أراك عصي الدمع هي قصيدة من قصائد الشاعر العربي أبي فراس الحمداني (من القرن العاشر الميلادي) وغنتها أم كلثوم بألحان مختلفة لملحنين مختلفين على فترات متباعدة.
أراك عصي الدمع | |
---|---|
المؤلف | أبو فراس الحمداني |
تاريخ التأليف | حوالي 961م / 350هـ |
اللغة | العربية |
البلد | الدولة الحمدانية |
الموضوع | الروميات |
عدد الأبيات | 54 |
البحر | البحر الطويل |
📖 أراك عصي الدمع |
نبذة تاريخية
تبدو القصيدة للوهلة الأولى قصيدة تحكي عن العشق ولكن القصة التي خرجت بهذه القصيدة تروي بطولة أبي فراس الحمداني وإخلاصه لسيف الدولة الحمداني والذي كان يرى في أبي فراس الحمداني عدا عن كونه شاعراً شهدت له بلاغته وقصائده التي قربته من بلاط ابن عمّه سيف الدولة الحمداني، فارساً قرّبته صولاته وجولاته في شمال الدولة الحمدانية (شمال سوريا) في صد هجمات الروم للذود عن حكم بني حمدان.
كان أبو فراس الحمداني مقرباً من سيف الدولة في مجلسه الذي كان يجمع الشعراء والمفكرين وأهل العلم. وكان من أبرز من ظهر في عهد سيف الدولة الحمداني المتنبي الذي لم ينفك عن كتابة القصائد التي يمدح فيها المتنبي سيف الدولة الحمداني وبطولاته في صد هجمات الروم وحماية الدولة. ولكن ما ميّز أبا فراس الحمداني عن جموع الشعراء والمفكرين والعلماء هو براعته في الشعر وشجاعته في ساحات المعارك والغزوات ضد أعداء الدولة وتولّيه أحد ثغورها لصدّ الهجمات، الأمر الذي جعل لأبي فراس الحمداني منزلة رفيعة في نفس سيف الدولة وهذا ما أثار حفيظة الكارهين لأبي فراس في البلاط الحمداني.
رغم تمكن أبي فراس الحمداني بشجاعته من تخليص نفسه من الأسر مرتين من قبضة الروم يقع في الأسر للمرة الثالثة ويحكم الروم قبضتهم عليه فكتب أبو فراس الحمداني إلى سيف الدولة ليرسل للروم فدية خروجه من الأسر. وصلت رسائل أبي فراس الحمداني إلى ابن عمه الحاكم سيف الدولة فتجاهل الأخير هذه الرسائل بعدما التفّ حوله الواشون والكارهون لعودة أبي فراس الحمداني وإخبارهم لسيف الدولة أن خروجه من الأسر سوف يقدّمه بنحو ما إلى سدة الحكم آنذاك نظير صيته في ساحات المعارك وادّعاءهم طمع أبي فراس في الحكم. فما كان من سيف الدولة إلاّ أن تجاهل نداءات أبي فراس الحمداني وهو في الأسر فطالت به ليالي النفي والأسر. ولم ينفك أبو فراس الحمداني في كتابة القصائد التي امتلأت بمشاعر مازجها العتب والحزن على ما آل إليه ونسيان ابن عمّه له في الأسر. وعندما وصل حد يأسه من استجابته كتب قصيدة مطلعها "أراك عصيّ الدمع شيمتك الصبر.." وهو يصف نفسه ببيان عاشق مخلص لبلاده وحاكمها. وعندما وقعت هذه القصيدة في يدي سيف الدولة استشعر فيها العاطفة الصادقة لأبي فراس الحمداني واستذكار مآثره وفضله في حماية الدولة التي قوّضتها هجمات الروم المتكررة في غياب أبي فراس في الأسر، فما كان لسيف الدولة إلا أن جهز جيشه لاستعادة حلب التي وقعت في أيدي الروم، فحررها وأخرج جميع الأسرى من سجونهم بمن فيهم أبو فراس الحمداني.[1]
نص القصيدة
أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ | أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ؟ | |
بلى أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعة ٌ | ولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ! | |
إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى | وأذللتُ دمعاً منْ خلائقهُ الكبرُ | |
تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي | إذا هيَ أذْكَتْهَا الصّبَابَة ُ والفِكْرُ | |
معللتي بالوصلِ ، والموتُ دونهُ | إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ! | |
حفظتُ وضيعتِ المودة َ بيننا | و أحسنَ، منْ بعضِ الوفاءِ لكِ، العذرُ | |
و ما هذهِ الأيامُ إلا صحائفٌ | لأحرفها، من كفِّ كاتبها بشرُ | |
بنَفسي مِنَ الغَادِينَ في الحَيّ غَادَة ً | هوايَ لها ذنبٌ، وبهجتها عذرُ | |
تَرُوغُ إلى الوَاشِينَ فيّ، وإنّ لي | لأذْناً بهَا، عَنْ كُلّ وَاشِيَةٍ، وَقرُ | |
بدوتُ ، وأهلي حاضرونَ ، لأنني | أرى أنَّ داراً، لستِ من أهلها، قفرُ | |
وَحَارَبْتُ قَوْمي في هَوَاكِ، وإنّهُمْ | وإيايَ ، لولا حبكِ ، الماءُ والخمرُ | |
فإنْ كانَ ما قالَ الوشاة ُ ولمْ يكنْ | فَقَد يَهدِمُ الإيمانُ مَا شَيّدَ الكُفرُ | |
وفيتُ ، وفي بعضِ الوفاءِ مذلة ٌ | لآنسة ٍ في الحي شيمتها الغدرُ | |
وَقُورٌ، وَرَيْعَانُ الصِّبَا يَسْتَفِزّها | فتأرنُ ، أحياناً ، كما يأرنُ المهرُ | |
تسائلني: " منْ أنتَ ؟ "، وهي عليمة ٌ | وَهَلْ بِفَتى ً مِثْلي عَلى حَالِهِ نُكرُ؟ | |
فقلتُ ، كما شاءتْ ، وشاءَ لها الهوى: | قَتِيلُكِ! قالَتْ: أيّهُمْ؟ فهُمُ كُثرُ | |
فقلتُ لها: " لو شئتِ لمْ تتعنتي | وَلمْ تَسألي عَني وَعِنْدَكِ بي خُبرُ! | |
فقالتْ: " لقد أزرى بكَ الدهرُ بعدنا! | فقلتُ: "معاذَ اللهِ! بلْ أنت لاِ الدهرُ | |
وَما كانَ للأحزَانِ، لَوْلاكِ، مَسلَكٌ | إلى القلبِ؛ لكنَّ الهوى للبلى جسرُ | |
وَتَهْلِكُ بَينَ الهَزْلِ والجِدّ مُهجَة ٌ | إذا مَا عَداها البَينُ عَذّبَها الهَجْرُ | |
فأيقنتُ أنْ لا عزَّ، بعدي، لعاشقٍ؛ | وَأنُّ يَدِي مِمّا عَلِقْتُ بِهِ صِفْرُ | |
وقلبتُ أمري لا أرى لي راحة ً | إذا البَينُ أنْسَاني ألَحّ بيَ الهَجْرُ | |
فَعُدْتُ إلى حكمِ الزّمانِ وَحكمِها | لَهَا الذّنْبُ لا تُجْزَى به وَليَ العُذْرُ | |
كَأني أُنَادي دُونَ مَيْثَاءَ ظَبْيَة ً | على شرفٍ ظمياءَ جللها الذعرُ | |
تجفَّلُ حيناً ، ثم تدنو كأنما | تنادي طلا ـ، بالوادِ، أعجزهُ الحضرُ | |
فلا تنكريني، يابنة َ العمِّ، إنهُ | ليَعرِفُ مَن أنكَرْتِهِ البَدْوُ وَالحَضْرُ | |
ولا تنكريني ، إنني غيرُ منكرٍ | إذا زلتِ الأقدامِ ؛ واستنزلَ النضرُ | |
وإني لجرارٌ لكلِّ كتيبة ٍ | معودة ٍ أنْ لا يخلَّ بها النصرُ | |
و إني لنزالٌ بكلِّ مخوفة ٍ | كثيرٌ إلى نزالها النظرُ الشزرُ | |
فَأَظمأُ حتى تَرْتَوي البِيضُ وَالقَنَا | وَأسْغَبُ حتى يَشبَعَ الذّئبُ وَالنّسرُ | |
وَلا أُصْبِحُ الحَيَّ الخَلُوفَ بِغَارَة ٍ | وَلا الجَيشَ مَا لمْ تأتِه قَبليَ النُّذْرُ | |
وَيا رُبّ دَارٍ، لمْ تَخَفْني، مَنِيعَة ٍ | طلعتُ عليها بالردى، أنا والفجرُ | |
و حيّ ٍرددتُ الخيلَ حتى ملكتهُ | هزيماً وردتني البراقعُ والخمرُ | |
وَسَاحِبَة ِ الأذْيالِ نَحوي، لَقِيتُهَا | فلمْ يلقها جهمُ اللقاءِ، ولا وعرُ | |
وَهَبْتُ لهَا مَا حَازَهُ الجَيشُ كُلَّهُ | و رحتُ، ولمْ يكشفْ لأثوابها سترُ | |
و لا راحَ يطغيني بأثوابهِ الغنى | ولا باتَ يثنيني عن الكرمِ الفقر | |
و ما حاجتي بالمالِ أبغي وفورهُ؟ | إذا لم أفِرْ عِرْضِي فَلا وَفَرَ الوَفْرُ | |
أسرتُ وما صحبي بعزلٍ، لدى الوغى | ولا فرسي مهرٌ، ولا ربهُ غمرُ ! | |
ولكنْ إذا حمَّ القضاءُ على أمرىء ٍ | فليسَ لهُ برٌّ يقيهِ، ولا بحرُ! | |
وقالَ أصيحابي: " الفرارُ أوالردى؟" | فقُلتُ: هُمَا أمرَانِ، أحلاهُما مُرّ | |
وَلَكِنّني أمْضِي لِمَا لا يَعِيبُني | وَحَسبُكَ من أمرَينِ خَيرُهما الأسْرُ | |
يقولونَ لي: "بعتَ السلامة َ بالردى" | فَقُلْتُ: "أمَا وَالله، مَا نَالَني خُسْرُ" | |
وهلْ يتجافى عني الموتُ ساعة ً | إذَا مَا تَجَافَى عَنيَ الأسْرُ وَالضّرّ؟ | |
هُوَ المَوْتُ، فاختَرْ ما عَلا لك ذِكْرُه | فلمْ يمتِ الإنسانُ ما حييَ الذكرُ | |
ولا خيرَ في دفعِ الردى بمذلة ٍ | كما ردها، يوماً بسوءتهِ "عمرو" | |
يمنونَ أنْ خلوا ثيابي وإنما | عليَّ ثيابٌ ، من دمائهمُ حمرُ | |
و قائم سيفي، فيهمُ، اندقَّ نصلهُ | وَأعقابُ رُمحٍ فيهِمُ حُطّمَ الصّدرُ | |
سَيَذْكُرُني قَوْمي إذا جَدّ جدّهُمْ | "وفي الليلة ِ الظلماءِ يفتقدُ البدرُ" | |
فإنْ عِشْتُ فَالطّعْنُ الذي يَعْرِفُونَه | و تلكَ القنا، والبيضُ والضمرُ الشقرُ | |
وَإنْ مُتّ فالإنْسَانُ لا بُدّ مَيّتٌ | وَإنْ طَالَتِ الأيّامُ، وَانْفَسَحَ العمرُ | |
ولوْ سدَّ غيري ، ما سددتُ ، اكتفوا بهِ | وما كانَ يغلو التبرُ، لو نفقَ الصفرُ | |
وَنَحْنُ أُنَاسٌ، لا تَوَسُّطَ عِنْدَنَا | لَنَا الصّدرُ، دُونَ العالَمينَ، أو القَبرُ | |
تَهُونُ عَلَيْنَا في المَعَالي نُفُوسُنَا | و منْ خطبَ الحسناءَ لمْ يغلها المهرُ | |
أعزُّ بني الدنيا، وأعلى ذوي العلا | وَأكرَمُ مَن فَوقَ الترَابِ وَلا فَخْرُ |
الأغنية
أراك عصي الدمع | |
---|---|
أغنية أم كلثوم | |
أم كلثوم تغني القصيدة بلحن السنباطي، وخلفها (على القانون) محمد عبده صالح
| |
الفنان | أم كلثوم |
تاريخ الإصدار | مصر 1926 ثم 1944 ثم 1965م[2][3] |
اللغة | العربية الفصحى |
الماركة | الإذاعة |
الكاتب | أبو فراس الحمداني |
تلحين | عبده الحامولي زكريا أحمد رياض السنباطي |
- تمتاز هذه القصيدة، مقارنة بالقصائد العاطفية الأخرى في الشعر العربي التقليدي، بالسهولة النسبية والوضوح في المعاني، ولعل هذا ما جعل أهل الغناء يتهافتون على غناءها.
- يقول مطلع القصيدة (التي يخاطب فيها الشاعر نفسه على الأرجح):
أراك عصي الدمع شيمتك الصبرُ | أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمرُ | |
نعم[4] أنا مشتاق وعندي لوعة | ولكن مثلي لا يذاع له سرُ |
- غنت أم كلثوم أول مرة هذه القصيدة عام 1926 باللحن الذي وضعه في وقت سابق عبده الحامولي[3] (وهو من قام بغنائها على الأرجح).
- في منتصف الأربعينات غنت أم كلثوم هذه القصيدة بلحن مختلف جديد وضعه الشيخ زكريا أحمد.[3]
- في عام 1965 غنت أم كلثوم هذه القصيدة بلحن ثالث وضعه رياض السنباطي، وهذا اللحن هو الأكثر شهرة بين جمهور أم كلثوم خصوصاً أنه مصورٌ تلفزيونياً.[3]
- يبدو أن اللحن الأخير غنته أم كلثوم في نفس اليوم الذي غنت فيه إنت الحب كما يبدو من الحفلة التلفزيونية.
- في المقدمة الموسقية لهذه القصيدة تستخدم آلة البيانو ويعتبر هذا شيئاً غربياً بالنسبة للسنباطي الذي غلب على ألحانه الطابع الشرقي، خصوصاً القصائد، وربما هذا هي المرة الوحيدة التي تظهر فيها هذه الآلة خلف أم كلثوم.
- أداء اللحن يدل على احترافية من أم كلثوم ليس لأنها فقط تغني القصيدة لثالث مرة بلحن مختلف، بل لأن السنباطي لحن بعض أبيات القصيدة بأكثر من لحن مختلف مثل البيت الذي يقول:
إذا الليل أضواني، بسطت يد الهوى | وأذللت دمعاً من خلائقه الكبرُ |
- قام بأدائها، وبتوزيع مختلف الفنان عبد الكريم الكابلي من السودان.
- كلمات الأغنية كما غنتها السيدة أم كلثوم
أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ، | أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ ؟ |
بلى أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعة ٌ ، | ولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ ! |
إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى | وأذللتُ دمعاً منْ خلائقهُ الكبرُ |
تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي | إذا هيَ أذْكَتْهَا الصّبَابَة ُ والفِكْرُ |
معللتي بالوصلِ ، والموتُ دونهُ ، | إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ! |
وفيتُ ، وفي بعضِ الوفاءِ مذلة ٌ | لفاتنة ٍ في الحي شيمتها الغدرُ |
تسائلني: " منْ أنتَ ؟ " ، وهي عليمة ٌ ، | وَهَلْ بِشجى ً مِثْلي عَلى حَالِهِ نُكرُ؟ |
فقلتُ ، كما شاءتْ ، وشاءَ لها الهوى : | قَتِيلُكِ! قالَتْ: أيّهُمْ؟ فهُمُ كُثرُ |
وقلبتُ أمري لا أرى لي راحة ً ، | إذا البَينُ أنْسَاني ألَحّ بيَ الهَجْرُ |
فقالتْ: " لقد أزرى بكَ الدهرُ بعدنا! | فقلتُ: "معاذَ اللهِ! بلْ أنت لاِ الدهرُ، |
ملاحظات
- كتاب أبو فراس الحمداني للدكتور شوقي المعري (الطبعة 2013)
- فكتور سحاب، السبعة الكبار في الموسيقى العربية، دار العلم للملايين، 1986، ص 319
- عِندَما يكْتَسِي الكَوْنُ بالبَياضِ الأبديّ: رِحْلَةُ الحَجِّ المُبارَكَةُ في الأُغْنيةِ المُعاصِرَة-مجلة العربي-عدد نوفمبر 2010 نسخة محفوظة 25 مايو 2020 على موقع واي باك مشين.
- يجب ملاحظة أنه في مطلع البيت الثاني في قصيدة أبى فراس الأصلية ليس "نعم" وإنما هو "بلى" حيث أن هذه إجابة لسؤال منفى (السؤال في البيت الأول)، وبذلك فإن "نعم" تظهر في الأغنية وليس القصيدة الأصلية.