى من العمال أكثر من عدد الضحايا الذين ماتوا نتيجة القصف التي سببتها هذه الصواريخ.
عندما اقتربت الحرب العالمية الثانية من الانتهاء، تسابق الجيش الأمريكي والسوفيتي على أسر علماء ومهندسين التقنيين في برنامج الصواريخ الألمانية. أخذت الولايات المتحدة عددا كبيرا من علماء الصواريخ الألمان - العديد منهم كان من أعضاء في الحزب النازي من ضمنهم فون براون - من ألمانيا إلى الولايات المتحدة. تبنى علماء الأمريكان الصواريخ الألمانية لاستعمالها ضد دول العدو واستعمالات أخرى. بعد انتهاء الحرب قام العلماء من ضمنهم فون براون بتحويل استخدام عسكري لهذه الصواريخ إلى استخدام سلمي مثل دراسة طبقات العليا من الغلاف الجوي من درجة الحرارة والضغط الجوي والأشعة الكونية وغيرها من المواضيع.
جذور الحرب الباردة
بعد الحرب العالمية الثانية بدأت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي من التجسس والدعاية. تكنولوجيا الفضاء والأقمار الصناعية كانت مهمة جداً خلال الحرب الباردة حيث أن الأقمار الصناعية كانت تستخدم لتجسس على الدول الأخرى، بينما الإنجازات الفضائية تعمل كترويج لمهارة الدولة في الإمكانيات العلمية والعسكرية. الصاروخ الذي يرسل إنسان إلى الفضاء والهبوط على سطح القمر بإمكانه أَن يرسل قنبلة ذرية إلى دول العدو. معظم التطور التكنولوجي الفضائي طبق على حد سواء على الصواريخ العابرة للقارات التي قد تحمل قنبلة ذرية (ICBMs). أدى سباق التسلح العسكري إلى تقدم كبير في تكنولوجيا الفضاء الذي يعرض مهارة في التقنية العالية وتفوق اقتصاد الدولة. البحث في مجال الفضاء لديه غرضان: استخدام سلمي أم استخدام عسكري للتكنولوجيا.
الأقمار الصناعية
في تاريخ 4 من أكتوبر/ تشرين الأول 1957 أطلق الاتحاد السوفيتي أول قمر صناعي وهو "سبوتنك-1" في مدار حول الأرض، منذ ذلك اليوم بدأ فعلياً سباق غزو الفضاء، سبب ذلك القمر الصناعي ذعراً كبيراً في الولايات المتحدة وحرك نقاشاً سياسياً مما دفعها لتشريع مبادرات عديدة وتشكيل وكالة الفضاء ناسا.
كان نظير فون براون في الاتحاد السوفيتي هو سيرجي كوروليف، المهندس الرئيسي الذي صمم صاروخ R-7 الذي أطلق أول قمر صناعي إلى الفضاء، لاحقاً صمم كوروليف صاروخا آخر ليرسل رواد الفضاء السوفييت إلى القمر، بعد الإنجازات السوفيتية من إطلاق قمر صناعي للاتصالات وإطلاق كلب حي في الفضاء جعل الولايات المتحدة تنفق أكثر من مليار دولار أمريكي للعمل على تشكيل واسع من الإصلاحات مثل بناء مدرسة جديدة وتوفير قروض لتشجيع الطلاب على إكمال تعليمهم العالي، وجهود جديدة في التعليم المهني لمقابلة نقص القوة البشرية في مجال الدفاع، وغيرها من البرامج الأخرى، تسمى ردة الفعل هذه في وقتنا الحالي "بأزمة سبوتنك".
بعد أربعة شهور تقريباً من إطلاق أول قمر صناعي "سبوتنك-1"، أطلقت الولايات المتحدة قمرها الصناعي الأول "المستكشف-1" لكن بعد الكثير من حالات فشل الإطلاق المحرجة.
استخدمت الأقمار الصناعية الأولى للأغراض العلمية كجزء من اشتراك كلا من الدولتين في السنة الجيوفيزيائية العالمية، قام القمر الصناعي السوفيتي "سبوتنك 1" بعمل تقرير عن كثافة الأيونات في طبقة الأيونوسفير من الغلاف الجوي، والقمر الصناعي الأمريكي "المستكشف 1" قام بتسجيل البيانات التي أدت إلى اكتشاف حزامي إشعاع فان آلن.
الكائنات الحية في الفضاء
حيوانات في الفضاءِ: ذباب الفاكهة كان من أول الكائنات الحية التي صعدت إلى الفضاء التي أطلقتها الولايات المتحدة بواسطة الصاروخ الألماني V-2 في 19 يوليو 1946 [1] ، كانت الكلبة لايكا أول حيوان أطلق إلى الفضاء من قبل الاتحاد السوفيتي في عام 1957 لكن الكلبة ماتت من الإجهاد وزيادة تسخين بعد وصولها إلى الفضاء بفترة وجيزة. أرسل السوفييت المزيد من الكلاب إلى الفضاء وعادت بسلام إلى الأرض. قام برنامج الفضاء الأمريكي بجلب شمبانزي من أفريقيا، وأرسل على الأقل ثلاثة إلى الفضاء قبل إطلاق أول رائد فضاء أمريكي. السلاحف السوفيتية التي أطلقت في عام 1968 تعتبر أول حيوانات تطير حول القمر.
الإنسان في الفضاء
في تاريخ 12 من أبريل/نيسان 1961 أصبح رائد الفضاء السوفيتي يوري جاجارين أول إنسان في الفضاء الذي أطلق في المركبة الفضائية "فوستيك 1". تحتفل روسيا والعديد من الدول الأخرى بهذا اليوم التاريخي. بعد 23 يوماً من إطلاق أول إنسان في الفضاء، قام رائد الفضاء الأمريكي آلن شيبارد بدوران فرعي لمدة 15 دقيقة في الفضاء.أصبح جون جلين أول أمريكي يدور حول الأرض في عام 1962.بعد ذلك أطلق الاتحاد السوفيتي أول امرأة في الفضاء وهي فالينتينا تيريشكوفا في عام 1963. أجرى رائد الفضاء السوفيتي ألكسي ليونوف أول عملية مشي في الفضاء في عام 1965 التي كادت أن تنتهي الرحلة بكارثة حين أخفق ليونوف العودة تقريباً إلى الكبسولة.
المهمات القمرية
مع تلك الإنجازات المتتالية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي حيث جلب الفخر الكبير إلى دولهم، ضمن المناخ الأيديولوجي بأن السباق سيتمر على الأقل حتى مشى أول إنسان على القمر. قبل هذا الإنجاز لابد من استكشاف القمر أولاً بالتصوير الفوتوغرافي ومعرفة كيفية الهبوط بسلام على سطحه.
مسابير فضائية
بعد النجاح السوفيتي في وضع أول قمر صناعي في المدار، ركز الأمريكان جهودهم على إرسال مسبار فضائي إلى القمر. أرسل السوفييت أول مسبار يصل إلى الوجه الآخر من القمر وأول مسبار يهبط على سطح القمر في عام 1959. كانت البرامج الأمريكية ناجحة لإرسال المسابير وتحديد مواقع مناسبة لهبوط مركبات أبولو القمرية.
الهبوط على سطح القمر
اقترح الرئيس الأمريكي جون كندي برامج مشتركة مع السوفييت مثل تطوير الأقمار الصناعية لمراقبة الطقس ولإنزال رواد الفضاء السوفييت والأمريكان على سطح القمر معاً. لكن رئيس الوزراء السوفيتي رفض هذه الأفكار خوفاً من محاولة الأمريكان لسرقة تكنولوجية الفضاء الروسية المتفوقة. كوروليف المصمم الرئيسي لوكالة الفضاء السوفيتية بدأ بتطوير تقنية مركبات فوستيك وبدأ فريق ثاني ببناء صواريخ جديدة. بعد تشكيل القيادة السوفيتية الجديدة أعطت كوروليف كل التأييد للوصول إلى القمر والهبوط فكانت كل المشاريع تحت إشرافه. لكن بعد موت كوروليف وفشل رحلة سيوز الأولى في عام 1967، لم يعد بإمكان السوفيت الهبوط على القمر في وقت وجيز وعانى برنامج الفضاء السوفيتي الكثير من التأخيرات وبعد ذلك الإلغاء التام لبرنامج الهبوط على القمر.
في 21 من يوليو/تموز 1969 أصبح الأمريكي نيل آرمسترونغ أول إنسان يضع قدمه على سطح القمر في حدث راقبه أكثر من 500 مليون شخص حول العالم. يعتبر الهبوط القمري كأحد اللحظات الحاسمة في القرن العشرين.
نهاية سباق غزو الفضاء
بداية سباق غزو الفضاء كانت واضحة جداً حيث بدأت بإطلاق أول قمر صناعي إلى الفضاء لكن نهايته كانت غير محددة. حقبة الستينات كانت حادة جداً واستمر السباق حتى هبوط أول إنسان على سطح القمر بواسطة أبولو 11 في عام 1969. تم إرسال خمس رحلات أخرى تحمل رواد فضاء لتهبط على سطح القمر. بعد ذلك اتجه علماء الفضاء الأمريكان إلى مجالات جديدة حيث تم بناء محطة فضائية "Sky Lab" لجمع بيانات، وبرنامج المكوك الفضائي. يدعي الروس أنهم هم من ربح السباق عند إرسالهم أول إنسان إلى الفضاء لكن من جانب آخر يدعي الأمريكان بأن هبوط أول إنسان على سطح القمر هو نجاحهم في السباق.
بدأت تقل المنافسة على غزو الفضاء بعد هبوط الأمريكان على سطح القمر وجاءت نهايته بشكل واضح جداً بالمهمة المشتركة بين الدولتين التي تسمى " أبولو-سيوز" في عام 1975. حيث مركبة الفضاء السوفيتية "سيوز 19" تلتحم مع مركبة الفضاء الأمريكية "أبولو"، ويقوم رواد الفضاء من كلا الدولتين بالعبور إلى مركبات بعضهم البعض وإجراء التجارب المشتركة. استمرت مساعي الدولتين في الفضاء في اتجاهات مختلفة وانتهت المنافسة في السباق بعدها.
راجع أيضا
- سياحة الفضاء
- العلوم والتقنية في الولايات المتحدة
- العلوم والتقنية في أوروبا
- العلوم والتقنية في روسيا
- وسط بين كوكبي
مراجع
- ( كتاب إلكتروني PDF ) https://web.archive.org/web/20190830210803/https://www.nasa.gov/pdf/449089main_White_Sands_Missile_Range_Fact_Sheet.pdf. مؤرشف من الأصل ( كتاب إلكتروني PDF ) في 30 أغسطس 2019.