الرئيسيةعريقبحث

أحمد بن ماجد

ملاح ومطور البوصلة

☰ جدول المحتويات


أحمدُ بنِ ماجدٍ بنِ محمدٍ (821هـ-906هـ/1418-1501م) «السيباوي» [2][3]. ملاح وجغرافي عربي من جلفار (رأس الخيمة)، برع في الفلك والملاحة والجغرافيا، واشتهر في القرن العشرين خطاً بأنه من قاد ڤاسكو دا ڠاما إلى الهند. أطلق عليه البرتغاليون (بالبرتغالية: almirante‏) ومعناها أمير البحر (الأميرال)[4]، ويلقب بـ«معلم بحر الهند» [5]. ينتسب إلى عائلةٍ من الملاحين. كتب العديد من المراجع الملاحية، وكان خبيراً ملاحياً في البحر الأحمر وخليج بربرا (خليج عدن) والمحيط الهندي (بحر الهند) ومضيق ملقا وصولاً إلى بحر الصين الجنوبي.

أحمد بن ماجد
Négociant musulman de Mascate.jpg
رسم تخيلي للعالم المسلم شهاب الدين أحمد بن ماجد[1]

معلومات شخصية
الميلاد 821هـ/1418م.
جلفار (رأس الخيمة حالياً) على الخليج العربي في شبه الجزيرة العربية.
تاريخ الوفاة 906هـ/1501م.
الإقامة جلفار (رأس الخيمة حالياً) على الخليج العربي في شبه الجزيرة العربية.
أسماء أخرى «الشهاب»، «شهاب الحق»، «شهاب الدين»، «معلم بحر الهند».
اللقب أسد البحر.
العرق عربي
الديانة الإسلام.
الأب ماجد بن محمد.
الحياة العملية
العصر نهاية العصر الوسيط ومطلع العصر الحديث.
المنطقة جلفار (رأس الخيمة حالياً) على الخليج العربي في شبه الجزيرة العربية.
تعلم لدى جده «محمد بن عمر»، وأبيه «ماجد بن محمد».
المهنة عالم مسلم، قبطان، نوخذة، ملاح.
مجال العمل علم الفلك والملاحة والجغرافيا.
سبب الشهرة الرحلة الشهيرة التي قامت بها حملة ڤاسكو دي ڠاما للوصول إلى الهند، وأعماله وإنجازاته في مجال الملاحة وعلم البحار.
أعمال بارزة تطوير البوصلة، تطوير دائرة الرياح، وضع مرشدات بحرية مميزة.
تأثر بـ عبدالرحمن الميمني.
أثر في سليمان المهري، ڤاسكو دو ڠاما.

يتمتع ابنُ ماجدٍ بأشهرِ اسمٍ في تاريخ الملاحة البحرية في الحضارة الإسلامية وعلم الملاحة العربي، وقد ارتبط اسمه بالرحلة الشهيرة لحملة ڤاسكو دي ڠاما البرتغالية من البرتغال إلى الهند حيث شاع عنه مساعدته له كأميرٍ للدفّةِ في قطع المرحلة الأخيرة ما بين مالندي (في كينيا حالياً) إلى قليقوت (كوزيكود جنوبيَّ الساحلِ الهنديِّ الغربي) لأول مرةٍ في تاريخ الأورپيين.[6] لكنّ ذلك لم يك سوى خطأٍ من الرواة إذ إنّ ابنَ ماجدٍ لم يأتِ على ذكر هذه الواقعة فيما كتب بعد رحلة دي ڠاما الاستكشافية سنة 1498م، ولم يذكرْها من المؤرخين المسلمين سوى النُّهْرُوالي، في حين لم يأتِ على ذكرِها المؤرخون البرتغاليون، كما حقق سلطان بن محمد القاسمي في الواقعة وأثبت خطأها.

ولابنِ ماجدٍ الفضلُ في إرساء قواعد الملاحة فيما وراء البحار في بحر الهند، وقد بقيت مؤلفاته وتطويراته للأدوات الملاحية كالبوصلةِ ووردة الرياح في مجال الملاحة سائدةً في كلٍّ من البحر الأحمر (بحر القلزم) والخليج العربي وبحر الهند وربما أيضاً في بحر الصين الجنوبي لزمنٍ طويل[6] وهو أشهر من كتب في موضوع المرشدات البحرية الحديثة[7].

اسمه

شهاب الدين أحمد بن ماجد بن محمد بن عمر بن فضل بن دويك بن يوسف بن حسن بن حسين بن أبي معلق بن أبي الركايب[8]. وكني بـ «ابن ماجد» و«ابن أبي الركائب». ولقب بـ«الشهاب»، و«شهاب الحق» و«شهاب الدين» دلالة على تدينه[9]. كما لقب بـ «رابع الثلاثة» و«المعلم أسد البحار» و«ربان الجهازين» و«معلم بحر الهند» دلالةً على علمه[9]. ولد أحمد بن ماجد في جلفار عام 821هـ/1418م وتوفي عام 906هـ/1501م.

نسبه

تحدث ابنُ ماجدٍ عن أنه ينتسب إلى القبائل العدنانية من تهامة ونجد والحجاز[10].

واختلف المؤرخون في موطنه أو مدينته إذ نُسب إلى مدينة جلفارالتابعة لمملكة هرمز وقتئذٍ ومن ضمنها محافظة مسندم في عُمان الحالية[5][11]. كما أرجع بعضهم أنه تميمي من ثادق في نجد [12] مع أنّ ابنَ ماجدٍ نفسَه لم يقل بذلك. كما قيل إنه ظفاري من إقليم ظفار في عُمان[13] أو إنه نجدي من اليمن.[9].

وذكر ابنُ ماجدٍ في قصيدةٍ له اسمها "عدة الأشهر الرومانية" انتسابه إلى بني سعد بن قيس عيلان، يقول:[14]

فخذ حكما من ماجد بن ماجديؤول إلى سعد بن قيس بن عيلان


وكان أبوه وجده ملاحَيْن مشهورَيْن، يقول عن جده: «عليه الرحمة كان نادرة في ذلك البـحر (بحر الهند أو المحيط الهندي)، واستفاد منه والدي، وأسهما في معرفة القياسات، وأسماء الأماكن، وصفات البحر والبحار».[15]

موقع إمارة رأس الخيمة على الخليج العربي (دولة الإمارات العربية حالياً) وإلى الشمال الشرقي منها محافظة مسندم (عمان حالياً).

ثقافته

عرف ابنُ ماجدٍ الكتابة والقراءة رغم أن ملاحي بحر الهند في ذلك الزمن كانوا أميين، كما أن كتاباته تدل على علم باللغة العربية وتفاصيلها. وكان ضليعاً بعلم الفلك وتطبيقاته في علم الملاحة. وهو يعرف أسماء الكواكب العربية واليونانية. ويستخدم الاسطرلاب بمهارة. وتحدث في كتاباته عن أمور عديدة مثل الدين والجغرافيا والتاريخ والأدب والأنساب. وتدل آثاره أنه تكلم اللغة التاميلية، وعرف السواحيلية السائدة على سواحل شرقي إفريقيا على المحيط الهندي وألمّ بالفارسية لماماً بالإضافة لإتقانه اللغة العربية.[9]

حياته

بدأ «أحمد» في سن العاشرة مصاحبة والده في رحلاته البحرية وقاد تحت إشرافه أول رحلةٍ وهو في سن السابعة عشرة، وتعلم البحار الصغير الفلك والرياضيات والجغرافيا جنباً إلى جنب مع التاريخ والأدب، وألف أكثر من ثلاثين كتاباً ورسالةً وأرجوزةً أرسى فيها وأسسّ قواعدَ علمٍ جديدٍ هو «علم البحار» لم يك معروفاً من قبل كما استحدث أدواتٍ ملاحيةً جديدةً أهمها تصميمه «البوصلة البحرية» المقسمة إلى 22 درجة والتي ماتزال مستعملةً حتى الآن.

طريق الحرير من الصين بـالأحمر، وطريق التوابل من الهند وجزر الهند الشرقية (جنوب شرق آسيا) البحري -ومن ضمنه طريق البخور واللبان ما بين ظِفار (عُمان) ومصر- بـالأزرق، وهما الطريقان الأعرق في التجارة الدولية لأكثرَ من ثلاثة آلاف عامٍ حتى عصر ابن ماجد.

وكان العرب عرفوا آلاتٍ ملاحيةً وفلكيةً لتحديد خطوط العرض معتمدين في ذلك على معرفتهم الدقيقة بمواقع النجوم وكان من هذه الآلات «الكمال» و«البليستي» و«اللوح»، والأخيرة والتي أذهلت «ڤاسكو دو ڠاما» حين رآها «وردة الرياح» وهي آلة من الخشب تقسم عليها دائرة الأفق إلى الجهات الأربع الأصلية أي أربعة أرباعٍ وهذه تقسم إلى أثمانٍ وبدورها تقسم هذه إلى ستة عشر قسماً فإلى ستٍّ وثلاثين (أي يقسم ما بين كلِّ جهتين إلى أقسامٍ صغيرة)، وتستخدم لمعرفة اتجاه الرياح بدقةٍ ومن أين تهب.

أعماله

كتاباته

نظم «ابنُ ماجدٍ» الشعر في الملاحة سواءً لأغراضٍ علميةٍ تعليميةٍ (حيث يسهل حفظ الأرجوزة واستذكارها عند الحاجة) أو لرواية الأخبار، كما كتب نثراً. فوصل عدد أراجيزه وقصائده المكتشفة إلى أربعةٍ وثلاثينَ قصيدةٍ يصل عديد أبياتها إلى ثلاثةٍ وستمئةٍ وأربعةِ آلافِ (4603) بيتٍ. وتدل الأبحاث على ثماني عشرة قصيدةً ماتزال مفقودة. وله أعمال نثرية معروفة اليوم أهمها: «مختصر كتاب الفوائد في أصول علم البحر والقواعد» (يعتقد ألفه عام 1489م) وكتاب «الفصول» وكتاب «الملل». أما نثره المفقود فأهمها كتابين: «مطول كتاب الفوائد في أصول علم البحر والقواعد» (يعتقد ألفه عام 1475) الذي اختصره فيما بعد في الكتاب الأول المذكور آنفاً، وكتاب «شرح الذهبية» و«حاوية الاختصار في أصول علم البحار»، وتُرْجم له بعض الكتب مثل «المحيط» إلى التركية العثمانية ومنها نقل إلى اللغات الأوروبية، لكن الصحيحَ أن «المحيطَ» من تأليف سيدي علي رئيس لكنه احتوى مطولاتٍ من آثاره وآثار سليمان المهري تلميذِ ابنِ ماجدٍ المتأثر به.

ومن محفوظات معهد الدراسات الشرقية بلينينغراد مخطوطةٌ عربيةٌ شعريةٌ كتبها ابنُ ماجدٍ في ثلاثةِ فصولٍ وصف فيها طرق الملاحة المختلفة عبر البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي (أو بحر الهند كما دعاه العرب والفرس) نهاية القرن الخامس عشر الميلادي وبداية القرن السادس عشر.[16]

وتبلغ آثارُ ابنِ ماجدٍ أكثرَ من أربعين عملاً مكتوباً[17] نذكر منها:

  • الفوائد في أصول علم البحر والقواعد، وهو أهم كتبه.
  • رسالة قلادة الشموس وأستخراج قواعد الأسوس، وربما تنسب إلى سليمان المهري.
  • كتاب تحفة الفحول في تمهيد الأصول.
  • العمدة المهدية في ضبط العلوم البحرية.
  • المنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر.
  • القصيدة الهمزية.
  • الأرجوزة السبعية.[18]
  • كتاب الفصول.
  • كتاب الملل.
  • شرح الذهبية.
  • حاوية الاختصار في أصول علم البحار.

الملاحة البحرية وعلم الملاحة العربي

الخريطة السياسية الحالية لبحر العرب والجزء الشمالي الغربي من المحيط الهندي (بحر الهند).

يعد كتاب «الفوائد في أصول علم البحر والقواعد» أهم ما يذكر في الملاحة البحرية وعلم الملاحة العربي وارتباطه بعلم البحار ففيه يوضح ابنُ ماجدٍ تاريخ علم البحر والملاحة البحرية حتى القرن الخامس عشر الميلادي، والكتاب يلقي الضوء على مدى تأثر البرتغاليين فيما بعد بعلوم المسلمين، وبتقاليد الملاحة البحرية بشكلٍ عامٍّ وفي بحر الهند بشكلٍ خاصٍّ، ويتحدث الكتاب عن العلوم والثقافات التي يجب أن يلمَّ بها ربان السفينة فيقول إن لركوب البحر واجباتٍ كثيرةً أهمها معرفة المنازل والمسافات والقياس والإشارات. كما رسمَ ابنُ ماجدٍ الكثير من الخرائط البحرية وقام برحلاتٍ عديدةٍ إلى شرق إفريقيا والهند وجنوب شرق آسيا وربما وصل إلى الصين.

القياس بالأصابع

أوجد ابنُ ماجدٍ صلةًً بين تقسيمِ دائرةِ الأفقِ إلى اثنينِ وثلاثينَ جزءاً تماثلُ أخنانَ البوصلة وبين استخدام قبضة اليد والذراع مبسوطةً في اتجاه البصر أمام الراصد. فقبضة اليد من الخنصر إلى الإبهام والذراع ممدودة إلى الأمام تمثل 1/32 جزءاً من محيطِ دائرةٍ مركزها نقطةُ اتّصالِ الذراعِ بالكتفِ، فلو استقبلنا الشمالَ لأمكنَ باستخدامِ قبضةِ اليدِ فقطْ التعرفُ على أيِّ اتجاهٍ آخرَ على دائرةِ الأفق. وفي ذلك يقول ابن ماجدَ في كتابه الفوائد في وصف طريقةٍ لتحديد القبلة:

" ...و كذلك دورة السماء 32 جزءا ً، يقصد دائرة الأفق، وكل جزء قبضة من الخنصر إلى الإبهام وأنت مستقبلها مادّا ً بها ذراعك. فحط بيت الإبرة أمامك وصل على أي خن جاء في النظم على أي بلد أنت بها واقبض ببعض الأدلة المشار إليها عند عدم وجود الحقة، اي البوصلة،...و لما كانت المسافة بين الخنصر والإبهام، واليد مقبوضة، تساوي نحو سبعة أصابع فإن تقسيم دائرة الأفق يصبح 334 إصبعا ً وهو الأساس الذي بني عليه تقسيم "الحقة" العربية "

.[19]

البوصلة

مدينة مالندي القديمة وتبدو مئذنة المسجد الجامع القديم

وابنُ ماجدٍ مطوّرُ البوصلةِ التي يسميها «الحُقّة» إذ يذكر في كتابه «الفوائد»: «..ومن اختراعنا في علم البحر تركيب مغناطيسٍ على الحقّة بنفسه، ولنا فيه حكمةٌ كبيرةٌ لم تودعْ في كتاب».[19] ذلك أن البوصلةَ التي عرفها العرب من الصين كانت بدائيةً لاتعدو وضع قضيبٍ مغناطيسي على عودَيْ خشبٍ خفيفيْن ووضعهما على وعاءٍ فيه ماءٌ فيطفوان وهما يحملان القضيب، ويتحرك العودان الحاملان على الماء بحسب اتجاه القضيب المغناطيسي مؤشراً باتجاه شمال-جنوب.

وجاءَ تطويرُ ابنِ ماجدٍ ليجعلَ القضيب المغناطيسي مثبتاً من منتصفه على محورٍ عموديٍّ منصوبٍ على قاعدةٍ رُسِمتْ عليها الاتجاهات، هذا التثبيت للقضيب المغناطيسي -بحيث يكون حر الحركة بالدوران أفقياً حول المحور العمودي- يؤهله للدوران أفقياً بحريةٍ ليشير نحو الشمال المغناطيسي. ثم إنه وضع المجموعة كلها في وعاءٍ زجاجي يحفظها ويسهل استخدامها ويجعلها قابلةً للحمل والنقل، والغالب أنه أول من سمّاها الحُّقّة (وهي لفظةٌ عربيةٌ تعني إناءً صغيراً يشبه الحنجور إلا أنه أقل عمقاً).

هل قاد ابنُ ماجدٍ البرتغاليين إلى الهند حقاً؟ وهل له من فضلٍ على ڤاسكو دي غاما؟

الطريق الذي سلكه ڤاسكو دو ڠاما في رحلته الأولى (1497-1499).

في آخر أرجوزةٍ لابن ماجدٍ وهي الأرجوزة السِفالية (نسبةً إلى سِفالة (Sofala)‏ ميناءٌ مندثرٌ حالياً يقع شمالي موزمبيق) -وربما كانت أثرَهُ الوحيدَ بعد ظهور البرتغاليين في بحر الهند كتبها سنة 906هـ/1501م قبل وفاته بقليلٍ- ذكر فيها البرتغاليين وأخبارهم وسماهم الإفرنج -على عادة المسلمين في تسمية الأوروپيين إذ ذاك- وأورد نزولهم مدغشقر وجزر القُمْر، بل وذكر مجيئهم ثانيةً للهند (رحلة پيدرو ألفارس كابرال (1467-1520م) أواخر سنة 1500م) بعد رحلة ڤاسكو دي ڠاما الاستكشافية، ومع ذلك لم يذكرْ شيئاً عن مرافقته لتلك الرحلة الأولى، كما لم يأتِ أحدٌ من المؤرخين من بعد ابنِ ماجدٍ على ذكر عمله كأميرٍ للدفّة لـ«ڤاسكو دي ڠاما» (1469-1524م) (بالبرتغالية: Vasco da Gama‏) في رحلته الأولى من مالندي (باللغة السواحلية: Malindi) (ميناء في كينيا حالياً يبعد حوالي 120 كم شمال شرقي مومباسا) إلى ميناءِ قليقوت (جنوب غربي الهند، وتذكر أيضاً قاليقوط أو كوزيكود حالياً) سنة 1498م، والوحيد الذي ذكر ذلك كان «قطب الدين النهروالي»[20] المتوفى سنة 990هـ/1583م في كتابه «البرق اليماني في الفتح العثماني» في النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلادي، ثم نقل ذلك عنه المستشرق الفرنسي «ڠابرييل فِرّان»[21] سنة 1922 استناداً إلى مخطوطةٍ للكتاب تعود للعام 1577م معتبراً إيّاه الأحرى بلقب مكتشف طريق الهند، ومن حينها شاع بأنّ ابنَ ماجدٍ أرشد البرتغاليين إلى الهند، مع أن مؤرخين أخر اعترضوا على الفكرة من أصلها[22] لسببين أولاهُما أخطاء «فِرّان» بترجمة النُّهْرُوالي،[9] وثانيهما عدم ذكر ابن ماجدٍ في الأدبيات التأريخية البرتغالية. شاع هذا الخطأ حتى حَمَل بعض المؤرخين العرب على ابن ماجدٍ لمسؤوليته عن مساعدة البرتغاليين الذين قضوا على الملاحة العربية في بحر الهند.[23][24] لكنّ القضيةَ أيسرُ من ذا بكثير، فإن يك الذي قام بها ابنُ ماجدٍ أو غيرَ ابنِ ماجدٍ، عربياً أو غيرَ عربي، مسلماً أو مسيحياً أو هندوسياً، فهو إنما أرشد سفينتين تجاريتين تطلبان العون، ولايمكنُ أن يُتوَقّعَ من مَخْبَرِهِما ما جرى فيما بعدُ من فظائعَ نتيجةَ وحشيةِ البرتغاليين التي مارسوها في بحر الهند، والأمر ذاته بالنسبة لحاكم مالندي الذي أرسل لهم البحارَ ذاك، أما لقبُ مكتشفِ طريقِ الهندِ فليس لـ«دي ڠاما» أن يدّعيه، وسنتكلم عن ذلك لاحقاً عند الحديث عمّا يقع من خلطٍ في ترجمة دي ڠاما وإنجازاته.

إعادة تمثيل تعود لعام 1911 لمعلومات العثمانيين عن المحيط الهندي، والمسجلة من قبل سيدي علي ريس في خريطةٍ من كتابه «محيط» عام 1554م.

[وقد اعترف لابنِ ماجدٍ بالفضل وسعة العلم«سيدي علي ريّس» (1498م-1562م) أحد مشاهير أمراء البحر العثمانيين في كتابه «المحيط في علم الأفلاك والأبحر» -الذي وضع مُسَوّداته أثناء رحلته كقائدٍ للحملة البحرية العثمانية إلى بحر الهند (962هـ-965هـ/54-1557م)- واعتمد فيه كثيراً على مؤلفاتِ ابنِ ماجدٍ وتلميذه سليمان المهري (885هـ-961هـ/1480-1554م) وهما أفضل ربابنة بحر الهند وقدّر قيمتها بقوله: «إذ الملاحةُ بدون هذه الكتبِ جدُّ متعذرةٍ»، ومن ذلك -على سبيل المثال لا الحصر- أنه عقد باباً كاملاً (الباب التاسع) وصف فيه ثلاثين طريقاً بحرياً في البحر الأحمر وبحر الهند، وهو غيضٌ من فيضٍ مما قبَسَهُ من ابنِ ماجدٍ الذي وصفه في كتابه بقوله: «هذا أفضل ربابنة الشاطئ الهندي الغربي في القرنين الخامس عشر والسادس عشر مقدرةً ونزاهةً تغمده الله برحمته»، أما الأهم بالنسبة إلى علاقةِ «ابنِ ماجدٍ» بـ«دي ڠاما» فما ذكره «سيدي علي ريّس» في مقدمة كتابه آنف الذكر والمعروف اختصاراً بـ«محيط»: «في عامِ 1554 أقمتُ خمسةَ شهورٍ في مدينةِ البصرةِ حيثُ بدأتِ الرياح الموسمية [يقصد تعذّر عليه السفر بسبب تلك الرياح]، ثم أقلعتُ للهندِ، ودامت هذه الرحلة ثمانية شهورٍ [أي بما فيها إقامته في الهند وعودته]، ولم أدعْ فيها فرصةً تمر دون أن أشغل نفسي في الحديث بأمور الملاحة مع نوتيّة (جمع نوتي: بحار) الساحل»، فالأميرالُ القديرُ الذي أُرسِلَ لقتال البرتغاليين وترصّدِ أخبارهم، والعالمُ الذي كان في حينه عاكفاً على ترجمة مؤلفاتِ ابنِ ماجدٍ -وأهمها كتاب الفوائد- أو مقتطفاتٍ كبيرةٍ منها من العربية -التي كان يتقنها- إلى التركية العثمانية كي يضمّنها كتابَه، وكان على معرفةٍ واسعةٍ بابنِ ماجدٍ وأعمالِهِ، وصاحبَ الملاحين المحليين وسامرهم لثمانية شهورٍ، لم يتوصل إلى معرفة أنّ ابنَ ماجدٍ كان دليل حملةِ «دي ڠاما» في طريقها إلى الهند، وإلا لكان ذكر ذلك في كتابه ولو إلماحاً. وقد لاحظ الدكتور أنور عبد العليم هذا الأمر وعلق عليه قائلاً: «ومما يسترعي النظر أن كتاب «محيط» وقد كتبه صاحبه بعد ابنِ ماجدٍ بنحو خمسينَ سنةٍ وقبل كتاب النُّهْرُوالي، وهو في نفس الوقت ملاحٌ قديرٌ تهمّه أخبار الملاحة، هذا الكتاب لم يردْ فيهِ إشارةٌ واحدةٌ إلى قصة إرشاد ابن ماجدٍ لفاسكو دي غاما إلى الهند، ولو أن «سيدي علي» قد سمع من ربابنة بحر فارس أية إشارةٍ لقصةِ الإرشادِ المذكورةِ لما تردد في ذكرها»].[25]

لوحة تمثل دي غاما يصل قليقوت في الهند (20 مايو/أيار سنة 1498م).

[و«النُّهْرُوالي» -نسبةً إلى مدينة مولده نُهْرُوالة في كُجرات في السند، وقيل ولد بـلاهور (شمال الباكستان حالياً)- تفقه في العلوم الشرعية ثم ارتحل إلى مكّةَ المكرّمة وجاور بها، ثم إنّه تعرّف على سنان باشا (1506-1596م) -الصدر الأعظم العثماني فيما بعد، وقائدُ حملةِ اليمن عام 1571م- فطلبَ منهُ هذا الأخير أنْ يؤرخَ لفتحِ اليمنِ وتلك الحملةِ، فكتب كتابه «البرق اليماني في الفتح العثماني»، ولم يك رُبّاناً ولا بحاراً ولازاولَ الملاحة يوماً، وقد اعتمد على مصادرَ شفاهيةٍ وكانت الكثرة الكاثرة من البحارة ذلك الوقت أميّةّ تتناقل الأخبار عن طريق المسامرةِ وأحاديثِ تزجيةِ النفس، وكان ابنُ ماجدٍ قمةَ عمالقةِ العرب والمسلمينَ في الملاحة وعلم البحار يومئذٍ، أما البرتغاليون فهم الخطرُ الداهمُ الذي دمّرَ التجارة الإسلامية والهندية في المحيط الهندي وبحر العرب والخليج العربي والبحر الأحمر، فوجد أولئك البحّارة في هذه الروايةِ شفاءً لاشعورياً لبعض غليلهم من عدُوٍّ غاشمٍ بأن يثبتوا لأنفسهم الفضلَ في تعليمِهِ أصولَ الإبحارِ في المحيط. يدعم هذه الرواية أن الربان الماهر الذي رافق الرحلة قد أذهل «دا ڠاما» وبحارته بمرشداته الملاحية وأدواته وثانياً بعلمه ومهارته، وهذه جميعاً يعود الفضل فيها إما اختراعاً واكتشافاً وإما تطويراً واستثماراً لابن ماجدٍ لدرجة أن رحّالة ذلك العصر يروون أن النواخِذة (جمع نُوخَذة) والربابنة تعارفوا على عُرْفٍ وهو قراءة الفاتحة على روحه لدى إقلاعهم في أي رحلةٍ اعترافاً منهم بعظيم فضله وعلمه، وعملاً بوصيّته بذلك في أعماله التي درسوها وحفظوا متونها، فكأنه بمنزلة إقرارٍ منهم بتلمذتهم على يديه، ومع الزمن وتناقل الروايات من شخصٍ لآخر تحورت القصة من فضل علم ابنِ ماجدٍ وأدواته ومرشداته الملاحية على «دي ڠاما» إلى فضل «ابنِ ماجدٍ» ذاته عليه، وأُلبِسَ ابنُ ماجدٍ بأميرِ الدفّةِ ذاك الربان المجهول الذي قاد الرحلة إلى الهند، وذلك إما خطأ من البحارة المحليين وإما من النُّهْرُوالي نفسه. على أنَّ ما يجرح رواية النُّهْرُوالي هو النُّهْرُوالي ذاته، إذ إنه عندما ذكر ابنَ ماجدٍ في كتابه وصفه بصيغة المبني للمجهول حيث كتبَ (النصّ كما أورده أنور عبد العليم الذي اطّلع على نسخةٍ مخطوطةٍ من ذاك الكتاب في الخزانة التيمورية بالقاهرة): «إلى أن دلّهم (أي البرتغاليين) شخصٌ ماهرٌ من أهل البحر يقال له أحمدُ بنِ ماجدٍ»[26]، وهذا دليلٌ على أن النُّهْرُوالي كان يجْهَلُ ابنَ ماجدٍ، ولم يطّلعْ على آثاره، ولم يعرفْ عن فضله وعلمه، في وقتٍ كان ابنُ ماجدٍ أشهرَ من نارٍ على علمٍ في القرنين الخامس عشر والسادس عشر في عالم الملاحة العربية والهندية والفارسية وأوساط البحارة في بحر الهند وبحر العرب والخليج العربي وبحر القُلْزم وربما بحر الصين الجنوبي أيضاً، هذا القصور في معرفة النُّهْرُوالي بابنِ ماجدٍ يُضعّف من روايته وموثوقية مصدرها، كما أنّ مقابلةَ نصّ النُّهْرُوالي مع نصِّ «علي ريس» السالفِ ذكره تُرجّحُ أن الخلط في قصة الإرشاد تلك كان من النُّهْرُوالي نفسِه].

لوحة تمثل لحظة وصول «دي ڠاما» إلى قليقوت

[فضلاً عن ذلك فإن المؤرخين البرتغاليين الأقربُ عهداً إلى الأحداثِ والأكثرُ التصاقاً بها بحكمِ علاقتهم بتوثيق تاريخ إمبراطوريتهم وتوسعها مثل جواو دي باروش (1553م) (بالبرتغالية: João de Barros‏) (عاش 1496–1570م)، ولوبيث دي كاستنهِدا (1554م) لم يأتوا على ذكر ابنِ ماجدٍ، وقد كانَ البرتغاليّون يومها على علمٍ به وبأهميته حتى لقبّوه في أدبيّاتهم الأميرال (بالبرتغالية: almirante‏)، أمّا يومياتُ مدوّنِ رحلةِ «دي ڠاما» نفسِها والتي تُوثّقُ لتلك الرحلة، فدعت الربّانَ الذي أرسله صاحب مالندي دليلاً لهم في طريقهم إلى الهند "المعلم كاناكا"، و"كاناكا" باللغة السنسكريتية الحاسب بالنجوم أي بالملاحة الفلكية.[25] وهذي قرينةٌ تدعم ما سينتهي إليه الشيخ القاسمي لاحقاً من أن أمير الدفّةِ ذاك كان هندياً. يبقى أن ابنَ ماجدٍ كان في ذلك الوقت قد بلغ من الكبَرِ عتياً فقد كان في الثمانين من عمره، وأرجح الرأي أنه كان تقاعد عن العمل وقت حملة «دي ڠاما»].

أما الخلط الثاني الذي يقع فيه الكثيرون فهو اكتشاف رأس الرجاء الصالح (بالبرتغالية: Cabo da Boa Esperança‏) ونسبته لـ«دي ڠاما»، بينما هو من اكتشاف البرتغالي بارثلوميو دياز (1450–1500م) (بالبرتغالية: Bartolomeu Dias‏) سنة 1488م، فهو أول من اكتشف الساحل الجنوبي لإفريقيا ودخل المحيط الهندي قبل أن يقفل عائداً أدراجه، وقد أطلق على الرأسِ رأسَ العواصف (بالبرتغالية: Cabo Tormentoso‏) لما عاناه من عواصفَ عاتيةٍ في الوصول إليه، إلا أنّ الملك جواو الثاني أطلق عليه اسمه الحالي تيمناً بالاكتشاف، وبما سيعقبه، كما تبادل الرسائلَ مع الرحّالةِ بيرو دي كوفيليا -الذي أرسل من قبل ملك البرتغال إلى مصر ووصل عن طريق القاهرة إلى عدن فإلى ساحل مالابار في آسيا من جهةٍ، وساحل زنجبار في إفريقيا على الجهة الأخرى، وبلغ حتى أقصى جنوب سفالة (Sofala)‏، وذلك بين عامي (1487–1488)- فكان حلاً لمعضلةِ الدورانِ حول إفريقيا، والطريق إلى الهند وجزر الهند الشرقية.

وإذ لم يكن «دي ڠاما» هو من اكتشف رأس الرجاء الصالح، كما أنّ الرحلة من البرتغال حتى مالندي لم تك -نظرياً- من اكتشافه أو أوليّاته، أما المرحلة الأخيرة وهي الطريق من مالندي إلى الهند فقدْ كانت مطروقةً من قبلِ العرب والهنود قبل «دي ڠاما» بدهرٍ داهرٍ، فبذا تثور شكوكٌ جدّيةٌ حول أحقية «دي ڠاما» في نسبة اكتشافِ طريق الهند إليه، فإن يك هو أول من قطعه من الأوروپيين، فهو ليس أول من عرفه واكتشفه.

رأي الشيخ القاسمي

رأى الدكتور سلطان بن محمد القاسمي أن ابنَ ماجدٍ بريء من مرافقة دي ڠاما في رحلته إلى الهند، وأسّسَ القاسمي رأيه بعد مراجعاته مخطوطاتٍ قديمةً لمن عاصروا تلك المرحلة وقد عثر على مخطوطة يوميات الرحلة الأولى لـ«ڤاسكو دي ڠاما» في مكتبة بلدية بورتو، وتبيّن له أن ذلك المرافق كان هندياً مسيحياً من مملكة كجرات، ولم يك ابنَ ماجدٍ كما يُشاع خطأً في كتب التاريخ الحديث.[27]

ذكراه

ألف المستشرق الروسي ثيودور شوموفسكي الذي عثر على أرجوزةٍ مخطوطةٍ لابنِ ماجدٍ في مكتبة اسطنبول كما عثر أيضآ على ثلاث مخطوطاتٍ أخر في مكتبة ليننجراد له ألّف كتاباً أسماه (ثلاث أزهار في معرفة البحار لأحمد أبن ماجد ملاح فاسكو دي غاما).[28]

ونشر مركز المزماة كتاباً تحت عنوان «أحمد بن ماجد ملاح من جلفار» تَأْليف الدكتور سالم حمد.

مراجع

  1. رسم تخيلي للعالم أحمد بن ماجد. نسخة محفوظة 25 أبريل 2019 على موقع واي باك مشين.
  2. موسوعة علماء العرب والمسلمين، محمد فارس، ص48
  3. رواد علم الجغرافيا في الحضارة العربية الإسلامية، علي عبد الله الدفاع، ص233
  4. معجم علماء العرب، باقر أمير الورد، ص59
  5. أمير البحر علي بن الحسين، عن مخطوطة ريفان رقم 1643، 1554م
  6. رواد علم الجغرافيا في الحضارة العربية الإسلامية، علي عبد الله الدفاع، ص234
  7. موسوعة علماء العرب والمسلمين، محمد فارس، ص50
  8. أنور عبد العليم، الفوائد في أصول علم البحر والقواعد لابن ماجد الملاح، مجلة العرب، الجزء التاسع، السنة الرابعة، حزيران 1970، ص 832
  9. إبراهيم الخوري، أحمد بن ماجد، سلسلة كتاب الابحاث، مركز الدراسات والوثائق، 2002
  10. أحمد بن ماجد، قصائده "السفالية" (البيت 691) و"الذهبية" (البيت 191) و"المكية" (البيت 2 و16 و169) و"نادرة الابدال في الواقع وذبان العيوق" (البيت 39)
  11. مجلة التراث الإنسانية، "الفوائد في أصل علم البحار والقواعد لابن ماجد"، المجلد الخامس، 1967
  12. عبد الله الماجد، الربان النجدي أحمد بن ماجد، مجلة العرب، ج1، السنة الثالثة، 1968
  13. أنور عبد العليم، الملاحة وعلوم البحار عند العرب
  14. سالم حميد (2018). أحمد بن ماجد.. ملاح من جلفار – الأبعاد المعرفية في شعره، قراءة نقدية. دبي - الإمارات العربية المتحدة. صفحة 29-30.  .
  15. مجلة العرب، السنة الثالثة، 1388هـ، الأعداد 1-6، مقال: أحمد بن ماجد، الربان النجدي، لعبد الله الماجد
  16. معجم علماء العرب، ص59
  17. موسوعة علماء العرب والمسلمين، محمد فارس، ص49
  18. معجم علماء العرب، باقر أمير الورد، ص60
  19. أنور عبد العليم، الملاحة وعلوم البحار عند العرب، عالم المعرفة، يناير 1979
  20. قطب الدين النهروالي، المتوفى سنة 988هـ، "البرق اليماني في الفتح العثماني"
  21. جابرييل فراند، "الربان العربي عند فاسكو دي غاما والملاحة العربية في القرنين الخامس عشر، بالفرنسي، دورية الجغرافية، 1922.
  22. الدكتور عبد الهادي التازي، "ابن ماجد والبرتغال"، الكتاب صدر منه الطبعة الثالثة بسلطنة عمان بنفس العنوان عام 2005
  23. حسن صالح شهاب، "أضواء على تاريخ اليمن البحري" وذكر حوراني «كان دي غاما يبحث بشرق إفريقية عن دليل يحمله إلى الهند، فلم يجد إلا أحمد بن ماجد. فكان من سخرية التاريخ أن ملاحاً عربياً كبيراً ساعد على القضاء على الملاحة العربية»
  24. جورج حوراني، "العرب والملاحة في المحيط الهندي في العصور القديمة وأوائل القرون الوسطى، ترجمة يعقوب بكر، مصر، 1958."
  25. د. أنور عبد العليم (1966). ابن ماجد الملاح (الطبعة الأولى). القاهرة: دار الكاتب العربي للطباعة والنشر. صفحة 46 - 93.
  26. د. أنور عبد العليم. ابن ماجد الملاح. صفحة 50.
  27. براءة ابن ماجد تقود سلطان لزيارة مكتبة برتغالية بعد 18 عاماً - تصفح: نسخة محفوظة 2 يونيو 2019 على موقع واي باك مشين.
  28. رواد علم الجغرافيا في الحضارة العربية الإسلامية، علي عبد الله الدفاع، ص236

مصادر

موسوعات ذات صلة :